في ذكرى وفاة الشيخ زايد ( رحمه الله ) رئيس دولة الإمارات
يا فارساً اخضرت على يديك رمال الصحراء
يا رزيناً تفتت الحجر بدموعنا عند الفراق
يا حكيماً خرجت خلفك جموع في العزاء
يا أباً غادرتنا وتركتنا في إعياء وبلاء
أبيات ألقيتها بقيثارة بالية ، ألحانها حزينة تحكي حزنا تفتقت له جروح الزمن ، مصاب جلل أصاب أمة من أمم المسلمين ، بل كل بني الإسلام ، كنا قد بكينا على فراقك دموعاً مالحة ملوحة البحر الميت ، آه يا حسام الأمة ... آه منك يا زمن !! كم من غدر في الظهر أدخلته كسهم حاد المثقب ، ها هي قدرة الباري تنجلي لتبين لنا مدى سهولة الحياة .
كان أباً ، بل قائداً ، كانت المصاعب والأهوال تركع خوفاً من نظره ، كانت يداه الطاهرتين منبعاً للإحسان المتجدد فكانت شجرة ينهل من ثمارها من قرب وبعد ، وكان نبعاً لا تنضب مياهه ، كم مرة أغدقت الخير على أبناء دولة أضحت راسخة منذ فتوتها ! ، كم من قلب أحييت منذ استلامك زمام الأمور ، كم من صلاة أقمت عندما احتبست مدامع الغيث .
بكاء التفجع الذي مضى لم يكن سوى حزناً ظاهراً ، فكم بكت قلوبنا دماءً حارة ! ، كم اعتصرت أنفاسنا غصة عبرت كموج عاتي ، منك أيها المصاب الجلل كان تفاقم المصائب علينا ، كم أبكيت قلوباً لم تعرف بكاءً ! ، كم أبكيت جبالاً حولت إلى مزارع عمودية ! .
ذاك اليوم ... يوم أن هاجرت إلى جوار ربك ، كان يوماً عصيباً ، في ليلتها لم نعرف من الورد سوى شوكه ومن الليل سوى ظلمته ، كان يوماً كله ليل ... فإذا ابتسم النهار لاح شبح الذكريات ، فكم عطفت على يتيم أفقدته الحياة أباه ، وكم أبعدت ظالماً كان العرب هدفه ومسعاه ، و كم تناقلت الصحف عن بناء هنا لزايد وبناء هناك ، كانت أيامك فرحة للصغار والكبار ، لم يعرف الظلم في حياتك مكاناً يركن إليه وكأنه كلب شارد لا صاحب يؤويه ، أبكيت الفقر و فجعته ، فلم يجد صاحباً يشاطره جزأه الثاني ، ولم تكن أيامك إلا ذخراً لقوم عرفوا– حق المعرفة – أن زايداً هو القائد بل والوالد .
لم يكن شعبك يوماً ذليل الرأس بل وناصب الرأس ، تركتهم خلفك على خطاك رسموا طريقهم ، تخطيطك السامي هو من بنى على خواطرهم أسس الحياة الكريمة وأبقى على أياديهم بيضاء لامعة ، فلم يكونوا إلا أصحاب عز وكرم وأصحاب فضل و قسم ، ما كان منهم رجل إلا ورعى مكارم الأخلاق فلم يؤصلها في نفسه فقط بل أودعها في روح صغاره – بفضل من الله – الذين نشأوا على علم بالعادات التي زرعت في أجدادهم منذ البداية.
ذكرانا اليوم أحييناها في قلب من قلوب الزمان ، لتبقى حاضرة مجالس الحضارات ، فمن المؤكد أن حضارة الإمارات لتفتخر بأن من غرسها هو رجل ناصع البياض قلبه ، وهب حياته لشعب عرفوا قيمة العلم والعمل ، فلم يكونوا سوى مطبقين لشريعة شرعها الله لدينه ، فها هي الصحراء تنطق بالجميل من ملئ فاها المغطى بالثرى البرتقالي الأصفر ، وها هو حفيت ينشد أعذب الألحان ويدعو لرب واحد خلاق بأن يتغمد من أخضره عم الصخور والقمم .
أنت المعتصم .. بل المهلب ، لا ندري بماذا نصفك ، أنجدت أرض الخليل فأنت المعتصم ، حاربت اليهود بأغلى سلاح ملكوه من العرب ، فأنت المهلب ، كنت الفارس في الميدان ، كنت عنترة في ساحة الوغى ، كم يوماً ولى مدبراً خوفاً من مواجهة أحد الأسد العظام أمثالك .
أيها الحسام الراحل ، لقد أبقيت لنا أثراً من رائحتك العطرة ، تركت لنا خليفة ومحمد و عبد الله والبقية ، كلهم بقع من نور تمتطي الأرض لتواجه كل الصعاب التي قد تواجه الشعب الأرمل ، رحمك الله يا زايد الخير ، رحمك الله يا زايد العلم والوطن .
رد مع اقتباس