أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: جميلة .. رغم كلّ شيء

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 115
    المواضيع : 15
    الردود : 115
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي جميلة .. رغم كلّ شيء

    جميلة .. رغم كلّ شيء

    بقلم / نور الجندلي

    أستغربُ غيابها المتكرر عن القدوم إلينا ، وقد كان بيت جدها هو الأثيرُ عندها ..
    تركضُ إليه بمرحها وعفويتها كقطة مدللة ، تعرف أن كلّ من في البيت يحبّ ميرا الفتاة الجميلة اللذيذة !
    تسلّم على عجل وتطرقُ بابي بحبّ ، تقبّلني وتجلس على سريري ، وتحكي لي مغامراتها ..
    - خالتي .. اليوم ثارت غرفة صفّنا ضحكاً على ضفدعٍ أحمقٍ صغير اصطادته لنا هنادي وأفلتته في حصّة الجغرافية ليقفز حول الكرة الأرضية على طاولة المعلمة ...

    أصغي إليها كما أصغي لصوت الحلم الجميل حين يطلّ بعد غياب ..
    ميرا .. حبيبتي .. كم كبرتِ وأصبحتِ تُشبهين خالتكِ !
    تدورُ حول نفسها أمام المرآة بدلال وتقول متحدّية :
    - بل أنا أجمل ولا شكّ !

    أيام الشتاء تمرُّ طويلة ، وأنا مازلتُ في سريري العاجز ..
    ميرا باتت تزورني في فتراتٍ متباعدة ، فقد أخذتها المرحلة الثانويّة بصخبها ، وازدحمت الكتب والمراجع أمام طاولتها ، وازداد تأففها وتململها من الدراسة ، وأصبحت تميلُ إلى أشياء أخرى ..

    اشتكت لي أختي مرّة عنها ، فهي تمضي أوقاتاً طويلة في المكتبات .
    استبشرتُ خيراً وقلتُ لها : الثقافة خيرٌ لابنتكِ ، لا تضيّقي الخناق عليها في الكتب المدرسيّة فقط !
    اسمحي لها بالاطلاع ، واكتشاف صنوف المعارف بنفسها .
    ابتسمت أختي بمرارة وقالت :
    - لكنها تجوبُ المكتبات بحثاً عن وجه جميلٍ تودُّ لو أصبحت مثله !
    تذكرت لحظتها تلك المجلات السخيفة التي كانت تحضرها ، وصور الممثلات والعارضات التي كانت تريني إياها وهي معجبة بها أيما إعجاب ..
    - أليست تصفيفة شعرها جميلة ، بسمتها واتساع عينيها .... إنها بعيدة كل البعد عن ملامحي القاسية وأنفي المستطيل ..!

    كنتُ أخبرها دائماً بأنّ الجمال جمال الرّوح ..
    وبأن الله أعطانا الجمال لكي نحفظه ، فلا نرخصه للعرض أمام الناس ..
    وكانت تصمتُ طويلاً ، ثمّ تغيّرُ بذكاء مجرى الحديث كي لا أفهم ما يدور في خلدها فأثنيها عنه .


    لأول مرّة في حياتها تغيب شهراً كاملاً ..
    ألهذا الحدّ يا ميرا هانت عليكِ خالتكِ ..
    لولا العجز في قدميّ لأتيتُ ووبختكِ بما أستطيع ..
    ولو أنّي أستطيع ..... لعانقتكِ باشتياق ..!
    ترى .. ماذا حلّ بكِ يا حبّة القلب ؟!

    اتصلتُ بأختي معاتبة باكية ، فأتتني الصاعقة !
    ميرا تودّ أن تترك دراستها ، وهي تصرّ على عمليّة تجميلٍ تغيّر بها أنفها ليبدو أصغر ، وتضفي بعض الاتساع على عينيها .
    إنها تعتقد بأنه حقٌّ شخصيٌّ لها ، وبأنني ووالدها نقفُ في طريقها ..
    أهذه المعرفة التي كنتِ تودّين أن تتعمّق بها ؟ أهذه هي الثقافة التي شجعتِها على الوصولِ إليها ..!
    أغلقتُ السّماعة وفكّرتُ طويلاً بالمسألة ..
    ليست قضيّة ميرا فحسب ! بل قضيّة العالمِ بأسره .. فما الحل ؟!
    اتصلتُ على عجلٍ بأختي ودون تحيّة طلبتُ أن تأتِ ميرا إليّ بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ للضرورة القصوى ، فهناكَ مفاجأة رائعة أودّ أن أهديها لها بمناسبة شكلها الجديد ..
    وطلبتُ منها ألا توافق على عملية التجميل قبل الثلاثة أيامٍ مهما حصل !
    استجابت أختي على مضض ، وبدأتُ بهمّة العمـل .


    لم يكن الأمر سهلاً أبداً ..
    فالبحثُ في دليل الهاتف عن أرقام المكتبات ، وأن تطلب منهم أشياء غير محددة ، وأن يأتوا بها إلى المنزلِ .. كان أمراً عسيراً .. لكنني حققته بنجاح .
    مقصّ وأوراق بيضاء ، وأخرى ملونة ، مجلاتٌ ملأت السرير تدثرتُ بها عوضاً عن لحافي الدافئ ، وليلٌ طال بعملٍ مضنٍ ، ومغامرة قد لا تؤتي أكلها ..!

    أيّامُ ثلاثة مرّت .. لا أحد يدري ماذا يجري في غُرفتي ..
    سمعتُ أمي تقول لوالدي بأني أصبت بالصدمة ، بسبب ما حدث لميرا ، وبأنني على حافّة الجنون !
    وسمعتُ أيضاً بأنّ ما يحصلُ ردة فعلٍ عنيفة ، فتقطيع أوراق المجلات – برأي الطبيب النفسي – نوع من التنفيس عن تأنيب الضمير ، لأنني أنا السبب بقرار ميرا .

    أخيراً .. جاء الموعد ..!
    البيتُ هادئ ، والكلّ يترقب المفاجأة ..
    سريري مرتّبٌ وأنا في أحسن حالاتي ، لا وجود لقصاصة ورقٍ في الغرفة ، البابُ يطرقُ بحذر ..
    ليسَ كعادتها ، لم تعد مرحة ، ربما قرارها ، أو مخاوفها مما قد حضرته لها .
    دخلت بصمت ، قبلتني على جبيني ..
    نظرتُ في عينيها ، ومسحتُ شعرها المجعّد عنوة ، وقلتُ لها دامعة :
    - اشتقتُ لكِ .
    حاولت الهروب من عتابي ، فسألتني عن المفاجأة ، ولم أرغب بتأخيرها أكثر .
    أخرجتُ المغلف ، ووضعته بين يديها ، وأنا أراقبُ ردّة فعلها ..
    أصابتها الدهشة وهي ترى صور الممثلات على غلافه ..
    ابتسمت بفرحِ طفلة أُعطيت قطعة حلوى ..
    ثم بدأت تتصفح بشوق ..
    كانت الصورُ غريبة !
    صورة هرّة قطعت أذنيها وألصق مكانها أذني أرنب ، وعينا جمل استبدلا بعيني غزال ..
    وردة جوريّة وضعت مكانها زهرة ياسمينٍ رقيقة ، وقرنفلة قطعت أوراقها وألصقت أوراق فاصولياء ..
    وهكذا .. كانت كلّ صفحات الكتاب .. تحملها على ضحكٍ هستيريّ ..!
    أغلقت الكتاب ولم تزل تضحك ..

    نظرت إليّ وقالت :
    - خالتي ... ما هذا ؟
    بثقة أجبتها .. هكذا ستصبحين قريباً ..
    فاجأتها الإجابة وأصابتها بصدمة ، صمتت طويلاً ، ثمّ انفجرت باكية ، وكأنها فهمت اللغز ورأت الحقيقة دون زيف ..
    عانقتها وقلت لها :
    - يا صغيرتي .. أتشكين في أنني أتمنى أن أراك أجمل فتاة في الكون ؟
    بالطبع لا .. لكنني على يقين بأن الله جعل لكل مخلوقٍ ما يناسبه من ملامح ، لا يكون جميلاً إلا بها
    ( ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )
    فإن حاول التسلط عن طبيعته أو تحدي فطرته أدّى ذلك به إلى التشوّه مهما ظن نفسه جميلاً .
    الجمالُ هو التكامل ، وأن يسعد المرء بما وهبه الله تعالى من نعم ، فيشكر الله تعالى عليها ، وأن يحميها ويحافظ عليها من التلوث بدلاً من أن يعبث بها فيفسدها .
    وهناك جمالٌ آخرُ هو أصلُ كلّ جمال .. إنه جمال الرّوح .. ننميه بتعميق الإيمان بالله ، ونرفعه بقراءة ما ينمي العقل ، فيتكامل المظهر والجوهر ..

    أخذت المغلف وقلت لها :
    - انظري إلى هؤلاء النساء .. ربما قد وهبهن الله جمالاً ، ووجهاً حسناً ، لكنهن وللأسف لا يمتلكن الجمال الأهم ، جمال العقل والروح .. ولو كنّ يمتلكنه حقاً لما فرّطن به هذا التفريط ، ولما أضعنه فعشن حياتهنّ بلا هدف ، فبتن دمى .. مجرد دمى بلا عقل أو روح ..

    تركتني باكية ..
    وغابت ليلتها ، ولم أتصل لتفقد حالها ..
    لم أنم ليلتها ، فقد ساهرني ألمٌ شديدٌ في ساقيّ أعياني ، وألم أكبر راودني وأنا أتخيّل صورتها الجديدة إن لم تستجب لندائي ..

    رنينُ الهاتف في الصباح أيقظني من غفوة قصيرة ..
    كانت هي .. ميرا ..
    لا ليست ميرا التي ودعتني البارحة ، بل ميرا المرحة الحبيبة التي أعرفها .
    أخبرتني بأن لديها مفاجأة أيضاً لي ، وبأنها آتية لتهديني إياها ..
    توقعتُ كلّ شيء إلا هذا الكرسي الكهربائي المدولب الذي كان لي حلماً يئست من أن يتحقق ..

    حملتني إليه بفرح وهي تقول ..
    اشتريته بالمال الذي كنتُ سأنفقه على العملية ..
    وعلمت أن هناكَ في داخلي ثمّة تشوه روحيّ خطير يحتاج إلى أكثر من عمليّة تجميل ..
    الآن سأقوم مع خالتي – أجمل الجميلات – بجولة في حديقة جدتي !
    أعوام طويلة مضت ..
    لم تنقطع ميرا عن زيارتي كلّ أسبوع ..
    أضحكتني كثيراً هذه المرة وهي تتحدث عن خطيبها راضي وهي تقول :
    - عجيبٌ أمره يا خالتي ، فأكثر ما يعجبه فيّ إضافة إلى ثقافتي وفكري .. أنفي الطويل !

  2. #2
    الصورة الرمزية عدنان أحمد البحيصي شهيد العدوان على غزة 2008/12/27
    تاريخ التسجيل : Feb 2003
    الدولة : بلد الرباط (فلسطين)
    العمر : 41
    المشاركات : 6,717
    المواضيع : 686
    الردود : 6717
    المعدل اليومي : 0.87

    افتراضي

    أخيتي نور الجندلي

    الحقيقة انبهرت مما قرأت ، وشعرت أنني أمام لوحة فنية رائعة ، متناسقة الألوان .

    الأخت الكريمة ، استطعت وبمهارة علاج عقدة ميرا ، وكان وصفك للأحداث ينم عن حسن استخدام للأساليب واللغة والتسلسل الرائع أيضاً كان موضع إعجابي.

    أسمحي لي ان أصفق لك طويلاً

    تحيات متذوق
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  3. #3
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخت الفاضلة الاديبة نور الجندلي
    اختصر المسافات , لأقول بحراة المتأثر بالنص , اجدت القص , واجدت استخدام الادوات , ومع بساطة الموضوع , حبكت البناء بشكل قوي , وشددتني نحو النهاية , وانا احاول ان اتخطى الكلمات , واسرّع القراءة , رغم استمتاعي بها , وجاءت النهاية موفقة , وناجحة جدا , لقد قدمت موضوعا قيّما , ورسالة اخلاقية واجتماعية راقية .
    تقبلي احترامي وتقديري
    اخوكم
    السمان

  4. #4
    الصورة الرمزية وفاء شوكت خضر أديبة وقاصة
    تاريخ التسجيل : May 2006
    الدولة : موطن الحزن والفقد
    المشاركات : 9,734
    المواضيع : 296
    الردود : 9734
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأخت الافاضلة / نور الجندلي .

    موضوع العصر ، ومشكلة باتت في كل بيت ، وخلف كل باب أقفل ومن خلفه فتاة التفتت إلى المظر ونسيت أن الجوهر هو الأهم .
    طرح موفق بأسلوب أدبي شيق يستحق أن يكون موضوعا ينشر على نطاق أوسع للفائدة ، اسمحي لي أن أستعين بنصك لتوعية هذه الفئة من الفتيات جزاك الله الخير .

    تقديري وإعجابي .

    أختك..
    دخون .
    //عندما تشتد المواقف الأشداء هم المستمرون//

  5. #5

  6. #6

  7. #7

  8. #8
    الصورة الرمزية د. سلطان الحريري أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2003
    الدولة : الكويت
    العمر : 58
    المشاركات : 2,954
    المواضيع : 132
    الردود : 2954
    المعدل اليومي : 0.39

    افتراضي

    نور الجندلي الفاضلة:
    قرأت قصتك بتمعن المتذوق لا الناقد ، ووجدتك متألقة إلا من بعض ملحوظات لابد من ذكرها ، وهي ملحوظات المتذوق ، وأولها أن مبدأ السببية في القصة أول ما يطلبه القارئ الذواقة من الكاتب ، وذلك يتمثل في أن يكون تطور القصة تطورا طبيعيا ، لا يخرج عن نطاق المعقولية والاحتمال ، وانتقال شخصيتي القصة الرئيستين من مرحلة الطفولة إلى مرحلة متقدمة لم يكن مقنعا ، ولعل البداية بالسن المتقدمة واسترجاع الماضي أولى مما حدث ، والملحوظة الثانية هي الشرح المستفيض أحيانا ، وذكر ما تم بدقة . انظري إلأى قولك: " بالطبع لا .. لكنني على يقين بأن الله جعل لكل مخلوقٍ ما يناسبه من ملامح ، لا يكون جميلاً إلا بها
    ( ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )
    فإن حاول التسلط عن طبيعته أو تحدي فطرته أدّى ذلك به إلى التشوّه مهما ظن نفسه جميلاً .
    الجمالُ هو التكامل ، وأن يسعد المرء بما وهبه الله تعالى من نعم ، فيشكر الله تعالى عليها ، وأن يحميها ويحافظ عليها من التلوث بدلاً من أن يعبث بها فيفسدها .
    وهناك جمالٌ آخرُ هو أصلُ كلّ جمال .. إنه جمال الرّوح .. ننميه بتعميق الإيمان بالله ، ونرفعه بقراءة ما ينمي العقل ، فيتكامل المظهر والجوهر .."، وكان الأولى أن تشيري إلى ذلك بكلمات ، حتى لا ندخل في أتون اختلاط الأنواع الأدبية عما أشرت إليه بالأحداث أو الرموز أو الإيماءات..
    أعجبتني النهاية رغم أنها تسري في حدود المتوقع ؛ لأنها عبرت عن نسبية الأشياء ، ومنها الجمال ..اعذري تطفلي على عالمك ، ولكن قصتك الرائعة أغرتني بالمتابعة والنقد ، ولا أخفي إعجابي بقلمك ..
    همسة تصحيحية ( طلبتُ أن تأتِ ميرا إليّ) ما سر حذفك للياء في كلمات ( تأتي ) رغم أنه سبقت بناصب لا جازم؟؟

    لك خالص ودجي وتقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  9. #9
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Dec 2005
    المشاركات : 115
    المواضيع : 15
    الردود : 115
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    ملحوظات أعتز بها وأثمنها منكم أستاذي الكريم
    وسأضعها نصب العين ودائرة الاهتمام
    لكم كل الشكر للمرور الطيب
    أسعدني النقد البناء
    ودمتم بخير وسداد

المواضيع المتشابهه

  1. ضاع كل شيء … ضاع كل شيء…
    بواسطة محمد رامي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 11
    آخر مشاركة: 29-09-2021, 06:38 PM
  2. ** هكذا كلُّ جَميلةْ..!!
    بواسطة مصطفى السنجاري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 17-06-2012, 08:22 PM
  3. شيء .. و .. شيء
    بواسطة محمد ذيب سليمان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 21
    آخر مشاركة: 18-03-2012, 09:15 PM
  4. حين يكونُ كلّ شيءٍ يسيرُ إليكِ
    بواسطة احسان مصطفى في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 14-03-2007, 08:08 PM
  5. من كلّ شيء...!
    بواسطة نهى شعبان في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 03-02-2007, 09:12 PM