حدثنا خلفان ، أنه كان في الكويت يرعى القطعان ، قرب حدود العراق ، حتى أحس بالارهاق ، فانطلق بسرعة لقضاء لحاجته في الخلاء ، و نسي أن يستعيذ من الخبائث والخبثاء ، فلما هم بالقضاء ، إذ خرج عليه رجل من تحت العراء ، فصُعق وأصابه الإغماء .
يقول خلفان : إني أعرابي رحال ، قابلت الكثير من الرجال ، لكن الذي خرج علي لم يكن إلا من الجان بل من علم ذي الجلال ، كان هزيلا وضعفان ، و قال لي بلسان غير ذي بيان : وعت يو دوينق حير ؟ قلت : هاه ؟ لم أسمع . كررها ولسانه يزداد اعوجاجاً فيُقطّع ، حتى سحبني من عاتقي وإلى إخوانه جرّني ، يا للهول أخوانه يشبهونه كثيراً ، وقد اجتمعوا وكأن الأمر خطيراً ، وبعد أن تمتموا باعوجاج اللسان إذ خرج من بينهم إنسان كأنه من العربان وقال: ما اسمك يا شيطان ؟ قلت : لست بشيطان يا تعبان ، أنا خلفان .قال التعبان : لماذا أمسكوا بك ؟قلت: لا أدري ولكن خرج علي هذا الكسلان من تحت التراب كأنه ثعبان ، فجئنا هنا سوية كأننا إخوان.قال التعبان: لماذا أنت في هذا المكان؟قلت:أنا هنا لأرعى الأغنام ، وقد شعرت بالرغبة في الحمام ، ولكن حدث ما لم يكن في الأحلام !!قال:هل تعرف أن هذه أرض عليك حرام ؟قلت:هذه ليست أرضاً محرمة إنها للعوام.قال:ماذا تعرف عن حاكم العراق صدام؟قلت:أعرف أنه حاكم دجلة والفرات.
يقول خلفان : ثم قالوا لي هل تتعاون مع الأمريكان ؟ قلت : لست خلفان الجبان. قالوا: تعاون معنا لنحرر البلاد من الطغيان. قلت: هل تقصدون جر البلاد إلى القيعان. وبعد ذلك الحوار الصريح ، إخذوني إلى سجن غير ذي فسيح ووضعوني فيه وقالوا : امكث هنا حتى يعتدل دماغك إلى الصحيح . قلت : ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه .
فلم يزل خلفان هناك حتى دارت الأزمان وحدث ما لم يكن في الأذهان ، وبعد معركة الحواسم في بغداد ، أخرجوا صاحبنا من الأصفاد وقالوا بصوت حاد : أنت الآن متهم بالتعاون مع نظام الاستبداد ، وسينظر لأمرك القواد ، إن شاؤوا تركوك ، وإن شاؤوا ذبحوك.قال خلفان : ومن هم أولائك الأشخاص ، أهل العتق والأخلاص ؟ قالوا : هم الذين عندهم العدالة الأمريكية ، والتي لا تعرفها الشعوب الرجعية .
يروي لنا الأعرابي قائلاً : أخذوني معهم إلى العراق ، وقد رأيت الأهل والرفاق ، وما هي إلا ليلتين وازدادت ثواني ، إذ جاء إخواني ، فهجموا عليهم هجمة رجل مقدام ، وفرقوهم وصفدوهم من الأقدام ، فلما هممت أن أعانقهم بالأحضان ، قال الإخوان : لا تلمسنا يا خلفان بل قم واغتسل من الأرجاس لأنك قد عاشرت الأنجاس ، ونخشى عليك أن تفقد الآحساس .