كان يوما يفيض ضجرا... مخرّزا بمسامير الوحشة...
وكان الوقت ضحى ــ غير ان الشمس كانت مدثرة بغيوم سوداء سوداء كعباءة امي... غيوم ثقيلة ثقل ليلنا العربي...
وكما يتثاءب الوسنان دون ارادة منه ، وجدتني افتح جهاز الحاسوب ، لأفاجأ برسالة لا تشبه الا نفسها ... رسالة بدت وكأن حروفها خطت بمداد من رحيق زهرة خرافية... أو ، هذا ما تراءى لي وأنا اتجول بين سطورها ...
قلت في نفسي : لابّد أن كاتبها ، لا يمسك بالقلم ، الا بعد وضوئه بالصلوات والعبير...
ما الذي في الرسالة؟
فيها دعوة كريمة لزيارة موقع رابطة الواحة ... دعوة اكرمني بها ، هذا الذي سيغدو وشما في القلب والضمير ،وسأسجر معه تنور المحبة ، كي نملأ صحون الأحبة بخبز الود...
ليست الوحشة ما اغوتني لدخول رحاب الواحة ... انما ، ذلك العبير النابض بين حروف الرسالة ... عبير ما كان سيخضّب الحروف ، لو لم يكن نابعا من حديقة قلب اخي العزيز الاديب د. محمد حسن السمان...
كنت قاب نبضتين او ادنى ، من العتبةــ حين كرّ عليّ الأريج ... حتى اذا دخلت الواحة ، فغرت اوراقي سطورها دهشة ، وهتف بي قلبي : اخلع ضجرك ، فأنت في وادي الأبجدية التي تفيض حبورا.
واذن؟ أليس من حق عصافير قصيدي ، أن تصرخ بي : أطلق سراحي ، نحو فضاء الواحة ؟
تحت افيائها ، جلست أتابع بخدر لذيذ ، أسراب فراشات الحريري محمد ابراهيم ... وحمائم العمري سمير ... وعصافير احمد العراكزة و رحيم يوسف الخفاجي ... وفواخت زاهية ... وأتأمل باندهاش عذب يواقيت حوراء ال بورنو ودخّون وندى صبار وفاطمة معتصم ... وأطارد ظباء جمال مرسي ودرهم جباري وعبد الملك الخديدي والسبهان سلطان وتركي عبد الغني والحريري سلطان ...
وحين ياخذني النعاس ، اغفو على تراتيل مصطفى عراقي وخليل حلاوجي ــ لأستيقظ على وقع صدى احمد فضل شبلول وهو يصرخ بوجه اليأس والقنوط ، او على صدى صلوات العكاري محمد اياد والعروضّي الفذّ عمر خلوف وهو ينادم الفراهيدي حينا ، وأنثاه الذهبية حينا اخر...
في الواحة سالتقي بعد غياب نحو عقدين ، صديقي الشاعر والناقد المبدع حسين علي محمد ... وسأسامر يحيى الشعبي والزمزمي والشريف ال جازان وحسان الشاوي ومحمد المشراوي ... وساصيخ السمع لحداء مصطفى بحيش وربابة جوتيار تمر وهويرثي صباحات دجلة ، فأواسيه ــ حتى اذا انتحبت ، مسّد اجفاني بمنديل روحه ،فنستغفر معا مرددين ما ترنم به محمد رائد الحمدو وتوفيق حلمي فيعود الوقت دافئا دفء نبض يسرى وحنان الأغا والأسودي ...
وماذا بعد ؟
اشجار الواحة اكثر من ان احصيها في عجالة كهذه ... فكيف لا تكون باتساع الافق ، اذا كان فلاحوها بنقاء السمان محمد حسن ونسك العمري سمير ورهافة سمير الفيل وباقي الفلاحين الطيبين الذين غرسوا وسقوا ، كي تغدو الواحة مستراحنا البهي ... فلا غرو اذن ، ان يستعذب افياءها واشذاءها اكثر من ثلاثة ملايين زائر في حفنة شهور!
* * * *