كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، رجل حكيم، خرج في رحلة. وفي طريقه التقى بذئب مطارد من طرف الصيادين.طلب الذئب المرعوب من الحكيم أن يخفيه عن مطارديه متظاهرا بالأسى والحزن والتمسكن، فأشفق الحكيم من حاله ثم خبأه في كيس كتبه. وفجاة أقبل الصيادون، فطلبوا من الحكيم ان يرشدهم إلى أثر الذئب الهارب، رد الحكيم بأنه لم يشاهده، فعل ذلك لإنقاذ حياة الذئب. وعند ابتعادهم، أخرج الحكيم الذئب من الكيس.وفي اللحظة التي كان فيها الحكيم يتهيأ لركوب ظهر حماره ليواصل رحلته، امسكه الذئب من أطراف جلبابه قائلا بلهجة متباكية: " إنني أموت من الجوع !" وطلب منه أن ينقذه مرة ثانية. أخرج الحكيم من جيبه قطعة حلوى وقدمها إلى الذئب، إلا أن هذا الأخير ضحك منه ساخرا: " أنا لا آكل هذا، ألا تعلم أني من آكلة اللحوم!؟. ".اعتقد الحكيم أن الذئب يريد أكل حماره، غير ان الذئب رد وأجاب:" إن الحمار وحده لا يكفي لإشباع جوعي!" .. أدرك الحمار كلام الذئب فكر هاربا بنفسه، فاتجه الذئب هاجما على الحكيم.. انتفض الحكيم من شدة الغضب متهما الذئب بأنه ناكر للجميل وكافر بالخير والنعيم.انفجر الذئب ضاحكا وقال:" لا تكلمني عن نكران الجميل والكفر بالنعمة والعقوق، اتركني ألتهمك.". ثم انطلق في أثر الحكيم. وبعد ركض طويل خارت قوى الحكيم فصاح بأعلى صوته:" انقذوني، النجدة، انقذوني." لم يستجب له احد. فكر الحكيم في حيلة فقال متضرعا إلى الذئب، راغبا في كسب الوقت لإنقاذ نفسه:" إنني سأسلم لك نفسي دون إبداء أية مقاومة ولكن بشرط ! " قال الذئب:" وماهو شرطك؟ أجاب الحكيم:" فلنجعل شجرة الخوخ والبقرة والفلاح حكما بيننا، فإذا وافق الثلاثة على رغبتك في أكلي سأقبل مطيعا."قمت بترجمتها عن نفس المصدر المذكور في موضوع منشور على نفس هذا المنتدى تحت عنوان" فرادة فأر".
انطلق الذئب يتبعه الحكيم، فوقفا تحت شجرة خوخ هرمة. حكى الرجل الحكيم قصته المؤلمة لها وحدثها عن مأساته مع الذئب..الخوخة الهرمة، تذكرت جملة كانت تقولها في شبابها الغابر للأطفال الذين كانوا يقبلون لقطف ثمار الخوخ:" أاكلوني إن شئتم!. أدرك الحكيم أن الشجرة توافق الذئب على تحقيق رغبته، فامتعض خوفا بينما الذئب قال بانشراح:" هذه إجابة ملائمة." ثم واصلا سيرهما والتقيا ببقرة وقور فأعاد عليها الرجل حكايته مع الذئب.. كانت البقرة غارقة في ذكرياتها ..استرجعت فجاة الكلمات التي كانت تنطق بها عندما كان سيدها يحلبها:" احلبني هذا يريحني!". أراد الذئب ان يهجم توا على الرجل ولكن هذا الأخير احتج قائلا:" يجب الوفاء بالوعد، ألا يجب استطلاع رأي الفلاح أيضا؟". فواصلا طريقهما وعند التقائهما بفلاح هرم حكى له الرجل الحكيم كيف أنه أنقذ الذئب الذي رغب بدوره في أكل منقذه وقال له:" هل أستحق أن يأكلني هذا الذئب ؟".. تظاهر الفلاح بانه لم يصدق أن كيسا من ذلك النوع أمكنه أن يحتوي الذئب، فطلب من الحيوان أن يبرهن له على ذلك. وعند دخول الذئب في الكيس، أسرع الفلاح الهرم إلى إغلاق فتحته وقال للحكيم:" لا جدوى من إقناع الذئب بالحقيقة!". ثم أنزل ضربة بمعوله على رأس الذئب الجشع.. وبإخراج الذئب من الكيس وهو شبه ميت، أحس الرجل الحكيم بنوع من الشفقة نحو الذئب فقال:" كفى.. لا يستحق كل هذا العقاب القاسي!". وفي هذه الأثناء بالذات أقبلت امرأة وهي تبكي مشيرة إلى الذئب قائلة:" إنه هو ..هو الذي التهم طفلي..هذا الذئب هو الذي أكل ولدي..".
فتناول الرجل الحكيم المعول وأجهز على الذئب المذنب بضربة قاضية..
وهكذا تخلص من الندم الذي أحس به نحو الذئب، ولم تعد لديه أدنى شفقة نحوه.