وظيفة الشعر والشاعر عند نزار قباني

بسم الله الرحمن الرحيم



مثل نزار قباني ذلك الشابُ الدمشقي إبان وهجه الشعري ظاهرةً لفتت أنظار الناس بمختلف مشاربهم من سياسيين وعامة ، ومن نقاد ومطلعين .

ذلك أنه حاول – واستطاع إلى حد كبير – التغيير في بعض المفاهيم والأعراف السائدة وقتئذ فيما يتصل بالأدب والشعر بخاصة .

ونزار قباني شاعر مجيد فنياً لا أحد ينكر ذلك ، وإن كان أهلك نفسه في شطحاته التي لا تغتفر .

ومن خلال قراءة في قصيدة ( تقرير سري جداً من دولة قمعستان ) أحاول تسليط الضوء حول وظيفة الشعر عند نزار التي آمن بها ، وراح ينطلق منها إلى نظم قصائد أغضبت الكثيرين حتى احتجز نفسه في منفىً اختياري حوالي عقدين من الزمان .

كانت قصائد نزار مليئة بالتهكم المر على الحال العربية ، وأين وصلت الذلة بالعرب حتى أصبحوا : أمة ضحكت من جهلها الأمم ؟.

والمتتبع لقصائد نزار قباني السياسية يجدها نوعا من جلد الذات ، بل يصل الحال كثيراً إلى التجريح والحط من القدر .

وكان نزار ينطلق في قصائده من عقيدة مفادها : أن الأمة لن تنتصر هكذا دون ثورة من الناس القابعين في المناطق المظلمة ، يعانون سوط الجلاد ويرسفون في قيود التسلط ، ومحاطين بأسوار التجسس الاستخباراتي العربي .

من هنا بدأ نزار قصائده حاثا على الثورة ، ومشجعاً البسطاء على التنمر ومواجهة القمع الذي يمارسه القادة .

وكان سبيله إلى هذه الدعوة إعلان التمرد والعصيان للأنظمة العربية من خلال الشعر ، فهو يرى أن الشعر لا يبلغ ذلك السمو المعروف للشعر دون أن يعلن صراحة ودون مماراة أو مداورة عن العصيان والخروج على تلك الأنظمة التي تجبر الشعوب على الركوع ذلة ومهانة .

الشعر عند نزار قباني هو تفجير ، هو اضطراب ، هو خلخلة لما كاد الناس أن يقبلوه ويذعنوا له مما سيجرعهم الذلة ويسقيهم كأس الهوان :
" يا أصدقائي
ما هو الشعر إذا لم يعلن العصيان ؟
وما الشعر إذا لم يسقط الطغاة والطغيان ؟
وما هو الشعر إذا لم يحدث الزلزال
في الزمان والمكان ؟ "

بل ويتعدى نزار تلك الوظيفة القائمة على الرفض إلى هجومية تُسقط عروش الظالمين بمساعدة تلك الشعوب :
" وما هو الشعر إذا لم يخلع التاج الذي يلبسه
كِسرى أنوشروان "

وحين ينظم نزار قصيدته تلك فهو ينطلق من إحدى واجباته التي يؤمن بها ، ويقوم بتنفيذ ذلك الواجب .

فالشاعر الصادق هو من لا يمارس التضليل على الأمة والتدليس عليها ، بل ينتهج الصراحة ، ويلتزم الوضوح فيما يخصها ويقرر مصيرها .

وتلك إحدى واجبات الشاعر عند نزار ، وإحدى بنود ميثاق الشعر المقدس :
" من أجل هذا أُعلن العصيان
باسم الملايين التي تجهل حتى ما هو النهار
وما هو الفارق بين الغصن والعصفور
وما هو الفرق بين الورد والمنثور "

وينطلق نزار في قصائده الرافضة منن قناعة لا تقبل الجدال عنده ، فهو لا يرفض نتيجة لرغبة شخصية أو لمج شخصي ، لا ، بل يرفض لأن واجبه نحو الأمة بوصفه أحد شعرائها يحتم عليه ذلك .

الشاعر عند نزار قباني رجل من عامة الشعب ، تميز عنهم بخصيصة الشعر ، لذا فهو من الشعب وإليه ، يصيح برغباته ، ويحس بآلامه ، فيتحرك لسانه ليعبر عن ذلك الألم وتلك الرغبة :
" باسم الذين مالهم صوتٌ ..
ولا رأيٌ ..
ولا لسانٌ ..
سأُعلن العصيان "

نزار قباني شاعر حاول التغيير من الواقع العربي بسلاح الشعر ، لكنه اصطدم بحقيقة الاستكانة العربية ، والتقبل للوضع المهين ، فغادر البلاد طائعاً ، والتزم العزلة مختاراً ، ولكنه بقي حتى وفاته يردد :
" إنني الجرح الذي يرفض دوماً
سلطة السكين "
حتى توفي عام 1998م ودفن ، ومعه دفن شاعر عاش جل عمره يتلظى بنار المهانة ، ويكتوي بألم الركوع العربي للدول الغربية وخاصة أمريكا .

مرحبا بالأخ الفاضل في واحتنا ؛ واحة الخير و الفكر و الأدب . نرجو لك النفع و الفائدة .

ترحيبي .

كل الشكر لك أختي حوراء على الترحيب

ووددت لو ساهمت في الموضوع و أبديت الرأي فيه

تحيتي