أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: الفصل الثالث من شاعر بلا عنوان/ العجوز والحجرة الزرقاء

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : لا حاجة
    المشاركات : 305
    المواضيع : 52
    الردود : 305
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي الفصل الثالث من شاعر بلا عنوان/ العجوز والحجرة الزرقاء

    العجوز والحجرة الزرقاء

    على مهل قصدت مكاناً لم أزره قط، كانت عيناي زائغتين وقلبي الصغير يئن، أسمع صوت أنينه داخل خلجات روحي المرهقة، "هاتوا الفلكة يا أولاد"، لا ، لن أترك الأستاذ يضربني هو الآخر، ولن أقبل بشماتة بعض هذه العيون الصغيرة .

    كان التل ينتصب بين شارعين لا يمر فيه أحد، والشمس تعتلي كبد السماء بهدوء، درت حوله أفتش عن مكان أجلس فيه حتى يحين موعد انصرافي من المدرسة، فجأة لمحت شقاً طولياً يمكنني أن أجلس فيه لأحتمي من حرارة الشمس، دخلت الشق، جلست على الأرض وبينما أنا غائص في شرودي اهتز التل، أصابتني رعشة من الخوف، تماسكت، عاد الاهتزاز ثانية، واتسع المكان ثم أضاء، كنت بذهول أنظر ولا أعرف ماذا يجري من حولي، هل أنا في حلم أسطوري، وقفت، يد ربتت كتفي فتسمرت في مكاني واقشعر جسدي وتنملت أطرافي، ماذا أفعل؟ أهرب من "الفلكة" لأعيش رعباً يجعلني أختنق فلا أبصر سوى الغبش من أمامي، أي مصير قادني إلى هنا، يارب ماذا فعلت في دنياي، أنا ما زلت طفلاً صغيراً لم أرتكب إثماً ولا جرماً، تربت اليد كتفي وأنا ما أزال مسمراً في مكاني، يغطيني البرد والارتعاش، وقبل أن أسقط من هول الصدمة والمفاجأة أسمع صوتاً حنوناً يقول لي: اجلس يا آدم، اجلس. "وتعرف اسمي"، أكاد أن أصرخ، أجري، لكنها برحمة يد تمسك بيدي وتعيد الطلب ثالثة.

    أستدير نحو الصوت لأرى الوجه، عجوز ممتلئة وقاراً تحمل عصا في يدها، انصاعُ لطلبها بعد أن طار الهاجس المحموم من أن شراً جديداً ينتظرني.

    تقول لي: يا آدم لا تحزن ولا تحقد على أحد من أخوتك، ستكون ذا شأن!

    جسدي أصبح في حالة شلل، هل هي ساحرة تتنبأ لي، هل هو وهم الخوف من هروبي من المدرسة، لابد لي من حركة ما كي أهرب بجلدي، تقرأ أفكاري، تقول لي: لن أؤذيك يا آدم، ما قطعت كل هذه المسافات كي أؤذيك، أنا رسول أمانك.

    وحدي من ينطحن من الخوف المسيطر على كل كياني، العجائز يخرفن وهذه واحدة منهن، تقرأ كلامي وتبتسم ثم تردف قائلة: أمك طاهرة يا آدم ولك عندها أمانة لا بد أن تبحث عنها.

    تدور فوق رأسي الصواعق، تهتك بقوتي، بقدرتي على الفهم، أمانة، أي أمانة ؟!
    تكبر ابتسامتها ويرق صوتها وتمسح بعصاها على شعر رأسي، يزول خوفي، تهدأ أنفاسي، أحس براحة تسري في جسدي، لا أدري كيف اطمأن قلبي إليها بسرعة، فينطلق لساني سائلاً: أمي هل تحبني؟
    تجيب :
    - نعم وبأكثر مما تتصور.
    - لماذا تركتني إذن؟
    - ستعرف فيما بعد!
    - أريد أن أعرف الآن
    - ليس قبل بحثك عن الأمانة

    ألوذ بالصمت أستجمع قواي، أسعد لحظات عمري أن أعرف أن أمي تحبني، لكنها تركتني، الطاولة، القلم، الورقة شهود عيان. وحان موعد انصرافي وعليّ أن أرحل، تغير المكان فجأة، عاد كما كان شق طولي فقط، العجوز غابت كأنها لم تكن موجودة تحدثني، الضوء انطفأ، إذن كنت أحلم بلا شك، لكنه حلم جميل بحق، لقد عرفت أخيراً أن أمي تحبني هناك من قالها لي.

    أخرج من الشق وصهدّ شمس الظهيرة تحرق الأجساد، لكن إحساسي بحب أمي يجعل جسدي بارداً لا تؤثر فيه حرارة الشمس، أدخل البيت، تستقبلني أختي وهي تبتسم وتقول لي: خذ هذه كتبك !

    من يصدق أنني هجرت الخوف من النوم وحيداً، الليلة سأنام قرير العين، أمي تحبني، لكن ماذا قصدت العجوز بالأمانة، غفلت عن سؤالها ماتكون؟!! كم أنا أحمق وغبي، تعيدني كلمات المرأة الوقورة إلى قلق يشوش عليّ فرحي باكتشافي أن أمي تحبني، يغريني ضوء القمر المتسربل عبر شقوق النافذة فأنهض من سريري، أفتحها، أشم هواء نقياً، أول مرة في حياتي أشعر بالهواء الرطب العليل يدخل إلى صدري ينعشه، أنظر إلى النجوم، تُراني في أي واحدة أنا، سمعت أخواتي تقول: لكل واحد منا نجم، حين يسقط يكون أجله قد حان، هل ماأراه الآن من جمال بالمملكة السماوية البديعة ارتياحي لمعرفتي أن أمي تحبني، لكنهم حكوا لي غير هذا، أحضروا الورقة التي كتبت أمي فيها تنازلاً عني، وضحكوا وسخروا بشماتة وهم يرددون الغجرية تخلت عن ولدها.

    كنت خائفاً من كلمة ابن الغجرية، حتى أنني لا أعرف ما معناها، اكتفي بالصمت وبالدموع وإخوتي وأخواتي بلا مبالاة كانوا يرددون: لا خير يرتجى منه، سيكون مثل أمه، يتخلى عنا بسرعة حين يكبر، كل ريال يصرف عليه الفقير اليتيم أحق منه به!

    أشعر بوجع النزف في أحشائي يئن، اليوم انتهى على خير، وغداً صباحاً سأكرر الذهاب إلى نفس المكان، أريد سؤال العجوز عن أشياء تهمني، تخصني، اللهم احفظني من شر من يكيد لي وكن عوناً لي على كل مكائدهم، أغلق النافذة فحاجتي إلى النوم لمقابلة العجوز غداً أصبحت حاجة ملحة في ذاتي.

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    الأديبة سها
    تجية :
    بدأنا نستبق خطا التخمين نرسم بخيال تطفل ماذا بعد ، لكننا لا نظمئن لما نقول همسا ، لا نريد حرق التخيل بشكوك مقفرة ، بدأت ألهث وراء الحروف لأرى نهاية نرغب بها ، لكننا نجد الصواب يدخل شقا ورعشات خوف ، ومفارقات تجلو بيقين الضيق فرج آت على عكاز عجوز ، نداء خفي يسمعه الطفل ، تسري بأحداقنا خيوط الرعشة ، ترتجف الأوصال ، نريد المحافظة على الطفل لتكون القاصة استطاعت أن تجعل المتلقي يعيش مشاعرها بصدق ، تنتقل بنا من كمد إلى كمد أضيق لتدخلنا بخطا الخيار أضيق شق ومقابلة لعجوز يكره القلم ذكرها لو لم تكن مرسومة بخيال سها نقية طاهرة تحمل رسالة طمأنينة لمن جهلنا اسمه لتصرح بأنه آدم
    رمزية موفقة فآدم أبو البشر لم يحمل غلا لأحد ، أذنب بقدر ، ورفع من الجنة ليدخل الأرض إعمارا لها ، الأم هي همه فقط يريد أن يظمئن على ما تحمله بين حنايا سرها
    هل تحبني ، والأرض والأم صنوان لمسمى العطاء . آدم الأب حلق من الأرض وأدم الطفل حلق من أم لا يعرف عنها شآبيب قلبها .
    يتذكر ورقة وقلم وشهادين وطاولة
    لنرى يا سها ؟
    دمت مبدعة
    لاجئ أدبي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخت الفاضلة الاديبة سها جودت

    ليلة امس , وفي ركنة جميلة ساحرة , على شاطىء الخليج العربي , وامواج البحر تعزف موسيقاها الجميلة الحالمة , كنا في جلسة ادبية , ادباء من الواحة المباركة , كان الكلام في الشعر والشعراء , في النثر والادباء الكبار , وفي القصة وادباء القصة , لم يكن الامور محصورا على ادباء الواحة , بل راح النقاش , ليتناول الشعراء والادباء , في عالمنا العربي , وفجأة ذكر احدهم الاديبة سها جودت , في مجال القصة , لم اتكلم عندها , كنت اسمع , لكنني قررت في نفسي , ان ادخل في اقرب فرصة , لاقرأ لهذه الاديبة , الموجودة في الواحة المباركة , والتي جرى الكلام عنها كأديبة وقاصة متميّزة , في العالم العربي , وها انا اقرا قصتك "العجوز والحجرة الزرقاء " , وليس عندي شيء الآن لأقول , سوى انهم كانوا على حق , فأنت اديبة وقاصة متميّزة , واعلن اعتزازي بك , اختا واديبة , في ظلال واحتنا المباركة .

    اخوكم
    السمان

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد إبراهيم الحريري شاعر
    تاريخ التسجيل : Feb 2006
    المشاركات : 6,296
    المواضيع : 181
    الردود : 6296
    المعدل اليومي : 0.95

    افتراضي

    الأخ الأديب الدكتور السمان
    ما عهدنا بك إلا
    قمة الفضل وإلا
    ذروة تختال مجدا
    بندي الفكر هلا
    ــــــــــــــــــــ
    ولك بطاقة شكر وباقة ود
    أخوك لاجئ أدبي
    محمد

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : لا حاجة
    المشاركات : 305
    المواضيع : 52
    الردود : 305
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    أبا القاسم الشاعر المغموس حرفه بندى الشعر

    قرأت التعليق الأول والثاني، وحقي أن أحتفظ بهما فهما بمثابة نقد حقيقي لما ينشر من فصول روايتي / شاعر بلا عنوان.

    وحبذا لو اطلعت على الفصل الثاني الموجود في موقع الرابطة ليكون لتسلسل الأحداث طعمها الأدبي في ذائقة شاعر وناقد.

    بانتظار كل تعليق يرد من طرفك لأحرره فيما بعد تحت عنوان جديد.
    دمت بخير مع صافي محبتي وتقديري

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : لا حاجة
    المشاركات : 305
    المواضيع : 52
    الردود : 305
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الدكتور محمد حسن السمان المحترم

    حين يصوغ لسان الأصيل حديثاً استمع إليه على صحته يكون قد أعطى سها جلال جودت بأكثر مما تستحق، فأنا يا سيدي وحتى آخر رمق في عمري ،سأظل أردد قولي: يبقى الإنسان تلميذاً فإن قال كفى فقد جاءه الأجل.
    نعم أنا تلميذة في هذه الحياة وكل نجاح أحققه إنما يأتي بناؤه من دعم المثقفين لي فيما يقرؤون لي وأقرأ لهم.
    دمت بخير مع صافي محبتي وتقديري

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2004
    الدولة : العراق
    العمر : 55
    المشاركات : 261
    المواضيع : 54
    الردود : 261
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    سها جلال جودت

    تصوغين حكاياك بخيوط من حرير وذهب وابداع

    يحق لنا ان نفخر بك

    لأنك نبع للابداع المستمر الذي لايعرف السكون

    شكرا لقلمك
    http://www.postpoems.com/members/kareem

المواضيع المتشابهه

  1. الفصل الرابع / شاعر بلا عنوان-البيت المهجور-
    بواسطة سها جلال جودت في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 08-09-2006, 09:22 PM
  2. الفصل الثاني من شاعر بلا عنوان
    بواسطة سها جلال جودت في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 02-09-2006, 01:23 PM
  3. شاعر بلا عنوان
    بواسطة سها جلال جودت في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 29-08-2006, 12:10 AM
  4. الكف تناطح المخرز - رواية بقلم : د . محمد أيوب / من الفصل الأول إلى الفصل الخامس عشر
    بواسطة د . محمد أيوب في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 27-08-2006, 03:29 PM
  5. الفصل الأول ، الثاني ، الثالث من روايتي @ عندما تموت الملائكة @
    بواسطة صابرين الصباغ في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 23-02-2006, 10:52 AM