كنتُ أعلمُ أنكِ ستأتين . .
كنتُ أنتظر مجيئك هذا منذ أول لقاءٍ بيننا . .
فلم تكن لقاءتنا اليومية سوى درجات سلم نصعدها معاً لتصل بنا إلى هنا
و ها نحن الآن نصعد آخر درجات السلم . . ها نحن نقف على أعتابِ الفراق . . نستجمع ما تبقى لدينا من جرأةٍ للدخول من بوابته المظلمة .
مالي أراكِ مرتبكة ؟ . . حائرة ؟ . . خائفة ؟
هل تخشين الفراق ؟ . . هل تبحثين عن بدايةٍ غير قاسيةِ لحديثك ؟ . . هل تفتشين بداخلك عن حروفِ حانية تنسجين منها كلماتك الأخيرة ؟ . .
لا ترهقي نفسك . .
لا تنشغلي بالحروف و الكلمات و الألفاظ . .
لا تهتمي بالتبرير و التفسير و الإيضاح . . . .
دعكِ من كلمات الوداع . . دعكِ من اللومِ و العتاب . . من الحديثِ عن الأسباب . . دعكِ من الحديث عن الأمس الجميل و الذكريات السعيدة . . دعكِ من الحديث عن آمال الغد والحياة الممتدة والأحلامِ الباقية . . دعكِ من تبادل الأمنيات الطيبة . . دعكِ من كل ما يُقال عند الفراق .
لا تجعلي لقاءنا تقليدياً ككل اللقاءات الأخيرة . .
اجعلي منه لقاءً مختلفاً . .
تعالي نجرب شيئاً جديداً . .
لماذا لا نجرب الصمت ؟. .
جربي أن تحبسي بداخلك الحروف . . جربي أن تحبسي بعينيكِ الدموع . .
لا تفسدي اللقاء بتفاهة الأسباب . .
لا تطعني كبريائه بسهامِ العتاب . .
لا تمضي لحظاتنا الأخيرة في تبادل كلماتٍ ميتة . . و مفرداتٍ بلا معنى . .
لا تشرحي لماذا علينا أن نفترق . .
فأنا أدرك أننا يجب أن نفترق . .
فما كان لنا أن نلتقي . .
لقد كان لقاءنا مخاطرة غير محسوبة . . اختلسنا لحظاتها القصيرة في غفوة من الزمن . . مارسنا خلالها الترحال . . تنقلنا خلف حدودِ الكون . . سافرنا عبر السحب الوردية . . عبر النجمات البعيدة . . عبر محيطات الحب . . بدعنا لغة جديدة ، و بحورَ شعرٍ جديدة ، وألواناً غير الأبيضِ و الأسود . . رسمنا فوق الماء بقايا الحلمِ المجنون . . صنعنا من ضوء القمر تميمة عشقِ عاجية . . بنيناً قصراً ذهبياً نسكنه و يسكننا . . اخترعنا بساطاً جديداً يحملنا عبر الأزمان . .
و ها نحن نصل إلى المحطة الأخيرة
فلتغادريها بهدوء
لا تتكلمي . .
اكتفي بالصمت
تأملي الفضاء الممتد بقدرِ شجوننا . . و اصمتي
تنفسي الهواء البارد برودة اللقاء . . و اصمتي
لامسي السحب المارة لوداعنا . . و اصمتي
انصتي إلى العصافير تشدو لنا أغنياتِ الوداعِ . . و اصمتي
داعبي وريقات الأزهارِ الذابلة حزنا لفراقنا . . و اصمتي
قفي عند حافة الشمس الحانية علينا . . و اصمتي
تذكري لي همسة حب . . و اصمتي
وعندما تحين اللحظة الأخيرة . . عندما يصبح الفراق هو كل ما تبقى لنا . . عندما يصبح رحيلنا قدراً . . فلنرحل صامتين . .
فالصمت ليس عجزاً دائماً . .
فلنكن أقوياء عند الفراق . . فلنكن أقوى من الفراق . . فلنتحدى الفراق بصمتنا . .
و لنجعل الصمت آخر ذكرياتنا .
إسلام شمس الدين