صوم المسيح ...

صوم المسيح ...

تعرفنا في فلسفة الجوع انه يهيأ الانسان لتفريغ زوائد الاغذية المدخرة في جسده كالشحوم وبالتالي فأنه يخفف الجسد من مثقلات أعاقت حركته ومنعت خفته وجعلته خاملا" , والمبصر في غاية الجوع الاجباري الذي نسميه ... صوم يرى عجبا" , فالصيام في أصله اللغوي هو الصيام عن الكلام وتذكروا كيف أن أم عيسى المسيح نذرت أن تصوم للرحمن فلم تكلم إنسيا ، وهو أصعب وأجدى أشكال الصوم أذا ماقورن بالامساك عن الطعام. لتقابل معجزة الولادة من دون أب بمعجزة لاتقل اهمية ان تمسك عن اي رد فعل يفترض ان تقابل به معترضيها والمتشككين بما جرى لها عليها السلام انه الصوم , ومن لم يدرك من معاني الصيام كونه ليس تعذيباً للنفس بل إعلاناً لولادة (الإرادة) ضد الغريزة، فما صام , بل حرم نفسه من الأكل من مطلع الشمس حتى غروبها وحسب , والإنسان يعمل بإرادته ضد غريزته بكامل وعيه فيتفرد بين كل الكائنات التي أسرت في قفص الضرورات. وهنا تتضح معالمه الروحانية كونه يجيد استخدام عينيه للبصيرة او يمتلك الاذن الواعية والقلب السليم (( ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا )) الاية\ الاسراء
وهي ماتميزه عن الحيوان الذي يمتلك ذات العين والاذن والقلب من دون طاقة روحية , يقول الفيلسوف خالص جلبي (والإنسان قد ينتحر فيعلن استقالته من الحياة، أو يصوم فيجوع مختاراً متضامناً مع الجياع في وضع مناقض جدا لمواضعات الغريزة( والصيام قد يشترك المسلم فيه مع غيره من البشر فهو لايخص المسلمين فقد كتب على الذين من قبلنا، ولم يكن للمسيح عليه السلام أن يدخل التجربة قبل صيام أربعين يوماً. ولم ينطق عليه السلام بالحكمة إلا بعد أن جاع فدخل في تجربة العزوف عما تريده النفس وتشتهيه وعرف أن الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل بكل كلمة طيبة تخرج من الفم.
وبضعف ‏الروحانيات التي تمكن الانسان‎‎ من مواجهة كوارث‎َ ليست تحت سيطرته‏،‏ يصبح الإنسان ‎خائفاً من مواجهة حياة الإعماروهي وظيفته التي خلقه الله على الارض لاجلها ، فليس عجبا" ان نرى البعض منا مفضلاً موت الانتحار و الدمار على مهمات الاعمار .
وللتدليل على مانقول يكفينا أن نأخذ حياة رسول الرحمة محمد الحبيب عليه الصلاة والسلام , وحياته صوم متواصل عما قد تعتري النفس البشرية من تداعيات الشر حتى أوجد في لحظة تاريخية مفهوم الدولة القائمة على مضامين روحية ولو قدر الله تعالى للمسيح ان تستمر دعوته حتى يتسنى له ربط القيم السامية والروحانية على الواقع لتطلب منه ذلك ان تشتمل شريعته لعدد من الاوامر والنواهي ليكتمل منهاج دعوته ويأخذ اطارا" عمليا" ولاقام لتلك الرؤى السماوية جيشا يحمي مراد الله ممن لايقدرون على الصوم عن شرورهم ولتحول تلامذته وحوارييه الى قادة ينشرون ويكرزون الحكمة بيد ويحمون كلمات الله ومنهاجه بالسيف بيدهم الثانية ولكن الله شاء ان تكون دعوة المسيح تصل الى موقف رفعه الى السماء في الوقت الذي ظل الرسول محمد عليه الصلاة والسلام حيا" حتى أتمّ تبليغ الرسالة ونصح جميع الامة التي بلغت بمنهاجه اقطار الارض من مشرقها الى مغربها .
عندما نقرأ آيات سورة التوبة (( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بامره والله لايهدي القوم الفاسقين )) التوبة 24
فاننا نرى ان الله تعالى يريدنا ان نوازن بين شتى النعم التي أحلها لنا وعدد منها ثمانية اصناف وبين غايتنا في الحياة بان نجاهد لنشر كلمة التقوى وافشاء عدل الله على ارضه انه يقول لنا باختصار عليكم تسخير كل طاقاتكم الكامنة في الابناء والاباء والازواج وتجارتنا ومساكننا ونصوم بعض الاحيان عن الاستمتاع بنعمة الله فيهم ونجعلهم ادوات ووسائل للغاية النبيلة والمهمة الجليلة بان نجتهد في سبيل اقامة عدل الله بين الناس وألأ فان الله تعالى يهددنا بانه متربص بنا , وهذه ملامح تؤكد رفض الاسلام للعزلة والرهبنة وهجر أصلاح الناس وصومنا في رمضان يعطينا الفرصة الى طريق المجاهدة هذا .

ترويض النفس أمر صعب ولكن من يحققه يصل إلى نوع من الكمال الإنساني جسداً وروحاً. عسى الله أن يعطينا القوة والصبر حتى نتحكم في شهوات أنفسنا ونترفع عن الصغائر ونصوم عن كل ما يفسد الفطرة التي فطرنا الله عليها.

لك التقدير والاحترام أخي الفاضل خليل.

الاخت سارة

عوفيت عافية الدنيا والآخرة

وممتن على المرور العطر

للرفع بمناسبة رمضان آخر جديد

وباب توبة جديد