أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: تحولات طفلة

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : لا حاجة
    المشاركات : 305
    المواضيع : 52
    الردود : 305
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي تحولات طفلة

    تحولات طفلة
    قصة للأطفال:بقلم سها جلال جودت

    في بيت ٍ من بيوت ِ المدينة الجميلة المشهورة بقلعتها الرابضة فوق تل ٍ عالٍ التي اشتهرت بكرومها وبساتينها التي احتوى بعضها على أشجار الفستق الحلبي ، وجدت روان نفسها تعيش في كنف أسرة ٍ تعاني من شظف العيش وغوائل الحرمان مالا تتمناه أي طفلة في مثل عمرها .
    أحلامها كثيرة وتفوقها الدراسي تقوض من غبطته أحزانها الآسرة ، التي كانت تضفي على ملامحها البريئة مسحة من الجمال له خصوصية ما .
    في الليلة الماضية تقلبت على فراشها غير مرة وهي تفكر ما تفعل ، إزاء ماتحمله رشا بنت المديرة المدللة التي كانت تحاول أن تؤذي مشاعرها الحساسة الرهيفة عن عمدٍ ، بعد أن استشعرها فقر روان منافسة غير شريفة .
    في الصباح حملت حقيبتها البسيطة التي احتوت في داخلها على دفترين وقلم ٍ واحدٍ على عكس رشا التي كانت تضع على المقعد أكثر من قلم ٍ وقد تعددت ألوانهم ، وهذا ماكان يُشعرها بالنقص والشرود عن الدرس في بعض الأوقات .
    قالت المعلمة : - سأختار الآن ست تلاميذ صوتهم جهوري ، ولايخطئون في القراءة ، سنقدم مسرحية عنوانها – شهيدٌ في عيدِ الأم ِ – أريدكم أن تبرعوا فيما ستقدموه .
    ضج الصف بصخب التلاميذ وفرحهم ما عدا روان التي مالت برأسها على المقعد تخفي اختزان الدمع في عينيها ، ورشا التي غادرت المقعد كعادتها كانت أمام طاولة المعلمة تسألها : - من سيدربنا ؟.
    استنفرت المعلمة من تدخلها فصرخت في وجهها وعلى مسمع التلاميذ جميعا ً :
    - لاتتدخلي فيما لايعنيك --- وعودي إلى مكانك .
    استشعرت روان من ردة فعل المعلمة فرحا ً كبيرا ً فضغطت على أعصابها وهي ترى رشا تعود إلى مقعدها .
    حين عادت إلى مقعدها استشعرتها هذه الإهانة بضعف مكانتها عند المعلمة وتلاميذ الصف على رأسهم روان ، فضمرت في روحها المريضة أمراً فيه من شقاوة الأطفال الانتقام الساذج المؤلم .

    بعد الدرس نزل التلاميذ إلى ساحة المدرسة يغمرهم الضجيج في اللعب بعد أن حمل كل واحدٍ ما جادت به يد أمه أو أبيه ، وروان إزاء ماتراه لاتملك من هذا التخصيص سوى القهر والنظر بعين ٍ دافئةٍ كأنها ملاك لايتذوق لسانه أطعمة الصغار ولاحتى ما يأكله الكبار .

    كانت قانعة ، وقناعتها تفوق عمرها بسنوات وهذا ما جعلها تمتلك حظوة عند الجميع .
    دائما ً تنزوي في وقفتها ، تستمد من جدائل الشمس المنسكبة على جهة الغرب الدفء والسكينة ، وعندما تقترب منها مجموعة من التلاميذ تفتر شفتيها عن ابتسامة رضية وتسايرهم في اللعب " فتحت الوردة--- سكرت الوردة " فتتمنى في قرارة نفسها أن تتحول إلى وردة .

    كانت المدرسة منشغلة بالتحضير للحفل المدرسي ومن حظ روان أنها نجحت في الاختبار الذي أجرته المعلمة على تلاميذها ، فأعطتها الدور الأول ، ووعدتها إن نجحت فستمنحها شهادة تفوق ٍ عدا تكريم الإدارة .

    من المدرسة إلى الطريق المنكسر حيث يقبع في نهايته ذلك المنزل الفقير، دقت بأطراف أصابعها على الباب، جاءها من الداخل الصوت اليقظ الحنون، "أنا قادمة"، لا شيء يشغل بالها داخل البيت غير إخوتها الصغار وذلك الرجل الوديع المقعد المشلول .

    في مثل هذه الظروف القاسية كانت روان تبني أحلام مستقبلها البكر التي أجهضتها حالة أبيها وخدامة أمها داخل قوقعة حزنها الصامت .
    قال لها والدها الذي كان ممددا ً على أريكة إسفنجية لصيقة بالأرض : - هيا حاولي الانتهاء من مسح الأرض ، وتعالي كي تعيدي على مسامعي دورك، أريدك أن تتفوقي على الجميع ، فقد رويت لي أطرافي بأداءك .
    برقت عينا روان الذابلة بوميض فرح ٍ خفي ٍ ، ذلك الفرح الذي غمرها بتحنانه المفاجىء بنكهته الخاصة الذي افتقدته وما زالت تفتقده .
    لم يكن أي واحدٍ من إخوتها يشعر بهمومها المترعة على حوافي أفنان الروح المتكسرة كلّ همهم ينصرف على ما يأتيهم بعد عودة أمهم، يضجون بصوت صراخهم على توزيعه فيما بينهم .
    وبعد أن ينام الجميع يسأل الزوج زوجته : - هل بقي ما أسد به رمقي ؟.
    بتوجع ٍ ملحوظٍ تجيبه الزوجة التي منحت نفسها فرصة العمل الشريف في منزل ٍ محترم ٍ:
    - لقد أخفيت لك حصتك .
    - وأنت ِ ؟.
    - الحمد لله أكلت هناك .

    لقد بدأت الشمس تعتلي كبد السماء ، وروان تستعد في الذهاب، اليوم سيبدأ الاحتفال، اليوم ستحصل على ثقة الجميع وقبل أن تخرج قال لها والدها : - ستكونين أجمل أم ٍ في حفل اليوم .
    أغبطها ذلك الاعتزاز من أبيها ، لكنها لم تفهم ما معنى هدية القلب ، كل الذي عرفته وكانت تحلم به أنها ستحصل على واحدة من أمانيها ، وكم تمنت في قرارة سكونها البريء أن تحصل من الإدارة على مجموعةٍ من أقلام ٍ ملونة ٍ كتلك التي تضعها رشا على المقعد.

    قبل أن يبدأ العرض المدرسي بالنشيد القومي تفقدت المعلمة محفظتها عندما أرادت أن تخرج المنديل الأبيض كي تضعه على رأس روان ، لأنها استطاعت وبجدارة أن تقوم بهذا الدور أثناء التدريب .
    فسألت روان بعصبية: - هل كان غيرك داخل الصف ؟.
    أجابت وملامح البراءة تطفو على وجنتيها : - نعم، قبل قليل كانت معي رشا .
    صرخت رشا بجراءة أدهشت المعلمة : - لقد تركتك وحيدة، ونزلت إلى ماما كي أحضر " الصندويش" .
    ارتعبت روان من جواب رشا ، أكانت تقصدها ؟ أبهذا الشكل تنكسر الأحلام ؟ دقائق مرت كادت أن تفتك بالأعصاب والأفكار ، وصوت المعلم علاء ينتشل الغرفة من التوتر الذي تحدقت له العيون ، لتتلافى المعلمة الموقف الصعب في أحرج أوقاته ، لن تسمح للفاعل بالسيطرة على الزمن ، فتداركت الموضوع بكلمة : - يلعن الشيطان وساعته، لقد نسيت أني قد أعطيت النقود لأم جميل، هيا --- هيا ياروان لاتشغلى بالك وكوني حريصة على عدم النسيان أو الخوف أو التردد وسأكون معك خلف الستار أساعدك.
    في نهاية العرض المسرحي صفق الحضور كثيراً، صفقت المعلمة، تهاطلت دموع القلوب والأطفال يرددون :

    وطني وطني وطن العهد
    وطني وطني وطن المجد
    هيا --- هيا --- يا أطفال
    نبني الوطن للأجيال
    وطني يكبر بالعمران
    وطني يزهر بالوجدان
    هيا --- هيا --- يا أطفال
    والتصفيق يدوي .

    فينهض مدير التربية من مكانه، يتقدم من الأم الصغيرة التي أبكت الحضور جميعهم ،يمدّ يده إليها ويصافحها بحرارة ثم يمسح على شعرها ويمنحها رمز التفوق.

    كانت أما ً حقيقية وفرحتها كفرحة الملائكة حين ترفع طفلا ً شهيداً إلى آفاق العلا في جنة الخلود، آخر جملة قالتها: -هديتها أنه حمل اسم شهيدٍ في يوم عيدها .

    لعبث الطفولة في غيرةٍ من حقدٍ ماجعلها تفقد ثقة معلمتها وربما أمها ، في طيش ٍ من رعونة التصرف مدت يدها ظنا ً منها أنها ستكون بعيدة كل البعد عن الاشتباه بها ، ومن ستتهم روان لتفقد دورها وحظوتها عند المعلمة وربما الجميع .
    ولكن سهوها عن استرداد بقية المبلغ من بائع الحلويات القريب من المدرسة أوقعها في شر أعمالها حين جاء الرجل كي يعيد البقية ، فوجهها مألوف لديه .
    لم تكن رشا تحلم بعقوبةٍ كتلك التي ذاقتها من أمها ومن نظرات المعلمة الشديدة القساوة ولم تكن روان تعلم أنها ستحصل على جزء من أحلامها في هذه المحفظة الجميلة ذات الألوان الزاهية مع مجموعة من الأقلام التي وجدتها هي الأخرى داخل محفظة جلدية صغيرة .
    جمالٌ ربيعيٌ مزهرٌ تداخلت ألوانه في روحها التي ابتهجت أكثر من كل هذه الأشياء التي حصلت عليها ،( هدية القلب ) هدية القلب كانت تنتظرها، كانت قبلة دافئة شديدة الحرارة من والدها الذي اغتسل وجهه بالدموع وهو يحتضنها ليزهر الفقر .

    13آذار 2003 الساعة الواحدة ليلا ً

  2. #2
    الصورة الرمزية الصباح الخالدي قلم متميز
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    الدولة : InMyHome
    المشاركات : 5,766
    المواضيع : 83
    الردود : 5766
    المعدل اليومي : 0.86

    افتراضي

    قصـــــــــ جميلة ــــــة سها جلال جودت
    اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَما صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهيمَ. إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. تَحوّلات الأُفق....
    بواسطة صدى الخالدي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 01-11-2020, 08:09 PM
  2. تحولات الزعيم
    بواسطة عاطف الجندى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-01-2013, 05:03 AM
  3. تحولات الزعيم
    بواسطة عاطف الجندى في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 10-11-2012, 11:48 PM
  4. تحولات (حارة وِداد)
    بواسطة محمد نديم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 26-03-2010, 11:20 PM
  5. تحولات الأمكنة ومكائد الزمن..
    بواسطة سمير الفيل في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 27-04-2009, 07:53 PM