يسكنني العيد ، والوحشة تسكن المكان.
2
حاولت استحضار شيء من مظاهر البهجة الماضية
حسن ، هنا سأضع إناء جميلا للحلوى وكعك العيد الذي اشتريته جاهزا ، وهنا بعض التمر ، وترمس الشاي هنا والأكواب بالصغيرة المذهبة .. نعم هنا .
• لالالا ، لو كانت أمك هنا الآن للامتك على قلة ذوقك وفظاعة ترتيبك.
• لا ضير فأنا رجل.
• تتهم نفسك؟ أم تتهرب من مسئوليتك ؟
• هكذا هم الرجال يركنون إلى رجولتهم لو فشلوا في إطعام أنفسهم وهم يعيشون وحدهم، أية رجولة تلك لا تستطيع أن تطعم صاحبها وجبة معدة إعدادا طيبا،
• لا عليك الآن من تقطيعي و ( تقطيمي) في أول يوم للعيد ، ها أنا ذا أحاول أن أشارك الأثاث والطاولات بعض الفرح.
3
أذني مع الباب أسترق السمع لدبيب الخطى فوق الدرج ,أتسول أول الزائرين؟
وعيني على ذلك العفريت الإلكتروني الصغير ، الذي ما إن يرن ويهتز حتى تشيع في نفسك رعشة الفرح ورعدة الخوف.وفق حالتك العاطفية والاجتماعية والعملية التي تمر بها.
4
حاولت الاتصال ببلدي،الأرقام كلها مشغولة ، خرجت إلى الشارع لعل الهواء يكون أكثر راحة وسرعة في نقل المكالمات ، هكذا ظننت.
قابلني صاحب ورشة السيارات في الجوار ، لم أره إلا حين مد يده أمام عيني بأصابع يرقد تحت أظافرها سواد ملحوظ ، نظرت إليه فإذا هو عريس في ملابسه الزاهية.
• عاتبتي قائلا : مش تسلم ياراجل وتعـيِّـد علينا ؟
• يعني لازمن نشحتك؟!!!
• دعوته عندي فاعتذر أن هناك من ينتظره.
5
اشتريت جريدة الصباح ، صادفتني ذات العناوين التقليدية من التهاني والتبريكات والدعاء للأمة أن تقوم من كبوتها في العيد القادم .
منذ أن كنت عفريتا صغيرا ، ألهو بالبالونات ، وأمرح في الحدائق وأسقط في الطين ، وأقف بين يدي أبي مادا كفي الصغيرة أطالب ( بالعيدية) ، منذ ذلك الحين وأنا أسمع أن أمتنا ستنهض من كبوتها في العيد القادم.
لفتتني العناوين ناحيتها حتى كادت أن تلوي عنقي فتكسره ،
(العرب يلجأون إلى المبادرة العربية كحل أساسي ،والعدو ...... يتجاهلهم.)
(الدول الصغري تطالب بجدولة ديونها)
أكاد أقسم أنها ذات العناوين منذ بداية القرن المشئوم.
لو سألوني لكتبت من اللحظة مانشيتات صحيفة الغد وسأكون الفائز الأول في صدق الأخبار وتأثيرها على القارئ.
6
رجعت إلى البيت ، تعمدت الصعود على الدرج إلى الطابق الثالث ، الأبواب صامتة كالتماثيل.المكان موحش أفزعتني قطة سوداء خرجت من صندوق كارتوني صغير ، فرت هاربة من بين قدمي، حين حاولت تحاشيها صرخت بعويل مقبض لأنني دست على طرف ذيلها.
تتسول اللقمة من صندوق عفن!!
فتحت صندوقي أنا أيضا ( آسف ثلاجتي ) ، كي استخرج شيئا أشربه.
7
جلست بين الباب والعفريت الإلكتروني الصغير، أنتظر شيئا ما.
رن الهاتف ،صرخ ابني في الطرف الثاني : كل عام وأنت بخير
• أوحشتنا يا أبي والله.
• وأنت يا بني .... (حاولت الاعتذار لسوء الخطوط وزحمة الاتصالات لم يسمعني جيدا )
• لماذا تأخر الشيك الأخير عني...
• حاولت أن ألقي السلام على مزيد من أفراد الأسرة فلم يسمعني جيدا !!!
• أستاذي الجامعي دون اسمي في مجموعات للمحاضرات الخصوصية ويريد مبلغا إضافيا.
• إن شاء الله في الطريق إليك. كيف حالكم ....( انقطع الخط)
-
8
العفريت الإلكتروني ينذر بمكالمة.
• أهلا صديقي الشاعر ؟
• كيف حالك كل عام وأنت بخير.
• أضاف : لقد كلمتك فقط كي أسمع صوتك وأهنئك بالعيد.
• (أثلج صدري صوته الرائق.)
• هممت أن أشكره .... انقطع الخط.
(تذكرت أن بين أوراقي ، قصيدة جميلة لم تكتمل!!!)
9
حاولت الاتصال بأخت لي طالما أحببتها، دون أخواتي جميعا، حد الجنون. رقمها مرفوع عن الخدمة مؤقتا.
لم تتصل بي منذ نصف عام وبضعة أسابيع. رغم أنني كنت أتصل بها شهريا للاطمئنان عليها وعلى بناتها بعد رحيل زوجها.
تعودت أن توقظني في ( نصاص الليالي) وهي تبكي عبر الهاتف لأنها وبناتها في حاجة إلى وإلى وإلى.
علمت من أخت أخرى أن الله قد من عليها (بعرسان لقطة ) لبناتها.
سلمهم الله جميعا.
ويدي تراوح بين فمي وأشياء في آنية ملونة أمامي.
استسلمت لوجه التلفاز المضيء ، لمشاهدة مسرحية عبثية ساخرة ، تعودت أن أشاهدها
صباح كل يوم عيد وأضحك على مواقفها، كأنني أشاهدها للوهلة الأولى ، ضحك أبله معتوه.
10
قفزت كقطة مذعورة ، الباب يدق جرسه ،
فررت من بيني يدي التلفاز الذي سقط مني جهاز تحكمه الآلي عن بعد أرضا ، وأنا أركض نحو مقبض الباب ، فتحته بعنف، صفعني وجه امرأة متوشح بحجاب أسود ،وتحتها وجه آخر لطفل صبوح.
• لله يا محسنين!!
همد جسدي على وقع المفاجأة وذهلت لجمال المرأة ونضارة الصبي . أهذا متسول وابن متسولة؟؟؟
( محترفات)
(لا علي فربما كانت مستورة في حاجة لمساعدة .
لا تحكم على الناس ألم يعلمك أبوك ألا ترد سائلا على بابك؟
بلى بلى)
قفلت راجعا استوثق من مكان حافظتي نقودي على مكتبي الصغير ، لأستخرج لها ربع الدينار
(لا تجعل يسراك ترى ما ستفعله يمناك)
دسست الربع دينار بين أصابعي.
( حكى لي أحدهم أنه استدرج إحداهن للداخل فأعطته بذات المبلغ ما تعطي الزوجة لزوجها)
(أنَّ الصبي كأنه يتوجع )
مددت يدي من وراء الباب بالنقود، وتركت الريح تصفق الباب ورائي بعنف شديد.
عود على بدء
وعدت وحدي لمشاهدة المسرحية العبثية من جديد.
ويدي تراوح بين فمي وأشياء أمامي فوق الآنية الملونة.
ضجت قاعة المسرح بالضحك حين مد العاشق يده لحبيبته المتكبرة قائلا:
لله يا محسنين
كنت وسط ركام من الأثاث ،الذي بعد أن كان صامتها كالأصنام،
راح يردد معي ، إذ تعالت مني ، ضحكات بلهاء معتوهة .
وعيدكم سعيد أحبتي.
محمد نديم
أكتوبر 16 / 2007
.