أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قراءة في "أصداء السيرة الذاتية" لنجيب محفوظ

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي قراءة في "أصداء السيرة الذاتية" لنجيب محفوظ

    قراءة في "أصداء السيرة الذاتية" لنجيب محفوظ

    بقلم: د. حسين علي محمد
    ...................................

    صدرت في الأعوام الأخيرة بعض كتب السيرة الذاتية ومنها "شواهد ومشاهد" لعبدالحميد إبراهيم. و"مد الموج" لمحمد جبريل. كلها يقتدي بنجيب محفوظ في كتابه "أصداء السيرة الذاتية" حيث لاترصد السيرة الذاتية بطريقة السرد المعروفة وإنما تختار مشاهد أقرب إلي اللقطة الموحية أو القصة القصيرة جداً .
    وقد أفادت هذه السير في هذه التقنية من كتاب نجيب محفوظ "أصداء السيرة الذاتية".. وقد كتبت في مجلة "قرطاس" "عدد يناير 2001م" مقالة عن كتاب "شواهد ومشاهد" لعبدالحميد إبراهيم توقفت فيها عند التشكيل والرؤي وفي هذه المقالة سنلتقي مع خمسة مشاهد من كتاب "أصداء السيرة الذاتية " لنجيب محفوظ تقترب في تقنية كتابتها من "القصة القصيرة جداً" وسنتوقف امامها لتأمل دلالاتها الفكرية الثقافية. وسنلاحظ في هذه المشاهد أن نجيب محفوظ اتخذ من المرأة "التي طالت صحبته معها في الحياة وفي الفن" أداة فنية: حقيقية في المشاهد الثلاثة الأولي ورمزية في المشهدين الرابع والخامس:
    المرأة والنضال!
    يقول في مشهد بعنوان "ليلي":
    في ايام النضال والأفكار والشمس المشرقة تألقت ليلي في هالة من الجمال والإغراء.
    قال أناس: إنها رائدة متحررة.
    وقال أناس: ما هي إلا داعرة.
    ولما غربت الشمس وتواري النضال والأفكار في الظل. هاجر من هاجر إلي دنيا الله الواسعة:
    وبعد سنين رجعوا. وكل يتأبط جرة من الذهب وحمولة من سوء السمعة.
    وضحكت ليلي طويلاً وتساءلت ساخرة:
    تري ما قولكم اليوم عن الدعارة؟!
    إن هذا المشهد يشير إلي بداية التحرر الوطني "في الخمسينيات والستينيات الميلادية من القرن الماضي" حيث خرجت المرأة إلي ميادين الحياة واختلف الناس في فهم هذا الخروج الذي رآه البعض تحرراً ورآه البعض دعارة ولكن الزمان اختلف علي حد تعبير الشاعر محمد ابراهيم أبوسنة وجاء عهد لا يرفع شعارات النضال ولا يتعامل بمفردات القاموس التي شاعت في الخمسينيات والستينيات. بل ينحت الفاظاً أخري عن السوق المفتوحة وفوائد السفر والشركات متعددة الجنسيات والرؤية الواقعية والحل التاريخي مع إسرائيل....إلخ وهاجر من هاجر إلي دنيا الله الواسعة بحثاً عن استثمار امواله التي كسبها في سنوات النضال أو للراحة من النضال أو للبحث عن الثروة ويصور نجيب محفوظ هذا بقوله المفيد المختصر: "وبعد سنين رجعوا وكل يتأبط جرة من الذهب وحمولة من سوء السمعة".
    وهنا يحق لليلي التي عانت من قبل من هؤلاء في أيام النضال والثورة أن تتساءل ساخرة من اعمالهم الآن التي تتنافي مع اقوالهم "أيام النضال والأفكار": "تري ما قولكم اليوم عن الدعارة؟!".
    إن هذا المشهد يرسم لوحة رآها الروائي واخترناها حتي اخرجها لنا في هذا المشهد وكأنه يقول لنا لقد عشت عصر الكلام الجميل. و"الأيديولوجيا الاشتراكية" الذي سرعان ما اتضح زيف اصحابه المنادين به عند أول اختبار.
    وفي مشهد ثان بعنوان "النهر" يقدم فيه صورة قد تكون حقيقية لامرأة عرفها لكنه من خلالها يشير إلي تدفق نهر الزمن حتي ينسينا ما مررنا به من تجارب حميمة والمرأة هنا هي المرآة التي ينعكس عليها جريان هذا الزمن/النهر:
    المرأة والتجربة الأليمة
    وفي مشهد ثالث بعنوان "الندم" يقدم فيه صورة للمرأة التي ترمز إلي التجربة الآثمة الأليمة أو غير الصحية التي تقابلنا في حياتنا والتي نتذكرها بندم ولابد من هذا الندم الذي هو علامة صحة نفسية واستقامة دينية وصحوة نفس ترفض الانجراف في الخطأ أو مداومة السير في طريقه:
    إن الإنسان قد يسقط ويمارس تجربة خاطئة في الحياة لكن الوعي بألم هذه التجربة "أو تلك الذكري التعيسة" بداية الرؤية الصحيحة للحياة وللأشياء لأنها تعني تصحيحاً للخُطي ورغبة حقيقية في عدم مداومة السير في الطريق الذي تبين خطؤه!
    السوق/الحياة
    ويقول في مشهد رابع يمثل فيه السوق دنيا الله الواسعة:
    "ذهبت إلي السوق حاملاً ما خف وزنه وغلا ثمنه واتخذت موضعي منتظراً رزقي. وهدأ الضجيج فجأة واشرأبت الأعناق نحو الوسط نظرت فرأيت ست الحسن تتهادي في خطا ملكة علي أحسن تقويم سلبت عقلي وإرادتي قبل أن تتم خطوة فنهضت لأتبعها مخلفاً ورائي العقل والإرادة واسباب رزقي حتي دخلت بيتاً صغيراً انيقاً يطالع القادم بحديقة الورد واعترض سبيلي بواب مهيب الجسم حسن الهندام وحدجني بنظرة مستنكرة فقلت:
    إني علي أتم استعداد لأهبها جميع ما أملك.
    فقال الرجل بلهفة قاطعة:
    إنها لا ترحب بمن يجيئون إليها هاجرين عملهم في السوق. إن المرأة الجميلة هنا ترمز للحياة الرخية الهانئة السعيدة التي يحلم بها الكادحون في هجير الحياة والتي لن ينالوها إلا بالتعب والسعي في اسباب الرزق التي يرمز إليها الكاتب ب"السوق".. وكأنه يقول لنا إن حلم الوصول إلي السعادة والعيش الهنيء في ظلالها دون تعب محاولة عقيم!
    المرأة والحقيقة!
    ويقول في مشهد خامس بعنوان "علي الشاطيء":
    "وجدت نفسي فوق شريط يفصل بين البحر والصحراء شعرت بوحشة قاربت الخوف وفي لحظة عثر بصري الحائر علي امرأة تقف غير بعيدة وغير قريبة لم تتضح لي معالمها وقسماتها ولكن داخلنا أمل بأنني سأجد عندها بعض اسباب القربي أو المعرفة ومضيت نحوها ولكن المسافة بيني وبينها لم تقصر ولم تبشر بالبلوغ.. ناديتها مستخدماً العديد من الأسماء والعديد من الأوصاف فلم تتوقف ولم تلتفت.
    وأقبل المساء وأخذت الكائنات تتلاشي ولكنني لم أكف عن التطلع أو السير أو النداء".
    والمرأة في المقطع السابق تمثل الحقيقة التي نبحث عنها فلا نصادف إلا الوهم. وقد انتقل السارد من صوت الفرد إلي صوت الجماعة من خلال الضمير "نا" في قوله: "داخلنا أمل بأنني سأجد عندها بعض اسباب القربي أو المعرفة". ولكن هاهو عمر الفرد نجيب محفوظ يشرف علي النهاية "أو هو عمر البشرية التي أوغلت في التاريخ" والمنادي لم يظفر ببغيته في معرفة الحقيقة رغم إلحاحه علي معرفته: "ناديتها مستخدماً العديد من الأسماء والعديد من الأوصاف فلم تتوقف ولم تلتفت". وستظل الرغبة في الحياة ومراودة المعرفة أملاً يخايل الإنسان ويؤرق وجوده وقد يصل إلي الخاتمة قبل أن يصل إلي الحقيقة "وأقبل المساء وأخذت الكائنات تتلاشي ولكنني لم أكف عن التطلع أو السير أو النداء".
    وما أكثر التجارب التي تناولها نجيب محفوظ تناولاً فنياً من خلال تصويره المرأة تصويراً حقيقياً أو رمزاًَ فنياً يبلغ من خلاله ما يريد أن يقوله في فنية عالية تمرس عليها خلال رحلته الإبداعية الطويلة التي تقترب من ثلاثة أرباع قرن!
    .......................................
    *المساء ـ في 9/9/2006م.

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. الشيخ أحمد ياسين في سطور ( السيرة الذاتية )
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 21-05-2012, 05:57 PM
  2. يوم قتل الزعيم لنجيب محفوظ
    بواسطة فضل شبلول في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 26-10-2006, 01:23 AM
  3. عبده ربه التائة في أصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ
    بواسطة فضل شبلول في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 26-10-2006, 01:16 AM
  4. الشخصية الإسلامية في رواية «زقاق المدق» لنجيب محفوظ
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 11-05-2006, 11:52 AM
  5. السيرة الذاتية للشهيد أحمد ياسين
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-04-2004, 02:29 PM