أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الذى ثأر لضحاياه!!!

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي الذى ثأر لضحاياه!!!

    الذى ثأر لضحاياه!!!

    - ولله بريء، حرام عليك، أولادي مَن سيربيهم، منك لله.
    كانت هذه الكلمات تتردد داخل عقل المهندس (مهران عبد السلام) - أحد وأهم المهندسين الذين يعملون بالشركة العالمية لتصنيع اللحوم - عندما غادر ساحة المحكمة، بعد النطق بالحكم في قضية مقتل رئيس حسابات الشركة، وسرقة خزانتها، كان المتهم الأول في هذه القضية (ناجي إبراهيم) حارس الأمن المسئول عن وردية الأمن الليلية بالشركة، صدر الحكم بإعدامه، وذلك بعد الشهادة التي شهد بها المهندس (مهران عبد السلام).
    أخذت هذه الكلمات تمور في وجدان (مهران) إلى أن وصل إلى منزله، دخل إلى غرفة نومه، ألقى بجسده المنهك على السرير، عيناه زائغتان، كلمات (ناجي إبراهيم) تحاصره من كل ناحية.
    - والله بريء.. حرام عليك.. أولادي مَن سيربيهم.. منك لله.
    أطلق فجأة مهران ضحكة ليس منبعها القلب، بل من غابة سوداء نبتت داخله، حوّل نظره إلى المرآه أمامه، حدّق فيها طويلا، قائلا لنفسه بطريقة تهكمية:
    - هه.. (منك لله).. (منك لله)!
    أخذ يضحك بطريقة هستيرية، حتّى انقطعت نوبة الضحك بصمت وهدوء شامل، انتهى به إلى النعاس، كأنه أراد أن يطبق المثل الشعبي المعروف" "نوم الظالم عبادة"!
    دق جرس الباب مقتحمًا الصمت الذي خيّم على المكان، استيقظ (مهران) من سباته العميق مفزوعًا، قام من سريره مترنّحًا، متجهًا ناحية الباب ليعرف.
    - من؟.. من بالباب؟
    إذا برجل عجوز يوحي صوته أنه أقام حلفًا قويّا مع الزمن:
    - افتح يا مهران
    قام مهران بفتح الباب بحرص شديد، رجل عجوز ممزق الملابس، مغبرّ الوجه، صنعت الأيام بظهره منحنًى، أثقلت حركة قدميه، بدأ الرجل بالتحرّك داخلا شقة مهران بخطوات بطيئة.
    - من أنت؟
    - [مبتسما]: ألا تعرف من أنا يا مهران؟
    أخذ (مهران) يحدّق في وجهه متطلعًا إليه، معيدًا قرص ذاكرته للوراء، ولكن لم يعثر بذاكرته على أي شيء يدلّه على هذا الرجل الغريب.
    - من أنت، وكيف عرفت اسمي؟
    جذب العجوز كرسيّا من المنضدة جالسًا عليه.
    - اجلس يا مهران.. اجلس
    جلس مهران وقد وصل إلى قمة الذهول
    - ألا تعرفني يا مهران؟
    - لا.. لا أعرفك!.. من أنت، وماذا تريد؟
    بادره العجوز فجأة:
    - أنت القاتل يا مهران
    - قاتل؟.. قاتل مَن؟
    - أنت من قتلت محاسب الشركة وسرقت الخزانة!
    هب (مهران) واقفًا وكأنما لدغه ثعبان:
    - أي محاسب وأي خزنة؟.. أنا لا أعرف عمّاذا تتحدث!
    - لماذا يا مهران؟.. ألا يكفيك ما فعلته في دنياك؟
    صرخ فيه مهران:
    - انطق أيها الرجل: من أنت؟
    واصل العجوز كأنما لم يسمعه:
    - أصبت زوجتك بالجنون، أدخلتها مستشفى الأمراض العقلية بيدك، كي تستولي على ثروتها التي تركها لها أبوها، حين علمت أنها كتبت ثروتها لابنتك، قمت بقتلها بسيارتك.
    انتفض مهران مذهولا، وهتف:
    - أنت.. أنت كاذب.. زوجتي كانت مجنونة، ابنتي ماتت في حادث سيارة وهي تعبر الطريق.. أنا لم أقتل.. لم أقتل.
    - اجلس يا مهران.. اجلس
    جلس مهران بتثاقل، همهم العجوز بهدوء:
    - أنا أعرف عنك كل شيء يا مهران.
    - انطق.. من أنت؟
    - ألا تعرف من أنا؟
    - نعم أيها الكاذب، لا أعرف من أنت.. هيا اخرج من بيتي.. هيا.
    - بيتك؟.. هاهاهاهاه.. بيتك الذي اشتريته من صفقة اللحوم الفاسدة، التي أدخلتها مصنعك، راح ضحيتها العشرات، كان من أولهم أعز أصدقائك الدكتور (محمود توفيق) الذي لفقت له القضية؟!
    انهار (مهران) مرتميًا على كرسيه، وهو يهمهم مصدومًا:
    - من أنت أيها الرجل؟.. كيف عرفت عني كلّ هذه الأشياء؟
    - ماضيك مشين يا مهران، مليء بالجرائم التي لم تفكر لحظة واحدة وأنت ترتكبها في..؟؟
    همهم مهران شاردًا، كأن الكلام أفلت من فمه رغمًا عنه:
    - أنا لا أنام.
    - هل أنت نادم يا مهران؟
    - على أي شيء أندم يا رجل؟
    - على ما فعلته
    - ماذا فعلت؟
    - بعد كل هذا تقول ماذا فعلت؟.. ألم تفكر في أطفال هذا الرجل الذي أوصلته إلى حبل المشنقة بيديك؟.. ألم تفكر في زوجته؟.. ولكن كيف تفكر في أطفاله وزوجته، وأنت قتلت ابنتك الوحيدة بيديك، حكمت على زوجتك بالموت؟
    - زوجتي كانت لا تحبني.. كانت تشعرني دائمًا أنها أفضل مني.
    - انتقمت منها، سلبت مالها، أكملت جريمتك بقتل ابنتك.
    - خطأي الوحيد أنني قتلت ابنتي، كنت أعمى، لم أرَ شيئا غير..؟
    - أنت نادم يا مهران؟
    - نعم نادم.. أنا بشر ولا بد أن أخطئ و..
    - لكن ندمك هذا شعرت به متأخرًا يا مهران!
    - أنا حقّا نادم وأريد أن أعود لله عله يغفر لي ذنوبي ويرحمني.
    - أمامك الفرصة الأخيرة، من الممكن أن تذهب للنيابة، تعترف بجريمتك، تنقذ هذا الإنسان الذي وقع اليوم في بيت عنكبوتك السّام.
    وضع (مهران) يده على مقدمة عنقه:
    - أنا أفكر في ذلك عن جدّ، أريد أن يكون إعدامي تكفيرًا عن ذنوبي السابقة التي ارتكبتها، علّ الله يقبل توبتي.
    - صحيح يا مهران؟.. أنا سعيد جدّا لسماع هذا الكلام.
    - آه يا شيخ.. نسيت أقدم لك واجب الضيافة.. تشرب قهوة؟
    - نعم جزاك الله خيرًا
    - قهوتك مضبوطة أم سادة؟
    - مضبوطة
    عقّب مهران ناهضًا:
    - مثلي تمامًا
    وغاب عن ناظري العجوز، ليدخل المطبخ، كان شيطانه قد بدأ يلعب بعقله، هذا الرجل يعرف عني كل شيء، إذا لم أعترف أنا بجريمتي، من الممكن أن يبلّغ هو عني النيابة، أُعدم، أموت مفضوحًا بجرائمي، لا بد من الـ.
    وقعت عين مهران على زجاجة صغيرة بدولاب المطبخ مكتوب عليها...؟؟
    أمسك مهران الزجاجة بيده، وضع بعضًا منها بفنجان العجوز، خرج من المطبخ، حاملا صينية عليها فنجانا القهوة.
    - تفضل.. علّ قهوتي تحوز إعجابك
    - شكرًا يا مهران
    - تفضل يا رجل.. اشرب قهوتك
    بدأ العجوز في احتساء القهوة، ومهران يتابعه بعينين مشتعلتين، ويسأله:
    - لكن يا شيخ، أنت للحين لم تخبرني من أنت؟
    - بعد كل هذا الحديث، لم تعرف من أنا يا مهران؟
    شعر مهران بألم مفاجئ في معدته، جعله يطلق صرخة حادّة، فسأله العجوز بنفس هدوئه:
    - ماذا دهاك يا مهران؟. ماذا بك؟
    لا.. لا شيء.. لا شيء.. من أنت يا رجل؟.. من أنت.. آه.
    - دقق في وجهي، وسوف تعرف من أنا يا مهران.
    همهم مهران، وقد بدت على وجهه سكرات الموت:
    - أنا لا أعرفك.. لا أعرفك.. آه.
    - سوف تموت يا مهران.. أردت قتلي، فقتلك الله.
    هبّ مهران واقفًا وهو يترنّح، محاولا خنق العجوز:
    - قتلتني يا رجل.. قتلتني.
    فدفعه - العجوز - دفعة قوية، ألقاه على الكرسي.
    - من أنت أيها الرجل؟.. من أنت؟
    - للآن لم تعرف من أنا يا مهران؟
    نظر له مهران بعينين زائغتين، بدا له العجوز، كأنه يكتسب شبابًا كلما اقترب مهران من الموت.
    أشار إليه مهران وقال بصوت متحشرج:
    - أنت.. أنت.
    ثم سقطت يده، خيم الظلام بعدها على المكان، كأن الدنيا أرادت أن تغمض عينيها عن رؤية جثته.
    في الصباح، سقط شعاع الشمس عابرًا من النافذة، على جثة هامدة ملقاة على الكرسي، أمامها صينية عليها فنجان واحد فقط!

  2. #2
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    البوهي الرائع..
    - في البدء تذكرت قصة للكاتب الروسي دوستوفيسكي..الاخوة كارامازوف..وبالذات في فصل الشيطان وايفان..حيث يظهر رجل بثياب رثة ومنظهره يعبر عن فطنته..ووو..
    فيبدا الحوار العقلي بينهما..كما يظهر هذا الرجل في بيت مهران بهيئته وملابسه.. وتفوقه العقلي الفكري ومقدرته الفذة على معرفة الاحوال..بغض النظر من كونه ملك الموت.
    القصة..من القصص التي تمس الواقع بصميمه..وكأنك تعيد مقولة من حفر...وقع...
    وقد حفر مهران..وامهلته الحياة والايام المزيد لعله يستفيق لكنه في النهاية سخر من مقولة المسكين..ودفن اخر ما تبقى له من انسانية الانسان..واضاف اليها موقفه محاولته لقتل العجوز.
    القصة تعالج واقعا كثر صوره الفعلية والرمزية في مجتمعاتنا الحالية..وكانها عدوى اصابت الكثيرين..فلا احد يخلص في عمله بل اصبحت الحياة تسير على السرقة والتلفيق وازاحة الاخر..وكأننا نعيش الغاب..بل اننا نعيشها بالفعل.
    ولعل..القصة فيها رسالة مبطنة..تقول..الكوت اقرب من وريدك منك..فاحذر...ولاتقتل الانسانية فيك من اجل شيء لايدوم.
    تقديري واحترامي
    جوتيار

  3. #3
    الصورة الرمزية د. مصطفى عراقي شاعر
    في ذمة الله

    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : محارة شوق
    العمر : 64
    المشاركات : 3,523
    المواضيع : 160
    الردود : 3523
    المعدل اليومي : 0.54

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سامي البوهي مشاهدة المشاركة
    الذى ثأر لضحاياه!!!

    - ولله بريء، حرام عليك، أولادي مَن سيربيهم، منك لله.
    كانت هذه الكلمات تتردد داخل عقل المهندس (مهران عبد السلام) - أحد وأهم المهندسين الذين يعملون بالشركة العالمية لتصنيع اللحوم - عندما غادر ساحة المحكمة، بعد النطق بالحكم في قضية مقتل رئيس حسابات الشركة، وسرقة خزانتها، كان المتهم الأول في هذه القضية (ناجي إبراهيم) حارس الأمن المسئول عن وردية الأمن الليلية بالشركة، صدر الحكم بإعدامه، وذلك بعد الشهادة التي شهد بها المهندس (مهران عبد السلام).
    أخذت هذه الكلمات تمور في وجدان (مهران) إلى أن وصل إلى منزله، دخل إلى غرفة نومه، ألقى بجسده المنهك على السرير، عيناه زائغتان، كلمات (ناجي إبراهيم) تحاصره من كل ناحية.
    - والله بريء.. حرام عليك.. أولادي مَن سيربيهم.. منك لله.
    أطلق فجأة مهران ضحكة ليس منبعها القلب، بل من غابة سوداء نبتت داخله، حوّل نظره إلى المرآه أمامه، حدّق فيها طويلا، قائلا لنفسه بطريقة تهكمية:
    - هه.. (منك لله).. (منك لله)!
    أخذ يضحك بطريقة هستيرية، حتّى انقطعت نوبة الضحك بصمت وهدوء شامل، انتهى به إلى النعاس، كأنه أراد أن يطبق المثل الشعبي المعروف" "نوم الظالم عبادة"!
    دق جرس الباب مقتحمًا الصمت الذي خيّم على المكان، استيقظ (مهران) من سباته العميق مفزوعًا، قام من سريره مترنّحًا، متجهًا ناحية الباب ليعرف.
    - من؟.. من بالباب؟
    إذا برجل عجوز يوحي صوته أنه أقام حلفًا قويّا مع الزمن:
    - افتح يا مهران
    قام مهران بفتح الباب بحرص شديد، رجل عجوز ممزق الملابس، مغبرّ الوجه، صنعت الأيام بظهره منحنًى، أثقلت حركة قدميه، بدأ الرجل بالتحرّك داخلا شقة مهران بخطوات بطيئة.
    - من أنت؟
    - [مبتسما]: ألا تعرف من أنا يا مهران؟
    أخذ (مهران) يحدّق في وجهه متطلعًا إليه، معيدًا قرص ذاكرته للوراء، ولكن لم يعثر بذاكرته على أي شيء يدلّه على هذا الرجل الغريب.
    - من أنت، وكيف عرفت اسمي؟
    جذب العجوز كرسيّا من المنضدة جالسًا عليه.
    - اجلس يا مهران.. اجلس
    جلس مهران وقد وصل إلى قمة الذهول
    - ألا تعرفني يا مهران؟
    - لا.. لا أعرفك!.. من أنت، وماذا تريد؟
    بادره العجوز فجأة:
    - أنت القاتل يا مهران
    - قاتل؟.. قاتل مَن؟
    - أنت من قتلت محاسب الشركة وسرقت الخزانة!
    هب (مهران) واقفًا وكأنما لدغه ثعبان:
    - أي محاسب وأي خزنة؟.. أنا لا أعرف عمّاذا تتحدث!
    - لماذا يا مهران؟.. ألا يكفيك ما فعلته في دنياك؟
    صرخ فيه مهران:
    - انطق أيها الرجل: من أنت؟
    واصل العجوز كأنما لم يسمعه:
    - أصبت زوجتك بالجنون، أدخلتها مستشفى الأمراض العقلية بيدك، كي تستولي على ثروتها التي تركها لها أبوها، حين علمت أنها كتبت ثروتها لابنتك، قمت بقتلها بسيارتك.
    انتفض مهران مذهولا، وهتف:
    - أنت.. أنت كاذب.. زوجتي كانت مجنونة، ابنتي ماتت في حادث سيارة وهي تعبر الطريق.. أنا لم أقتل.. لم أقتل.
    - اجلس يا مهران.. اجلس
    جلس مهران بتثاقل، همهم العجوز بهدوء:
    - أنا أعرف عنك كل شيء يا مهران.
    - انطق.. من أنت؟
    - ألا تعرف من أنا؟
    - نعم أيها الكاذب، لا أعرف من أنت.. هيا اخرج من بيتي.. هيا.
    - بيتك؟.. هاهاهاهاه.. بيتك الذي اشتريته من صفقة اللحوم الفاسدة، التي أدخلتها مصنعك، راح ضحيتها العشرات، كان من أولهم أعز أصدقائك الدكتور (محمود توفيق) الذي لفقت له القضية؟!
    انهار (مهران) مرتميًا على كرسيه، وهو يهمهم مصدومًا:
    - من أنت أيها الرجل؟.. كيف عرفت عني كلّ هذه الأشياء؟
    - ماضيك مشين يا مهران، مليء بالجرائم التي لم تفكر لحظة واحدة وأنت ترتكبها في..؟؟
    همهم مهران شاردًا، كأن الكلام أفلت من فمه رغمًا عنه:
    - أنا لا أنام.
    - هل أنت نادم يا مهران؟
    - على أي شيء أندم يا رجل؟
    - على ما فعلته
    - ماذا فعلت؟
    - بعد كل هذا تقول ماذا فعلت؟.. ألم تفكر في أطفال هذا الرجل الذي أوصلته إلى حبل المشنقة بيديك؟.. ألم تفكر في زوجته؟.. ولكن كيف تفكر في أطفاله وزوجته، وأنت قتلت ابنتك الوحيدة بيديك، حكمت على زوجتك بالموت؟
    - زوجتي كانت لا تحبني.. كانت تشعرني دائمًا أنها أفضل مني.
    - انتقمت منها، سلبت مالها، أكملت جريمتك بقتل ابنتك.
    - خطأي الوحيد أنني قتلت ابنتي، كنت أعمى، لم أرَ شيئا غير..؟
    - أنت نادم يا مهران؟
    - نعم نادم.. أنا بشر ولا بد أن أخطئ و..
    - لكن ندمك هذا شعرت به متأخرًا يا مهران!
    - أنا حقّا نادم وأريد أن أعود لله عله يغفر لي ذنوبي ويرحمني.
    - أمامك الفرصة الأخيرة، من الممكن أن تذهب للنيابة، تعترف بجريمتك، تنقذ هذا الإنسان الذي وقع اليوم في بيت عنكبوتك السّام.
    وضع (مهران) يده على مقدمة عنقه:
    - أنا أفكر في ذلك عن جدّ، أريد أن يكون إعدامي تكفيرًا عن ذنوبي السابقة التي ارتكبتها، علّ الله يقبل توبتي.
    - صحيح يا مهران؟.. أنا سعيد جدّا لسماع هذا الكلام.
    - آه يا شيخ.. نسيت أقدم لك واجب الضيافة.. تشرب قهوة؟
    - نعم جزاك الله خيرًا
    - قهوتك مضبوطة أم سادة؟
    - مضبوطة
    عقّب مهران ناهضًا:
    - مثلي تمامًا
    وغاب عن ناظري العجوز، ليدخل المطبخ، كان شيطانه قد بدأ يلعب بعقله، هذا الرجل يعرف عني كل شيء، إذا لم أعترف أنا بجريمتي، من الممكن أن يبلّغ هو عني النيابة، أُعدم، أموت مفضوحًا بجرائمي، لا بد من الـ.
    وقعت عين مهران على زجاجة صغيرة بدولاب المطبخ مكتوب عليها...؟؟
    أمسك مهران الزجاجة بيده، وضع بعضًا منها بفنجان العجوز، خرج من المطبخ، حاملا صينية عليها فنجانا القهوة.
    - تفضل.. علّ قهوتي تحوز إعجابك
    - شكرًا يا مهران
    - تفضل يا رجل.. اشرب قهوتك
    بدأ العجوز في احتساء القهوة، ومهران يتابعه بعينين مشتعلتين، ويسأله:
    - لكن يا شيخ، أنت للحين لم تخبرني من أنت؟
    - بعد كل هذا الحديث، لم تعرف من أنا يا مهران؟
    شعر مهران بألم مفاجئ في معدته، جعله يطلق صرخة حادّة، فسأله العجوز بنفس هدوئه:
    - ماذا دهاك يا مهران؟. ماذا بك؟
    لا.. لا شيء.. لا شيء.. من أنت يا رجل؟.. من أنت.. آه.
    - دقق في وجهي، وسوف تعرف من أنا يا مهران.
    همهم مهران، وقد بدت على وجهه سكرات الموت:
    - أنا لا أعرفك.. لا أعرفك.. آه.
    - سوف تموت يا مهران.. أردت قتلي، فقتلك الله.
    هبّ مهران واقفًا وهو يترنّح، محاولا خنق العجوز:
    - قتلتني يا رجل.. قتلتني.
    فدفعه - العجوز - دفعة قوية، ألقاه على الكرسي.
    - من أنت أيها الرجل؟.. من أنت؟
    - للآن لم تعرف من أنا يا مهران؟
    نظر له مهران بعينين زائغتين، بدا له العجوز، كأنه يكتسب شبابًا كلما اقترب مهران من الموت.
    أشار إليه مهران وقال بصوت متحشرج:
    - أنت.. أنت.
    ثم سقطت يده، خيم الظلام بعدها على المكان، كأن الدنيا أرادت أن تغمض عينيها عن رؤية جثته.
    في الصباح، سقط شعاع الشمس عابرًا من النافذة، على جثة هامدة ملقاة على الكرسي، أمامها صينية عليها فنجان واحد فقط!

    أخي الفاضل القاصّ المتمكن الأستاذ: محمد سامي البوهي

    تحية من القلب لهذه القصة التي جسدت صورة للشرير الخالص معروضةً في قالبٍ قصصي على درجة عالية من الفن والبراعة .

    لنواجه هذا الشرير الذي يتمادى في الشر حتى في لحظة إفاقته المؤقتة بسبب جريمته الأخيرة التي تبدأ بها القصة رغم محاولة تظاهره بتجاهل صرخات "ناجي إبراهيم" ولا مبالاته بها ، إنها رغم هذا التظاهر تنجح في إيقاظه من هذا السبات الطويل

    وأشيد هنا باتساق التصوير مع طبيعة عمل البطل مهندسا كما جاء في وصف العجوز : "صنعت الأيام بظهره منحنًى، أثقلت حركة قدميه، ".

    ولكن لم أدرك سر اختيار اللهجة اللبنانية هنا في قوله للعجوز وهو يحاوره:"أنا أفكر في ذلك عن جدّ،".

    على أن الحوار في مجمله جاء ناميا متطورا بأسلوبٍ درامي متمكن ليكشف عن شره ملمحا ملمحا

    كما يدل على براعة القصة وفنيتها أنها لم تأت مباشرة رغم أنها تعرض صورة لشرير مطلق ، وإنما من خلال مشهدٍ ينحو منحى الغرابة بدخول هذا الرجل العجوز الغريب الذي يعرف البطل تمام المعرفة بينما البطل لا يعرف عنه أي شيء، بما يثير لدى القارئ الدهشة

    ونكتشف من تتابع الحوار الموحي أن هذا الرجل العجوز ما جاء إلا لتأنيبه بمواجهته بجرائمه البشعة. وكأنه صوت الضمير، ولكن بطلنا لا يذعنُ لهذه الصحوة فيريد أن يقتل هذا الرجل المجسد لصوت ضميره حتى لا يفيق بعد ذلك أبدا

    فهل نجح في ذلك ؟
    أم أنه لم يحتمل هذه الجرائم فانتحر.

    ورغم ان جريمته الأخيرة مسبوقة بجرائم أكثر فداحة ولكنها جاءت هنا مثل القشة التي قصمت ظهر البعير والتي فاض بها كيل هذه الجرائم حتى لم يعد يحتمل

    لو استرشدنا بالعنوان لرجحنا الاحتمال الثاني "الذي ثأر لضحاياه!"

    وكيف يثأر لضحاياه إلا بقتل الجاني ، وهل الجاني هنا إلا هو ذاته.

    وهكذا تأتي النهاية وقد كشف الصباح عن السر حين:" سقط شعاع الشمس عابرًا من النافذة، على جثة هامدة ملقاة على الكرسي، أمامها صينية عليها فنجان واحد فقط".

    وقد لاحظت هنا مبالغة القاص في توضيح هذه المسالة بقوله "فنجان واحد فقط" لينبهنا إلى انه لم يكن ثم رجل عجوز مع البطل.

    لا سيما وقد مهد لذلك بذكاء من خلال الحوار:

    - قهوتك مضبوطة أم سادة؟
    - مضبوطة
    عقّب مهران ناهضًا:
    - مثلي تمامًا

    ولهذا كنت أفضل ألا يلجأ إلى كل هذه الوضوح فتكون النهاية مثلا: على جثة هامدة ملقاة على الكرسي أمام فنجان القهوة.

    من دون حاجة إلى هذا التأكيد. حتى تحافظ على مستواها الفني الراقي المتميز الذي شدني منذ الوهلة الأولى



    ودمت بكل الخير والسعادة والإبداع
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي ولريشة الغالية أهداب الشكر الجميل

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

    العزيز الغالي الاديب / جوتيار

    لوجودك طابعا خاص ، يحمل الينا نقداً فلسفيا يجعل الكاتب يفكر مرة اخرى في زوايا النص .

    أشكرك جدا

  5. #5
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    الأديب العزيز د/ مصطفى عراقي

    لا اعلم ماذا أقول غير انني أعدت قراءة القصة مرة أخرى تحت ضوء نقدك كأنني أقرأها لأول مرة ، أما عن اللهجة اللبنانة فهي غير مقصودة بالنص ، وعن اقتراحك عن النهاية فأنا بالفعل اعض على اناملي لأنني لم اتنبه لتلك النقطة ولم ينبهني لها أحد قبل طباعة القصة ضمن مجموعتي القصصية لوزات الجليد ، فوجهة نظرك مقنعة جدا ، انتظر وجودك بين نصوصي التي لم يتم طباعتها بعد ؛ للإستفادة من رؤيتك لها فأكيد سأعيد النظر كثيرا .
    لك شكري وودي وتقديري .

  6. #6
    قاص
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 598
    المواضيع : 65
    الردود : 598
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    القاص المتميز / محمد سامي البوهي
    لرأى جوتيار وجاهته ولرأي الدكتور مصطفى وجاهته أيضا وإن كنت أميل إلى وجهة نظر الدكتور مصطفى ، لأنه كما يبدو من مداخلته قد قرأ النص على مهل ، فكشف له النص عن بعض خباياه ، ولك محبتي والمزيد من الإبداع الراقي

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مجدي محمود جعفر مشاهدة المشاركة
    القاص المتميز / محمد سامي البوهي
    لرأى جوتيار وجاهته ولرأي الدكتور مصطفى وجاهته أيضا وإن كنت أميل إلى وجهة نظر الدكتور مصطفى ، لأنه كما يبدو من مداخلته قد قرأ النص على مهل ، فكشف له النص عن بعض خباياه ، ولك محبتي والمزيد من الإبداع الراقي
    أخي الأديب النشيط / مجدي

    أشكر مرورك ، وتعليقاتك ، وأشكر اتمامك بنصوصي .

    دمت مبدعاً

المواضيع المتشابهه

  1. ثأر/قصة قصيرة جداً
    بواسطة علي السباعي في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 24-03-2022, 06:18 PM
  2. ثأر
    بواسطة رويدة القحطاني في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 31-05-2019, 08:24 PM
  3. ثأر قديم...
    بواسطة ريمة الخاني في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 16-02-2015, 09:15 AM
  4. الفدائي المصري أيـمن حسن.. ثأر لـوطنه وأمته.. وأردى 21 صهيونياً محتلاً
    بواسطة محمد دغيدى في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 26-11-2010, 11:14 PM
  5. ثأر قديم ...... قصة
    بواسطة صابرين الصباغ في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 21-12-2005, 02:02 PM