يوم قتل الزعيم

بقلم: أحمد فضل شبلول

تعد رواية "يوم قتل الزعيم" واحدة من أصغر روايات نجيب محفوظ (1911 ـ 2006) سواء من ناحية الأحداث أو عدد الشخصيات أو عدد الصفحات (87 صفحة) وقد ظهرت طبعتها الأولى عام 1985م، وهي على سبيل المثال تجيء على النقيض تماما من رواية "الحرافيش" تلك الرواية الممتدة كالنهر المتدفق والتي تصور لنا أجيالا وأجيالا، ومن هنا سميت بالرواية النهرية.
تقدم لنا رواية "يوم قتل الزعيم" ـ عبر تعدد الأصوات رغم قلتها ـ ملمحا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا ونفسيا من ملامح جيل معاصر، يتمثل في الشخصيتين الرئيستين من شخوص الرواية قليلة العدد، وهما علوان فواز محتشمي، ورنده سليمان مبارك، اللذان يمثلان جيل المعاناة والغربة والضياع والإحباط وعدم القدرة على تحقيق أبسط الآمال والأحلام الإنسانية المشروعة في ظل ما يعرف باسم سياسية الانفتاح الاقتصادي في مصر إبان حرب أكتوبر 1973م.
الرواية لها مغزاها السياسي والاجتماعي والاقتصادي الكبير، ولكنها غلفت بالفن الروائي الراقي فتغلبت على كل نوازع المباشرة والخطابية والسطحية التي لولا وجود روائي كبير ومتمرس مثل نجيب محفوظ يقود دفتها لتغلبت عليها تلك النوازع المفسدة للفن والأدب، حتى أن الجزء الخاص بمقتل الزعيم لم يكن مشهدا تسجيليا نقل من الواقع ـ ولو فعل ذلك نجيب محفوظ ما لامه أحد ـ ولكنه يمزج هذا المشهد أو هذا الجزء بانفعالات وأحاسيس علوان فواز محتشمي، ويجعله يأخذ هو الآخر موقفا مضادا من أنور علام مديره في العمل، الذي تزوج من رنده سليمان مبارك الخطيبة السابقة لعلوان التي تم طلاقها خلال الشهر الأول من زواجها، وأيضا يأخذ موقفا مضادا من جلوستان أخت أنور علام الأرملة الغنية التي تكبره بعشرين سنة، وتحاول الإيقاع به لتتزوجه ليدير أعمالها المشبوهة بعد أن افتضح أمر أخيها الذي يريد الثراء السريع مهما كانت الأساليب المشروعة وغير المشروعة، فلم يتورع عن دفع زوجته رندة إلى هذا الطريق ليتحقق الثراء السريع، ولكن سرعان ما اكتشفت رنده نوايا الزوج المخادع فقامت بطلب الطلاق وحسمت الموضوع، وهي لا تزال في الشهر الأول من زواجها "شهر العسل"، ولم تأبه بالشائعات وبكلام الناس من حولها بسبب هذا الطلاق السريع.
ونحن إذا أردنا أن ننظر إلى هذه الرواية ـ كما ننظر أحيانا إلى روايات نجيب محفوظ ـ على أنها وثيقة اجتماعية وسياسية مصرية، فإنها تعطينا ذلك أيضا، ولنتأمل ما جاء على لسان علوان فواز محتشمي ص46 يقول: "مقهى ريش منقذ من ضجر الوحدة، أجلس وأطلب القهوة وأرهف السمع، هنا معبد تقدم به القرابين إلى البطل الراحل الذي أصبح رمزا للآمال الضائعة، آمال الفقراء والمعزولين، هنا أيضا تنقض شلالات السخط على بطل النصر والسلام، النصر يتكشف عن لعبة السلام، والسلام عن تسليم، على مسمع من السياح
الإسرائيليين .. الخ"، ويضيف "حركة سريعة لا تتوقف
ولا تنقطع .. وجوه مكفهرة ماذا وراءها ؟ الرجال والنساء والأطفال، حتى الحبالى لا يقرن في بيوتهن، كل يحمل مأساته أو مهزلته".
وإذا كان بعض النقاد قد ذهب إلى أن شخصية نجيب محفوظ في شبابه كانت أقرب إلى شخصية كمال عبد الجواد في ثلاثيته المشهورة "بين القصرين/ قصر الشوق/ السكرية"، فإننا نميل إلى أن شخصية نجيب محفوظ كانت أقرب إلى شخصية محتشمي زايد في رواية "يوم مقتل الزعيم" .. يقول محتشمي زايد ص43: "توجد مرحلة أخيرة اسمها الشيخوخة إني أمد يدي لأقبض على حلقة الثمانين في مرقى الجبل، فمن حقي أن أركز على خلاصي تاركا هموم وطني لبنيه، وقد قمت بالتزاماتي في حينها على قدر استطاعتي".
ولكن هل يترك نجيب محفوظ هموم الوطن لبنيه فعلا، إنه لو فعل ذلك ما كان اتحفنا بهذا العمل الروائي الجديد وما تلاه من أعمال، ولكننا نقول إن شخصية محتشمي زايد ـ جد علوان ـ وهو من الشخصيات الرئيسية في الرواية أقرب إلى شخصية نجيب محفوظ ولا نقول إنها تتطابق مع شخصية نجيب محفوظ.


أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية