تنتهي الحرب في لحظة جارحه
قبل أن تنطق الأسلحه
ينتهي الحزن
و الصرخة الجامحه
قبل أن يحمل الطفل جثته
و يقايضها بلفيف من الأضرحه
تنتهي الكلمات الدفينة في لحظة
و يعود الجنودْ
حاملين الركام المدجج بالذكريات
إلى ما وراء الحدودْ
×××
منذ مليون عام
تناسخت كالحبة النبوية في شذرات الرغيف
و أصبحت سبعين سنبلة
أوقد الحب تبر انتماءاتها
من نبوخذ نصر
إلى سحنات الرشيد
و من وصلة القادسية للرافدين
و لم تزل جرحي الذي لا ينامْ
×××
كنت أعرف روما
و لم أسأل الصبية القادمين
متى تضع الحرب أوزارها
و متى سيعود الإمامْ
×××
منذ مليون عامْ
كنت أعرف أن التواريخ آئلة للسقوط
و أن الخطى في الصحارى مجرد أكذوبة
نسي السهرورديّ أحزانها
و لذلك أخفيت نفسيَ في يوم موتيَ
علّيَ أسمع صوتيَ
في صرخة امرأة لم يصل صمتها للعشيرة
علّيَ أولد في بذرة تحمل الريح اعراسها
و تخبؤها في بيوتات هذا الركامْ
×××
منذ مليون عامْ
تواريت في ردهات المعارك
عشت بما يتبقى من العشق
في جورب طافح بالهموم
و صرت جيوب الجيوبْ
أختفي خلف حلم دفين
و أوراد دبابة أنهكتها الحروبُ
و لم أسأل العائدين لماذا أحارب؟
كيف أحارب؟
من سأحارب؟
عمن أدافع؟
عن خصلتي الهاشمية أم عن بقايا النظام؟
×××
كنت آخرة ماسورة
في أواخر رتل
يعود إلى الثكنات المليئة بالجثث البائسه..
نادرا ما تذكرت أميَ
لم أعرف الدمع حتى أجفف حزنيَ
لم أقرء الشعر في المدرسه
كثرت كربلاءات جرحيَ
و انتشرت في الخلايا المعاقل
و الحفر الدارسه
×××
منذ مليون عامْ
كنت أعرف أن العواصم هينة
و الحروب مجرد ألعوبة لا تليق بأبطالها
و اللغهْ
هي ما يتبقى لقلبيَ من هامش تتحرك داخله
الثكنات الحزينة حين ينام الجنودْ
كنت أحرس أحلامهم من منافذ خوذتي الفارغهْ
كنت أغفو
و تأخذني سنةً
فيخيّل لي أنني كنت أمشي على الماء مستهزءا بالغزاة
و أن المآذن صارت لها أجنحهْ
كنت أحسبني شجر الريح يسقي فم الجائعين
و أن مياه الفراتْ
نبتت في تجاويف تفاحتي
فاستفاق الرخامْ
×××
منذ مليون عامْ
كنت أعرف أن الصدى وااحد
و الجزيرة نائمة
و الخطى العربية لا تصل البحر بالذاكرهْ
كنت ذاك الغريب المرابط في قلعة لم تصنها الثغورْ
تحمل الطائرات المغيرة صوتي حين تعود القوافل
منهكة
و العصافير تحمي بقايا عصافيرها في البذورْ
كنت أعلو فأحسبني قبة عامرهْ
كنت أسهو
فأسمعني هاتفا في جراحات وهران و القاهرهْ
×××
العراق أنا
و أنا البيت
و الصدر
و القافيهْ
و أنا بؤرة الوجع الانكساريّ
و المدد الانكشاريّ
و المدن النائيهْ
بايتني المراحل
و الأمهات الحزينات بايعنني
و الغيوم التي أيقظت فتنة الريح من مهدها
أقرأتني السلامْ
×××
منذ مليون عامْ
كنت وحدي المدافع عن حفنة من تراب
و عما تنائى من الأرض
و العرض
و الأضرحهْ
عن جراحات بابل
عن كلمات الرشيد
و عن سورة الفاتحهْ
كنت وحدى الرباط المعلق ما بين صفين
و الناصرية
ما بين حطين و القادسيبة
كنت الدمَ المستفبقَ توارثتهُ عن جراح الحسين
و عن سرّ هذا المقامْ
×××
ها هو الآن يوقظني
علّني أهتدي كالحمام إلى زرقة
أودعتها الجراحات في صمت تلك القبابْ
سيددي
ها أنا في مقامك ياسيدي
كنت حبيبيَ
كن خصلتي
كن وريدي
إذا ما تقطعت الأرض بي
و إذا خانني الصبر
و البندقيّة
و الاصدقاءْ
×××
سيدي
كن ملاذي الأخيرَ
و كن حرقتي و قروحيَ
و احرس هشاشة جرحيَ من سقطتي في الفضاء العسير
إذا ما رأيت الغزاةَ يدقون أبواب روحي
و يستنجدون بفاتحة للكتاب ....
من ديوان ـ حنين السنبلة ـ منشورا ت الاختلاف ـ الجزائر ـ 2004