دراسة عن ديوان [ حكايات تخللي الواحد يموت م الغيظ ]

ساعة مع " حكايات" نبيل مصيلحي

دراسة دكتور/ محمود عبد الحفيظ
أستاذ الأدب المساعد بآداب الزقازيق
***
كان أقصى ما عبرت به عن غيظي أن قلت :
[ حتى البنية الشرقاوية الطيبة..
ندهت عليها النداهات
رمت الكتاب .. واحمر برواز اللسان
ابكي يا بحر مويس عليها .. وع الحصان ]
ثم قلت مرة أخرى .. أكثر حدة :
[ لمَّا ركبت الميكروباص .. كان فيه مرايا
خلتني غَصْبٍ عني شفت اللي ورايا
ناس باصَّة ليَّ .. وناس في حالها ..
وناس عليها القيمة لابسة .. وناس عرايا ]
وكلنا نعرف الجامعة .. والحرم والمدرجات .. والشارع .. ونرى ونسمع .. لكن الشعراء يقولون شيئا آخر .. إن الشارع يسع الجميع.. الشعراء وغير الشعراء .. لكن الذين يعيشون الحياة بعمق ويمتلكون لغة الفن باقتدار هم الذين يقولون ..
والشاعر يقول , وليس مطلوباً منه أكثر من أن يقول , يهمس أحياناً , ويصرخ أحياناً , ويجمع بين الهمس والصراخ أحياناً , لكنه يقول .. وفي ديوانه " بوح القمر " يقول نبيل مصيلحي :
[ أنا قلت : اقـــول
وافرد قصاقيص الكلام اللي اندفن ..
يمكن يقوم م الموت حروف ..
تزعق آهاتي بعلو صوت الذكريات ..
اليوم ومات
ما لقيتش غير رد الصدى
ورجع لي صوتي من جديد
لكنه متكفن بويل ذل المحال
يعلن ممات صوت البشر ]
وفي إحدى قصائد ديوانه : " جرح غاير في صباح القلب " يقول :
[ وف قلب شوارع بيتنا الطين
اليوم مدهون دلوقتي بلون الخوف ..
أنا قلت : أَسمَّي واخطَّي ..
واحاول ارتب محتويات البيت ..
واعمل لي قصيده ..
أرميها ف حضن اخواتها في عقل الناس
مش عارف ليه الناس بتعدي كلامي الأحمر
وما شفتش ناس بتحاول تغزل من أنَّات الشاعر:
حكمه لقلب ]
وهذا الذي يقوله " نبيل " هو مشكلة الشعر مع الناس منذ كان الشعر والناس.. والذي يراه " نبيل مصيلحي " من الأولاد والبنات داخل حرم الجامعة.. أو حرم الحياة ـ جديد قديم .. ولعلي أعيد هنا كلامه عن صناديق الخوف , يقول:
[ الواد الكاوبوي متخطط جسمه خطوط بالعرض ..
مطرطق ودناته ملامسه حدود الأرض ..
وسامع دبَّات النمل ف بطن جبال أفغانستان ..
وطنين النحل العربي داخل صناديق الخوف المرميه ...
في قلب صدور الأيام ]
من هؤلاء الناس .. ماذا يريد الشاعر ؟؟ إنه يعرف أن ما يحدث الآن
" صار كثيراً " , ويصنع منه مجموعة شعرية جديدة بعنوان :
" حكايات تخللي الواحد يموت م الغيظ "
يقول في إحدى هذه الحكايات :
[ وكتير .. بتاخدني وداني وبا سمع :
الواد عمل ايه امبارح , ... , ... , ... , ...
وازاي الواد والبت اتقابلوا فوق سطح البيت الهِوَّ ..
و تحت السِّلِّمْ ..
وازاى اتحشروا ع الكرسي الوراني
في العربيه ام قزاز اسود
بيمارسوا جواز العرف
... , ... , ...
وحكاوي كتير مطلوقه تبرطع في الأيام
تمضغها عيال الجامعة لبان ]
وفي مجموعة نبيل مصيلحي : " حكايات " .. تكفي العناوين لتعلن " عما يمزق أمعاء القصائد " .. وقبل زمن الفضائيات والسموات المفتوحة , كنا نقرأ , وكنا نقشعر حين تلقى صفحات الكتب أمامنا بما [ يخجل البكر في خدرها ] , لكنه كان كلاماً مكتوباً يمكن أن ينطوي عليه الكتاب .. والآن كيف يبدو هذا الذي كنا نخجل منه ؟؟ يبدو عادياً .. وفي قصيدة بعنوان " عادي "
يقول نبيل مصيلحي :
[ واد واقف ... مش على حيله
وبنت قصاده ... مش قاعده كويس
كان نفسي اتسمََّع بيقولوا إيه ؟
بتمد إيديها البنت .. وتمسك ..
تمسك صدر الجاكت .. وتشد عليها الواد
والواد بيمد ايديه وينعكش شعر البت
تسرح شعرها تاني .. وتاني تكمِّل ..
باقي كلامها معاه ... ]
وفي قصيدة بعنوان " فوق صفيح الميكروباص " , يقول :
[ ولدين .. واربع بنات
والضحك حدايات حاطه فوق ضهر الزمن ..
ع الشفايف ..
موت بيحدف في الحروف فوق سطوح المسخره ..
فتموت ..
بين الهزار والهزار
***
ولدين واربع بنات
والميكروباص .. سارق نفسه من عيون المرور
جرنال في إيد البنت ..
للدق فوق راس الولد
والضحك موت .. والقهقهه ( والكهكهه )
خمره يهودي معتقه
وعقول مطوحها الهوى
والناس عيون متأفئفه
متلفلفه بالغيظ
فوق صفيح الميكروباص
قلب الحياء مقتول
والكمسري عطشان ..
رامي تنهيده .. وبسمه .. وبس ]
وإذن فقد صار " حرم الجامعة" و " السيارات .. وأسطح البيوت والسلالم .. أصبحت هذه أماكن ( نرى فيها ) ما كنا ( نسمع عنه ) أو [ نقرأه ] .. ويصرخ نبيل مصيلحي :
[ وانا شايف
وزهقت أصَرَّخ ف ودان طرشه
وباموت من غيظي يوماتي م الميكروبصات
والبدل الكاكي .. والنجمات المخمورة
فوق الأكتاف النايمه لحد الضهريه
دفيانه في سرير الغفله ]
وحين يطرح الشاعر نفسه " قوَّالاً ".. ورسولاً من سلطان الكلمة .. " تعشق الكرابيج جسمه " : و " عن الكرباج الأعمى " يقول نبيل مصيلحي :
[ الواد الليل العربيد اللي مآنسك ..
ويوماتي بياكل .. وبيشرب ..
وبيمسح إيده في شعرك .. وينام مرتاح في سريرك
ياخد زي ما ياخد منك .. سايباه ,
يفتح في بيبان حساسه .. ويشبع
بعدين يتمطع ويزق برجليه كل اللي بييجي يقدم لك :
قلبه وروحه ..
بصراحه : مش عرف مالك
إيه اللي مغير حالك :
يومك ـ رسمك ـ قلبك
جايز مسحورلك ؟
أو يمكن معمول لك .. عمولات سفليه ..؟
عشان تفضلي ناكراني وفاكره الواد الليل .. العربيد ]
***
وفي قصيدة : " ليه أنا مفزوع قوي " نلتقي بالخوف والشاعر والكابوس .. لكن الأشياء صارت الآن " عادية " , والشاعر يرصدها في سخرية تفجر المأساة , وهو يسأل : لماذا كل هذا الخوف .. والزعل والغيظ .. ما سبب الكابوس ؟ وعن السبب يقول :
[ يمكن كابوس
خلاني اموت م الخوف ..
تتبل تحتي حكمة الحواديت ؟
أدخل متاهات السؤال :
وازاي يكون دا كابوس
وانا لسه لابس دبلتي الفضه .. وحجاب ..
من سورة الكرسي .. حاطه تحت الباط
يمكن عشان متعشي قبل النوم
أنا حتى مش فاكر جرى لي إيه ...
يمكن يكون من قعدتي مزنوق في زحمة الأتوبيس
أو من طابور العيش ]
وينتقل بنا الشاعر من أسباب " الكابوس " المعروفة , والتي هي أمور مقدور عليها ـ متعشي قبل النوم ـ إلى أسباب أخرى صارت الحياة تصفعنا بها ليل نهار ..
[ أو يمكن اكون متضايق م البت والواد ..
اللي كانوا ملزوقين ع الدكه الرخام
أو جايز اكون متغاظ من ترقية صاحبي ..
صاحبي اللي ما بيعرفشي..
أو .. أو .. أو ..
أو يمكن يكون من فرجتي على كل شيء مقلوب
جايز يكون الحلم خدني للجنون
أُمال جرى لي إيه ؟؟
ما هو ده مقرر كل يوم ..
طب ليه أنا مفزوع قوي
طب ليه أنا ما اعرفش بس أنام ]
***
ويختم الشاعر " مجموعته" بقصيدة : " كومبارس " , تلك التي يختمها قائلاً:
[ إنت لوحدك دنيا .. مالي مكانك
فاتعلم دورك ... واتقن فعله كويس جداً
فأكيد الدور هيصيبك ..
يكبر بيك ... تكبر فيه
تكبروا في عيون الناس اللي محوطاك ]
إني أعرف " نبيل مصيلحي " وها هو يعود للهمس الذي يتميز به وهو يصرخ .. وأقول له : يا نبيل : الزمن كله الآن يا صديقي :
[ بَص على سريره
بَص وطالت بصاته
مش هوه اللي ف حضن مراته
بقى يقلع .. يلبس في الشارع
وعيال الشارع تجري وراه ]
وما دمت قررت أن يصفع " الشاعر " " الشارع" , فإني أسألك عن الصورة الجميلة التي تغزلها دموع الجرح ..لقد " أخذتني " هذه الصورة في " بوح القمر " وها هي الصورة التي أشكرك عليها :
[ يخرب بيته طاعون بيلف يخف عقول وقلوب ..
شجر الورد الأبيض
يفرش نصله الحامي في قلب الاستحياء / الأنثى
يفض براءة الوش النونو
يدبل ورد الله في عيون إبليس
حتصدقني :
العسل الطازه .. أبيض واسود ..
سايح .. مدلوق على أرض الوهم ]
ومعك أقول وأختم : [ مليون لعنه تكنس كل عيال الجامعه ...
الغاويين لعب في قلب عيون إبليس ]
******