أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: كتاب «العصف والريحان»حوارات مع الدكتور صابر عبد الدايم

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي كتاب «العصف والريحان»حوارات مع الدكتور صابر عبد الدايم

    كتاب «العصف والريحان»حوارات مع الدكتور صابر عبد الدايم
    ------------------------------------------------------------------


    الدكتور صابر عبد الدايم في «العصف والريحان»
    (مقدمة الكتاب)


    بقلم : أ.د. حسين علي محمد
    ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـ


    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله وعلى أصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وبعد:
    فهذه هي الطبعة الأولى من كتاب « العصف والريحان»، الذي يضم الحوارات التي أجريت مع الشاعر والناقد والأستاذ الجامعي الدكتور صابر عبد الدايم.
    والكتاب صورة أمينة لتفكير الدكتور صابر عبد الدايم، وقناعاته؛ وكل حوار من هذه الحوارات بمثابة بحث أو مقالة في القضايا التي يرد فيها على مُحاوره؛ فالدكتور صابر يتلقى الأسئلة مكتوبة من مُحاوره، ثم يكتب الرد في روية ومُراجعة، وهذا ما جعلنا نُطلق الحكم السالف، ونقول «إن كل حوار منها بمثابة بحث أو مقالة».
    ويضم الكتاب تسعة عشر حواراً، تناقش الكثير من القضايا، مثل: الأدب الإسلامي: تجلياته، وواقعه، وآفاقه، وتبعية المذاهب الأدبية المعاصرة للمذاهب الأدبية الغربية، والمعنى الحقيقي للواقعية الغربية، والفرق بين التجديد على بصيرة والحداثة المرذولة المُقلِّدة ... وغيرها.
    ومن أهم القضايا الكثيرة التي أُثيرت في هذه الحوارات، قضية الأدب الإسلامي: تجلياته، وواقعه، وآفاقه، وقضاياه.
    ويرى الناقد الدكتور صابر عبد الدايم أن الأدب الإسلامي «هو مشروع تطهيري يحاول تنقية الكلمة من الشوائب لأنه يؤكد على صدق المحتوى وشرف الغاية وسلامة الوسيلة وجمال العرض، ويعترف ببشرية الإنسان الناقصة وحاجتها إلى الترويح البريء. وأن الأدب العربي المعاصر لا ينهض بكل هذه الملامح».
    ولقد جاءت رابطة الأدب الإسلامي لتقوم بدورها في الدعوة لهذا الأدب وتبنيه، ولكي تنقذ الأدب العربي من شراك التبعية. وهو يرى أن هناك تبعية في الأدب العربي لا ينكرها أحد. وهذه التبعية تتمثل في المناهج الأدبية كالرومانتيكية، والكلاسيكية، والواقعية والرمزية وغيرها، التي ترمى إلى فصل الأدب عن الفكر الإسلامي، وإعلاء الشخصيات المشبوهة، وهي مناهج تتسم بالسقوط الأخلاقي، وتريد ضرب لغة القرآن، ومحاكمة الشخصيات الإسلامية بمعايير مادية، وتبغي كسر الثوابت.
    ومن ثم فهو يشير إلى الرابطة في أكثر من حديث، ويشير إلى مجلتها الناهضة (مجلة «الأدب الإسلامي»)، بمثل قوله:
    «إن مجلة الأدب الإسلامي مشروع طموح لإعادة نبض الحضارة الإسلامية إلى الكلمة العربية، وإلى لغات وآداب الشعوب الإسلامية. بعد أن تاه الأدباء المعاصرون في بوادي الجدب الروحي كما يقول الناقد السعودي الدكتور محمد عبد الر حمن الشامخ».
    وهو يرى أن الأديب المسلم مطالب بالوعي التام، والحذر الشديد وهو يقرأ التراث الإنساني، كما أنه مطالب بهضم ذلك التراث وتصفيته من الشوائب حتى لا تتحول تجاربه الإبداعية إلى مسخ شائه، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة «فتجربة الأديب المسلم ينبغي أن تكون موشاة بإطار العقيدة السمحة، التي تخاطب الكينونة الإنسانية بأسلوبها الخاص، وهو أسلوب يمتاز بالحيوية والإيقاع واللمسة المباشرة والإيحاء ومخاطبة الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وطاقاتها ومنافذ المعرفة فيها، ولا يخاطب الفكر وحده في الكائن البشري».
    وهو يرى أن الصحوة الإسلامية ـ آزرت الأدب الإسلامي ـ في تقليص موجات التغريب التي غزت عالمنا الإسلامي، ويقول: «أرى أن هذه الموجات التغريبية لم تزل في مدها وجزرها .. تؤدى دورها المنوط بها .. ولما تنحسر بعد، ويمكن أن نقول: إن دور هذه الموجات بدأ يتقلص ويضعف عن ذي قبل، وذلك يرجع إلى اليقظة الإسلامية المعاصرة التي نشرت الفكر الصحيح بين الشباب، فاستيقظ على صوت هذه الصحوة كثير من الذين جرفهم تيار التغريب، وكان لسقوط الشيوعية وانهيارها الأثر الأكبر في بدء انحسار هذه الموجات السامة… ولكنها لن تزول إلا بتكاتف المخلصين لدينهم ووطنهم من أبناء أمتنا العربية والإسلامية».
    ولأن الدكتور صابر عبد الدايم يرى ذلك، من خلال رصده للحركة الثقافية فإنه يعد نفسه من شعراء الإسلام المُعاصرين الذين لهم رؤية، يقول في حوار له: «إنني أكتب الشعر الحضاري الذي يُشارك في مسيرة الأمة الإسلامية وبلورة شخصيتها، وتجلية حضارتها، انطلاقاً من إدانة الواقع الآسن، وطموحاً إلى واقع كريم: أصيل ومُعاصر».
    وهو يرى أن الساحة الأدبية تشهد «كثيرا من المبدعين الملتزمين بالتصور الإسلامي، الذين هم على درجة عالية من المستوى الفني.. والجودة الأدائية في شعرهم وفي قصصهم ورواياتهم ومنهم على سبيل المثال: نجيب الكيلاني، محمد بنعمارة، حسن الأمراني، حسين على محمد، جميل محمود عبد الرحمن، عبد الله شرف، أحمد فضل شبلول، أحمد مبارك، عبد الرحمن العشماوي، وصالح الزهراني... وغيرهم».
    وإذا انتقلنا إلى قضية أخرى من القضايا التي تُضيئها هذه الحوارات، وهي: الشعر، كيف يراه ويتذوقه الدكتور صابر عبد الدايم نراه يقول «إن الشاعر: موقف وأداة. وموقفه ينطلق من إحساسه بالوجود من حوله، وتعامله معه واندماجه فيه أو رفضه محاولاً تغييره، وهذا شيء لا يُمليه عليه أحد كائناً ما كان».
    ويرى أن العيش في الحياة برؤية إسلامية، والنظر إلى الكون بمقياس متأمل، والتعامل مع حقائق الكون بفهم ووعي وقبل ذلك إجادته وسائل التعبير الفني هي ما تجعل الشاعر شاعراً حقا: «إن التعامل مع الحقيقة الكونية متمثلة في مشاهدها المحسوسة المؤثرة .. يقود الأديب المسلم إلى منافذ الإبداع الحقيقي .. فالكون مسرح التأملات، وإشراق الرؤى. وإبداع الصورة المبتكرة المؤثرة، والعودة من رحلة التأملات بزاد روحي عميق، وزاد أدبي مؤثر، ناضج بخصائص التجربة الإسلامية، لا يقود الأديب المسلم إلى الهروب والارتماء في أحضان الطبيعة، ولا يجعل من الطبيعة إلها يعبده الأدباء، ولا يجعل من الغاب فردوس الشاعر المفقود، ومهاجره الآمن، ومستقر أحلامه هربا من عالم الناس ودنيا الواقع ، بل تصبح هذه الطبيعة مرآة مجلوة يرى فيها الأديب نفسه وأمانيه وأحلامه، من جبالها يستمد مفردات الشموخ والآباء، ومن بحارها يستلهم مشاعر الحب، والنقاء والصفاء، ويتلقى دروس السمو والعطاء، ومن تقلبات فصولها يرسم للنفس طريق رؤاها».
    ولا يهاجم الدكتور صابر عبد الدايم شعر المناسبات ـ كما يفعل غيره ـ وإنما يقول: «لكل قصيدة مناسبة وهى الموقف الانفعالي الذي دفع الشاعر إلى صياغته في تجربة شعرية منبعها النفس، وباعثها الانفعال الصادق0 ولكن المناسبة الجاهزة ـ التي يعرفها الكثيرون مسبقا ـ ليست تجربة انفعالية صادقة إلا إذا كانت تلمس وترا حساسا في عالم الشاعر ورؤيته، ولا ينجح الشاعر في قصيدة المناسبة إلا إذا أضفى عليها رؤية خاصة به .. وصاغها صياغة موحية تتعامل مع أثر المناسبة .. وآفاقها ولا تتعامل معها بصيغة مباشرة تقديرية».
    ويرى البعض في شيوع الرمز وبخاصة في "شعر التفعيلة" وما يسمى «بقصيدة النثر» ملمحاً فنياً خاصا بالحداثة، وهذا الوهم ناشئ من قناعة البعض بأن الشعر المقفى لا يكون إلا "مباشرا تقريريا" وخاليا من الإيحاء، وبالتالي يطل بمنأى عن "الرمز"، ويعلق الدكتور صابر عبد الدايم على ذلك بأن «الواقع الفني والشعري يأبى ذلك، فشعراء المهجر وفى مقدمتهم جبران خليل جبران، وإيليا أبوماضي، وميخائيل نعيمة لهم تجارب كثيرة رامزة في قالب الشعر المقفى، وسعيد عقل كان شعره ينزع إلى الرمزية الجمالية الخالصة وهو في القالب التراثي، وزنا وقافية، وبشر فارس كانت رمزيته ميتافيزيقية أو رمزية ما وراء الواقع، وشعره موزون مقفى، وكذلك الشاعر صلاح لبكي0
    ورمزية التعبير تتجلى في بعض تجارب حسن كامل الصيرفي وفى شعر محمود حسن إسماعيل وعمر أبي ريشة وأمين نخلة، وهؤلاء الشعراء يصوغون أشعارهم في قالب الشعر الموزون المقفى0
    ومن خلال تجربتي في هذا الاتجاه أرى أن المنحى الرمزي في الشعر أعمق رؤية، وأقرب إلى روح الشعر الحقيقي إذا نجت القصيدة من الضبابية والغموض الداكن».
    وتتكرر في الحوارات إشاراته إلى بعض قصائده، ومنها «الهوية» و«المسافر في سنبلات الزمن»، و«القبو الزجاجي»، و«الظمآن»، و«ملامح من تاريخ شجرة»، و«الغروب»، و«رمل السماء»، و«سباق»، و« الظل المضيء»، و«إيقاعات غير منتظمة». ... وغيرها.
    ومن قصائده التي يعتز بها، ويذكرها في حواراته قصيدة «الهوية»، وهي قصيدة قصيرة، تشي بعمق انتمائه إلى الجذور وهي القرية المصرية التي تحمل ـ عن الإسلام ـ قيم التدين والسماحة والحب والعطف، كما تشي بعالمه الخصب الذي يبحث عن الارتواء من قيم الأصالة:
    اسمي : صابرْ
    عمري : سنوات الصبار جهلت بدايتها أو حتى كيف تسافرْ
    بلدي : مصر ـ القرية ـ والموال الساخرْ
    والمهنةُ : شاعرْ
    وهواياتي : فك الأحجبة وهدم الأسوارْ
    وقراءة ما خلف الأعين من أسرارْ
    والبحث عن الخصب المتواري خلف الأمطار
    والتنقيب بصحراء النفس عن الآبارْ
    ولأن صابر عبد الدايم أمضى في المملكة العربية السعودية اثني عشر عاماً، أستاذاً للأدب والنقد: عايش فيها الأدب السعودي وقضاياه، وناقش عدداً من الرسائل فيه، فإن حكمه عليه حكم الخبير الحاذق.
    يقول في أحد الحوارات عن الأدب السعودي: «الأدب السعودي المعاصر غصن مثمر في شجرة الأدب العربي الحديث، وهو في ملامح تطوره، واتجاهاته وخصائصه وميادينه يعد مكونا أساسيا من مكونات النهضة الأدبية المعاصرة، وعلى دارسي الأدب في الجزيرة العربية أن لا يغفلوا ارتباط هذا الأدب بالجذور التراثية العربية في عصور ازدهارها بدءا من ريادة الشعر العربي في عصر ما قبل الإسلام (العصر الجاهلي)، ثم ما تلاه بعد ذلك من عصور أدبية ولغوية بذل فيها علماء اللغة ورواة الشعر والنقاد ومؤرخو الأدب جهودا مضنية في الحفاظ على اللسان العربي المبين: بنية وضبطا وتراكيب، وأساليب فنية متجددة في إطار البيان العربي الدال المفيد0
    والأدب السعودي لا ينفصل عن هذه الجذور الذهبية، وهو مع ذلك يواكب التيارات الجديدة في عالم الإبداع وعالم النقد، ولكن آمل أن تظل هذه المواكبة راشدة في استقبالها للموجات الحديثة الوافدة، فليست جميع الأنماط والقيم الأدبية الوافدة تتناسب مع بيئتنا العربية الإسلامية المحافظة على هويتها ومعالمها وقيمها الثابتة الأصيلة».
    ...
    .. وما أكثر القضايا التي تُثار في هذا الكتاب، الذي يكشف عن تجربة الدكتور صابر عبد الدايم الإبداعية والنقدية.

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    حول نظرية الأدب الإسلامى

    حوار: محمد عبدالشافى القوصي
    ..........................................

    إضاءات
    * الأدب الإسلامى مشروع تطهيرى لتنقية الكلمة من شوائب العلمانيين والماديين
    * الأدب الإسلامى يأبى الانحراف والإغراق فى الذات والزيف
    * الأدب الإسلامى يتعامل مع العديد من الحقائق الإلهية والكونية والإنسانية
    مدخل :
    منذ سنين خلت ، ارتفعت أصوات بعض المخلصين من الأدباء بضرورة إنشاء رابطة للأدب الإسلامى، تبرز خصائص هذا الأدب وتذود عن شخصيتنا الحضارية، وتدافع عن حقوق الأدباء الإسلاميين وكان فى مقدمة هؤلاء الرجال، الشيخ أبو الحسن الندوى، والراحل نجيب الكيلانى، وآخرون من دونهم نحن نعلمهم0
    * وللأسف الشديد، فإن هذه الفكرة، حتى وإن خرجت إلى حيز التنفيذ لم تجد رجالا يتعهدونها بالرعاية والمتابعة حتى تشب وتترعرع، فسرعان ما اندثر الملتفون حول الراية، وراحت جهودهم سدى، وذهبت ريحهم، وهناك من يرجع ذلك لعدم كفاءة هؤلاء القائمين على أمر رابطة الأدب الإسلامى، أو ربما لعدم كفاءة هؤلاء القائمين على أمر رابطة الأدب الإسلامى ، أو ربما لعدم معايشتهم للقضية، فهم يتكلمون بحرارة . ولكن طبقات الجليد تعلو أفعالهم .. أو ربما لأسباب أخرى كما يرى الأدباء الشبان!
    أد/ صابر عبدالدايم وكيل كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر أكد فى حديث لـ العالم الإسلامى أن فكرة ايجاد مثل هذه الرابطة كانت تريد أن تؤكد أن الأدب الإسلامى هو مشروع تطهيرى يحاول تنقية الكلمة من الشوائب لأنه يؤكد على صدق المحتوى وشرف الغاية وسلامة الوسيلة، وجمال العرض، ويعترف ببشرية الإنسان الناقصة وحاجتها إلى الترويح البرئ. موضحا أن الأدب العربى المعاصر لا ينهض بكل هذه الملامح0
    وقال إن هناك تبعية فى الأدب العربى لا ينكرها أحد. وهذه التبعية تتمثل فى المناهج الأدبية كالرومانتيكية، والكلاسيكية، والواقعية والرمزية وغيرها، التى ترمى إلى فصل الأدب عن الفكر الإسلامى، وبإعلاء الشخصيات المشبوهة، وبالسقوط الأخلاقى، وبضرب لغة القرآن، ومحاكمة الشخصيات الإسلامية بمعايير مادية، وكسر الثوابت، والإيمان بشمولية التغيير واستمراره0
    نظرية الأدب الإسلامى :
    ونظرية الأدب الإسلامى لم تجتث من الأرض ولم تكن طارئة إنها تمتد بجذورها فى عمق تاريخى لا مثيل له فى كل الآداب العالمية، وجذور الأدب الإسلامى مسوغات لاستمراره ، فالقرآن بكل ما يحفل به من مدد بيانى معين لا ينضب يتدفق فى شرايين الأدب، ويمده بأرقى الأساليب، وأشرف الأفكار، وأنبل الغايات، والحديث النبوى يفيض بفصاحة عربية، والشعر العربى الذى نافح عن الإسلام جنبا إلى جنب مع المجاهدين فى سبيل الله، تمتد وشائجه إلى اليوم ليضخ فكره وجمالياته فى محيط الأدب الإسلامى الحديث 0
    وأكد د. عبدالدائم أن أدبنا الإسلامى الذى له هذه الجذور الراسخة، لماذا تقام المحاذير من حوله، ولماذا يثار الجدل فيما بيننا عن مدى مشروعية المصطلح، لقد أدلج الغرب أدبه وسخره لخدمة مبادئه وأفكاره، وأكسبه بهذا قيمة دلالية وجعله رسول دعوة يتخطف الناس ببريقه، ولم يقل أحد عن هذا ما قاله المتحفظون الرافضون لمشروعية الأدب الإسلامى0
    وقال إن الأدب الإسلامى يريد فقط تميز الأديب المسلم بأدائه وذلك بإبراز الحس الإسلامى وتجلية جماليات الكون للالتفات إلى مبدع الكون0
    مشيرا إلى أن على المبدع أن يمارس إبداعه بحرية مطلقة ولكن عليه أن يستحضر عظمة الخالق، فالكون صنع الله الذى أتقن كل شىء وهذا الاستحضار كفيل بإنتاج أدب إسلامى رفيع المستوى0
    وفيما يلى تفاصيل هذا الحوار 0
    ما هى معالم التجربة الأدبية فى ظل خصائص التصور الإسلامى من وجهة نظركم ؟
    نعم .. إن الشخصية الإسلامية لها مقوماتها التى لا تتجزأ، ولها تصوراتها التى لا تقبل التشتت، وهذه المعالم تنطلق من منظور كلى شامل. فى العقيدة والكون والأدب والحياة، فموقف المسلم من هذه المعالم. موقف متماسك غير مجزأ والتأمل فى خصائص التصور الإسلامى لا يكون بمنأى عن حقل التجربة الأدبية فى ظل التصور الإسلامى، لأن المنهج لا يختص بالتصور الدينى فقط، بل يعالج ويدرس فكرة الإسلام عن الله والكون والحياة والإنسان0
    والأديب المسلم فى ظل هذا التصور تنطلق تجاربه من منبع إيمانه الفياض بالتسليم المطلق لخلاق الكون جل وعلا ، وهو يمزج هذه الانطلاقة الإيمانية بالتأمل فى مشاهد الكون، والنظر فى ملكوت السموات والأرض، واستجلاء معالم القدرة الإلهية فى صنعة هذا الكون البديع المتناسق0
    وهو فى غمرة تجاربه الإيمانية والتأملية لا يكون بمعزل عن واقع الحياة ومشاغل الإنسان وآماله وأحلامه، فهو فى إيمانه يتأمل ما خفى من أسرار الكون، وهو فى تأملاته يستجلى أسرار الحياة ويبحث عن منافذ الخلاص للإنسان عبر رؤية إسلامية متميزة. متفردة تصاغ معالمها فى قالب فنى مؤثر0
    ويستطرد الدكتور صابر عبدالدايم المسلم حين يمتزج وجدانه بأضواء الحقائق السابقة وتتشرب مشاعره معالمها، وتأتى تجاربه شاملة مؤثرة، تتجاوز الخاص إلى العام، وتسمو فوق الرغبات الدنيا، تشتاق إلى معانقة الوجود، المثالى، الوجود المسلم بكل ما يحمله من خير للإنسان. وخصوبة للمشاعر، ونقاء للأحاسيس، وبذلك ندرك أهمية تعرف الشباب المسلم على هذه الخصائص، والسير فى ظلها، وفى أضوائها حين يسافر فى مدائن التجارب الإبداعية محملا بشحنات العواطف وثمار الأفكار0
    الإخلاص فى القضية :
    * كيف ترون الإخلاص لقضية تصفية التصور الإسلامى من الشوائب .. وهل يمكن تحقيق ذلك ؟
    إن مأساة الجيل الحاضر أنه تاه فى دروب الفلسفات المتباينة وتاهت هنا معالمه الحقيقية ، وهى المعالم التى حددها القرآن العظيم0
    وأعتقد أن حماسنا لقضية تصفية التصور الإسلامى من كل شائبة، قد دفعا بنا إلى الموقف الرافض لثمار الفكر الإسلامى فى أزهى عصور الحضارة الإسلامية، حيث اصطدم التصور الإسلامى بالفلسفات والثقافات الأخرى، واشتغل الناس بالفلسفة الإغريقية وبالمباحث اللاهوتية، التى ترجمت إلى اللغة العربية، ونشأ عن هذا الاشتغال الذى لا يخلو من طابع الترف العقلى فى عهد العباسيين وفى الأندلس أيضا انحرافات واتجاهات غريبة على التصور الإسلامى الأصيل0
    ومشكلة الفلسفة الإسلامية أن رجالها فتنوا بالفلسفة الإغريقية وبالمباحث اللاهوتية وظنوا أن الفكر الإسلامى لا يستكمل مظاهر نضوجه واكتماله أو مظاهر أبهته وعظمته إلا إذا ارتدى هذا الزى. زى التفلسف والفلسفة، ولذا نحن نرفض بشدة تغريب الفكر الإسلامى وتذويب هوية حضارتنا العربية 0
    وفى الحقيقة إننا لا نستطيع أن نلغى كل الجهود الفكرية لعلماء الإسلام، فهم لم يكونوا نسخا مشوهة من فلسفة الإغريق، وإنما وجدناهم يصفون ما يترجمونه ويحاولون الانتفاع بما يجدونه نافعا فى مجالات التفكير، وقد وقف علماء الإسلام فى وجه الملاحدة والزنادقة وناظروهم وأفحموهم، ففكرهم برغم ما شابه من تأثر بالفلسفات الأخرى كان صورة لمقومات الشخصية الإسلامية، ومكونات التصور الإسلامى، ولا أحد يستطيع أن ينكر جهود ابن رشد والكندى والفارابى وابن سينا والغزالى، وكذلك جهود المحدثين والمفسرين والفقهاء وعلماء اللغة والأدب والبلاغة، وكتب التراث حافلة بالمناظرات والحوارات والمناهج التى دافع من خلالها علماء الإسلام وفلاسفته عن عقيدة الإسلام الصافية0
    وفى المجال الأدبى لم يقلد النقاد والشعراء الأدب الإغريقى "الوثنى" لأنه لم يترجم لهم كاملا، وكذلك لا يتوافق هذا الأدب بما يحوى من تصور أسطورى ، ورؤية وثنية مع وجدان الشاعر المسلم، وبرغم هذا الحذر لم ينج الشعراء والكتاب من إصابتهم بسهام هذه الثقافات الملحدة، فظاهرة المجون فى العصر العباسى وسريان الخيط الفلسفى فى النسيج الشعرى عن أبىتمام والمتنبى وأبىالعلاء يعد أثرا من آثار هذه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وغيرها0
    وبرغم هذه السمات السلبية للتأثر بالثقافات الأجنبية فى الفكر الإسلامى ، لا نستطيع عزل التراث جملة عن التصور الإسلامى، لأن التأثير سمة كل حضارة زاهية مشرقة، والحضارة الإسلامية لها سماتها المميزة فى الفكر والأدب والعمارة والفنون، وقد أثرت فى ازدهار الحضارات الأوربية فى العصر الحديث 0
    الوعى والحذر :
    ترى ما هو موقف الأديب المسلم من التراث الإنسانى الموروث أو المعاصر . هل يقبله أم يرفضه ؟
    الحقيقة أن الأديب المسلم مطالب بالوعى التام، والحذر الشديد وهو يقرأ التراث الإنسانى، مطالب بهضم ذلك التراث وتصفيته من الشوائب حتى لا تتحول تجاربه إلى مسخ شائه، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، فتجربة الأديب المسلم موشاة بإطار العقيدة السمحة، فالعقيدة الإسلامية بوجه خاص تخاطب الكينونة الإنسانية بأسلوبها الخاص، وهو أسلوب يمتاز بالحيوية والإيقاع واللمسة المباشرة والإيحاء بالحقائق الكبرى التى لا تتمثل كلها فى العبادة، ولكن توحى بها العبادة، كما يمتاز هذا الأسلوب بمخاطبة الكينونة الإنسانية بكل جوانبها وطاقاتها ومنافذ المعرفة فيها، ولا يخاطب الفكر وحده فى الكائن البشرى0" كما يقول الأستاذ سيد قطب " 0
    والأديب المسلم ثمرة هذا التكوين الإسلامى المميز، فأسلوبه شعاع من ذلك الأسلوب، الذى كونه وامتاز بالحيوية والإيقاع واللمسة المباشرة والإيحاء بالحقائق الكبيرة التى لا تتمثل كلها فى العبارة، ولكن توحى بها العبارة0
    وهذه السمات من أدق الخصائص التى يجب أن توشى التجربة الأدبية فى ظل التصور الإسلامى 0
    النمو الروحى .. ضرورة:
    كيف ترون إيجابية التصور الإسلامى التى تختلف . بالطبع . عن الفلسفات والمذاهب الشاذة من وجهة نظركم ومن خلال الرؤية الإسلامية الصادقة؟
    والمعروف أن إيجابية التصور الإسلامى تتعلق بالمعتقد والفكر والأدب والحياة والسلوك. عامة . فى هذه الحياة .. وهذه الإيجابية فى التصور تراها سارية فى تجارب الأدباء الإسلاميين رؤية وأداء أو من شأنها أنها تسرى وتصبغ ابداعهم بصبغة السمو الروحى، والتفاؤل المشرق حيث لا تغرق الرؤى فى ضباب الأحزان ولا تحرق بنار الألم المبدعة، ولا تستعذب الألم لذاته0
    فالصفات الإلهية فى التصور الإسلامى ليست صفات سلبية، والكمال الإلهى ليس فى الصورة السلبية التى جالت فى تصور أرسطو، وليست مقصورة على بعض جوانب الخلق والتدبير كما تصور الفرس فى صفات "هرمز" إله النور والخير، واختصاصاته، وليست محدودة بدرجة من درجات الخلق كما تصور أفلاطون، وليست محدودة بحدود شعب كتصورات بنى إسرائيل، وليست مختلطة أو متلبسة بارادة كينونة أخرى كبعض تصورات الفرق المسيحية، وليست معدومة على الإطلاق كما تقول المذاهب المادية التى تنفى وجود الإله الحى المريد ، إلى آخر هذا الركام الزائف من الرؤى العمياء0
    إذن فالتجربة الإبداعية الإسلامية تنبثق من خصائص التصور الإسلامى، وتموج بكل ما تحمله التجارب الأدبية من عاطفة جياشة، وخيال متوقد وبصيرة نافذة، ورؤى متفتحة على الآفاق الكونية، والطموحات الإنسانية، وفى تفتحها المستنير لا تنفصل عن دائرتها الكبرى دائرة "الإسلام" ومع ذلك فهى ليست بمنأى عن البيان العربى المشرق، لا تنطفئ فى أدواتها اشراقة الفن، ولا يخبو وهج الأداء فى تعاملها مع الله والكون والحياة !
    والدعوة إلى معرفة النقيض أو اكتشاف معالم الوجه المضاد تفتح أمام المفكر المسلم، والأديب المسلم أبوابا متعددة للدخول منها إلى عوالم الثقافة القديمة والحديثة، فالأديب المسلم ليس بمعزل عن التيارات السائدة، بل عليه أن يتحصن ضد المعرفة بالمعرفة، فيصغى، ويحلل، ويفحص ما يقدم إليه، ويقبل ما يتوافق مع فطرته الإنسانية، ورؤاه الفنية ، ويكشف زيف الفكر الدخيل، والرؤى الهدامة، وهذه هى "الحركة الإيجابية" التى يتجاوز بها المسلم دائرة المعرفة الجامدة الباردة0
    وصدق الله العظيم إذ يقول : أفمن يمشى مكبا على وجهه أهدى أم من يمشى سويا على صراط مستقيم 0
    التحقق فى عالم الواقع :
    * هناك فريق من أدبائنا الإسلاميين أمثال حلمى القاعود، ومحمد بركة، وأنت منهم ، يرددون مصطلح الواقعية الإسلامية، فهل هى مضاهاة وتقليد وتأثر بالواقعية فى المذاهب الغربية أو المستوردة من حوارى أوروبا أم ماذا ترى؟
    * المقصود بالواقعية فى الإسلام هو التحقق فى عالم الواقع، وهذا المفهوم مجرد من كل ما علق بالواقعية من معنى اصطلاحى تاريخى فى البيئات الأخرى، وليست الواقعية اقرارا بما يدور فى عالم الواقع من ايجابيات وسلبيات، وانضباطات وانحرافات ولكنها مثالية واقعية لأنها تهدف إلى أرفع مستوى وأكمل نموذج تملك البشرية أن تصعد إليه . وللواقعية فى التصور الإسلامى ثلاثة مظاهر:كما يرى صاحب " خصائص التصور الإسلامى " 0
    1 - التعامل مع الحقيقة الإلهية متمثلة فى آثارها الإيجابية وفاعليتها الواقعية 0
    2 - التعامل مع الحقيقة الكونية متمثلة فى مشاهدها المحسوسة المؤثرة أو المتأثرة 0
    3 - التعامل مع الحقيقة الإنسانية متمثلة فى الأناس كما هم فى عالم الواقع 0
    وهذه الآفاق الواقعية فى التصور الإسلامى تمثل مرتكزات الرؤية الإسلامية فى مجال الإبداع الأدبى، حيث تتفتح مدارك الأديب المسلم على معالم قدرة الله وآثاره فى هذا الكون0
    إن التعامل مع الحقيقة الكونية متمثلة فى مشاهدها المحسوسة المؤثرة .. يقود الأديب المسلم إلى منافذ الإبداع الحقيقى .. فالكون مسرح التأملات، وإشراق الرؤى، وإبداع الصورة المبتكرة المؤثرة، والعودة من رحلة التأملات بزاد روحى عميق، وزاد أدبى مؤثر، ناضج بخصائص التجربة الإسلامية، وهذه التأملات لا تقود الأديب المسلم إلى الهروب والارتماء فى أحضان الطبيعة، ولا تجعل من الطبيعة الها يعبده الأدباء، ولا تجعل من الغاب فردوس الشاعر المفقود، ومهاجره الآمن، ومستقر أحلامه هربا من عالم الناس ودنيا الواقع ، بل تصبح هذه الطبيعة مرآة مجلوة يرى فيها الأديب نفسه وأمانيه وأحلامه، من جبالها يستمد مفردات الشموخ والآباء، ومن بحارها يستلهم مشاعر الحب، والنقاء والصفاء، ويتلقى دروس السمو والعطاء، ومن تقلبات فصولها يرسم للنفس طريق رؤاها، فهى صورة من وهج الصيف، ودفء الربيع وجدب الخريف، ودكنة الشتاء وأعاصيره، وصقيعه وغيوثه، ففى الصيف عطاء الثمار، وفى الربيع عبق الأزهار، وفى لخريف عطش الحرمان. وفى الشتاء رى الظمآن، وتهاليل الإنسان للغيث الآتى من السحاب المضئ بالبروق الصاهل بالرعود .. هذه هى واقعية الإنسان فى تعامله مع الكون .. ومع الناس أيضا .. فهو يحمل لهم فى حنايا نفسه بذور الخير، ويجاهد ما استطاع فى اقتلاع سهام الشر من خطاهم، وشوقا إلى الإنسان الواقعى المثالى أو المثالى الواقعى0
    إن هذه الواقعية لا تلتقى مع الواقعية التى اصطلح عليها النقاد فى العصر الحديث لأنها تمثل وجهة نظر تخالف قيم الإنسان حيث ترى الحياة من خلال منظار أسود، وترى أن الشر هو أساس الحياة، وأن التشاؤم والحذر هما الأجدر ببنى البشر لا المثالية والتفاؤل، ولذا نحن ضد واقعية "فولتير" و"بلزاك" اللذين يمثلان الواقعية باصطلاحها الأوروبى البغيض، والتى أثر فى أدبنا العربى تأثيرا جذريا لم يعد قادرا على النجاة بنفسه منه، وإنتاج نجيب محفوظ الروائى، وإنتاج توفيق الحكيم المسرحى، وكذلك وإنتاج يوسف ادريس القصصى يعد محاكاة وصدى لقيم الواقعية المحزنة الفنية والموضوعية، وقد سار على دربهم وحاكاهم المبدعون الشباب فى العالم العربى ، بل توغلوا فى واقعيتهم المشوهة التى لونت الأدب والفن0
    * كيف تنظرون إلى أبعاد الرؤية الإسلامية فى الشعر المعاصر؟
    * لا شك أن الأدب فى ظل التصور الإسلامى يستطيع أن يعبر عن أدق الانفعالات وأدق العواطف، وأنبل المشاعر وأسماها، فى إطار النفس السوية التى نجت من أمراض النفسيين والاقتصاديين والوجوديين 0
    كما أن الفن الإسلامى، وفى مقدمته فن التعبير بالقول ـ شعرا ونثرا ـ فن متفتح على شتى المذاهب الفنية، ما دامت منسجمة فى اتجاهها مع حركة الكون والإنسان والإيجابية فى سبيل الحق والعدل الأزليين وفى إطار الجمال المبدع، بعيدا عن التزييف والكذب والتناقض0
    إن الأدب الإسلامى، وفى مقدمته "فن الشعر" كما يقول د/ عماد الدين خليل يأبى الانحراف، يأبى مثلا تاليه الإنسان: "كلاسيكيا" وإغراقه الذاتى رومانسيا، وتمجيد لحظات الضعف البشرى "واقعيا" ويأبى تصوير الانحراف الفكرى أو النفسى أو الأخلاقى "وجوديا" وذلك لأن الفن الإسلامى يستمد تجاربه الباطنية من خلال الحقيقة لا الزيف، ومن الاستقامة لا الانحراف، فللوجود غاية أفحسبتم انما خلقناكم عبثا ولكدح الإنسان جدوى يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه  0
    وأرى أن الحاجة ملحة الآن إلى العكوف على استخراج كنوز الأدب الإسلامى وتبصير المتأدبين بآفاقه ، حتى يكتسب الوجدان الإسلامى ثراء وعمقا0
    وقد تمثلت القيم الإسلامية فى كثير من شعر القدماء، ولكنها جاءت مباشرة بعيدة عن الإيحاء والقوالب الفنية المتعددة0
    وحين نحاول بعث هذه الروح الإسلامية فى الأدب، فإننا نحارب الروح الانهزامية التى جعلت كثيرا من أدباء هذه الأمة ونقادها يضعون كل قيم الأدب الأجنبى فى صورة النموذج الأعلى، وصاروا يقلدون حتى كدنا نفقد الحس الإبداعى الحقيقى النابع من رؤيتنا الإسلامية، وقد بدأت هذه الموجة فى العصر الحديث على أحمد باكثير، فى نتاجه المتعدد الناطق بالرؤية الإسلامية وهو فى قمة أدائه الفنى وكذلك "الرافعى" فى بعض نتاجه الإبداعى، ومجال الدراسات الأدبية ، فكتابه "إعجاز القرآن والبلاغة النبوية" ترمان صادق لمنهجه الإسلامى .. ودفاعه عن تراث الأمة الإسلامية وأصالتها مع احتفاظه فى مقالاته وخواطره وبحوثه بوهج الفن والتشكيل اللغوى الراصد لأدق الانفعالات وأعمق المشاعر، هذا الدفاع الحميم الممزوج بالسموق الفنى المتشبع بالرؤية الإسلامية يضع الرافعى فى قمة المعانقين للرؤية الإسلامية شعورا وفكرا وفنا، ولأن الرافعى ينطلق من الإسلام فى كل ما يكتب نجده غير حذر فى لجوئه إلى العقل، لأنه كاتب مسلم اعتنق الفكر الإسلامى مذهبا فى حياته العملية والعلمية، لا يخشى إذا اختط لنفسه طريق العقل، أن تتضارب النتائج العقلية التى يتوصل إليها مع فكره الإسلامى لأنه يؤمن أن الإسلام والعقل متكاملان مترافقان، وأن تقدم العلم وتطور الفكر البشرى لا يمكن أن يتناقضا مع جوهر الدين الإسلامى، بل على العكس نجدهما يقدمان التفسير تلو التفسير والتأكيد تلو التأكيد، لما غمض من هذا الدين، أو احتاج وتطلع إلى البحث والاستكشاف والمزيد من التأكيد والكشف0
    وفى أدب الرافعى لا نستطيع فصل عنصر الخيال عن عنصر اللغة، ومن قبله عنصر الفكر فليست الأفكار وحدها تتوالد عنده، بل الصور كذلك أيضا، وهى صور نادرا ما تحققها الإبداعات العربية قديما أو حديثا، إن توالد الصورة عند الرافعى يواكب توالد الفكرة ثم العبارة ليحقق هذا التواكب انسجاما بديعا بين المقومات الرئيسية الثلاثة لأى إبداع أدبى0
    والرؤية الإسلامية فى الشعر المعاصر فى النموذج الأمثل لها تبتعد عن الشعر الدينى المباشر فى شعر المناجاة والتضرع، وشعر الوعظ، والحث على التعاليم الإسلامية، فذلك مجال تعليمى فى الاتجاه الأخير منه، ولكن هذه الرؤية تتمثل روح الإسلامى، وتستجيب لأثره الفعال فى تغيير الوجدان ، وفى تغير رؤية الإنسان للأشياء، وكذلك تستوحى هذه الرؤية جو الحضارة الإسلامية، وفى مواقفه وشخوصه، وأماكنه وأزمنته، ولا تروى هذه الرؤية فى صياغتها الفنية التاريخ فى صورة سريعة تقريرية، بل تمتزج بروح ذلك التاريخ، وتشكل منه واقعا حضاريا له شخصيته ونفاذه وتأثيره 0
    والصياغة الفنية لمكونات هذه الرؤية الشعرية الحضارية الإسلامية تتأثر إلى حد كبير بالبيان القرآنى ، والبيان النبوى، والتراث الإسلامى، وكذلك لا تنفصل عن إيقاع العصر لغة وأسلوبا وتصويرا ورؤية كونية شاملة0
    وهناك جيل من الشعراء الجدد يتشكل فى إطار هذه الرؤية الشعرية الإسلامية على امتداد الوطن الإسلامى والعربى، ومنهم على سبيل المثال محمد بن عمارة، ومحمد على الرباوى، وعبدالله شرف، وعبدالرحمن صالح العشماوى، وصابر عبدالدايم، وجابر قميحة، والدكتور عدنان النحوى ود/ وليد قصاب ، وغيرهم من الشعراء السائرين فى وهج التيار الإسلامى0
    * ترى من أهم أبرز الأدباء النقاد فى رابطة الأدب الإسلامى العالمية فى وقتنا الحاضر0
    اعتقد أننا سنظلم بعض الأسماء إما سهوا او نسيانا، ولكن على سبيل المثال هم كثيرون، وفى مقدمتهم د. عبدالباسط بدر، د.حسن بن فهد الهويمل، د. جابر قميحة، د. عدنان النحوى، د. عبدالقدوس أبوصالح، د.كاظم الظواهرى، د. محمد كمال إمام، الأستاذ محمد سيد بركة،د/ سعد أبو الرضا ، د / وليد قصاب ، د. حسين علي محمد ، د / أحمد زلط ، د/ عبدالمنعم يونس وغيرهم من المشاهير على امتداد العالم الإسلامى0

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    قضايا وشخصيات فى الميزان
    حوار: تميم الحكيم
    ............................
    شعر المناسبات : هل هو شعر صادق ؟
    لكل قصيدة مناسبة وهى الموقف الانفعالى الذى دفع بالشاعر إلى صياغته فى تجربة شعرية منبعها النفس، وباعثها الانفعال الصادق0
    ولكن المناسبة الجاهزة التى يعرفها الكثيرون مسبقا ـ فهى ليست تجربة انفعالية صادقة إلا إذا كانت تلمس وترا حساسا فى عالم الشاعر ورؤيته ، ولا ينجح الشاعر فى قصيدة المناسبة إلا إذا أضفى عليها رؤية خاصة به .. وصياغة موحية تتعامل مع أثر المناسبة .. وآفاقها ولا تتعامل معها بصيغة مباشرة تقديرية0
    الصالونات الأدبية : هل لها دور فى إثراء الحركة الأدبية؟ أم أنها مجرد مظاهر اجتماعية ؟
    إن الصالونات الأدبية فى جوهرها تعد امتدادا للمجالس الأدبية والعلمية فى عصر ازدهار الحضارة الإسلامية والعربية فى العصرين : الأموى والعباسى 0
    وفى العصر الحديث .. لم تزل آثار صالون "العقاد، وصالون "مى" زيادة ـ ماثلة للعيان .. وشاهدة على الدور الذى تؤديه الصالونات الأدبية فى إثراء الحركة الأدبية والثقافية 0
    ومن خلال تجربتى الخاصة .. أقول: إن الصالونات الأدبية ظاهرة ثقافية واجتماعية ايجابية حتى ولو شابتها المظاهر الاجتماعية0
    وقد أقمت بمنزلى بالزقازيق فى مصر أول صالون أدبى فى محافظة الشرقية بمصر .. وموعده بعد صلاة العصر من الجمعة الأولى من كل شهر 0
    وظل هذا الصالون أربع سنوات .. وكنا نحدد موضوع اللقاء.. وغالبا ما كان يدور حول نقاش عمل أدبى أو نقدى .. أو قضية من قضايا اللغة والأدب، ويستعد المناقشون بدراساتهم المكتوبة ويلقونها.. ثم يدور حوار مع المبدع ومع النقاد … وبهذا المنهج كان للصالون دوره المؤثر فى اثراء الحركة النقدية والإبداعية 0
    … ومن رواد الصالون .. الشاعر أحمد سويلم، والروائى محمد جبريل، وعبدالله شرف ود/ حسين على محمد، ود/ أحمد زلط، وكثير من أساتذة الجامعة الذين شاركوا فى توجيه الشعراء الشباب إلى النهج القويم 0
    هؤلاء الأدباء :
    حمزة فودة: شاعر رقيق .. يكاد صوته الشعرى يذوب فى أصداء والده الشاعر "إبراهيم فوده"، ولو اهتم بشاعريته لأسمعنا العذب المفيد الممتع 0
    أحمد السباعى: أديب شامل متعدد المواهب .. ولكنه لم يتفوق فى فن إبداعى .. وذلك لتشعب الطرق التى سلكها ..!!!
    إبراهيم فودة: شاعر غزير النتاج .. طلع على الناس فجأة بخمسة دواوين شعرية ضخمة .. تجمع بين الاتزان الكلاسيكى .. والعاطفة الرومانسية 0
    حمد الجاسر : من الموسوعيين الكبار .. وهو رائد فى مجال التحقيق والتوثيق .. وخبير بالجزيرة العربية بيئة وشعبا 0
    الأمير عبدالله الفيصل: شاعر الحب والحرمان ..، وقيثارة عذبة فى نغم الشعر العربى الوجدانى الصافى، يرى الكثيرون ذواتهم فى قصائده النقية الصافية ذات النغم الإنسانى النبيل0
    حسين سرحان:
    شاعر التأمل والطبيعة ..، ولكنه مقل فى نتاجه ـ وتجربته الشعرية تعترب من آفاق الشعر المهجرى 0
    د/ عبدالله باقازى:
    من أدباء "السعودية" وناقديها المجيدين وهو يمثل نموذج الأستاذ الجامعى الذى استطاع أن يوائم فى تناغم واقتدار بين الدقة الأكاديمية وبين الجمالية الفنية فهو ناقد متميز .. ومن كتاب القصة القصيرة المجيدين المتميزين 0
    محمد بن على السنوسى :
    شاعر مجيد، ذابت ثقافته الواسعة فى شعره كما يذوب الماء ـ والغذاء فى فروع الأشجار وأوراقها ـ فكانت ثماره الشعرية ناضجة .. فيها طعم العروبة ورائحة الحضارة الإسلامية العريقة 0
    عبدالله الجفرى:
    إنه شاعر اختار فن المقال ليحلق فى آفاق المعرفة والعاطفة، وهو شاعر يتكئ على الفن القصصى ذى الظلال الدافئة ... والعبارات المغردة ذات الطقوس الأرجوانية 0
    الكتاب الذى يستحق القراءة: كيف تختاره:
    الاختيار يرجع إلى اهتمام القارئ، وآفاقه المعرفية، وأنا أختار الكتاب الذى يشدنى عنوانه .. وما يوحى به من التجديد .. والعمق .. والإضافة .. وأزداد بالكتاب تمسكا وتعلقا حين أرى التطابق بين العنوان والمحتوى .. ، وحين أجد غير ذلك أشعر بالخسارة الفادحة وضياع الوقت والجهد والمال 0
    والكتب الأدبية والدينية فى مقدمة اختياراتى للقراءة والإفادة0
    * مقدمات الكبار لكتب المؤلفين الصغار: هل هى عكاز لترويج الكتاب
    إنها فى معظمها كذلك، ولكن هناك من الكتاب الناشئين من يمتلك موهبة إبدعية أو ثقافية.. وتكون المقدمة فى صالحه وتدفعه إلى الأمام .. وتجعل القراء يدركون حجم موهبته0
    * الزواج : عائق أم محفز للإبداع ؟؟
    * الزواج فى تجربتى الإبداعية والنقدية كان حافزا لى.. ولم يعضنى عن الكتابة والإبداع .. فقد أنجزت رسالة "الدكتوراه" وأنا متزوج ، وكذلك طبعت "خمسة دواوين" شعرية .. فى ظل الحياة الزوجية .. وأصدرت "أحد عشر كتابا" :
    والسؤال الذى لا أستطيع تحديد إجابته 0
    هل كانت هذه الإصدارات ستزيد عن ذلك أم تقل لو لم أكن متزوجا ؟؟ لا أدرى .. والله أعلم 0
    المهم أقولها فى أمانة وصدق .. إننى لم أشعر أن الحياة الزوجية أعاقتنى عن التأليف ، والنشاط الثقافى والإبداعى .. بل كنت ومازلت أجدا تعاونا وحافزا وتشجيعا .. من شريكة العمر .. والأبناء أيضا0

  4. #4
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    حوار حول "معالم تجربتى الأدبية"
    وبعض القضايا العلمية .. والنقدية

    حوار: بدر بدير
    ......................

    الاسم وتاريخ الميلاد :
    لهذا السؤال إجابتان: الأولى فنية .. والثانية وثائقية : أما الفنية .. فقد عرفت بنفسى فى قصيدتى : الهوية 0
    اسمى : صابر 0
    عمرى : سنوات الصبار جهلت بدايتها أو حتى كيف تسافر 0
    بلدى : مصر ـ القرية ـ والموال الساخر 0
    والمهنة : شاعر 0
    وهواياتى : فك الأحجبة وهدم الأسوار 0
    وقراءة ما خلف الأعين من أسرار
    والبحث عن الخصب المتوارى خلف الأمطار
    والتنقيب بصحراء النفس عن الآبار
    * هذه هى الهوية الفنية ، أما معالم الهوية الشخصية "الوثائقية"
    فالاسم : صابر عبدالدايم يونس 0
    من مواليد 1948م ، ومن أبناء منشاة العطارين مركز ديرب نجم شرقية
    والآن أقيم بمدينة الزقازيق ـ وبطاقتى العائلية من قسم ثانى بالزقازيق عام 1980م
    2 - ما أثر النشأة الريفية والعلمية فى تكوينكم وفى شخصيتكم ؟
    * كان للريف الجميل ـ الهادئ ـ الأثر الأكبر فى تكوينى الوجدانى وفى رسم كثير من ملامح شخصيتى ـ فمنذ طفولتى المبكرة وأنا أعشق وجه القمر ـ فى مساءات الريف الصيفية ـ وللنجوم حكايات صامتة وناطقة فى رحلتى مع الكلمة ـ وتجاربى الحياتية ـ ولمشهد الشروق، ولوحة الغروب ، أصداء دائمة التغريد فى وجدانى ـ بل وفى كيانى كله، وفى قصائدى كبرت ونمت أشجار هذا التغريد المضئ لمشاهد الشروق والغروب 0
    ومن هذه التجارب التى شكلتها مشاهد الطبيعة الريفية الناطقة بالمعانى والصور الحبيبة إلى عالمى .. وشخصيتى : قصيدة "الصباح" و"الشاعر والشمس والمساء" فى ديوانى "نبضات قلبين" وهو الديوان الأول0
    وقصيدة "المسافر" و"الطائر الحبيب" و"ملامح من تاريخ شجرة" و"الصدى" و"فينوس" وغيرها من التجارب .. التى تتكئ على "المفردة .. والصورة المشحونة بكل الانفعالات والمشاعر النابعة من أجواء الريف الهادئة .. الممتلئة بالخضرة .. والماء .. والوجه الحسن .. والقيم الإنسانية الجميلة، وعلى المستوى الإنسانى والسلوكى .. تعلمت من والدى "الريفى الطيب" التسامح .. وحب الآخر ، والتدين، والصبر، والتعلق بالأبناء، والحفاظ على الأسرة .. وكثيرا ما كان يوصينى بضرورة تطبيق العلم على العمل، ووالدى ـ وهبنى للأزهر الشريف ـ وعنى بى فى صغرى ـ حتى حفظت القرآن فى سن العاشرة والنصف ، ودرست أحكام التجويد والقراءات قبل التحاقى بالمعهد الدينى .. فى سن الحادية عشرة 0
    وفى "الأزهر الشريف" كان التحامى بالتراث الأدبى واللغوى والدينى .. حيث طالعت أمهات الكتب فى هذه المجالات .. وكان لها الأثر الكبير فى تكوينى الثقافى والأدبى والشعرى، وتجربتى الشعرية تفيض بالعناصر التراثية على مستوى استدعاء الشخصيات .. وتوظيف الأماكن، وإحلال الرؤى والتراكيب فى كيان النص .. إحلالا تحكمه دائرة التناص، وتحركه صور الاقتباس والتضمين .. والعقد والحل ـ والإشارة، ولغة المفارقة هى الطبيعة الفنية الساخرة لهذه الصور التراثية الإسقاطية المعاصرة0
    3 - لماذا كان تخصصكم الدقيق فى الأدب العربى وليس فى تخصص آخر؟
    * إن الأدب العربى امتزج بكل ذرة فى كيانى ، وقد كان لنشأتى التعليمية التى أشرت إليها فى السؤال السابق الأثر العميق والموجه فى ميلى إلى التخصص فى الأدب ـ مع حبى الجارف للشعر، وهو الهبة التى منحنى الله إياها، فالشعر سفينة أشواقى، ومنارة أحلامى، وبستان معارفى وخيالاتى ، وحب الشعر ـ هو الذى قادنى إلى جزائر الأدب القاصية، وإلى أساطير مدائنه المسافرة فى سنبلات الزمن ، ومدائن الفجر، والمرايا وزهرة النار 0
    الشاعر د/ صابر عبدالدايم :
    ما دواوينكم؟ وما موقفكم من الديوان الأول ؟
    لدى الآن ستة دواوين شعرية .. ومنها الديوان الأول، وهو "نبضات قلبين" وهو ديوان مشترك شاركنى فى إصداره الشاعر الراحل : عبدالعزيز عبدالدايم وكان طالبا بكلية دار العلوم ـ ثم حول إلى كلية الشريعة ـ وهذا الديوان يمثل محاولتى الأولى لاقتحام عالم الحركة الشعرية فى بداية "السبعينات ونهاية الستينات"0
    وهى محاولة كانت مبكرة وتمثل جرأة غير محسوبة .. حيث طبع الديوان على نفقتنا الخاصة .. مع عدم وجود منفذ للتوزيع، وعدم نضج الملكة، وعدم الخبرة بمسالك الحياة الأدبية ودروبها، والديوان على الرغم من كل هذه الأسلاك الشائكة التى حاصرته من كل الجهات كان النافذة التى انطلق منها صوتى الشعرى، ومن خلاله قدمت نفسى للحياة الأدبية وبه تجارب شعرية صادقة ، وقد قرظه الشاعر الكبير الأستاذ/ على الجندى عميد كلية دار العلوم الأسبق .. حيث قال مشجعا الشاعرين الناشئين / صابر و/ عبدالعزيز 0
    أسحر بابل هذا  بالله أم خمر بابل؟؟
    أتيتما فى القوافى  سبقا أمام الأوائل
    وكتب مقدمته الشاعر الفلسطينى الدكتور/ عزالدين المناصرة، وبه قصيدة حصلت على الجائزة الثانية فى الشعر على مستوى الجمهورية عام 1968م وهى تحمل عنوان "ازرعوا الزيتون فى قلب البشر".. وما زال نبضها متفاعلا مع الأحداث المعاصرة ، ولا أدعى أن هذا الديوان الأول يمثلنى الآن ـ ولكنه بداية تقليدية جيدة لا أتبرأ منها ولم أقف عندها ـ حيث تطورت أدواتى الفنية ـ وتفتحت ملكتى الشعرية على رؤى جديدة ـ وجنحت إلى الصورة المركبة ـ والرموز .. وتراسل الحواس ، وتوظيف التراث .. وغيرها من الأدوات الفنية الجديدة فى القصيدة الحديثة .. وظهر هذا جليا فى الدواوين التالية وهى :
    "المسافر فى سنبلات الزمن" و"الحلم والسفر والتحول" و"المرايا وزهرة النار" و"العاشق والنهر" .. وفى الدواوين السابقة ـ كان شعر "التفعيلة هو المسيطر على القالب الإيقاعى، وفى ديوان "مدائن الفجر" كانت السيطرة للشعر "المقفى" أو شعر الشطرين وعندى أن الشعر الجيد .. المواكب لأحدث التيارات الفنية يمكن أن يقدم فى أى إطار إيقاعى "الشطرين" أو التفعيلة وأنا ضد من ينادون بفشل الشعر "المقفى" فى تقديم التجارب الشعرية المعاصرة بما تتضمنه من عناصر فنية متعددة المنابع .. متجددة الرؤى والأبعاد0
    وأما ما ادخره فى السنوات القادمة للقارئ العربى ، والقارئ المسلم ـ من كنوز أشعارى ـ وهذا التعبير هو صيغة السؤال الذى تفضل به الشاعر القدير والمربى الفاضل الأستاذ بدر بدير .. وأنا آمل أن يكون الذى قدمته فيه بعض الفائدة .. وكثير من المتعة الفنية ، فالشعر كما يقول : هوراس إمتاع وفائدة ، وأما ما بقى ـ فى جعبتى من رصيد .. وأطمح أن يكون هذا الرصيد الشعرى كنوزا 0
    هذا الرصيد يتمثل فى ديوان أعد للطبع الآن موسوم بـ"العمر والريح" وهو يحمل تجارب جديدة .. ويمثل رؤيتى للحياة والأحداث .. وبه تجارب تمثل أصداء طموحات قديمة وئدت فى زمن تكسرت فيه المرايا ـ ولبست الأوجه أكثر من قناع .. وهذا الديوان تقدمت به لاتحاد الكتاب قبل الانتخابات الأخيرة 2001م لنشره فى سلسلة "أقلام مصرية" ضمن إصدارات الاتحاد الإبداعية 0
    ومن المفارقات المضحكات أننى حينما نجحت فى انتخابات "مجلس ادارة اتحاد الكتاب" منع الديوان من النشر بعد الموافقة عليه ـ وذلك لأن مجلس الإدارة لديه قرار بعدم طبع أى عمل لأعضاء مجلس ادارة اتحاد الكتاب ـ وعلى الرغم من هذه المفارقة المؤلمة ـ فإننى سعيد بهذا القرار الجرئ العادل ـ وآمل أن ترقى كل قرارات الاتحاد ـ إلى هذا المستوى الذى يهدف إلى إثراء الحركة الأدبية والنقدية والفنية فى إخلاص وتجرد .. بعيدا عن الأهواء والأطماع، والتحزب ومناصرة الأشياع 0
    ولدى شعر مخطوط كثير ـ يحتاج إلى غريلة ومراجعة وتنقيح ـ وآمل إن شاء الله أن تصدر "الأعمال الشعرية الكاملة" قريبا 0
    6 - ما موقفكم من المسرح الشعرى؟ وهل فى المخطط إصدار مسرحيات شعرية تحمل اسمكم مشاركة منكم فى هذا الفن الشعرى ؟؟
    المسرح الشعرى يمثل قمة النضج الفنى لدى أى شاعر ، وهو يفتح آفاقا متعددة من الرؤى ، والمعالجات الفنية أمام الشعراء 0
    والمسرحية الشعرية حينما تمثل توسع من القاعدة الجماهيرية للشعر والشعراء . فالقصيدة ـ أو الديوان ـ جمهورهما محدد ـ ويكاد يتلاشى !!!
    وأما عن "الإصدارات المسرحية الشعرية" فلدى مسرحية شعرية قديمة جدا كتبتها بعد نكسة 1967م وتحمل عنوان "النبوءة" ولا أدرى هل سأقدم على مغامرة طبعها أم لا ؟ وأنا أطمح إلى اليوم الذى أنجز فيه بعض المسرحيات الشعرية .. حتى تكتمل دائرة التجربة ..، ولدى قصائد كثيرة تتضمن بعض عناصر الدراما .. ويمكن أن تتحول إلى مسرحيات شعرية ومنها قصيدة "مشاهد من ملحمة العشق والبطولة" وهى وثيقة من "محمد بن القاسم الثقفى" وقصيدة "أسماء الثورة والعطاء والتحدى" وقصيدة "القبو الزجاجى" وقصيدة "عزف منفرد أمام مدخل القرن الواحد والعشرين" وأقول للقصيدة"الدراما" أو القصيدة "المسرحية"
    ليت هندا أنجزتنا ما تعد  وشفت أنفسنا مما تجد
    7 - هل لكم أن تعطونا نبذة عن رحلاتكم العلمية والعملية خارج مصر، وهل كان لهذه الرحلات أثر فى نتاج د/صابر العلمى والأدبى ؟ 0
    * للرحلة أثر كبير فى توجيه الملكات .. وإثراء القدرات ، وهى تتيح للأديب معايشة التجارب الجديدة ـ واكتشاف حقول مغايرة، والسباحة فى آفاق وعوالم أكثر تنوعا وأشمل عطاء0
    وقد ارتحلت إلى عدة بلاد ـ وفى مقدمتها "ليبيا" حيث قضيت بها أربع سنوات .. وكان لهذه الرحلة أثر عميق فى تجربتى الشعرية فديوانى "الحلم والسفر والتحول" كتبت معظم قصائده فى "البيضاء" بليبا0
    وقال د/ طه وادى: إن هذا الديوان من أحسن دواوينى الشعرية، وكتبت عنه عدة دراسات فى مقدمتها دراسة د/ حسين على محمد الشاعر والناقد المعروف 0
    وإلى "مكة المكرمة" أنعم الله على ـ برحلتين طويلتين ـ الأولى : أربع سنوات والثانية: ست سنوات، وكان لهاتين الرحلتين الأثر الأعمق فى التحام رؤيتى الشعرية بالتجربة الكونية ، من خلال معانقة "الرؤية الإسلامية" الحضارية 0
    ودواوينى "المرايا وزهرة النار، والعاشق والنهر ـ ومدائن الفجر" بهما تجارب كثيرة أشرقت شموسها فى مكة المكرمة ، ولدى عدة كتب نقدية أنجز معظم ما فيها فى مكة المكرمة ـ ومنها : الأدب الإسلامى بين النظرية والتطبيق، و"التجربة الإبداعية فى ضوء النقد الحديث" و"الحديث النبوى" رؤية فنية جمالية0
    ومن الرحلات القصيرة الجميلة الهادفة رحلتى إلى "تركيا" لحضور مؤتمر "الأدب الإسلامى" فى استامبول عام 1994م وهناك شاهدت آثار الحضارة الإسلامية العريقة الشامخة، وأصداء الفتوحات والمعارك التى قادها محمد الفاتح .. القائد الإسلامى الكبير ـ الذى فتح معظم بلاد "أوربا الشرقية وأخضعها .. ودخلت هذه البلدان فى دين الله أفواجا" 0
    ولكن .. وياللأسى .. صدأت سيوف الفاتحين، وتقوضت أركان هذه الحضارة الرائدة .. وأصبحت مثل حضارة الأندلس ، أثرا بعد عين، وذكريات خرساء ليس لها فى الواقع إلا الأصداء الآتية من سراديب التاريخ الجليل .. ولا يعى قسمات إيقاعها وجه الحاضر الذليل!!!
    وتجسد هذا التفاعل الصادم الدامى .. فى قصيدتى "القبو الزجاجى" وهى رسالة ملحمية طويلة إلى "محمد الفاتح" قائد الفتوحات الإسلامية فى بلاد "البلقان"، وقد قال د/ عبده بدوى عن هذه القصيدة، إنها من القصيدة "السيمقونى" وهو من خصائص الإبداع عند كثير من الشعراء الإنجليز 0
    وكتب عنها أ.د/ عبدالله الزهرانى بجامعة أم القرى دراسة تحليلية نقدية جيدة، ولدى رغبات وطموحات فى رحلات أكثر إلى البلاد الإسلامية التى تحررت من النفوذ الشيوعى .. السوفياتى .. وإلى بلاد جنوب شرق آسيا ـ مثل ماليزيا ، وأندونيسيا .. وإلى منطقة البلقان، وهى بيئات حضارية تثرى الوجدان ، وتوقظ الحواس الغافية، وتضئ المشاعر والأحاسيس الكابية 0
    8 - بعد خبرتكم الطويلة فى مجال التعليم الجامعى: هل أنت راض عن مستوى الخريجين الذين تخصصوا فى اللغة والأدب، ويحملون عبء بناء الأجيال فى المدارس الثانوية؟
    * إن مستوى الخريجين الذين تخصصوا فى اللغة والأدب .. من الكليات والجامعات المتعددة ـ يبعث على الأسى، ويدفعنا إلى التساؤل والبحث عن سبب هذا التدنى، وعن منافذ الخروج من هذا الواقع المتردى ؛ والصورة ليست قاتمة تماما ـ ففى اللوحة المشوهة بعض الومضات والزوايا المضيئة تتمثل فى بعض "الطلاب المتفوقين والموهوبين" وهم قلة قليلة، وأقترح أن يعقد اختبار شخصى وتقويمى للطالب الذى يتقدم لدخول أقسام اللغة العربية وأن يشجع الطلاب والخريجون حتى يقبلوا على هذا التخصص وهم مطمئنون واثقون من تقدير الدولة والمجتمع لهم؛ لأن الواقع يزرع الإحباط فى النفوس ، ويضع كثيرا من العراقيل أمام مواهب الشباب وملكاتهم، وتخيل معى حجم المأساة .. وفداحة الكارثة حين نعرف أن أقسام اللغة العربية بكليات الآداب والتربية تستقبل أصحاب الدرجات الأقل من الطلاب والطالبات !! ولا أدرى لماذا ؟؟ ولمصلحة من ؟
    9 - باعتباركم شاركتم فى الإشراف على الرسائل العلمية بالجامعة : هل تساعد هذه الرسائل العلمية الجامعية حركة التطور الأدبى والعلمى فى العصر الحديث؟ وهل لها أثر فى تطور المجتمع وفى رقيه؟
    * الرسائل العلمية فى الجامعة لها أكثر من طريق، وأكثر من منهج، وأكثر من هدف0
    فبعضها يقتحم المناطق المجهولة فى التراث ، وبعضها يتفاعل مع حركة المجتمع العلمية والأدبية .. وتقديم التراث فى صورة إيجابية مضيئة حضارية وهى رسالة جادة تقف مؤازرة تماما للجهود العلمية والأدبية المتفاعلة مع حركة المجتمع تقويما ـ وإضافة وبناء راشدا، ونهوضا وتفتحا على كل جديد فى مجال الإبداع والفكر والعلم 0
    وهناك ظاهرتان سلبيتان تعوقان الدور الفاعل للرسائل العلمية جامعتنا وهما :
    أولا : آفة التكرار .. وعدم الإبداع .. وفقدان الجديد فى كثير من الرسائل الجامعية .. فى العلوم النظرية، والعلوم التجريبية الحديثة، وهذا التكرار يفقد كثيرا من الرسائل أهميتها وفاعليتها0
    ثانيا : عدم اهتمام المؤسسات العلمية ، والتعليمية بالرسائل والبحوث الجادة حيث تظل هذه الجهود العلمية الفائقة حبيسة المخازن ورفوف المكتبات تستقبل الغبار يوما بعد يوم حتى تغيب ملامحها .. ويتجاوزها الزمن .. وتموت قبل موت أصحابها.. وأرى أن تطبع هذه البحوث والرسائل الجادة على نفقة الدولة، وتخصص ميزانية ضخمة فى كل جامعة لذلك، وأن يدرسها الطلاب ويمكن شراؤها بسعر التكلفة ـ وهى تفيد الطالب وتغنيه عن المذكرات السريعة الباهظة الثمن ، ويمكن الاستفادة من الجهود العلمية المبذولة فى هذه الرسائل فى جميع الميادين التى تشارك فى نهضة المجتمع وتقدمه ورقيه فى مجال الزراعة .. والطب .. والهندسة .. والرياضيات .. والكيمياء .. وفى مجال: اللغة والفكر والإبداع ـ ومجال الدعوة والتشريع .. والفكر الدينى 0
    فهل تتبنى الجامعات ومراكز البحوث والمجالس القومية المتخصصة هذا المشروع القومى البناء خدمة العلم والعلماء،ومشاركة فى النهوض بالمجتمع من كينونة،وإيقاظه من غفوته،وبعثه من رقدته0
    فهل يتحقق الحلم ، وهل تشرق الشمس ؟
    هذه أمنيات صاعدة فى وهج اليقين 0
    وهذه طموحات تقتحم الواقع .. وتبدأ المسيرة فى جسارة الواثقين وترفض منطق الخادعين الواهمين ؟؟
    10 - بعد احتكاك طويل بالمنتديات الأدبية داخل محافظة الشرقية، وعلى مستوى مصر ، ماذا تقول عن المبدعين الجدد من الشباب؟ وماذا تقول لهم؟
    أقول للمبدعين الجدد من الشباب .. تمسكوا بهويتكم، واقبضوا على جمر الموهبة ، وواكبوا الجديد الجميل الهادف فى التقنيات الأدبية المعاصرة، ولا تخدعوا ببريق الأسماء .. واكتشفوا بأنفسكم الجميل والأصيل وإننى مطمئن تماما وسعيد بما أقرأ لشباب المبدعين .. وكثير منهم يملك الموهبة الأصيلة .. وأحيى أدباء "ديرب نجم" على نشاطهم المتواصل ـ المؤثر، وقد استطاعوا أن يلفتوا إليهم أنظار كبار المبدعين والنقاد، وأقول لهم مزيدا من التآلف والتعاون مع جميع أدباء المحافظة .. ومزيدا من التواصل مع أدباء مصر فى جميع المواقع والمحافظات ، وكتاب "القصة القصيرة المعاصرة" دراسة ومختارات الذى أصدره أدباء ديرب نجم بإشراف الأديب القاص مجدى جعفر ـ فى سلسلة "أصوات معاصرة" تشهد نماذجه القصصية الجيدة بالمستوى الفنى المتطور الذى يحققه أدباء الشرقية الشباب، وأدباء مصر فى الإبداع القصصى ، وللشعراء تجاربهم الجيدة .. وأقول لهم إن القصة لها فرسانها ـ فهل يظل اللواء فى أيديكم ؟؟
    وأخيرا أقول أين كتاب "المسرح"؟؟ إنه فن المستقبل، ولكن أين فرسانه من المبدعين الشباب؟ أمنياتى للجميع بالتفوق وتجدد الإبداع وتواصل العطاء0

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    الإبداع بين الانتماء والاغتراب

    حوار / على عبد الفتاح
    ...................................

    أكثر من 30 ألف من الخبرات المصرية هاجرت إلى أمريكا
    * فى هذه الحلقة يجيب على أسئلة هذا الاستطلاع الأدبى الدكتور صابر عبدالدايم أحد أبناء جيل السبعينات الذى تربى وسط الدفعة الثقافية الكبيرة آنذاك وبالتالى كانت صدمته أو إحباطه كبيرا مع مطلع هذا العقد وبدأت معه التساؤلات وموسم الهجرة 0
    ما أسباب وظروف الخروج من مصر ؟
    ـ مصر أمنا جمعا .. ومعشوقتنا جميعا .. ولكننا نكابد ونعانى فى سبيل استمرارية هذا العشق وكما قال حافظ ابراهيم شاعر الشعب:
    كم ذا يكابد عاشق ويلاقى  فى حب مصر كثيرة العشاق
    والخروج من مصر ـ فى تصورى ـ خروج مادى موصول بطريق العودة .. وليس هربا أو كرها أبديا، فالحصار الاقتصادى، ومتناقضات البنية الاجتماعية التى سببت انهيارا فى بعض مكوناتها من أهم العوامل التى تدفع الكثير من محبى مصر إلى النزوح عنها .. بغية الوصول إلى مستوى معيشى أفضل، والشاهد على ذلك آلاف العمال والفلاحين الذين تركوا حرفهم وأراضيهم ليعملوا اجراء خارج دائرة وطنهم ، وكذلك آلاف الخريجين الجدد الذين يصدمون بواقع الحياة الكثيب! فألف باء الحياة الضرورية غير متوفر لهم .. كيف يعثر على مسكن؟ كيف يقابل متطلبات الحياة! كيف؟ كيف؟ .. الخ0
    مصر القرية، والموال الساخر :
    * ما مدى الارتباط بين أعمالك الأدبية وقضايا الوطن ؟
    * الوطن والذات لا ينفصلان، والأعمال الأدبية البعيدة عن هذا الإحساس .. أعمال غير ناضجة وأصحابها فى غياب حقيقى عن الرؤية المعاصرة، وتجربتى الشعرية فى ديوان "الحلم والسفر والتحول" وديوان "المسافر فى سنبلات الزمن" لم تنفصل عن الوطن .. فهى ممتزجة بترابه.. ومع ذلك أراها بمنأى عن المباشرة الفجة، والهتافات الصارخة، فقضايا الوطن يمكن أن تتجسد فى قصيدة ذاتية وجدانية ، ويمكن أن نشكلها من خلال تجربة تراثية، ويمكن أن نفجرها من خلال عمل إبداعى، فالقصيدة لم تعد ذات بعد واحد بل تتفتح على أكثر من بعد فنى، وكل الأبعاد تصب فى شريان الوطن وتتفجر منه0
    وأذكر أننى نشرت قصيدة بعنوان "الظل الأخضر" بمجلة الثقافة العربية الليبية وهى قصيدة ذاتية لكنها تنبع من الإحساس بقضايا الوطن، وقد قال لى أحد المثقفين هناك إن صاحبة الظل الأخضر هى "مصر" وحين أعدت قراءة القصيدة، أدركت أن مصر ايقاعها الكامن فى أغوار النفس ولا تخلو قصيدة من قصائدى من هذا الإحساس المتفتح على قضايا الوطن ويمكن أن يعثر المتلقى على مفتاح هذا الإحساس فى قصيدتى "الهوية" وأسجلها هنا ترجمانا على هذه الرؤية الشعرية0
    اسمى : صابر 0
    عمرى: سنوات الصبار جهلت بدايتها أو حتى كيف تسافر0
    بلدى : مصر ـ القرية ـ والموال الساخر0
    والمهنة : شاعر0
    وهواياتى: فك الأحجبة وهدم الأسوار 0
    والبحث عن الخصب المتوازى خلف الأمطار0
    والتنقيب بصحراء النفس عن الآبار.
    وقراءة ما خلف الأعين من أسرار 0
    الاغتراب الزمانى المكانى :
    * ما أثر تجربة الاغتراب على التجارب الأدبية السابقة؟
    * تجربة الاغتراب كما قلت لا تعنى الهروب .. فالاغتراب المكانى الذى يعانى منه جيلنا بعيد عن النزعة المثالية التى سيطرت على الرومانتيكين فى حلمهم بعالم مثالى، وغربتنا الحقيقية هى غربة زمانية وفكرية وثقافية .. حتى أصبحنا نحن إلى الفطرة النقية فى عصر التلوث .. إننا مضطرون إلى أن نردد مع "شاتوبريان" مخاطبا الهنود الحمر "ما أسعدكم أيها المتوحشون آه لو أستطيع أن أتمتع بالسلام الذى لا يفارقكم أبدا .. فأنتم تفضلوننى فى الوصول إلى ثمرات الحكمة"!
    وما أقسى الغربة التى نعانيها ونحن فى قلب الوطن! إنها غربة نفسية .. وقد صورت هذه الغربة فى قصيدة بعنوان "المنفى داخل الوطن" كتبتها عام 1970م ، وبدافع هذا الإحساس كتبت مقالا نقديا تحليليا بعنوان "الغرباء" رؤية نقدية لشعراء الشرقية، وهؤلاء الشعراء برغم غربتهم لم يغادروا وطنهم !! وهم : "حسين على محمد" و"محمد سعد بيومى" و"محمد سليم الدسوقى" و"عبدالسلام سلام" و"محمود عبدالحفيظ" و"عزت جاد" و"سامى ناصف"، وحينما كنت أعمل فى ليبيا فى الفترة من 1976 ـ 1980م ألهمتنى هذه الغربة المكانية كثيرا من التجارب التى تستلهم التراث العربى والإسلامى مرتبطا بقضايا الوطن سعيا إلى العثور على مكونات شخصيتنا الحضارية المتكاملة التى تنجو من مرض التبعية للغرب أو للشرق، فالاغتراب المكانى أو الزمانى يشحذ التجارب .. ويعطيها فعالية السيف0
    الوجه الآخر للوطن :
    * ما العوامل التى ساعدت على الإبداع خارج الوطن ؟
    * ـ الإبداع خارج الوطن فيه صدق مؤثر ، ووهجه أقوى من الإبداع داخل دائرة الوطن .. لأننا نراقب الصورة من بعيد ولا نقع فريسة الاستجابة السريعة للأحداث .. فأول دافع للإبداع خارج الوطن هو تأمل ما يجرى من بعيد، وهذا من شأنه أن يكسب التجارب شمولا وأبعادا متعددة، والعامل الآخر هو التعرف على الوجه الآخر للوطن بصورة أعم وأوضح .. وأهم دافع هو الإحساس بالتوحد مع الوطن .. والحنين الموار فى النفس إلى رؤية الواقع الجديد الذى نسعى لتحقيقه، ومن عبق الأماكن المقدسة، ومن منابع التاريخ الحضارى العظيم للإسلام تفجرت لدى مشاعر الثورة على واقعنا الراكد الآسن .. وقد جسدت هذا الغضب قصائدى الآتية التى كتبتها بمكة المكرمة قصيدة "الجبل" و"الغريق" و"من فتوحات الغربة" و"المرايا وزهرة النار".. فهل نعود .. وهو تكون العودة محملة بثمار الفرح .. والإبداع المتوهج..

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    حوار حول أهم القضايا الأدبية التى تموج بها الساحة الثقافية

    حوار: محمد موسم المفرجى
    ...........................................

    س: نبذة عن حياتكم العلمية ورحلتكم العملية ؟
    د. صابر عبدالدايم . مواليد محافظة الشرقية بمصر 0
    أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر ووكيل كلية اللغة العربية بالزقازيق وعضو اتحاد كتاب مصر، وعضو رابطة الأدب الإسلامى العالمية 0
    وقد بدأت حياتى العلمية بحفظ القرآن الكريم ... وقد أتممت حفظه فى سن العاشرة والنصف بحمد الله وتوفيقه، ثم التحقت بالمعهد الدينى بالزقازيق، وقضيت به تسع سنوات منها أربع فى المرحلة الإعدادية، وخمس سنوات فى المرحلة الثانوية، وقد تلقيت فى هاتين المرحلتين علوم اللغة والفقه والعقيدة حسب المناهج التى كانت تدرس فى هذه الآونة، ومن الكتب التى درسناها "شرح قطر الندى وبل الصدى" ، و"شذور الذهب" و"شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك"، وكتاب "الإقناع فى حل ألفاظ أبىشجاع" فى الفقه الشافعى0
    ثم التحقت بكلية اللغة العربية ـ جامعة الأزهر بالقاهرة، ومكثت بها أربع سنوات تعمقت فيها دراستى لعلوم اللغة والنحو والأدب والبلاغة، ونضجت فيها موهبتى الشعرية التى تفتحت منذ المرحلة الثانوية حيث فزت بجائزة "الشعر" على المستوى القومى (فى المرحلة الثانوية للمعاهد الأزهرية)، وفزت بجائزة الشعر الأولى بجامعة الأزهر عام 1969م 0
    وفى المؤتمر الأول للأدباء الشبان بمصر فزت بجائزة الشعر "الفصيح" عام 1969م وأنا فى السنة الثانية بالكلية، وفزت كذلك بعدة جوائز فى هذه المرحلة ثم أنهيت مرحلة "الليسانس" عام 1972م ، والتحقت بالدراسات العليا وحصلت على درجة "الماجستير" فى الأدب والنقد عام 1975 ، ثم قمت بإعداد رسالة العالمية "الدكتوراه" فى الأدب والنقد وحصلت على درجة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى عام 1981م0
    وأما مشاهد الرحلة العلمية فهى لا تنفصل عن لوحة الحياة.. فالعلم والعمل يمتزجان فى حياتى وتتحرك فى دائرتها كل مظاهر النشاط العملى والعلمى والإبداعى0
    فقد بدأت حياتى العملية مدرسا للغة العربية بمدينة دمياط، ثم عضوا بالبعثة التعليمية المصرية بليبيا … وما زالت ذاكرتى تموج بذكريات هذه الفترة الرائعة من حياتى … فتعليم النشء .. وغرس القدوة الصالحة فى نفوس الأبناء من أنبل الغايات وأرقى الأهداف فى الحياة0
    وعملت بعد ذلك فى سلك التدريس الجامعى مدرسا للأدب والنقد بجامعة الأزهر … ثم شرفت بالتعاقد مع جامعة أم القرى بمكة المكرمة "أستاذا مشاركا بكلية اللغة العربية ـ قسم الأدب والنقد مدة أربع سنوات وكانت مرحلة خصبة أضافت إلى ذاتى أبعادا روحية صافية، وألهمتنى كثيرا من التجارب الإبداعية الصادقة0
    وفى مكة المكرمة كانت الرحلة بلا غيوم، والراسيات تعانق أحلام النجوم، ومن شرايين الصخر تتفجر أنهار الضياء 0
    وترى الجبال تحسبها جامدة وهى تمر مر السحاب  0
    وشاركت فى النشاط الأدبى بنادى مكة الثقافى، ولكم كنت فخورا ـ ومازلت ـ بتموجات الحركة الأدبية فى المملكة العربية السعودية على صفحات جرائدها الغراء، وأخص بالإشادة والفخر "الملحق الأدبى لجريدة الندوة وكذلك ملحق "التراث" بجريدة "المدينة"0
    وبعد أن وفقنى الله لأداء رسالتى العلمية بمكة المكرمة عدت لأعمل أستاذا للأدب والنقد بجامعة الأزهر، ثم توليت منصب وكيل كلية اللغة العربية بالزقازيق0
    وشاءت إرادة الله أن أعود مرة أخرى إلى المملكة العربية السعودية للعمل "أستاذا زائرا" بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ودعيت فى هذه الفترة لحضور مؤتمر "الجنادرية"، ثم كانت مشاركتى فى مؤتمر "الهيئة العامة للأدب الإسلامى" الذى عقد فى مدينة "استامبول" بتركيا وما زالت الرحلة عسيرة وشاقة .. ولكنها صادقة الإيقاع ، جادة الخطوات .. تدور أحداثها فى ميدان الكلمة المؤمنة القوية الجادة المؤثرة 0
    * س: كيف ترون موجات التغريب، والتيارات الفكرية التى امتدت إلينا بعنفوانية يوما ما ؟ وكيف انحسرت؟ وإلى ماذا تعزون ذلك؟
    * إن موجات التغريب كادت تجتاحنا فى بداية العصر الحديث بعد تمزق الأمة الإسلامية ووقوع العالم العربى فى براثن المستعمرين، وطغيان الفكر الاستشراقى المعادى للإسلام وللعروبة0
    وهذه الموجات الطاغية من المد الفكرى التغريبى .. وجدت عقولا انهزامية تستجيب لكل أصدائها، ووقعت هذه العقول فريسة هذه الاستجابات العمياء للثقافات الوافدة وبلغت المأساة ذروتها حين وجدنا من يروج للتغريب، ويركب موجاته المخادعة التى تغرق فى غياهبها كل من يحتمى بها أو يظن النجاة فى السباحة مع تيارها0
    وكثير من رواد الفكر "المزعومين الواهمين" فى مصر والمغرب وتونس وسوريا ولبنان ـ قد صنعوا من فكرهم بوقا يردد فى غير وعى ... مبادئ الثقافات الوافدة … ويروج لها ويحاكيها فى مؤلفاته وآرائه، وأحيانا كثيرة يقوم بعض هؤلاء "الواهمين" بسرقة الأفكار التغريبية وتقديمها فى صورة مشوهة ممسوخة، وقد تأثرت الحياة الثقافية والفكرية والإبداعية بهذه الموجات الطاغية ... ففسد المناخ الشعرى فى كثير من بلدان العالم العربى ...، وشوهت الحياة الفكرية وغامت رؤاها 0
    وأمارات هذا الفساد الفكرى والإبداعى ظهور أصوات شعرية معادية لكل منجزاتنا فى مجال الإبداع والثقافة … وعلى رأس هذه الأصوات الرافضة "أدونيس"، ومن يقلدونه فى عدائه للعروبة والإسلام0
    وأرى أن هذه الموجات التغريبية لم تزل فى مدها وجزرها .. تؤدى دورها المنوط بها .. ولما تنحسر بعد ، ويمكن أن نقول: إن دور هذه الموجات بدأ يتقلص ... ويضعف .. عن ذى قبل .. وذلك يرجع إلى اليقظة الإسلامية المعاصرة التى نشرت الفكر الصحيح بين الشباب، واستيقظ على صوت هذه الصحوة كثير من الذين جرفهم تيار التغريب، وكان لسقوط الشيوعية وانهيارها الأثر الأكبر فى بدء انحسار هذه الموجات السامة… ولكنها لن تزول إلا بتكاتف المخلصين لدينهم ووطنهم من أبناء أمتنا العربية والإسلامية0
    وعلى عاتق هذا الفريق من الشعراء يقع عبء استرداد المكانة اللائقة للشعر من جديد فهو فن العربية الأول، والأمل معقود على الشعراء الجادين الذين يبدعون فى مجال التجارب الإسلامية النابضة بعبق الحضارة الإسلامية الراسخة0
    ونقاد الأدب الدائر فى فلك التصور الإسلامى عليهم واجب إقالة الشعر من عثرته، وإنهاضه من كبوته .. فهم فرسان الكلمة، وهم حماتها، وقد بدأت البوارق تغزو بأشعتها ساحة الإبداع والنقد ، ومكتبة الأدب الإسلامى حافلة بهذه البوارق النقدية التى نأمل لها التواصل والتوهج ..، ومن هذه البوارق النقدية كتاب "الورد والهالوك" للناقد الدكتور/ حلمى القاعود ... وهو رصد نقدى يكشف من خلاله ألاعيب المتشاعرين من جيل "السبعينات فى مصر" وأطلق عليهم لقب "الهالوك" لأنهم منافقون متسلقون يغشون جميع الموائد، ويفسدون مناخ اللغة ومناخ الأخلاق، ومناخ البناء الشعرى الجميل0
    وفى الوقت ذاته يقدم "حلمى القاعود" الفريق الآخر وهو "جيل الورد" وهم الشعراء المعتدلون .. أصحاب التجارب الشعرية النقية الخالصة، التى تقترب من وجدان الناس، وتؤثر فى أذواقهم، وتحكى آلامهم وآمالهم 0
    س: كيف نعمل على تعميق التواصل الأدبى بين أدبائنا ومثقفينا لنزيل بعض العقبات ونقيم الجسور؟
    * إن التواصل بين الأدباء والمثقفين ضرورة إنسانية وقومية وفنية فحين يتواصل الأدباء ويطلع كل منهم على نتاج الآخر تتعمق التجارب الإبداعية، وتزداد عملية التأثير توهجا … وهذا التواصل يجب أن تقام جسوره بين أبناء الوطن الواحد ـ وبين أبناء الأمة العربية والإسلامية كلها … حتى يشعر الأديب بأصداء كلماته، وإيقاعات تجاربه0
    وهذا التوصل يتم عن طريق القنوات الآتية :
    أولا: الصلات الشخصية التى يقيمها الأدباء فيما بينهم .. عن طريق المراسلات، وتبادل المؤلفات والتشاور فى القضايا الأدبية0
    ثانيا : تكوين التجمعات الأدبية مثل النوادى الأدبية، والصالونات الثقافية، والمؤتمرات الشعرية والأدبية بصفة عامة فهذه التجمعات تجذب أصحاب الكلمة المبدعة وفى رحابها يلتقى أصحاب الرؤى المتشابهة والأفكار الموحدة، ومن هذه التجمعات الفاعلة المؤثرة مؤتمر "الجنادرية" فهو أكبر مهرجان وطنى لإحياء التراث والنهوض بالثقافة والفكر والأدب ... وفيه يلتقى كبار المفكرين والمبدعين، وتتعارف الأجيال، ويتحاور المبدعون ، ويزداد الفكر صقلا وجلاء 0
    ومؤتمرات"رابطة الأدب الإسلامى" بالرياض والقاهرة واستامبول نموذج للتواصل الحميم بين أدباء الإسلام فى جميع أقطار المعمورة0
    ثالثا : إصدار دليل يتضمن التعريف بأدباء كل دولة .. أو إصدار معجم للأدباء العرب يتم تبادله بين المؤسسات الأدبية والثقافية0
    رابعا : ضرورة إحياء فكرة أو مشروع (اتحاد الأدباء العرب) وإعادته للوجود حتى يشعر الأدباء بالانتماء لمؤسسة تجمعهم، ويتواصلون من خلالها0
    خامسا : إقامة مؤتمرات أدبية دورية بين أبناء الأمة العربية والإسلامية .. يبحثون فيها قضاياهم الإبداعية والنقدية ... ويتحاورون فى المستحدثات الإبداعية والنقدية على المستوى العالمى .. ووزارات الثقافة والإعلام عليها عبء القيام بهذا الدور الثقافى الكبير، وكذلك الجامعات العربية والإسلامية عليها أن ترسخ هذا التقليد العلمى الإبداعى الذى يعمق صلة الجامعة بواقع الناس، ويتيح الفرصة لأبنائنا الطلاب لإظهار مواهبهم الإبداعية 0
    س: هل الحركة النقدية متزامنة مع الإبداع؟ أم متخلفة عنه؟
    • إن الحركة النقدية فى العالم العربى تمر بأزمة حقيقية، أو قل إنها على مفترق الطرق ، فالنقد قد تعددت مدارسه، وتنوعت طرقه، وأغلبه يستورد النموذج الغربى، ويحاول تطبيق المبادئ النقدية التى أبدعها الغربيون على النماذج الإبداعية فى لغتنا العربية ، وهذا منهج غير صحيح. فلكل لغة مكوناتها الصوتية والأسلوبية والإيقاعية والخيالية ولغتنا العربية لغة بيانية مشرقة لها موحياتها، فالنقد الأدبى لابد أن ينبع من مناخ اللغة ومحيطها المائج بكل تراكيبها، وكذلك عليه أن يصبغ بصبغة البيئة التى تمخضت عن ذلك الإبداع.. فأصبح ثمرة لها0
    وبهذا المفهوم أرى أن النقد الحديث ما زال يحلق بعيدا عن فضاء النصوص الإبداعية ويكتفى كثير من النقاد باستيراد النظريات الغربية. وإعادة صياغتها فى جملة عربية "معقدة"، لا يفهمها كثير من المبدعين، ودليل هذا الانفصام بين التنظير النقدى المستورد وبين النص الإبداعى .. أن أديبا كبيرا مثل "نجيب محفوظ" … قال حينما قرأ نقدا لروايته فى مجلة "فصول" إننى لأول مرة لا أستطيع فهم ما يقوله الناقد فى نقد الرواية، فالإبداع يسبق المقاييس النقدية ـ ، وأرى أن النقد تخلف عن مواكبة الإبداع حين رحل بعيدا .. وخاصم بيئة المبدع .. وعاد غريب الوجه واليد واللسان ...
    س: يقولون بأن الرواية والقصة القصيرة نافستا الشعر، وحلتا بدلا عنه، ماذا تقولون لمن يعتقدون … هذا الزعم ؟
    * إن الرواية والقصة القصيرة تنافسان الآن الشعر منافسة ضارية ولكنهما لم يصبحا بديلا عنه بعد فما زال الشعر على الساحة .. له حضوره الفعال .. وأثره الغائر فى النفوس0
    وعلى الرغم من هذا فإن تفوق فن القصة وفن الرواية فى جذب القارئ، وفى القدرة على التأثير، وعلى الالتحام بواقع الزمان والمكان، أو بإيقاعات الحياة المعاصرة … هذا التفوق يرجع إلى عوامل كثيرة منها:
    أ - إن القصة والرواية يمكن تحويلها إلى مسلسلات درامية تلفزيونية .. تصل إلى ملايين المشاهدين .. وتؤثر فيهم .. والشعر ما زال أسير الكلمة المكتوبة0
    ب - القصة والرواية لا يميل كثير من كتابهما إلى الأساليب الملغزة، ولا إلى الغموض الموغل فى الغرابة والبعد عن واقع الناس0
    ج - إن الشعراء وبخاصة "شعراء الحداثة" قد انحرفوا بالشعر عن مساره الصحيح، وأوغلوا فى الغموض، وكشفوا عن عدائهم السافر لثوابت الأمة فى تراثها وواقعها وتمادوا فى الانحراف عن مألوف اللغة، ومألوف العرب .. وأتوا بتجارب إبداعية لا صلة لها بواقع الحياة، بل هى فى كثير من نماذجها أقرب إلى الهذيان والعيث والمجون والتكلف 0
    وهذه المثالب والتشوهات التى ناءت بها تجارب كثير من شعراء الحداثة أدت إلى انصراف الناس عن الشعر ، والشعراء، وانصرافهم إلى ميادين أخرى ومن هذه النماذج التى تصطدم بالوجدان الدينى، وتظل بمنأى عن التأثير والفاعلية فى الارتقاء بالأذواق، وتنمية الحس الجمالى فيهم0
    ديوان "آية جيم" وهو نموذج لعزلة النص عن المجتمع. فكله تجارب لغوية ... وخزعبلات فنية، وألاعيب شكلية تبرأ منها ساحة الشعر ولا يقترب من أشواكها الشعراء 0
    كل الظواهر السابقة أتاحت للقصة والرواية "مؤقتا" جو الغلبة والفوز 0
    ولكن مازال فريق من الشعراء المخلصين لهذا الفن السامق .. يبدعون القصيدة الشعرية الصافية فى شكليها "الخليلى والتفعيلى"، ويقدمون تجارب شعرية صادقة مؤثرة فى وجدان الناس وفى سيرة الحياة0
    * س : الحركة الأدبية السعودية: كيف ترونها؟ وما أبرز الأصوات الشعرية والنقدية فى نظركم؟
    * إن الحركة الأدبية فى السعودية لها حضورها المتميز على الساحة الأدبية وقد بدأت فى التوهج .. والفاعلية المؤثرة .. وذلك يظهر بجلاء فى المساحات الكبيرة من الصفحات التى تخصصها الجرائد اليومية للملاحق الأدبية ، وكذلك إصدارات النوادى المتعددة المتنوعة والمؤتمرات والمهرجانات الأدبية التى تقام سنويا0
    وكذلك المسابقات الأدبية التى تقيمها النوادى الأدبية، وعلى قمة هذا النشاط الأدبى والفكرى جائزة الملك "فيصل العالمية" فهى ميدان علمى شريف لتنافس عباقرة العالم فى خدمة الإنسانية وتقديم ذوب وجدانهم وخلاصة عقولهم لإسعاد البشرية فى كل مكان0
    والأدباء السعوديون وكذلك النقاد تفيض بهم الساحة الأدبية ومن أبرز الأصوات الشعرية الشاعر /عبدالرحمن العشماوى، والشاعر/ حسن عبدالله القرشى 0
    ومن كتاب القصة البارزين القاص الدكتور/ عبدالله باقازى، وهو أيضا من النقاد الجادين المخلصين،ومن النقاد أيضا د/منصور الحازمى ود/ محمد الحارثى ـ عميد كلية اللغة العربية بجامعة أم القرى0
    * س: وقد تلاشت قصيدة النثر ودعاتها ... ماذا على القصيدة العمودية أن تفعل لتنضو عن كاهلها بعض التداعيات لتنتصب شامخة؟؟
    * إن قصيدة النثر إذا كانت قد تلاشت ـ أو كادت "فى المملكة العربية السعودية فإنها ما زالت تنعم بالدفء والحياة على صفحات المجلات فى كثير من البلدان العربية، وما زالت تختبئ فى قلب الدواوين الشعرية متمتعة بحماية المدافعين عنها ولكنها ظاهرة مرفوضة، وبدعة أدبية منكرة، ومحاولة من أصحابها لمواراة ضعفهم وعجزهم عن الإيقاع الشعرى الصحيح فى ثوبه المؤثر0
    وعلى القصيدة "العمودية" .. بل على مبدعى الشعر "المقفى" أن يخلصوا لفن الشعر … وأن يقدموا تجارب شعرية فياضة بمقومات الشعر الصحيح عليهم أن يتجاوزوا اللغة النثرية الذهنية وأن يقدموا البناء اللغوى الإيحائى الجديد المثير للتساؤل والشعور0
    وعلى مبدعى الشعر العمودى أن لا يكتفوا بتقديم المضمون فى صياغة مباشرة سليمة لغويا فقط، وإنما لابد من تقديم التجربة فى إطار الصورة الشعرية الجديدة الكلية الرامزة الموحية التى تجعل للقصيدة أكثر من بوابة للدخول إلى عالمها0
    على مبدعى الشعر ـ أيا كان ـ تفعيليا أو شعر الشطرين .. أن لا يفرطوا فى موسيقى الشعر الخارجية أو الداخلية ـ فالشعر إيقاع موزون، وصورة كلية جديدة وبناء لغوى دال يضئ المعنى وآفاق النص، ولا وجود لما يسمى بقصيدة "النثر" فى دائرة الشعر الجاد العظيم، فالشعر كان ـ ومازال ـ ديوان العرب 0

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    حوار حول التجربة الشعرية وبعض قضايا الساحة الأدبية

    أجراه: عبدالرحمن درباش
    .........................................

    * س: قصيدة "القبو الزجاجى" التى ألقيتها فى أحد المحافل. ماذا تمثل لدى شاعرنا صابر عبدالدايم:
    جـ: إن قصيدة "القبو الزجاجى" تمثل لدى "مرتكز الرؤية الشعرية"، فالشاعر المعاصر موقف وأداة، وذروة الموقف الشعرى هو تشكيل معالم الهوية، والارتباط بالجذور الكامنة فى حقل هذه الهوية، والبحث عبر تخوم الرؤيا عن معالم حضارتنا وشخصيتنا، وفى خضم هذا الهم الحضارى كانت قصيدة "القبو" الزجاجى، رسالة دامية إلى "محمد الفاتح" قائد الفتوحات الإسلامية فى بلاد "البلقان"، وهى تفجر الجرح، وتفتح نوافذ المجد الذى أفلت شمسه 0
    ومفتتح القصيدة يصور معالم الواقع الآسن، ويجسد الصدمة الحضارية التى لم نفق من طغيانها ومن ذهولها بعد !!!
    * أيها الفاتح .. ضيعنا مفاتيح المدائن !!!
    ونسينا البحر .. والموج .. وتهليل السفائن!!!
    ونسينا الخيل .. والرمح .. وأسرار الكمائن
    * سورة الفتح هجرناها .. وبددنا صداها
    وتراءت فى حنايانا أنينا وحنينا
    كل أشجار الفتوحات أراها .. عاريات من رؤاها ..
    من ثمار المجد ..
    فى أوراقها جفت دماء كنت تسقيها شذاها
    أيها الفاتح أقبل .. أنت ما زلت فتاها
    انزع السيف من الغمد فقد تهنا وتاها !!
    وقد حظيت هذه القصيدة بتقدير كثير من المتلقين والنقاد، فالدكتور عبده بدوى الشاعر والناقد المعروف حين قرأها قال إنها من "القصيد السيمفونى"، وفى الشعر الإنجليزى يعد هذا النمط من أبرز التجارب الشعرية تشكيلا فنيا 0
    والشاعر الدكتور/ عبدالوهاب فايد نشر قصيدة بمجلة "الأدب الإسلامى" يشيد فيها بهذه القصيدة .. ومنها قوله:
    حين خاطبت الفاتح الشهم منا  بالقوافى حزينة وطميله
    أنت ذكرتنا بأمجاد قوم  ضربوا للجهاد يوما طبوله
    قبوهم قد أثار فيك شجونا  فشدوت الغداة تبكى قبيله
    نصروا الله فى الميادين شتى  وأعزوا بكل غال سبيله
    قد رأيت السيوف فيه نياما  بعدما كانت فى الوغى مسلوله
    وحين سمعها أحد أبناء جامعة أم القرى فى المحفل الذى ألقيت فيه وهو الأخ/ محمد بخيت الزهرانى انفعل بالموقف وكتب قصيدة تحية لقصيدة "القبو الزجاجى" وأطلق عليها لقب "تاج القصائد" 0
    وتوظيف الشخصية التراثية فى تجاربى الشعرية يعد سمة بارزة فى منهجى الفنى ونتاجى الشعرى0
    * س2: مجلة الأدب الإسلامى: هل تراها حققت ما تصبو إليه من أهداف؟
    * إن مجلة الأدب الإسلامى مشروع طموح لإعادة نبض الحضارة الإسلامية إلى الكلمة العربية، وإلى لغات وآداب الشعوب الإسلامية. بعد أن تاه الأدباء المعاصرون فى بوادى الجدب الروحى كما يقول الناقد السعودى د/ عبدالرحمن الشامخ 0
    وأرى أن المشهد الثقافى والإبداعى والنقدى فى كثير من ملامحه يعيش على مخلفات الأفكار المستوردة من بيئات تتصادم أعرافها ومعتقداتها ورؤاها مع أعرافنا وتقاليدنا، ومسلماتنا الاعتقادية، ومع ذلك يلهث جل مثقفينا وراء الثياب الثقافية البالية التى عافها أصحابها0
    وأقول إن مجلة "الأدب الإسلامى وهى تستعد لإصدار العدد السادس عشر فى سنتها الخامسة قد حققت بعض ما تصبو إليه من أهداف، وهذا إنجاز كبير، فالعقبات كثيرة، والمناخ العام للثقافة العربية المعاصرة يتحدى هذا النغم المنفرد فى إيقاعه النابع من الوجدان الإسلامى نابضا بقيم وخصائص التصور الإسلامى ومقوماته0
    وأكبر إنجاز لمجلة الأدب الإسلامى أنها استقطبت عددا من أدباء الشعوب الإسلامية فى ماليزيا وتركيا، وباكستان، والهند، وأفغانسان، وطاجيكستان، وأوزبكستان، والبوسنة والهرسك، ولدى هذه الشعوب الإسلامية آداب راقية تنافس آداب الأمم الغربية التى وقعنا فى قبضتها، ومازلنا أسرى هذه القبضة "الحريرية"!!
    وللأسف لا نستطيع الخلاص ، بل يحرص الكثير منا على أن يظل أسير هذا القفص العلمانى المحكم !!!
    واقرأ إن شئت كتاب الناقد المنصف د/ الطاهر مكى "الأدب الإسلامى المقارن" وكذلك كتاب : الأدب الشعبى الإسلامى المقارن للدكتور "حسين مجيب المصرى" ؛ وكتاب "رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا" وهو مقدمة كتاب "المتنبى" للعلامة "محمود شاكر" يضع النقاط على الحروف فى قضية الصراع الثقافى والحضارى بيننا وبين "الغرب"0
    وآمل أن تجد المجلة المؤازرة والتشجيع من الغيورين على رسالة الأدب الإسلامى، والراغبين فى العودة إلى النبض الحقيقى لثقافة أمتنا الإسلامية فهى "خير أمة أخرجت للناس"، وآمل أن تصدر المجلة فى غرة كل شهر عربى حتى يزداد تأثيرها وتتمكن من إبلاغ رسالتها أسوة بغيرها من المجلات الثقافية مثل "الفيصل" و"المجلة العربية"، والمنهل وغيرها من الإصدارات الجادة فى هذا الوطن العزيز الغالى ، مهد الرسالة، وأرض الحضارة، ومهوى الأفئدة من كل حدب وصوب ومن كل فج عميق0
    س3: النقد الأدبى ونقد الإبداع يحتاج إليه المبدعون فى تقييم إبداعهم ونتاجهم الأدبى 0
    ما موقف الشاعر الدكتور/ صابر عبدالدايم من النقد بشكل عام ومن النقد المجامل بشكل خاص؟
    .. إن النقد الأدبى علم له أصوله ومقاييسه ومذاهبه، وقد تتصادم مناهج النقاد، وتتباين فى موقفها من النص الواحد أو من الأديب الواحد، فأصحاب المنهج الاجتماعى قد لا يروقهم ما يستحسنه أصحاب المنهج الفنى ، وهؤلاء وأولئك قد لا يرضى عن أحكامهم أصحاب المنهج النفسى، وقد يرفض هؤلاء "النقاد البنيويون" وأنصار المنهج الألسنى0
    وتجربة الإبداع الأدبى بتنوعها وتعددها يقوم النقد بتحليل دوافعها، وتقييم وسائلها، ورصد نتائجها، ويحلل الناقد كل ما يتصل بالإبداع الأدبى من مؤثرات بيئية ونفسية، ودوافع ذاتية ، ومن تفرد فى التشكيلات اللغوية والتصويرية والإيقاعية ، ورصد الجوانب التى أخفق فيها الأديب على مستوى الرؤية ومستوى التشكيل0
    وأعتقد أن النقد الذى يسمو على العصبية الطائفية، والانغلاق على معايير جامدة يستطيع أن يصل إلى بغيته فى استكناه جماليات النص الأدبى بعيدا عن التفخيم والتهويل أو تحقير العمل الأدبى وتشويهه0
    وأرى أن الرؤية الشمولية الفاحصة للعمل الأدبى هى الطريق الصحيح للنقد الجاد الهادف، وفى ظل هذا المنحى لا يكون العمل النقدى سيلا من المدح أو جبلا من التهم 0
    فليس هذا ولا ذاك يدفع بالفن إلى مرقاه المبتغى له، وإنما الأحكام الموضوعية التى يوشيها الحب، والرغبة فى الكشف عن جماليات كل إبداع جديد متطور0
    وقد أنجزت أعمالا نقدية متعددة وفق هذه الرؤية الموضوعية وهذا المنهج الشمولى إيمانا منى بأن الأديب الجاد المعاصر هو نتاج التراث الإنسانى كله، وعليه أن يواصل انفتاحه الفكرى على كل التيارات العالمية فى الفن والسياسة والأدب والاجتماع والاقتصاد، وعليه بعد ذلك أن يتخلص من أسر هذه المؤثرات ليصبح قيمة مستقلة لها شأنها وتأثيرها فى عصرها .. وما يتلوه من عصور0
    ومن أعمالى النقدية كتاب "التجربة الإبداعية فى ضوء النقد الحديث" ، و"مقالات وبحوث فى الأدب المعاصر" و"الأدب الإسلامى بين النظرية والتطبيق" و"محمود حسن إسماعيل بين الأصالة والمعاصرة"0
    وهذه الكتب تنزع إلى "النقد التطبيقى" لأنه الترجمة الحقيقية للتماس الفاعل بين الناقد والمبدع، وأما النقد المجامل فلا قيمة له، لأنه سرعان ما يخبو أواره، وينطفى بريقه، وهناك فرق جوهرى بين المجاملة وبين الشعور بالرضا عن جماليات العمل الأدبى، فإذا كان المبدع جيد النتاج فلابد من الإشادة به، والتنويه بجمالياته، فالنقد ليس تجريحا للمبدع ولا هدما لعمله، وإنما هو فى حقيقته الكشف عن معدن الإبداع الأصيل الخالص من الشوائب؛ وما أرفضه هو تضخيم العمل الإبداعى وإضفاء صفات الريادة والتجاوز والتفرد عليه وهو لم يزل فى طور التكوين والتجريب والبحث عن نافذة فنية صحيحة يطل منها على عالم الإبداع0
    س4: هل توقف عطاؤكم الكتابى غير الشعرى بعد الحصول على الأستاذية أم لا ؟ وبماذا تنصح من يتوقف عطاؤه بعد الأستاذية؟
    جـ: إن العلم عطاء متواصل، وليست هناك محطات ينتهى عندها طريق العلماء. فالعلم كما يقال "محيط لا ساحل له" واثنان لا يشبعان: طالب العلم، وطالب المال، وكلما توغل الإنسان فى عوالم المعرفة أدرك أنه يجهل الكثير، وصدق الحق عزوجل إذ يقول: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا 0
    ومن هذا المنطلق فإن الحصول على درجة الأستاذية فى تخصص ما .. يعد البداية الحقيقية للمشوار العلمى الطويل .. وليس النهاية !!!
    فالأستاذية بداية المعرفة، وعلى من يحصل على هذه الدرجة أن لا يقع فى شرك خداع الذات فيظن أنه وصل إلى أعلى درجة فى السلم المعرفى، ولكن لابد من مواصلة العطاء وتقديم الجديد المفيد، وإعطاء الثمار العلمية المواكبة لتطور العصر ومنجزاته ، وبعض الأساتذة يضيق به الوقت عن إنجاز الأعمال العلمية فى صورتها التى يرجوها من الجدة والتمحيص والابتكار فيكتفى بفتح الطرق لتلاميذه إلى ارتياد الآفاق العلمية الجادة، ويقوم بتمحيص الأعمال العلمية الأكاديمية لمن يقوم بالإشراف عليهم، ويوجههم إلى المنهج العمى السديد، ويسير بهم خطوة خطوة فى طريق الإنجاز العلمى الجاد، ومن ينجح فى هذا المضمار الشاق من الأساتذة يجد بعده جيلا من الدارسين الجادين، وكأنهم كتب حية تنبض معرفة، وتتنفس علما، وتعطى الحياة والناس ثمار العقل الناضجة، وخلاصة الخبرة المعرفية والتجارب الفكرية الجادة0
    وبعد حصولى على الأستاذية عام 1990م ، لم يتوقف عطائى الذى أرجو أن يكون مفيدا، حيث قمت بتأليف كتاب "موسيقى الشعر العربى بين الثبات والتطور" وهو رؤية متطورة للعلاقة بين التجربتين "الشعرية والإيقاعية"، وترتكز هذه الرؤية على معاييرنا التراثية، وطبيعة ثقافتنا، وخصائص لغتنا العربية الإيقاعية 0
    وأصدرت كتاب "قصيدة البردة" لكعب بن زهير وهو رؤية نقدية معاصرة لتجربة كعب فى هذه القصيدة التى تمثل نقطة التحول فى حياته0
    وحققت ديوان الشيخ "محمد متولى الشعراوى"، مع كتابة دراسة فنية مطولة عن أبعاد التجربة الشعرية فى نتاج "الشعراوى" 0
    ومما من الله به على إعداد كتاب عن "الحديث النبوى رؤية فنية وجمالية" وهو دراسة من منظور جمالى فنى للحديث النبوى، ورصد خصائصه الفنية، وكشف عن جماليات الأداء الأسلوبى فى الحديث النبوى، ونشرت كثيرا من المقالات والدراسات فى المجلات الأدبية والثقافية، وأصدرت ديوانين من الشعر أيضا بعد ذلك 0
    وصدقنى أيها الصديق .. إننى أشعر بالتقصير وعدم الرضا ـ فما نبذله للعلم قليل قليل ـ، وأعتقد أن كثيرا من زملائى الغيورين على حمى العلم ومكانته يشاركوننى هذا الشعور، وحقيقة نحن لم نشبع ولن نشبع من الغذاء المعرفى، فكيف نشبع غيرنا ،، واثنان لا يشبعان : طالب العلم وطالب المال !!!
    س5: ما الذى يمثله شعر الغربة لديكم؟ وكيف تنظرون لهذا اللون الشعرى؟
    جـ: الغربة قدرنا.. ومجالنا الذى تتحرك فيه تجاربنا 0
    والغربة المكانية وقعها أهون بكثير من الغربة الزمانية والنفسية، والغربة الحضارية، وتجربة الغربة لدى مزيج من غربة المكان، وغربة الزمان، وغربة النفس ، وكلها تشكل معالم الغربة الحضارية، وصدمة الإنسان المعاصر أمام عصر "الروبوت" والعملاق الميكانيكى الرهيب، وطغيان الفكر المادى، وتراجع قيم الحق والخير والعدل والجمال0
    وقدر لى أن أبدع أكثر تجاربى وأنا مغترب، وديوانى الأول "نبضات قلبين" بالاشتراك مع الصديق الراحل / عبدالعزيز عبدالدايم، كانت تجاربه ترجمة للغربة الوجدانية فى مراحلها الأولى .. حيث تغلف الرومانسية أغلب التجارب 0
    وديوانى "المسافر فى سنبلات الزمن" فيه مواجهة ومقاومة للغربة الحضارية التى يعانيها الوجدان المسلم فى العالم المادى المعاصر، فهو دائما قابض على الجمر0
    وديوان "الحلم والسفر والتحول" تجسيد لنزعة الاغتراب الوجودى، وقد أبدعت جل قصائده فى ليبيا ما بين عامى 1976م، 1980م0
    وكثير من قصائدى تعزف على وتر الغربة، وبعض العناوين لا ينفصل معجمها عن هذا العالم مثل القصائد الآتية : غريبان ـ الغريب ـ من فتوحات الغربة ـ رسالة من عاشق مغترب ـ المنفى داخل الوطن ـ المسافر 0
    وشعر الغربة فى تجربتى لا ينطلق من الإحساس العبثى تجاه الوجود، ولا الإحساس بالضياع فى الحياة، فهذا منطلق "الرومانتيكين" فى تجاربهم، فهم يشعرون بفراغ فى وجودهم لا سبيل لملئه، ويهربون إلى الغاب ومشاهد الطبيعة والعزلة، وخير ما يصور هذا الاغتراب النفسى قول "شاتوبريان"0
    كانت عزلتى التامة بين مشاهد الطبيعة سبب استغراقى فى حالة تستعصى على الوصف، فكنت أحس كأنما يسيل فى قلبى ما يشبه جداول من سيول بركانية متأججة، ويعبر الرومانسيون عن الاغتراب الزمانى حيث يقول أحدهم "يا إلهى: ما أعظم اشتياقى إلى تلك اللحظة التى لا يصير الزمن بعدها زمنا"0 ، وهم فى شوقهم للمجهول يرحبون بالموت، ويرون فيه خروجا من حدود الذات وامتزاجا بالعالم0
    * وفى أدبنا العربى الحديث يعد أدب المهجر نموذجا لأدب الغربة فى أرقى نماذجه، فالنائى عن الوطن، النازح الدار، البعيد المزار، يحمل على كاهله هموما أثقل على نفسه من الجبال، إنه يتعلق بكل ذرة ضوء فى وطنه، ومن هذه النافذة يخرج ضوء الإبداع، وتنطلق شرارة الفن، فإذا بأصداء الحنين موجات موسيقية تهز الرواسى، وإذا بهذه الموسيقى تصبح ـ حين تقام الحواجز بين الإنسان وبين وطنه ـ رعدا يزلزل كيان المعوقين ، وانفجارا يلتهم غابات الضعف والسدود0
    س6: برز على ساحتنا الأدبية الشاعر الدكتور/ صالح الزهرانى، وقد حقق نجاحا ملحوظا من خلال إسهامات عدة فى مناسبات داخلية وخارجية، ما الذى نتوقعه لهذا الشاعر بحكم القاسم المشترك بينكما؟؟
    جـ: الشاعر الدكتور/ صالح الزهرانى من الأصوات الشعرية الجادة الموهوبة فى الحركة الشعرية المعاصرة، وهو يدرك تماما وظيفة الشعر، ودور الشاعر فى الحياة، ويعى د/ صالح كيفية تشكيل اللغة الشعرية المعاصرة، ولذلك تتجدد تجاربه من قصيدة لأخرى، وهو مجيد فى "شعر الشطرين" و"شعر التفعيلة" ولديه قدرة فنية بارعة على توظيف التراث فى شعره، وتوظيف الطبيعة بكل مستوياتها0
    وسر تفوق الشاعر / صالح الزهرانى .. يكمن فى عدم تمرده على تراثنا الفياض بكل كنوز الإبداع، وعدم انبهاره بالزبد الطافى على وجه الحياة الأدبية، أو الجرى وراء كل مستحدث وافد "غريب الوجه واليد واللسان"0
    ولذلك أتوقع له دورا فاعلا فى إثراء الحركة الشعرية فى المملكة العربية السعودية، وأدعو ـ خالصا ـ المنابر الإعلامية ، وفى مقدمتها الأندية الأدبية لإصدار دواوين هذا الشاعر المجيد ، فصوته الشعرى أكثر أصالة والتحاما بالبيئة، وأنقى لغة، وأصفى بيانا، وأعمق رؤية من كثير من الأصوات الشعرية التى تملأ الساحة صخبا وضجيجا!!!
    س7: الغموض فى القصيدة الجديدة .. كيف يمكن أن يستثمر ويستفاد منه؟
    جـ: إن الغموض فى القصيدة الحديثة ليس غاية، ولكنه وسيلة، أو هو صياغة جديدة، وتراكيب جديدة ، وأخيلة غير مألوفة ، وقد شاع بين المحدثين مصطلح "الغموض الماسى"، وهو "الغموض المشع المبين، وليس ذلك الغموض القاتم المستغلق، فالعمل الشعرى إذا ظل مستغلقا على الأفهام فهو أقرب إلى الأحاجى والألغاز، وهو ضرب من العبث اللغوى0
    ويمكن أن تتعدد الطرق الفنية لتقديم التجارب الشعرية عبر وسائل إيحائية، ومن هذه الطرق التى يلجأ إليها كثير من الشعراء لتقديم رؤاهم، والبعد عن الغموض المستغلق0
    أ - اسيتحاء التراث الإنسانى وخاصة "التراث العربى والإسلامى" فى محاولة لإضاءة الواقع، والالتحام به بما فى التراث من لحظات التنوير والكشف والنبوءة0
    ب - الاتكاء على الأسطورة، والقصص الشعبى فى تشكيل بعض التجارب0
    جـ - الرمز اللغوى: حيث تتحول المفردات اللغوية فى تشكيلها الفنى للنص إلى كائنات حية تتعامل من خلال إيحاءات نفسية واجتماعية ووجدانية مشعة بنبض الواقع، وطموح الغد، وبريق الأمل0
    وقارئ الشعر الواعى تتحول لديه القصيدة "الحديثة" إلى تشكيل لنفسيته، فيفسرها حسب مزاجه النفسى ومناخه الثقافى، وتطلعاته الفكرية، فالقصيدة الجيدة ذات الغموض الماسى هى التى تكشف عن هوية قارئها، وتفسر نفسيته 0
    وأما أصحاب "الخزعبلات الشعرية" الذين حولوا "العالم الشعرى" إلى "سيرك" يلعب فيه أصحابه بالحروف ألعابا بهلوانية، فقد شوهوا صورة الشعر العربى شكلا ومضمونا، وأساليب وصورا ورؤى، فأصبحت القصائد لديهم خزعبلات أسلوبية، وألاعيب بهلوانية أشبه بعالم السيرك، فليس فى قصائد هؤلاء ما يشد المتلقى سوى الشذوذ اللغوى، والتناقض الأسلوبى، والمعاظلة فى الكلام ، والابتذال الشعورى، والانحراف الأخلاقى، والاستهانة بالمقدسات 0
    ويرى "رجاء النقاش" الناقد المعروف أن ما يكتبه هؤلاء جنس ثالث ، ليس شعرا ولا نثرا !!!!!
    وأصحاب موجة "الجراد الشعرى" يشوهون صورة القصيدة العربية، ويحطمون رسالة الشاعر، فهم ينطلقون كالجراد المنتشر متمردين على كل القيم الاجتماعية والأخلاقية، وينزعون ـ كما يقولون ـ إلى تحطيم كل الأنماط والقوالب الجاهزة0
    وإننى أتفق تماما مع الأخ الناقد د/ سعد البازعى فى وصفه لهذه الموجة الجرادية حيث يقول: إنها حركة قلقة مضطربة القيم، وإنها لن تختلف عن غيرها من الحركات "المتطرفة" التى تعبر أجواء الثقافات ثم تتوارى ويضعف الاهتمام بها !!!
    س8: الرمز وشعر التفعيلة: يلاحظ على شاعرنا الدكتور/ صابر استخدامهما فما هى وجهة النظر فى هذا النوع؟
    يخطئ الكثيرون من المعايشين لحركة الشعر المعاصر حين يذهبون إلى أن الرمز لا يكون إلا من خلال "شعر التفعيلة" أو "الشعر المنثور" أعنى ما يسمى بقصيدة "النثر" تجاوزا، وهذا الوهم ناشىء من قناعة البعض بأن الشعر المقفى لا يكون إلا "مباشرا تقريريا" وخاليا من الإيحاء، وبالتالى يطل بمنأى عن "الرمز الشعرى"0
    والواقع الفنى والشعرى يأبى ذلك، فشعراء المهجر وفى مقدمتهم "جبران خليل جبران، وإيليا أبوماضى، وميخائيل نعيمة، لهم تجارب كثيرة رامزة فى قالب الشعر المقفى، و"سعيد عقل" كان شعره ينزع إلى الرمزية الجمالية الخالصة وهو فى القالب التراثى ، وزنا وقافية، و"بشر فارس" كانت رمزيته ميتافيزيقية أو رمزية ما وراء الواقع، وشعره موزون مقفى، وكذلك الشاعر صلاح لبكى0
    ورمزية التعبير تتجلى فى بعض تجارب "حسن كامل الصيرفى" وفى شعر "محمود حسن إسماعيل" و"عمر أبىريشة" وأمين نخلة، وهؤلاء الشعراء يصوغون أشعارهم فى قالب الشعر الموزون المقفى0
    ومن خلال تجربتى فى هذا الاتجاه أرى أن المنحى الرمزى فى الشعر أعمق رؤية، وأقرب إلى روح الشعر الحقيقى إذا نجت القصيدة من الضبابية والغموض الداكن0
    والإجابة عن السؤال السابق بها مزيد من الإيضاح والتفصيل0
    وعلى المستوى الإبداعى فأكثر تجاربى تنزع إلى الرمز فى الشعر المقفى وشعر التفعيلة0
    ومن الشعر المقفى القصائد الآتية شواهد على هذا المنحى : الظمآن ـ ملامح من تاريخ شجرة ـ الغروب ـ رمل السماء ـ سباق ـ الظل المضيىء ـ إيقاعات غير منتظمة" 0
    وأما شعر "التفعيلة" فالرمز يقدم من خلال توظيف الشخصيات التراثية وهى تعد أحد مصادر تشكيل الرمز فى الشعر العربى المعاصر، وفى ظلال هذا الرمز ترتقى الصورة الحسية من كينونتها المادية التاريخية إلى صورتها الفنية حيث تصبح بؤرة لإشعاعات فنية لا تحد كما يقول د/ محمد فتوح0
    وتوظيف النصوص والشخصيات الدينية فى الشعر يعد من أنجح الوسائل وذلك لخاصية جوهرية فى هذه النصوص والشخصيات التراثية تلتقى مع طبيعة الشعر نفسه، وهى أنها مما ينزع الذهن البشرى لحفظه ومداومة تذكره، فلا تكاد ذاكرة الإنسان فى كل العصور تحرص على الإمساك بنص إلا إذا كان دينيا أو شعريا ، كما يذهب إلى ذلك د/ صلاح فضل فى رصده لظاهرة توظيف التراث فى الشعر المعاصر0
    وتجاربى فى هذا الإطار متعددة ونابعة من رؤية إسلامية للواقع، ومن هذه التجارب "إيقاع الزمن القادم"، "إشراقات من سفر التكوين والنبوءة ـ أمير الفقراء/ عمر بن عبدالعزيز ـ القبو الزجاجى/ رسالة إلى محمد الفاتح ـ أسماء: الثورة والعطاء والتحدى ـ مشاهد من ملحمة العشق والبطولة 0
    س9: الأدب السعودى: كيف تنظرون إليه بشكل عام، وأين يقع هذا الأدب من خارطة الأدب العربى؟
    إن التأثر والتأثير قائم بين الآداب الإنسانية كلها .. طيلة مراحل التاريخ المتعاقبة على اختلاف اللغات، ومنازع الشعوب، وتباين الحضارات0
    والأدب السعودى المعاصر غصن مثمر فى شجرة الأدب العربى الحديث، وهو فى ملامح تطوره، واتجاهاته وخصائصه وميادينه يعد مكونا أساسيا من مكونات النهضة الأدبية المعاصرة، وعلى دارسى الأدب فى الجزيرة العربية أن لا يغفلوا ارتباط هذا الأدب بالجذور التراثية العربية فى عصور ازدهارها بدءا من ريادة الشعر العربى فى عصر ما قبل الإسلام "العصر الجاهلى" ثم ما تلاه بعد ذلك من عصور أدبية ولغوية بذل فيها علماء اللغة ورواة الشعر والنقاد ومؤرخو الأدب جهودا مضنية فى الحفاظ على اللسان العربى المبين: بنية وضبطا وتراكيب، وأساليب فنية متجددة فى إطار البيان العربى الدال المفيد0
    والأدب السعودى لا ينفصل عن هذه الجذور الذهبية، وهو مع ذلك يواكب التيارات الجديدة فى عالم الإبداع وعالم النقد، ولكن آمل أن تظل هذه المواكبة راشدة فى استقبالها للموجات الحديثة الوافدة، فليست جميع الأنماط والقيم الأدبية الوافدة تتناسب مع بيئتنا العربية الإسلامية المحافظة على هويتها ومعالمها وقيمها الثابتة الأصيلة0
    س10: ماذا تقول لهؤلاء د/ محمد بن مريسى الحارثى ، د/عبدالله باقازى، د/ راشد الراجح :
    د/ محمد بن مريسى الحارثى:
    أيها الصديق الصدوق: عرفتك إنسانا وفيا، وشهما أبيا، إننى أرصد خطواتك الجادة فى تأصيل المفردات النقدية والتراثية، وإعادتها إلى نبض الحركة النقدية المعاصرة، وآمل أن تفسح لك "الجزيرة مساحة أكبر رحابة ليتسع المجال أمامك للتطبيق على النصوص الإبداعية "القديمة والمحدثة" 0
    أعانك الله يا أبا مشهور، ووفقك إلى المزيد من تأصيل معالم النقد الأدبى عند العرب، وهل من جديد بعد كتابيك الجادين : "عمود الشعر العربى" و"الاتجاه الأخلاقى فى النقد العربى" 0
    د/ عبدالله باقازى :
    أخى القاص المبدع: لقد عشت معكم فى دراساتكم عن شعر "أسامة بن منقذ، وعبدالقدوس الأنصارى، والمتنبى، وضياء الدين رجب" وأفدت منها 0
    وعايشت معكم تجاربكم القصصية فى "القمر والتشريح" و"الموت والابتسام" و"الزمردة الخضراء" و"الخوف والنهر" 0
    وآمل أن لا تأخذكم الإدارة ومشاغلها اليومية من الإبداع الجميل، فهل تستقبل الحياة الأدبية عملكم القصصى الجديد .. قريبا؟؟ أم سيطول الانتظار ؟!!!
    د/ راشد الراجح:
    معالى الأخ الكريم الراشد : أ.د/ راشد الراجح . إننى يغمرنى التفاؤل، ويتملكنى الحبور حين تستقبلنا هاشا باشا مبتسما فى أصالة عربية ، وحفاوة وأريجية0
    ونادى مكة فى ظل هذه الحفاوة يفتح أبوابه للجميع، وتتنوع موائده الفكرية والإبداعية ، وفقكم الله للخير دائما، ولكل ما يحبب أبناء الأمة فى لغة القرآن الكريم والأدب العربى الأصيل 0
    وآمل فى ظل رعايتكم الراشدة أن تواكب مجلة "البلد الأمين" مسيرة الحركة الأدبية والعلمية، والإبداعية، وأن يطلع عليها أبناء جامعة أم القرى، وطلاب الجامعات الأخرى، حتى يرتبط الشباب بنيض الثقافة العربية الإسلامية الخالصة من الشوائب، والأفكار المستوردة0

  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    حوار مجلة الأدب الإسلامي مع د . صابر عبد الدايم
    .................................................. ..........................

    د . صابر عبدالدايم في سطور - ولد في محافظة الشرقية بمصر 1948م . - دكتوراه في الأدب والنقد من جامعة الأزهر بالقاهرة 1981م . - عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية ، وعضو اتحاد الكتاب بمصر ، وجمعية الإبداع الأدبي بالشرقية. - عضو هيئة تحرير مجلة الثقافة الجديدة ، ومجلة أوراق ثقافية ، ومجلة أصوات معاصرة. - عضو هيئة التدريس في جامعة أم القرى، وجامعة الأزهر بالزقازيق ، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. - شارك في عشرات الندوات الأدبية والنقدية والمهرجانات الشعرية داخل مصر وخارجها. - ناقش كثيرا من الرسائل الجامعية في جامعات الأزهر ، والزقازيق ، وأم القرى ، و محمد بن سعود الإسلامية ، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وغيرها . - شارك في البرامج الإذاعية الأدبية والدينية في عدة إذاعات مصرية . - أصدر ثمانية دواوين شعرية منها:مسافر في سنبلات الزمن ، ومدائن الفجر ، والمرايا وزهرة النار. - أصدر ثمانية عشر كتابا أدبيا ونقديا ، وله عدة كتب تحت الطبع. - أعدت عنه رسالة ماجستير في كلية اللغة العربية بالمنصورة، ورسالة دكتوراه في الأدب الإسلامي المقارن في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. الشاعر والناقد د . صابر عبد الدايم : الأدب الإسلامي ماضٍ في طريقه والحرية المطلقة فوضى في حركة الحياة. يعد د . صابر عبدالدايم من الأدباء الذين جمعوا بين الالتزام الإسلامي والإبداع الفني المتألق بدواوينه التي ضمت مزايا الأصالة إلى جاذبية الجديد ، وهو مع ذلك ناقد وأستاذ جامعي ، التقته مجلة «الأدب الإسلامي» في هذا الحوار : ٭ تباينت الرؤى حول وظيفة الشاعر في الحياة.. فهل لنا أن نتعرف على رؤيتكم لهذه الوظيفة؟ إن الشاعر بذرة في حقل الحياة.. يستمد حياته من خصوبتها ويكسبها ثراء ومتعة وجمالا حين يتفاعل مع معطياتها ومكوناتها... وينحت مفرداته من أعصابها وشرايينها... فطبيعة الأدب ووظيفته غير منفصلين كما يقول النقاد. فلا قيمة للشيء بدون ما يعطيه في الحياة وإلا أصبح ترفا يمكن أن يستغنى عنه.. وقديما قال هوراس: إن الشعر عذب ومفيد، والعذوبة في الشعر ثمرتها الإمتاع، والإفادة ثمرتها أن تكون للشعر رسالة تضيء الوجدان الإنساني، وتثري آفاق النفس، وتفتح أمامها صفحة الوجود الكوني... والتصور الإيماني لمكونات هذا الوجود... فالشعر في تصوري تأمل ونفاذ إلى عمق الأشياء عبر رؤية حضارية إسلامية واقعية. وتباين الآراء حول وظيفة الشعر في الحياة يوحي بقيمة هذاالفن الراقي، وهو ديوان العرب، وكل أمة تفخر بشعرائها وأدبائها،ولها منظور خاص في رؤيتها لدور الشعر في الحياة. وكثيرمن النقاد يرون أن الأدب - وفي مقدمته الشعر - ذو وظيفة أخلاقية، وفسروا اتجاه «هوميروس» إلى كتابة «الإلياذة» بأنه كان اتجاها أخلاقيا تهذيبيا، وفي مقدمة هؤلاء النقاد الفلاسفة «هيجل». و «مايثو أرنولد» كان يدعو إلى أن يكون للأدب وظيفة خلقية. والمؤرخون يعدون الشعر وظيفة اجتماعية. والآراء السابقة في مجملها تتصادم مع مقولة: الفن للفن، فهذا تصور يلغي دور الشعر ورسالته في الحياة. وحين نرى أن الشعر ينبع من التصور الحضاري والإسلامي للحياة فهل ترانا متكلفين أم نصطنع الالتزام؟! والتراث الإنساني في تياره الأقوى يربط الشعر بالحياة وجماليات الوجود. ٭ في تصوركم ما علاقة الشاعر بالناقد؟ وهل هذه العلاقة اختلفت عبر العصور؟ وإلى أي مدى تخدم هذه العلاقة العمل الأدبي؟ الشاعر والناقد توأمان لا عدوان، الشاعر يبتكر والناقد يكشف عن جوانب العبقرية في ابتكارات الشاعر، الشاعر يرتاد المجاهل.. ويؤلف بين الأضداد، ويصطاد الأخيلة... والناقد يبدع النص الشعري مرة أخرى ليس عن طريق الوجدان ولكن عن طريق العقل والعلم والحقائق والحيدة والموضوعية. وهذه العلاقة التي يحكمها مناخ صحي تتكئ على مصداقية الناقد وأصالة المبدع فالناقد الحقيقي يوجد في أعماقه أديب كامن، والشاعر الناضج هو الناقد الأول لنصه الإبداعي. أما الممارسات التي تفسد العلاقة بين المبدع والمتلقي فتكمن في نزوع الناقد أحيانا إلى مجاملة المبدع، أو التحقير لجهده الإبداعي بدافع الشللية أو العصبية المذهبية أو التناحر الشخصي، فلا بد من الموضوعية والإخلاص في النقد والفن، فليس في الفن مجاملة، فالصدق والإخلاص هما رائدا الفنان الحقيقي، وعلى الناقد أن يضعهما أمام بصيرته وهو يحلل ويناقش ويحكم. ومع الرؤية الشمولية للعمل الأدبي، يجب أن لا يكون النقد سيلا من المدح، أو جبلا من التهم، فليس هذا ولا ذاك مما يدفع بالفن إلى مرقاه المبتغى له، وإنما الأحكام الموضوعية التي يوشيها الحب والرغبة في الكشف عن كل إبداع جديد ورائد. ٭ ما الأدوات التي يجب أن يتسلح بها الناقد قبل شروعه في تناول العمل الأدبي؟ الناقد البصير الخبير مثل الصيرفي..، الذي يتعرف على الذهب الخالص ويرفض المعدن الزائف، وهكذا قال القدامى فالعمل الإبداعي قطعة من الذهب الخام يحتاج إلى من يكشف جمالياته وينفي عنه ما شابه من أخلاط وعناصر فاسدة. وهذه مهمة الناقد (تمييز الجيد من الرديء ). وتلك مسؤولية جسيمة لا يستطيع القيام بها إلا من أوتي معرفة شمولية وذوقا أدبيا فطريا، فالنقد موهبة وثقافة، فليس كل عالم بالأدب ناقدا. والناقد الحق عليه أن يتزود بأسلحة كثيرة للدفاع عن القيمة الأدبية والإنسانية والجمالية الكامنة في النص، ومن هذه الأسلحة: (أ) إتقان علوم اللغة وهضمها من نحو وصرف وعروض وأصول اللغة وفقه اللغة.. وذلك بدراسة التراث اللغوي دراسة جيدة. (ب) تمثل مسيرة الحركة الأدبية عبر العصور المختلفة تمثلا جيدا، والوقوف على ملامح كل عصر، والوقوف على سمات التطور من عصر إلى آخر. (جـ) التعرف على خصائص الشعراء وأدواتهم الفنية، واكتشاف أسرار التفوق الشعري لدى كبار الشعراء في العصور المتعاقبة. (د) هضم علوم البلاغة العربية القديمة والانطلاق منها إلى آفاق المعايير النقدية الحديثة. (هـ) التعرف على التراث الإنساني، ودراسة ظواهر التأثير والتأثر بين الآداب العالمية. (و) إتقان الخصائص الصوتية واللسانية الدالة على عبقرية لغتنا العربية الجميلة، لغة القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. (ز) الوقوف على أحدث المنجزات النقدية في فنون الأدب المتعددة من شعر وقصة ورواية ومسرح ومقالة وخاطرة وسيرة أدبية. (ح) الخبرة المعرفية والتذوقية بجماليات الفنون التعبيرية الأخرى من رسم وموسيقى وتصوير ونحت. والنقد بعد هذا وقبل ذاك يتكئ على الثقافة الشاملة وعلى الخبرة والدربة والتذوق والموهبة والحيدة والموضوعية. ٭ سبق أن قلتم : إن الأدباء الإسلاميين يضحون بالفني في سبيل المضمون. فما معنى هذا؟ وهل أنتم غير راضين عن النتاج الأدبي الإسلامي الحالي؟ إنني قلت في الحوار الذي أجرته معي مجلة (الجيل ):«إن بعض الأدباء الإسلاميين يضحون بالفني في سبيل المضمون» فالحكم ليس عاما، ولكن قلت: البعض وليس الكل، والحقيقة أن هناك كثيرا من المبدعين الملتزمين بالتصور الإسلامي على درجة عالية من المستوى الفني.. والجودة الأدائية في شعرهم وفي قصصهم ورواياتهم ومنهم على سبيل المثال: نجيب الكيلاني، محمد بنعمارة، حسن الأمراني، حسين على محمد، جميل عبدالرحمن، عبدالله شرف، أحمد فضل شبلول، أحمد مبارك، عبدالرحمن العشماوي، وصالح الزهراني... وغيرهم. وهذا يعني أن النتاج الأدبي الإسلامي ماض في طريقه الجيد في ظلال رؤية أدبية إسلامية نابعة من خصائص التصور الإسلامي. ٭ كيف ترى الخلاف الناشئ الآن حول مصطلح الأدب الإسلامي، ورفض بعض الأدباء والنقاد له، ألا ترى لهذا الخلاف نهاية؟ إن الخلاف حول مصطلح الأدب الإسلامي.. نشأ منذ أن تكونت رابطة الأدب الإسلامي العالمية في عام 1984م: أي منذ أكثر من عشرين عاما.. والذين يعارضون مصطلح الأدب الإسلامي فريقان: الفريق الأول: تنبع معارضته من موقف لا يتصادم مع مبادئ الرابطة، ولا يسعى هذا الموقف إلى إلغاء جهود الرواد المخلصين في هذا المجال الحضاري المضيء وهذاالفريق يمثله بعض المتخصصين في علم البلاغة العربية والنقد، والدراسات اللغوية والتراثية والحديثة. وأصحاب هذا الموقف علماء أجلاء.. ولا ينادون بإلغاء المصطلح، ولا يحاربونه ولا يعارضون الجهود الكريمة المبذولة في ترسيخ دعائم هذا المنهج الإسلامي القويم، ومن أبرز الذين عرضوا للقضية عرضا منهجيا علميا محايدا الناقد الدكتور الطاهر مكي، وقد أقر في كتاب كامل له بوجود مصطلح الأدب الإسلامي وهو كتاب (مقدمة في الأدب الإسلامي المقارن). وأضع أمام كل من لديه شبهة أو سحابة من القلق رؤية عالم متخصص في النقد الأدبي والأدب المقارن، يقول د. الطاهر مكي: «الإسلام دين شامل له موقف من كل قضايا الحياة، ومع الزمن نمت ثقافته وتضخمت إلى جانب العلوم الدينية الخالصة تنصح الراعي وتوجهه، وتوقظ الرعية وتهديها، فنشأ من ذلك أدب إسلامي المحتوى يأخذ في كل بيئة لونا، ويكتسب مع كل حضارة زيا، ويتشكل في كل عصر بما يلائمه، ودعامته الأولى الصدق بجانبيه الواقعي والفني». وأما الفريق الآخر.. الذي يعارض المصطلح.. ويتهم أعضاء الرابطة وكل المنتمين للمنهج الإسلامي بالسطحية.. والعصبية، والفقرالإبداعي، والفكرالتبعي السلفي، وعدم مواكبة التيارات العالمية، وعدم الذوبان في وهج الحداثات المتلاحقة، فهؤلاء ينبع موقفهم من عدم فهم المصطلح، وهذا الموقف لم ينشأ من قصور في الإدراك، أوجهل بقيمة الإبداع، ولكنه نشأ من طبيعة التفكير.. والتكوين الثقافي، والمؤثرات العالمية الغازية الوافدة. أقول: إن القطيعة بيننا وبين مصادر ثقافتنا العربية وتراثنا الإسلامي النابض المشرق المتوهج.. كانت من أكبر الدوافع التي جعلت كثيرا من الأدباء والمبدعين المحدثين يعارضون مصطلح الأدب الإسلامي، لأن الرؤية ما زالت أمامهم غائمة، وتراكمات المذاهب والمناهج الغربية لا تترك ولو خيطا ضئيلا أو بصيصا من النور الذي يتعرف من خلاله هؤلاء على أبعاد الاتجاه الإسلامي في الأدب.. وكل نواحي المعرفة. وأريد أن أطمئن كل من يعارض مصطلح الأدب الإسلامي أو قيام رابطة الأدب الإسلامي، فأقول: لا يوجد أديب عربي مسلم وأديب من الشعوب الإسلامية الناطقة بغير العربية يتهم الآخر بالكفر، أو يقول: من ليس عضوا في الرابطة فهو غير مسلم، هذا وهم.. وخيال، ومعول من معاول الهدم.. وكل أديب أيا كان توجهه مسؤول عن كلمته وعن توجهاته، والأدب في ظل الإسلام لا يعارض أي نتاج إبداعي متفوق متجدد لا يتصادم مع ثوابت الفكر الإسلامي.. وتصوراته. وأرى أن هذا الخلاف مستمر وليس له نهاية، ولكن على كل أصحاب الرؤى الدائرة في ذلك التصور الإسلامي أن يجودوا إنتاجهم الفني.. وأن يخلصوا لإبداعهم.. وأن يطلعوا على كل التيارات العالمية الحديثة.. وأن يتحاوروا معها.. وأن يستضيؤوا بالتجارب الرائدة العالمية التي لا تتصادم مع أبعاد الرؤية الإسلامية، لأن الاختلاف سنة الله في خلقه. ٭ يرى بعض النقاد أن مصطلح الأدب الإسلامي يحد من إبداع الكاتب وحريته لحتمية الالتزام المطلوب منه، فهل عانيت من هذه المشكلة بصفتك شاعرا إسلاميا ؟ إن الحرية المطلقة ما هي إلا فوضى في حركة الحياة، وكل نشاط إنساني تحكمه مبادئ وقوانين، والمذاهب الأدبية متعددة، ولكل مذهب مبادئه وفضاءاته، ومن ينتمي إلى مدرسة أو مذهب نقدي ويتحرك في دائرته يوصف بأنه منتم ومنهجي، لأنه ينطلق من مبادئ ومعالم وقواعد وتصورات يتبناها، ولا يشعر بأي قيد وهو ملتزم بأصول هذا المنهج الفكري أو السياسي أو الأدبي أوالنقدي. ومن ينتمي إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ويحلق بجناحين من يقين وإباء في فضاءات الأدب الإسلامي، فهو لا يشعر بالقيود، ولكنه يشعر بحرية الشعور وحرية الذات لأنه ليس أسير حدود جغرافيا، ولا أسير تصورات اجتماعية ضيقة، ولكنه يخاطب النفس السوية المسلمة في كل مكان، لأن الإسلام دين البشرية كلها، والخطاب الأدبي في ظل القيم الإسلامية خطاب عالمي في منهجه وتصوره. وأرى أن الأديب المسلم في كل مكان على وجه المعمورة باستطاعته أن يجدد تجاربه، وأن ينوع أشكاله التعبيرية في الشعر والقصة والمسرح والرواية والمقالة والخاطرة والآبدة، وفن السيرة الذاتية والغيرية، وغير ذلك من فنون القول الشعري والنثري. وحول تجربتي مع الالتزام بالمصطلح أقول : لقد نشأت نشأة محافظة في ظل والد متدين، وحفظت القرآن الكريم في سن العاشرة، وطالعت كثيرا من كتب التفسير والفقه وأنا في المرحلة الإعدادية، ولذلك حينما تفجرت ملكة الشعر لديّ لم أشعر بأي قيد يحد تجربتي، لأنني في كل تجاربي الشعرية لا أقدم إلا الرؤية الشعرية التي لا تتصادم مع رؤى الإسلام ومواقفه من الكون والإنسان والحياة، وأراجع ما أكتبه من حين لآخر مراجعة فنية ورؤيوية. ولي تجارب كثيرة في الشعر الوجداني والتأملي، وتجارب كثيرة أستوحي فيها التراث الإسلامي بكل معطياته رموزا وأشخاصا ومبادئ وأفكارا ورؤى حضارية وأماكن تعبق بالمجد والحضارة. ولغتي الشعرية تواكب الجديد في عالم القصيدة الحديثة، ولديّ قصائد كثيرة يمكن قراءتها قراءات متعددة، وأرى أن القصيدة الجديدة الحديثة تتعدد أبوابها بتعدد قرائها، والرؤية الإسلامية لا تحد ذلك، ولا تقيد النص الجيد، السابح في مدارات الإبداع. ودواويني بها كثير من القصائد الرمزية، التي توظف التاريخ وتستوحي التراث،ومن هذه الدواوين ديوان العاشق والنهر ، وديوان نبضات قلبين ، وديوان الحلم والسفر والتحول. وكثير من الشعراء الذين ينتمون لتيار الأدب الإسلامي، لديهم هذاالتوجه الفني في نتاجهم الشعري. ٭ ما تصورك لمعالم النقد الأدبي الإسلامي؟ إن النقد الأدبي يرصد الإبداع من زاويتين: هما«الرؤية والبناء»، أو«المضمون والشكل». والبناء الفني لأي عمل أدبي في أدبنا العربي له أصوله وقواعده التي استقرت في تراثنا النقدي، وفي معالم المناهج النقدية الحديثة، وخاصة المنهج الفني، فللشعر لغته التصويرية الإيحائية، وتحليل لغة الشعر والنثر الفني يتكئ على ميراث نقدي ضخم في علوم البلاغة العربية، وفي جهود النقاد العرب القدامى والمحدثين. وكذلك مكونات البناء القصصي والمسرحي والروائي، معروفة وقابلة للتجدد والتطور، والنقد الأدبي الإسلامي لا يلغي كل هذه الجهود في تنمية الرصيد النقدي في الإبداع العربي، وهو يضيف إلى ذلك ضرورة إظهار جماليات التجارب الأدبية التي قدمها أصحابها في لغات أخرى مثل لغات الشعوب الإسلامية، لأن لكل بيئة صورا وخيالات ورؤى وأساليب في كل الفنون الأدبية، وكتاب (مقدمة في الأدب الإسلامي المقارن) يفتح آفاق هذا الاتجاه. والذي يتميز به النقد الأدبي الإسلامي هو تحليل الرؤى والمضامين الإسلامية، والتنبيه إلى أصالتها وجديتها وجمالياتها من خلال التحليل اللغوي، والكشف عن أسرار التعبير والوصول إلى المضامين عبر صوتيات اللغة، وإيقاعات الحروف والكلمات والأساليب، وأرى أن المداخل إلى النص الأدبي الإسلامي تتمثل في الآتي: أولا: الوقوف على مظاهر التأثر بالبيان القرآني والبيان النبوي في النص والشواهد على ذلك، وأرى أن التأثر يتخذ محاور عدة منها: ١ - التأثر الكلي الشمولي، وهو تأثر إيجابي يتمثل الرؤية والأداة. ٢ - التأثر الأدائي الشكلي، وهو تأثر بالشكل والأدوات الفنية فقط. ٣ - التأثر السلبي المضاد، وهو تأثر مرفوض وغير مقبول. ويتعمد أصحاب هذا الاتجاه تشويه صورة التأثر بالبيان القرآني والبيان النبوي. وفي كتاب (الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق) لكاتب هذه السطور وكتاب (القرآن ونظرية الفن) للدكتور حسين علي محمد، تأصيل لهذه المحاور وغيرها من مكونات العمل في ظل المنهج الإسلامي. ثانيا: توظيف التراث في النص الأدبي الشعري وغيره: ولهذا المعلم من معالم النقد الأدبي محاور كثيرة، وفي مقدمتها: ١ - الشخصيات الإسلامية بكل أبعادها وموحياتها في جميع العصور، والنقد الأدبي الإسلامي يضع الشخصية في إطارها المضيء أو الواقعي الذي لا يشوه الصورة الحقيقية. ٢ - التعرف على عبقرية الأمكنة الإسلامية وأثرها في تشكيل التجارب الأدبية. ٣ - البحث عن التجارب التي تستدعي معالم الحضارة الإسلامية ومكوناتها، وتسافر إليها لكي تبعث الحاضر حتى ينهض من عثراته. ثالثا: استجلاء مظاهر الطبيعة الكونية، والطبيعة الحية، والطبيعة الجامدة ، والكشف عن جماليات النصوص التي تخوض التجارب التأملية العميقة منطلقة من رؤية إيمانية تنأى عن الشك، وأطياف اليأس، وتنعم باليقين. رابعا: تحليل الأساليب في ضوء نظرية النظم التي أبدعها الإمام عبدالقاهر الجرجاني في كتابيه«دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة»، وهما كتابان جليلان يجب أن يقرأهما ويتمثلهما كل أديب مسلم، وكل ناقد يحترم تراثه، ويدافع عن منهجه الإسلامي، وعن تراثه العربي. خامسا: تحليل صوتيات الكلمات وإيقاعاتها، والأساليب في التجارب الشعرية والنثرية، في ضوء ما وصل إليه علماء الصوتيات وفقه اللغة، والمشتغلون بالعروض، في ضوء العناصر التراثية، وفي ضوء خصائص الحروف، وعلم التجويد. وقد شاركت في هذه الجهود المتتابعة، وقدمت عدة كتب نقدية وأدبية تنزع إلى استجلاء أثرالإسلام في النص الأدبي، ومنها:«الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق»، و«من القيم الإسلامية في الأدب العربي»، و«تاج المدائح النبوية.. شرح قصيدة البردة لكعب بن زهير»، و«الشعر الأموي في ظل السياسة والعقيدة»، و«الحديث النبوي - رؤية فنية جمالية»، و«الإمام محمد متولي الشعراوي، شاعر الدعاة وداعية الشعراء».

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    حول منابع التجديد الشعرى والنقدى..وآفاق الأدب الإسلامى

    حوار: أ. د. حسين على محمد
    ...........................................

    أنت أحد شعراء الموجة الجديدة، فما رأيك فيما يصدر عن أبناء جيلك؟
    قضية الأجيال الأدبية ما زالت غير محددة إلى الآن، وإنما هناك مدارس أدبية واتجاهات شعرية تظهر فى فترات متقاربة أو متباعدة، وقد يمتد تأثير إحدى هذه المدارس عدة أجيال، وذلك بما تملك من أصالة ومعاصرة. وأما عن إبداع أبناء هذا الجيل وبخاصة فى مجال الشعر فإن هناك أصواتا متميزة ولها إيقاعها الخاص ، وعالمها الشعرى المتفرد. وأرى أن الأكثرية مازالت متخبطة ولا تقف على أرض بكر متسلحة بالتراث العربى والإسلامى منفتحة على التراث الإنسانى، بل حصرت نفسها فى التعبير عن الرفض السياسى حينا ، والتصارع مع الواقع أحيانا، والشعور بالإحباط والهزيمة النفسية، وقد أدى هذا بهم إلى البعد عن تعمق تجاربهم 0
    ومن الأعمال الجيدة التى يعد أصحابها بعطاء جيد خصيب ديوان "شجرة الحلم" للشاعر حسين على محمد و"رحلة آدم" للشاعر محمد سعد بيومى، و"لماذا يحولون بينى وبينك للشاعر جميل محمود عبدالرحمن، و"العروس الشاردة" للشاعر عبدالله السيد شرف0
    * ما موقفك من الأجيال السابقة، وما علاقتك بالشعراء المبدعين فى مصر عموما؟ وما تقويمك لتيار الشعر الحر؟
    * شعر التفعيلة ـ أو الشعر الحر ـ مازال فى فترة التكوين لم يفرض نفسه بعد بصورة نهائية ومرد ذلك إلى موقف الشعراء الجدد من الشعر الموزون المقفى فقد ناصبوه العداء وتهكموا من مبدعيه المعاصرين لهم، فأصبحوا رافضين ومرفوضين معا، وأرى أن الشعر الحر لم ينشأ على يدى صلاح عبدالصبور أو أحمد عبدالمعطى حجازى بل يعد أول من أبدعه الشاعر محمود حسن إسماعيل وعلى أحمد باكثير فى مصر، وأمين الريحانى وجبران فى المهجر الأمريكى تأثرا منهم بوالت ويتمان ، وقد وقع أصحاب الشعر الحر فى الشرك السياسى وجاءت قصائدهم أو دواوينهم من قبيل أدب التحريض، وكانت مثل هتافات المظاهرات تأثرا منهم بالأدب الثورى الذى ظهر فى فرنسا عقب قيام الثورة الفرنسية وكذلك تأسيا بالأدب الروسى وفى مقدمتهم أحمد عبدالمعطى حجازى وتبعه الشاعر أمل دنقل وكثيرون غيره. وجاءت أغلب تلك الأعمال الشعرية مفككة بدعوى أن الشعر فوضى منظمة وقلب لأوضاع اللغة، وتعامل جديد مع الأشياء ولم ينج من هذا الشرك غير قلة عرفت قيمة الشعر وأدركت منابعه، ومنهم الشعراء: صلاح عبدالصبور، وملك عبدالعزيز وعبدالرحمن الشرقاوى وخاصة فى مسرحياته الشعرية0
    وأرى أن الجيل التالى الذى ظهر فى الستينيات لم يأخذ دوره كما يجب برغم أنه أكثر أصالة وفى مقدمتهم محمد عفيفى مطر الذى هاجر شعره منه إلى لبنان وظل مختنقا حيث لم تفتح له دور النشر ذراعيها كما فتحتها لكثير من الأدعياء وهو من الأصوات النادرة فى الشعر العربى ومن هذا الجيل أيضا: محمد إبراهيم أبوسنة، ود/محمد أحمد العزب، ومحمد فهمى سند، ونصار عبدالله، وبدر توفيق ، وفاروق شوشه 0… وأحمد سويلم 0
    * ما رأيك بالنشرات المطبوعة بالآلة الكاتبة التى يصدرها أبناء جيلك؟
    * النشرات المطبوعة بالتصوير التى يصدرها أدباء وفنانو الأقاليم فى مصر تعد صرخة احتجاج فى وجه العاصمة والمجلات التى تصدرها والهيئات الأدبية فيها، وكذلك تعد إثبات وجود حقيقى للأدباء فى الأقاليم المصرية0
    وفى مقدمة هذه النشرات "أصوات" وقد نوه بهذه النشرة الأديب عبدالعال الحمامصى فى مجلة "أكتوبر" والأستاذ الناقد إبراهيم سعفان فى مجلة "الثقافة" وكذلك نوهت بأصوات مجلة "الشعر" المصرية، وأثنى عليها الشاعران فتحى سعيد ومحمد مهران السيد، وتحدثت عنها "أخبار اليوم" و"حواء" و"روز اليوسف" ووصلت "أصوات" إلى استوديوهات البرنامج العام بإذاعة القاهرة0
    وفى جريدة المساء كتب عادل الحلفاوى عن ديوان" لماذا يحولون بينى وبينك الذى صدر عن "أصوات" للشاعر جميل محمود عبدالرحمن وفى جريدة "الوطن" بسلطنة عمان كتب الشاعر حسين على محمد تحليلا لديوان "العروسة الشاردة" لعبدالله السيد شرف وهو صادر عن "أصوات" 0
    وفى جريدة "البلاد" السعودية كتب حلمى محمد القاعود أيضا عن ديوان "العروس الشاردة" 0
    وقد فوجئت فى عدد يونيو 1981 من أصوات "بهذا الخبر عقب حصولى على الدكتوراه "شاعر أصوات يحصل على الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى" ويشرفنى أن أشارك فى "أصوات" بشعرى ونقدى0
    ولن أنكر فى هذا المجال جهود الأديب محمد الراوى ، وكتابه "بانوراما الحركة الأدبية فى أقاليم مصر" يعد وثيقة تاريخية أدبية صادقة يعتمد عليها الدارسون فى مجالات الأدب المختلفة وأرجو أن تتوفر الأعمال الأدبية التى ذكرها فى كتابه لدى أو لدى المهتمين بتاريخ الأدب فى مصر حتى تكون مجالا لدراسة علمية مثمرة0
    وقد تطورت مجلة "أصوات" بعد ثلاث عشرة سنة من صدورها وصدرت عام 1993 فى طباعة أنيقة وحجم أكبر0
    لو طلبنا منك اختيار عشر قصائد تمثل صورة الشعر الحر فى مصر، فهل تذكرها لنا؟
    من التجارب الشعرية التى شدتنى وهزتنى وأعدها نماذج فريدة فى الشعر العربى الحديث0
    1 - قصيدة السلام الذى أعرف للشاعر محمود حسن إسماعيل0
    2 - قصيدة الرقص على خلخال ست الملك للشاعر محمد أبودومة0
    3 - قصيدة كبرياء الطين للشاعرة "ملك عبدالعزيز0"
    4 - قصيدة " لا أحد" للشاعر" أحمد سويلم" 0
    5 - قصيدة "الدائرة المحكمة" للشاعر "فاروق شوشة" 0
    6 - قصيدة مدينة الغرباء للشاعر" محمد فهمى سند" 0
    7 - قصيدة أغنية إلى الله للشاعر "صلاح عبدالصبور" 0
    8 - قصيدة البكاء بين يدى زرقاء اليمامة للشاعر "أمل دنقل" 0
    9 - قصيدة الطيور المتوحشة للشاعر "محمد سعد بيومى" 0
    10 - قصيدة رسالة إلى الشيخ رفاعة للشاعر جميل محمود عبدالرحمن 0
    11 - قصيدة أغنية خضراء إلى حلب للشاعر حسين على محمد0
    12 - قصيدة " المدى ينتحب" للشاعر محمد إبراهيم أبوسنة0
    ما تقييمك لحركة الشعر الحر فى مصر بعد ثلث قرن ؟
    أعتقد أن موجة الشعر الحر تكاد تنحسر ولا أدرى السبب ، قد يرجع هذا إلى أن الشعراء الجدد قد قلدوا من سبقهم من جيلى الخمسينيات والستينيات ولم يؤصلوا تقليدهم بالتثقيف الذاتى واستلهام التراث الإنسانى وقد يرجع هذا إلى احتجاب المجلات الأدبية المتخصصة وإهمال الدواوين التى تنشر وعدم التنويه بها0
    والشعر ـ كما تعلم ـ مشكلتى وزادى إبداعا وثقافة وإعجابا ونقدا ولذلك أتابع كل ما ينشر بالمجلات الأدبية وغيرها من أشعار الأدباء الشبان وكذلك الدواوين الجديدة ، وأطلب من أصحابها أن يراسلونى ويرسلوها إلى مكتبتى لأننا لا أجدها أحيانا مع الباعة، وأعتقد أن الفترة من عام 1965 إلى عام 1980 تحتاج إلى دراسة متأنية ترصد أهم ملامحها والخصائص الفنية لها وتتعرف على ظروف شعرائها، وأدعو الشعراء إلى كتابة مذكراتها فلها دور كبير فى التعرف على شخصية الأديب وتحليل أشعاره والوقوف على أسرارها، وآمل أن أوفق إلى دراسة هذه الفترة إن شاء الله0
    والخريطة الآن موزعة على أرض مصر، وتحتاج إلى جهود كثيفة لتجميعها، والشعراء بحاجة إلى مؤازرة وزارة الثقافة وأجهزة الإعلام ودور النشر وموقف النقاد النزيه0
    ولست مبالغا إذا قلت إن مجلة "أصوات" وهى مجلة شعرية متخصصة تمثل خريطة الشعر الحر فى مصر الآن، حيث يكتب فيها شعراء من الشرقية وبورسعيد وسوهاج وطنطا والمحلة الكبرى والسويس وسورية والمغرب وأسبانيا وإذا تهيأت لها الوسائل التى تنعم بها المجلات الأخرى فستحدث دويا هائلا فى عالم الشعر .. وإن كنت أعتقد أن مجال القصة والمسرح أرحب الآن من مجال الشعر0
    وأنا أنتظر جيل السبعينيات الذى بدأ يزدهر فى الثمانينيات، وأرى أنه جاد فى مسيرته، خطواته ثابتة بدأت تشق طريقها الصحيح .. وهذا الجيل الذى تشكل يناضل الآن من مواقفه فى الأقاليم، ويصدر المطبوعات على حسابه الخاص وبإمكاناته الفقيرة وفى مقدمتهم حسين على محمد بالشرقية ومحمد الراوى بالسويس0
    وأرى أن دراسة الشعر الحر تحتاج إلى رصيد ثقافى هائل وخبرة أدبية راقية، وذوق فنى خالص ومعايشة للعمل المنقود لأن الشاعر الجيد يثرى تجربته بلغته المتميزة والتحامه ببيئته وتعامله مع الأساطير والرموز الدينية وعالم الأحلام وبما يضفيه على تجربته من قضايا فلسفية واجتماعية وسياسية ونفسية0
    ولذلك يحتاج الدارس كما يحتاج المبدع إلى دراسة كل العلوم الإنسانية والوقوف على خصائص وأرض التجارب الإنسانية0
    وللشعر دوره الاجتماعى الرائد، ولو فقد الشعر هذا الدور لفقد قيمته فالشعر إحساس بكر صادق0
    الشعر خبز الفقراء، ومطرقة العامل، ونبض الحياة. ولكن هذا الدور انحسر عن مده الآن وذلك لأن الجماهير أعرضت عن الكلمة الجادة، وتلهت بأمور الحياة، وبالأجناس الأدبية الأخرى وتمكنت أجهزة الإعلام منها، فالمسلسلات التلفيزيونية والإذاعة والأفلام السينمائية والأغانى وكذلك مباريات الكرة، والوقوف أمام المجمعات الاستهلاكية أفقدت الجماهير طعم الشعر الجيد، وأخاف أن يأتى اليوم الذى يكتب فيه الشعراء للشعراء أو يملى النقاد على الشعراء ما يكتبون!! ومن هنا تأتى أهمية الشعر المسرحى الذى يعالج هموم الناس ، ولو نجح الجيل الجديد فى هذا المجال لثبتت أقدامه فى عالم الشعر الرهيب0
    * هل لديك أقوال أخرى ؟
    الحداثة الشعرية ـ وعملية الإبداع عندى :
    1 - الحداثة الشعرية فى رأيى تتمثل فى طريقة التعبير عن التجربة وإيجاد علاقات جديدة بين الألفاظ ، والوزن والقافية لا يقفان حجر عثرة فى رقى الشعر وتطوره، وجربت ذلك فى عدة قصائد حيث الحداثة الشعرية بكل ما تحمل من مضامين وآفاق فنية ومع ذلك التزمت بالوزن الواحد والقافية الواحدة وآمل أن ترى تجربتى النور قريبا إن شاء الله ومن هذه القصائد: الظمآن، ملامح من تاريخ شجرة، العصفور ، والنص الشعرى الجيد لا أستطيع أن أحدد ملامحه وإنما أصفه بإحساس الشاعر الناقد فمثله مثل الشجرة التى تأصلت جذورها، وسمقت فروعها، ودنا ثمرها، وصمدت أمام عواصف الشتاء، ورياح الخوف، وهزأت بعوامل الزمان والمكان ، فالتجربة الشعرية فيه نابعة من الظروف التى دفعت بالشاعر إلى المعاناة إلى درجة الاحتراق أو الاستغراق فى مصدر الانفعال، فإذا بالأفكار عميقة إلى ما لا قرار ، والألفاظ تخفى وراءها دلالات كثيرة، وتوحى بعواطف ومعان متعددة غزيرة، والصور مبتكرة متلائمة مع الجو النفسى العام للتجربة تنمو نموا عضويا حتى تصبح القصيدة بناء متماسكا متآلفا متناسقا مبتكرا، مؤثرا، معبرا عن نفسية الشاعر وشخصيته بصدق وعمق، والنص الشعرى بهذا لا يتعمق نفوسنا، ويغور فى أعماقنا بصدق وعمق، فحسب بل يهزنا هزا عنيفا من داخلنا ويصدمنا دائما وإن شئت فقل يفزعنا ويعرض أمامنا الحياة ومتناقضاتها ويأخذنا فى رحلة المعاناة والصراع ولكننا فى النهاية لا نفقده بل ينتقل من جيل إلى جيل لأن ثمره لا ينقطع ولا يمتنع، فالأجيال تتناقله، والمسافات تتلاشى أمامه ولا يجمد أو يتقوقع فى قالب محدد، بل يرى فيه كل جيل ضالته ويرى فيه نفسه وأمنه وخلاصه لأن المعانى تتولد منه وتتكاثر تكاثرا يقاوم عوامل الانحلال والضعف، لأنها حملت تجارب الإنسان المعقدة منها والميسرة وعبرت عن نفسيته وما يعتورها من دواعى القبض والبسط، والإقبال والإدبار والأمل والألم0
    * ما الملابسان التى تصاحب عملية الابداع؟ 0
    * - ليست عندى ملابسات تصحب عملية الإبداع سوى الهدوء الذاتى أى لا يحدثنى أحد وأسرع القصائد ابداعا أكثرها جودة عندى فالقصيدة غالبا ما تأتى دفعة واحدة، وقد يحدث أن أرددها فى داخلى وأنا راكب السيارة أو راكب قدمى، وحينما أصل إلى منزلى أكتبها كما دارت بخاطرى ومن مثيرات التجربة عندى الطبيعة فرموزها الثرية تمدنى بإيحاءات كثيرة، وكذلك التاريخ وبخاصة العربى والإسلامى ففيه من التجارب الإنسانية الكثير والكثير0
    وثراء المنبع العربى والإسلامى يعد من الأسرار الفنية والشعورية التى دفعتنى إلى التوجه الحضارى الإسلامى فى تشكيل رؤاى الشعرية الحديثة متكئا على خصائص التصور الإسلامى وموقفه من الكون والإنسان والحياة0
    * هل هناك حركة نقدية تقوم بتقويم الإبداع المنطلق من منابع التصور الإسلامى، وإلى أى مدى تشارك هذه الحركة النقدية فى النهوض بتجارب الأدباء الإسلاميين إلى المستوى الفنى المأمول؟
    * نعم .. تتمخض الحياة الأدبية فى العالم العربى والإسلامى الآن عن حركة نقدية وتنطلق فى أحكامها من منظور فنى يضع "الرؤية الإسلامية" فى إحدى كفتى الميزان النقدى، وأرى أن هذه الحركة بدأت الآن تتخذ مسارها الصحيح المتفاعل مع الإبداع الأدبى الإسلامى ، وتتمثل هذه الحركة النقدية فى نشاط رابطة الأدب الإسلامى العالمية" النقدى والإبداعى ـ ممثلا فى مجلة "الأدب الإسلامى" التى صدرت حديثا، وفى مسابقة القصة والرواية الإسلامية التى أظهرت للحياة الأدبية أصواتا إسلامية جيدة .. ومواهب أصيلة فى فنى القصة والرواية، على مستوى العالم العربى والإسلامى0
    وتتمثل هذه الحركة النقدية أيضا فى النتاج النقدى لأعضاء رابطة الأدب الإسلامى وللأساتذة المتخصصين فى النقد الأدبى ومنهم د.عماد الدين خليل، ود. حلمى محمد القاعود، ود. عبدالباسط بدر ود. حسين على محمد ود.محمد بن سعد حسين ود. عبدالقدوس أبوصالح ، ود.سعد أبوالرضا، ود. عبدالله العرينى، ود/عبده زايد ، ود. عبدالمنعم يونس، وكاتب هذه السطور، ود/ وليد قصاب ، ود/ سعد أبو الرضا0
    ولكننى أرى أن النقاد الإسلاميين مازالوا فى مرحلة التجريب أو المخاض فهم يتعاطفون ـ غالبا ـ مع المضمون الإسلامى، ويضحون كثيرا بالصياغة والإطار الفنى للتجربة .. فكثير من ابداع بعض الأدباء الإسلاميين مازال يدور فى اطار الصياغة التقليدية، والمعانى المباشرة ، والأساليب الفقيرة الخالية من الإيحاء الفنى0
    ونحن نريد أدبا إسلاميا عالميا ينافس فى رؤاه الفنية ما يبدعه الآخرون فى ظل التقنيات الحديثة رواية وقصة وشعرا ومسرحا 0
    نريد التجديد فى لغة القصيدة وخيالاتها مع الالتزام بالرؤية الإسلامية0
    نريد صياغة الواقع وفق المنظور الإسلامى فى قالب روائى جديد متفوق فى رسم الشخوص والمواقف وفى الكشف الفنى عن عبقرية المكان وفى تحديد المصائر للشخصيات الروائية فى اطار التصور الإسلامى، والنقاد الإسلاميون يعنون فى تنظيرهم بالرؤى النقدية الحديثة، ويظل النقد التطبيقى ميدانا فسيحا لإبراز النصوص المتميزة والرؤى الإبداعية المتفوقة فى ظلال التصور الإسلامى 0
    س: ما رأيك فى مقولة : جيل بلا أساتذة :
    هذه المقولة ذات صبغة تمردية .. رافضة للمعايير السابقة، والأحكام والقواعد التى تنطلق منها التيارات الأدبية ، والمذاهب النقدية والفنية، ومن يتبنون هذه المقولة يرفضون ما يوجه إليهم من توجيهات أو رؤى حول أعمالهم؛ وهذا الموقف باعثه إحساس هؤلاء الأدباء بأنهم لم يجدوا من يؤازرهم أو يقرأ ابداعاتهم قراءة واعية متطورة فى ظل المنجزات الإبداعية الحديثة، والتطورات العالمية، وتنوع الأشكال الأدبية وآفاقها القبة، وأرى أن هذا الموقف تشوبه المبالغة، وينأى عن نبض الواقع الأدبى الصحيح، لأن الساحة الأدبية تموج بالتيارات المتشابكة ، ولكل تيار نقاده وأساتذته، ولكل مبدع أستاذه فى حقل الإبداع، فهو يقتفى أثره، ويتفاعل مع عالمه الفنى، ثم يكون التجاوز والتميز حين تكون الموهبة أصيلة؛ والملكة ناضجة، ومن ثم نرى الإبداع المتفوق فى ظل الأساتذة الكبار مبدعين ونقادا؛ والحياة الأدبية فى حاجة إلى مزيد من التعاطف بين الرموز الأدبية، وكذلك بين كبار النقاد والمبدعين وبين ثابتة الأدب وناشئته حتى لا نرى جيلا بلا أساتذة
    س: ما موقفك من الأجيال السابقة؟
    * الأجيال السابقة تمثل لى الجذور الراسخة فى حقول الإبداع ..، فشجرة الإبداع لا تعطى ثمارها الفنية، ولا تؤتى أكلها كل حين إلا فى ظل التلاحم مع الأجيال السابقة.. فهى تراثنا الحديث والقديم .. لأن الجيل الأدبى لا يقل عن ثلاثين عاما، وفى ظل هذا البعد الزمنى أن هناك ثلاثة أجيال أدبية فى القرن العشرين ، ويمكن أن تتعدد الاتجاهات فى مسيرة الجيل الواحد، وقد مر الشعر العربى بعدة مراحل فنية فى العصر الحديث .. وكذلك القصة والرواية والمسرحية ولكل فن أجياله، وتياراته ، ولا يمكن للمبدع أن يكون بمعزل عن هذه الموجات المتلاحقة .. ولن يستطيع أن يؤكد وجوده الإبداعى إلا إذا كانت له بصمته، وكان له صوته المتفرد ، وجناحه القوى ، فالموقف معرفة وتفرد، واندماج وتميز،وتواصل مع ابتكار،وعطاء بلا انحسار0
    س: ما رأيك فيما يبدعه أبناء جيلك ؟
    الإبداع المعاصر لأبناء هذا الجيل الذى أنتمى إليه زمنيا .. تتعدد آفاقه ومراميه ، والمبدعون يقلدون ما ينجزه أبناء الغرب من تيارات أدبية جديدة ، والرؤى والتجارب الفنية تعددت، وتصادمت أحيانا0
    ففى هذا الجيل منذ السبعينات إلى الآن تكاثرت الرؤى والمناحى الإبداعية، فهناك أصحاب الرؤية الاجتماعية فى كل الفنون الأدبية .. ولهم نتاج ضخم كما، محدود كيفا، لأنهم حصروا أنفسهم فى القالب المذهبى، وسجنوا تجاربهم بين جدران المصطلحات والمذهب، وقديما قال د/ محمد مندور: إنك لا تجد أسس المذهب إلا عند صغار الشعراء والأدباء 0
    ومن هذا الجيل من اتجه بأدبه إلى "الرمز" والتعقيد والأحاجى .. فغابت شمس الرؤية، ونضب معين التجربة؛ وتيار الحداثة فى كثير من نماذجه تصادم مع المألوف؛ ومزق جسد اللغة، ونشر الضبابية فى الفضاء الشعرى؛ ولم تنج من هذه الآفة إلا الأصوات القوية الموهوبة ؛ ومن هذه الأصوات من اتجه بملكته وموهبته إلى حقل التجربة الإسلامية واستدعاء وتوظيف الرموز الإسلامية مكانا وأشخاصا وتراثا، ولغة، وفكرا، ونبضا روحيا فعالا صادقا ـ وهذا هو التوجه الحضارى الأصدق، وأصحاب الرؤية الإسلامية من أبناء هذا الجيل هم القابضون على جمر الإبداع؛ المتطلعون إلى الكيان الإسلامى الكبير، تتوهج تجاربهم بألق اليقين، ومنارات الإيمان 0

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    لغتنا العربية "حاضرها ومستقبلها"

    حوار: عنتر مخيمر
    ...........................

    س: كلنا نشعر بما آلت إليه اللغة العربية فى هذا العصر من انحدار، ما أسباب الحالة المتردية التى تعيشها لغتنا العربية؟ 0
    * إن اللغة فى مفهوم علماء اللغة هى : أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وقد تعددت أنواع الأصوات، وطرق التعبير بتعدد الأمم، واختلاف أصواتها، فنشأت عن ذلك لغات تفوق الآلاف عدا ؛ وتتراوح اللغات الحية بين 2500 لغة و3500 لغة، وفى هذا التعدد اللغوى نلمس قدرة الله عزوجل حيث قال : ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن فى ذلك لآيات للعالمين 0
    واللغة العربية لها ميزتها وخصوصيتها لأنها لغة القرآن الكريم، فقد أنزل بلسان عربى مبين 0
    وفى هذه الآونة نشهد حالة التردى .. ليس فى اللغة نفسها ، ولكن فى استخدام اللغة ، وفى إساءة استعمالها ، فاللغة نفسها مصونة فى كتب الأعلام القدامى أصحاب المعاجم اللغوية، وفى دواوين الشعراء الكبار فى عصور الازدهار الشعرى؛ واللغة العربية مازالت مصونة محفوظة مشرقة فى "القرآن الكريم" مصداقا لقول الله عزوجل : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون 0
    ويمكن أن نشخص أسباب الضعف اللغوى الذى أصاب كثيرا من المتحدثين فى الظواهر الآتية:
    أ - عدم التمسك باللغة الفصحى فى المسلسلات الإذاعية والتلفزيونية0
    ب - تحويل الأعمال الإبداعية القصصية والمسرحية من لغتها البيانية المشرقة إلى لغة عامية مبتذلة .. حين تعرض على الشاشة أو تذاع فى الإذاعة وهذه الأفلام والتمثيليات تشكل المعجم اللغوى لدى الجماهير ومن هنا ينشأ الفصل بين الذاكرة اللغوية وبين الواقع اللغوى المريض0
    جـ - إهمال تدريس مادة "النحو والصرف" فى مراحل التعليم المختلفة، وأرى أن يصبح "النحو" مادة مستقلة ، حتى يتقن الطالب قواعد اللغة .. ويتدرب على النطق السليم فى بقية فروع اللغة العربية0
    س2: أصبح للصحافة المعاصرة لغتها ؛ فما خصائص هذه اللغة، وما تأثيرها فى اللغة العربية الفصحى ؟
    ج: إن الصحافة المعاصرة .. يجب أن لا تهجر الإيقاع اللغوى السليم، وهى ما زالت متمسكة باللغة الفصحى، ولكنها ابتعدت عن اللغة الأدبية، وهجرت غريب الألفاظ، وجمعت لغة الصحافة بين المصطلحات الشعبية فى لغة العامة وبين تراكيب الجمل فى اللغة الفصحى؛ ولغة الصحافة تعنى بالخبر عناية فائقة، وتحاول الوصول إلى القارئ فى سهولة ويسر، حتى لا تفقد القراء، فنجاح الصحيفة يقاس بعدد قرائها0
    وهذا المقياس ظل له أثره السلبى فى مسيرة لغتنا الفصحى ، حيث شاعت بعض التراكيب التى لا تتوافق مع قواعد اللغة أو نظامها وبنائها الأسلوبى، حتى أصبحت المقولة المشهورة : خطأ شائع خير من صواب مهجور، من المسلمات وذلك قول غير صحيح لأن ذلك يساعد على ضعف اللغة، وهجر قواعدها ونظامها التركيبى والبنائى0
    س3: ما أثر الوسائل السمعية والبصرية فى ضعف اللغة أو قوتها ؟؟؟
    ج: لقد تعددت قنوات الاتصال فى العصر الحديث، ومنها ـ القنوات الإذاعية ـ التى تخاطب السمع .. وتؤثر فى الوجدان عبر ذلك الطريق، ومن أبرز القنوات البصرية "جهاز التلفاز" والفيديو .. وما يصاحبه من وسائل الترفيه .. وألعاب الكرتون والكمبيوتر0
    وهذه الوسائل لها أثر لا ينكر فى ضعف المستوى اللغوى فى ثوبه الفصيح، لأنها فى أكثر من 90% من برامجها تستخدم اللهجة العامية فى مخاطبة القارئ، فالرسالة الإعلامية، والخطاب الموجه للمتلقى له عناصر أربعة وهى :
    1 - المرسل 2 - المرسل إليه [المستمع والمشاهد]
    3 – الشفرة 4 - السياق0
    والأغانى بكل أنواعها ـ وكذلك الإعلانات، والبرامج الترفيهية، والمنزلية، والتعليمية، والاقتصادية، تغلب عليها اللهجة العامية، وكل هذا الكم من البرامج صباح مساء.. فى الإذاعة والتلفاز.. يحاصر السامع والمشاهد ، ويكون ذوقه اللغوى، ويوجه طريقة نطقه، وفى الغالب الأعم يكون الأثر سلبيا؛ ويمكن أن تصبح الإذاعة المسموعة، والإذاعة المرئية مصدرا لقوة اللغة وانتشارها ..، وتوثيق الصلة بينها وبين الناس ، وذلك إذا استخدم رجال الإعلام اللغة الفصحى فى كلامهم، وإذا استخدمت اللغة الفصحى فى كثير من البرامج التى توجه إلى الجماهير ـ حتى يألف المتلقى العادى هذه اللغة ومصطلحاتها ومعانيها 0
    س4: ما رأيك فيما يتعلق بمشكلة الفصحى والعامية فى حياتنا، وكذلك تعدد اللهجات الإقليمية فى العالم العربى ؟ وهل يمكن توحيد لغة اللسان ولغة القلم فى لغة واحدة؟
    ج: إن اللغة الفصحى .. تكاد تنهزم أمام طوفان اللهجات العامية. وذلك لما أوضحته فى السؤال السابق من طغيان اللهجة العامية على وسائل الإعلام، وكذلك لظهور موجه "الشعر العامى" وفن الزجل ، والأغانى العامية والشعبية والمواويل فى حياتنا ، فلها أثر عميق فى انتشار اللهجة العامية، ولكن أحيانا يكون الابتعاد عن اللغة الفصحى بسبب عيب فى النطق، أو عدم نضج فى مخارج الحروف عند بعض الناس، وكذلك الأطفال ، فكثير من الأطفال يبدلون الكاف تاء، لأن الصوتين يتحدان فى صفتى الهمس والشدة، ولا فرق بينهما فى المخرج، فقد يقول الطفل "تلب" فى "كلب"، والأطفال الذين يميلون إلى قلب الكاف "تاء" يميلون أيضا إلى قلب "الجيم" التى هى مجهورة إلى "دال" فيقولون فى "عجين" "عدين" وفى "جدى" "ددى" 0
    وهذه اللهجة تستمر أحيانا مع بعض الكبار .. وبخاصة فى صعيد مصر ، ومن الغريب أن هذه العيوب فى نطق الحروف لا نجده فى اللغة الفصحى إلا نادرا؛ وصوت "الراء" صوت شاق عسير على معظم الأطفال، فأحيانا يقلب حرف "الراء" إلى "واو" مثل كلمة "ربع" ينطقها بعض الأطفال "وبع"؛ وأحيانا نجد الراء لاما ، فيقول الطفل فى "ورق" [ ولق ] 0
    وكثير من الأطفال يقلبون الشين "سينا" فيقولون "سمس" بدلا من "شمس" ومن العجيب أن هناك من الكبار من ينطق بهذا أيضا؛ وأيضا نلاحظ التباين والتخالف بين لهجة أهل الريف وأهل المدن؛ ويحدث لبس كثير، وخلط فى المفاهيم والدلالات، فلهجة أهل القاهرة مغايرة فى طريقة نطقها ودلالاتها للهجة "الريف"؛ ولكن اللغة الفصحى واحدة، وتعمل على توحيد المشاعر والرغبات، وتقرب المفاهيم بين الناس0
    والأمر كذلك فيما يتعلق باللهجات الإقليمية فى العالم العربى، فكثير من اللهجات المحلية فى دول الخليج العربى، وفى دول المغرب العربى، وأهل الشام والعراق ، كثير من لهجات هذه البلاد يصعب على فهم المتلقى الذى لم يتعايش مع أهل المنطقة التى تتحدث بلهجة معينة، وكثير من المفردات فى لهجة الشاميين والمغاربة والليبيين لا يعرفها إلا أصحابها، ومن ثم أستطيع أن أقول إن : اللغة الفصحى أكثر اقترابا من الجميع، وهى واحدة .. وليست غامضة، ولكنها ميسرة فى مفاهيمها وفى ألفاظها، وتلاوة القرآن الكريم، وسماعه، وحفظه يساعد كثيرا فى التواصل اللغوى بين أبناء الأمة العربية والإسلامية0
    وأما فيما يتعلق بإمكانية توحيد لغة اللسان ولغة القلم فى لغة واحدة، فذلك أمر صعب المنال، وعسير التحقق، لأن طريقه نطق الكلمة، وطريقة الأداء الصوتى تجعل الكلمة المنطوقة مغايرة شكليا للكلمة المكتوبة؛ واللغة المنطوقة مهما حاولنا التمسك بالفصحى تتخللها بعض الكلمات العامية أو التى تنطق حسب لهجة المتحدث؛ فلغة اللسان فى مجتمعنا الحديث لا يمكن أن تطابق تماما لغة القلم، لأن اللغة المكتوبة تحتاج إلى تأن وإلى صياغة جمالية تكمن فى طياتها وتراكيبها عوامل تأثيرية تشد القارئ وتجذبه 0
    س: يقول البعض : ليست اللغة أداة للتعبير بقدر ما هى وسيلة للاتصال فى حياتنا المعاصرة؟ ما رأيك ؟
    جـ: إن اللغة ـ كما يقول علماء اللغة ـ لا تكاد تعدو فى مظهرها عن أن تكون أصواتا إنسانية، يحللها عالم الأصوات اللغوية، ويصفها، ويشرح لنا كيفية صدورها، ويبين لنا أعضاء النطق التى تساهم فى إخراجها0
    فاللغة وسيلة اتصال وتفاهم بين بنىالبشر ... كل حسب مدلولاته اللغوية ، واللغة فى وظيفتها العادية ودلالاتها المنطقية واليومية هى وسيلة اتصال بين أبناء الأمة الواحدة، ولكنها حين ترتقى إلى المستوى الأدائى التعبيرى، وإلى الأفق الجمالى الفنى ... فإنها تصبح أداة فنية للتعبير عن مكنون الأديب وعن حقيقة مشاعره وانفعالاته ، واللغة ـ فى تصورها الأكمل ـ تصبح بلاغة ـ أى أنها تبلغ السامع والمتلقى المدلول فى صورة بليغة مقنعة مؤثرة 0
    وقديما سئل ابن المقفع عن البلاغة، فقال:
    البلاغة: اسم جامع لمعان تجرى فى وجوه كثيرة ، فمنها ما يكون فى السكوت، ومنها ما يكون فى الاستماع، ومنها ما يكون فى الاحتجاج ، ومنها ما يكون جوابا، ومنها ما يكون شعرا، ومنها ما يكون سجعا وخطبا، فعامة ما يكون من هذه الأبواب: الوحى فيها والإشادة إلى المعنى والإيجاز هو البلاغة" 0
    فاللغة قد تتجاوز دائرة الكلمة المكتوبة إلى اللغة الإشارية أو الإيحائية وأحيانا يكون "السكوت" لغة بليغة، وأحيانا يكون "الاستماع الجيد" أداة جيدة للتعبير عن حسن استقبال لغة الآخر .. وكلماته0
    س6 : إذا سألتك عن مؤولية الهيئات المعنية باللغة العربية، والتى توجه نشاطها مثل مجمع اللغة العربية ، وكليات الآداب، وكليات اللغة العربية والتربية، وكلية دار العلوم، ووزارة التربية والتعليم ـ فماذا تقول؟؟
    .. حقا ماذا أقول؟ وفى النفس أقوال وأقوال .. فلغتنا الجميلة فى هذا العصر .. تنعى حظها .. وتستجير وتستغيث ـ على لسان شاعر النيل "حافظ إبراهيم" .. إذ يقول أو تقول "اللغة العربية" 0
    رجعت لنفسى فاتهمت حصاتى  وناديت قومى فاحتسبت حياتى
    رمونى بعقم فى الشباب وليتنى  عقمت فلم أجزع لقول عداتى
    أنا البحر فى أحشائه الدر كامن  فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتى!!
    وحقا ـ لغتنا العربية .. هى البحر .. يكمن الجوهر فى أعماقه، واستخراج كنوز اللغة وجواهرها يحتاج إلى الغواصين المهرة، والعلماء النابهين، وفى مقدمة هؤلاء السباحين والغواصين المهرة أعضاء مجمع اللغة العربية، فهم حراس اللغة وفرسانها وأهل الحل والعقد فيها، وعليهم الخروج إلى النور خارج أسوار "مجمعهم" العريق؛ إن مجلة مجمع اللغة العربية غير منتشرة بين الناس، ولا يعرفها إلا المتخصصون فى علوم اللغة 0
    على مجمع اللغة العربية أن يكون هيئة كاملة متخصصة للتعريب، وأن يعقد أعضاء المجمع ندوات دورية بالجامعات لمناقشة أحدث قضايا اللغة، وما يستجد فيها من مصطلحات فى ميادين العلم المختلفة 0
    وكليات الآداب والتربية ودار العلوم واللغة العربية ـ عليها عبء جسيم فى تشكيل الحس اللغوى لدى أبنائنا الطلاب ، وحتى يتم هذا التشكل اللغوى على أساس علمى سليم، ووفق الرغبة الوجدانية، والدوافع الذاتية تجاه اللغة العربية يجب أن يتم اختيار الطالب تبعا للأسس التالية :
    أولا : يعقد امتحان شخصى ـ يناقش فيه الطالب المتقدم لقسم اللغة العربية للتعرف على مستواه اللغوى ، ومدى حبه للغة العربية وآدابها وعلومها 0
    ثانيا : يخصص أستاذ المادة محاضرة "كل أسبوع" للقراءة النموذجية ويقوم بتصويب الأخطاء النحوية .. مع التعليل للصواب ، والخطأ 0
    ثالثا : أن يخصص جزء من درجة المادة "للامتحان الشفوى" فى كل فروع المادة ، ويدور الاختبار حول "القراءة الصحيحة وفق الضوابط النحوية"0
    رابعا : أن يكون "النحو" مادة مستقلة فى المرحلة الإعدادية والثانوية حتى يلقى العناية الكافية من أبنائنا الطلاب؛ لأنهم يهملون القواعد النحوية تماما 0
    خامسا : إقامة المسابقات فى فن الإلقاء بين طلاب المدارس وكذلك طلاب الجامعات، وذلك لتنمية الحس اللغوى فيهم وتدريبهم على النطق الصحيح 0
    سادسا : أن يقر المجلس الأعلى للجامعات تعميم مادة اللغة العربية وآدابها .. وكذلك مادة الثقافة الإسلامية ، على كل كليات الجامعات بمصر بناء على قرار رابطة الجامعات العربية والإسلامية0
    بحيث لا ينسى الطالب اللغة بمجرد التحاقه بكلية عملية ، فاللغة تجسيد لحضارة الأمة، وتأكيد لهويتها، ومعالم شخصيتها، والحفاظ عليها يعد حفاظا على العقيدة، وعلى نبض الحضارة الإسلامية، لأنها لغة القرآن الكريم، فقد أنزل بلسان عربى مبين 0

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الدكتور عبد المجيد الصغير يقدم كتاب الفقة والفلسفة في الخطاب الرشدي
    بواسطة إبراهيم عبد الله في المنتدى أَنْشِطَةُ وَإِصْدَارَاتُ الأَعْضَاءِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 25-07-2011, 06:27 PM
  2. قصيدة للدكتور صابر عبد الدايم في مدح الرسول الأعظم
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 28-11-2008, 06:03 PM
  3. حوار مجلة «البيان» مع الأديب الدكتور صابر عبد الدايم
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-12-2006, 08:29 AM
  4. عن قصيدة «القبو الزجاجي» للدكتور صابر عبد الدايم
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 27-02-2006, 09:59 PM
  5. اصحى يا نايم.. وحد الدايم
    بواسطة مـي علـي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 06-04-2005, 02:42 PM