|
ما عاد يهتاجني همس البساتين |
قد هِيض في خافقي خفقُ الرياحين |
أسوان ! أمشي على أرض مضرسة |
أخطو ، فتوسعني عضا ، وتدميني |
الريح تعصف بي ، والشوق يسكبني |
فوق المجامر أحزانَ المســـــــــاكين |
والبحر يلقي ذراعيه ؛ يمدُّهـــــــــما |
نحوي بلهفة عشــــــــــاق يلاقيني |
حتى إذا ماركبت الموج وخَّزه |
مس الجنو ن ، فأضحى وهْو يطويني |
ماللطريق يشد الخطو من قدمي؟! |
كأن في قدمي أصفادَ مسجون |
كأنني في شباك خلفهن أرى |
كل المواكب تعدو وهْي تحذوني |
أحاول الهمس ، والأجواء عاصفة |
فتمضغ الريح همْساتي ، وتذروني |
أعانق الصمت ؛ أغفو في عباءته |
يؤرق الصمت أجفاني ، ويجفوني |
أدق فوق جدار الليل ؛ أوقظه |
أسل من عينه طيفا يؤاسيني |
عيونه الضائعات الدمعِ تغسلني |
وحانه الفارغات الكأسِ ترويني |
عطشى جذور المنى ، تسوخ ذابلة |
من طلة الوهم أسقيها وتسقيني |
قد جف ينبوع هذي الأرض ، فارتجيت |
سحائب الصيف أحلامَ البساتين |
هناك : عند شطوط الفجر قافلة |
صحوَى ؛ يواكبها نبض الملايين |
تسري على كَفل الشطآن سابحة |
وفي ارتقاب لهيف الصدر تدعوني |
والفجر كم حدثتني عنه غاربة (1) |
وخدرتني به الآمال ؛ تلهيني |
لا الليل يأذن عني في ترحله |
ولا الشطوط- على بعد - تدانيني |
ما عذبتني شجون مثل شاردة |
تخالس الليل في صمت فتشقيني |
أبيت أحتضن الأكوان أحملها |
رؤى تَواثبُ في شتى التلاوين |
حلم أعلقه قنديل ساهرة(2) |
أحياه أعزفه صوتَ الشرايين: |
لو أستطيع ...ملأت البحر أشرعة |
تغفو على كفها عين الأحايين |
لو أستطيع ... نثرت النجم عافية |
تبارك الفجر في دنيا الأناسين |
لو أستطيع ... سلكت الدمع مسبحة |
تهدهد الرُّوعَ في أحناء محزون |
لو أستطيع ...ضفرت الشِّعر سوسنة |
تلهو بها طفلة فوق الفساتين |
لو أستطيع ... فما الدنيا بضائرها |
أن تستجيب لأمنيَّات مفتون |
أهوى الحياة غديرا ما تكدره |
في روعة الظل فحات الثعابين |
أهوى الحياة سلاما فرخت معه |
بيض الحمائم في حضن الأفانين |
أهوى الحياة كما شاءت مقادرها |
في مرفأ أخضر الآمال مأمون |
أهوى!! وماليَ فيها مثل أمنيَة |
أن تبرأ الأرضُ من أهواء مأفون: |
لاه ؛ يسيل لعاب النار من يده |
يغذو بجذوته أشواقُّ أتُّـــــــون |
قد ضرَّج النبة الخضراء في دمها |
وأغرق الضوء في دمع البراكين |
وزج بالحب قربانا لطائشة |
وأحرق النور في حجر القرابين |
مزاهر النار جفت في أنامله |
وقد تمايل من رقص الشياطين |
أللهَ. أللهَ . ما للأرض من أمل |
حتى تشَرَّبَ من عطر النبييــــنِ |
ما زلت أبحث عن شط تلوذ به |
حتى وجدت سلام الأرض في الدين |
ما لي أصارع أشواقا مكبلة |
جمر الأظافر : أرديها ، وترديني ؟ |
ما لي ألملم دنيا الناس قاطبة ؟ |
كأنما العالم المصلوب تكويني |
كأنه عبرة جفت محاجرها |
فأوسعتها جفوني فيض مكنوني |
كأن قلبي الصغير الغر مزرعة |
لمنتفي الأرض من شوك ونسرين |
ما ذا أريد ؟ لقد حملت ما عجزت |
عنه اليمين ، وشوق النفس يعييني |
أبغي . ودنياي تأبى - وهْي قادرة – |
ما أبتغيه ، ولا تنفك تلحوني |
كأنني عالم ليست منابته |
منها ، ولكنه دنيا مجانين !! |