أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الحسد و أثره على حياة المسلم...!!!

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jan 2003
    الدولة : الطائف
    المشاركات : 749
    المواضيع : 578
    الردود : 749
    المعدل اليومي : 0.10

    افتراضي الحسد و أثره على حياة المسلم...!!!

    الحسد
    وأثره على حياة المسلم
    معلومات عن الرسالة :
    رسالة في الحسد وأسبابه وأضراره وعلاجه مع الكلام على تحاسد العلماء وموقف أهل العلم من ذلك
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي نعمه على عباده تترى ، وآلاؤه عليهم لا تعد ولا تحصى ، والصلاة والسلام على النبي المصطفى ، الذي أرسله الله إلى جميع الورى ، بشيراً ونذيراً ، وهادياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ففتح الله به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً ، أما بعد ..
    فإن الله تعالى قد قدر في هذه الدار ( الحياة الدنيا ) أن يجتمع الخير والشر ، والحق والباطل ، والحسن والقبيح ، والمؤمنون والكافرون .. ثم يجتمع الخير والحق وأهله كلهم في الجنة ، ويجتمع الشر والباطل وأهله كلهم في النار .. فهناك يميز الله الخبيث من الطيب ..
    كما قدر سبحانه أن الطريق إلى الجنة مليء بالعقبات والمعوقات فقد حفت الجنة بالمكاره كما حفت النار بالشهوات .. وإن أكبر عقبة بين العبد وربه هي عقبة النفس كما ذكر ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وشبهها بالجبل الحائل بين العبد والرب .
    ومن هنا كان لزاماً على كل عاقل أن يتفحص نفسه بحثاً عن الآفات والقواطع التي تعترضه في طريق سيره إلى الله تعالى كي يعد العدة لمحاربتها ، وأن يجتهد في دفعها ما استطاع قبل أن تتمكن منه ، فلعل آفة من هذه الآفات تجره إلى طريق هلاكه ، ومحل عطبه ، وهو لا يشعر .
    ولما كان الحسد آفة من هذه الآفات الخطيرة التي إن تمكنت من قلب صاحبها فسد فساداً لا يرجى معه صلاح إلا بعد توفيق الله كانت هذه الكلمات المختصرة في ذم الحسد وبيان أثره على قلب المؤمن، ودينه ، ونفسه ، وأهله ، وأصحابه ، ولما كان – مع خطورته – مرضاً شائعاً في أوساط كثير من أهل الخير بل ومن المنتسبين للعلم ، فقد أفردت مبحثاً مستقلاً عن الحسد بين العلماء وطلبة العلم ( وهو المبحث السابع ) ، وذكرت جملة من أقوال أهل العلم في طرحه وعدم الاعتداد به ..
    أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يتقبله عنده سبحانه وتعالى ..
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله ..
    المقدمة
    قال تعالى : ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) [ النساء : 54 ] .
    الحسد أعاذنا الله وإياك منه مرض من أمراض القلوب ، إذا استولى على القلب فسد فساداً لا يرجى معه صلاح إلا بعون من الواحد الأحد سبحانه . ومشكلة الحسد أنه داء قلبي خفي يكمن في الصدر ، ويجمع لصاحبه من أنواع البلايا وألوان العذاب ما لا يجتمع في غيره ، ثم هو يتضمن عدة أمراض تحتك مع بعضها لتؤدي دورها في إشعال النار في صدر الحاسد وإحراق قلبه فإن الحاسد يجتمع له الكره والحقد والعداوة والبغضاء والحسرة والكمد والسخط على قضاء الله وقدره ، والهم والغم والترقب والتربص والقلق والحيرة واستراق النظرات مع التجسس ، وإجهاد القلب والبدن ، والترصد واستقصاء الحيل ، هذا كله دون أن يتضرر المحسود ثم هو مع ذلك كله يأكل الحسنات نعوذ بالله من شر حاسد إذا حسد .
    وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسد في الحديث الذي في الصحيحين أنه قال: " لا تباغضوا ، ولا تقاطعوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخواناً " .
    ورغب في سلامة الصدر في الحديث المشهور أنه قال : " يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة " فسئل عن عمله فقال : ( لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشاً ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه ) [ رواه أحمد ] .
    قال الجاحظ : ( الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد ويفسد الود ، علاجه عسر ، وصاحبه ضجر، وهو باب غامض ، وأمر متعذر ، فما ظهر منه فلا يداوى ، وما بطن منه فمداويه في عناء ) ا.هـ
    وقال ابن القيم رحمه الله : ( والحسد خلق نفس ذميمة وضيعه ساقطة ليس فيها حرص على الخير فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها وتتمنى أن لوفاته كسبها حتى يساويها في العدم كما قال تعالى : " ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء " وقال تعالى : " ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق" فالحسود عدو النعمة متمن زوالها عن المحسود كما زالت عنه هو والمنافس مسابق النعمة متمن تمامها عليه وعلى من ينافسه ) ا.هـ
    والحسد هو أول ذنب عصي الله به في السماء وأول ذنب عصي الله به في الأرض .
    أما في السماء فحسد إبليس لآدم عليه السلام حين قال : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل حين تقبل الله من أحدهما ولم يتقبل من الآخر .
    وقال ابن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه مختصر منهاج القاصدين : ( قال إبليس لنوح عليه السلام : إياك والحسد فإنه صيرني إلى هذه الحال ) .
    المبحث الأول :
    تعريف الحسد وتفسيره
    تعريف الحسد :
    قال ابن حجر رحمه الله : الحسد تمني زوال النعمة عن مستحق لها .
    وقال النووي رحمه الله : الحسد هو تمني زوال النعمة عن صاحبها سواء كانت نعمة دين أو دنيا .
    تفسير الحسد :
    قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله : ( اعلم أن الغيظ إذا كظم لعجز عن التشفي في الحال رجع إلى الباطن فاحتقن فيه فصار حقداً وعلامته دوام بغض الشخص واستثقاله والنفور منه ، فالحقد ثمرة الغضب ، والحسد من نتائج الحقد ) ا.هـ
    ومن المعلوم أن النفس بطبيعتها قد جبلت على حب الرفعة على الآخرين ، فهي تحب أن تعلو على أقرانها ، فإذا علا عليها أحد كرهت ذلك واحتبس الحقد فيها وربما سعت لتنفيس ما احتقن فيها بإيذاء صاحب النعمة أو بالسعي لإزالتها عنه حتى لا يفضل عليها ، وهذا أمر مشاهد ومعلوم . وليس حب النفس لعلوها على غيرها مذموماً بذاته حتى يصبح حسداً أو تسعى النفس لإزالة النعمة عن أقرانها ، فإن حب العلو مركوز في الفطر لا يلام عليه أحد .

    المبحث الثاني :
    أنواع الحسد
    1) الحسد المذموم : وهو تمني زوال النعمة من الغير ، وحكمه التحريم وهو المقصود هنا .
    2) الحسد المحمود : ويسمى ( الغبطة ) وهو تمني الإنسان أن يكون له من النعمة نظير ما للآخرين من غير أن تزول عنهم وهو المقصود في قول النبي صلى الله عليه وسلم: [ لا حسد إلا في اثنتين رجل أتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل أتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها ] ( متفق عليه ) .
    ماذا عن الحاسد ؟
    قال الجاحظ عن الحاسد : ( هو الكلب الكلِب ، والنمر الحرِب ، والسم القشِب ، والفحل القطِم، والسيل العرم ، إن مَـلَـكَ قتل وسبا ، وإن مُلِك عصى وبغى ، حياتك موته وثبوره ، وموتك عرسه وسروره ، يصدق عليك كل شاهد زور ، ويكذب فيك كل عدل مرضيّ ، لا يحب من الناس إلا من يبغضك ، ولا يبغض إلا من يحبك ... إنه لا يأتيك ولكنه يناديك ، ولا يحاكمك ولكنه يوازنك ، أحسن ما تكون عنده حالاً : أقل ما تزيد مالاً ، وأكثر ما تكون عيالاً ، وأعظم ما تكون ضلالاً . وأفرح ما يكون بك أقرب ما تكون بالمصيبة عهداً وأبعد ما تكون من الناس حمداً ، فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الأموات ، ومخالطة الزمنى ، والاجتنان بالجدران ، ومص المصران ، وأكل القردان ، أهون من معاشرة مثله ، والاتصال بحبله ) ا.هـ
    المبحث الثالث :
    علامات الحاسد
    1- يترصد أخطاء المحسود ، حتى إذا رأى منه زلة أو هفوة أشاعها على الملأ ، وطار بها فرحاً، ونشرها في المجالس والأماكن العامة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً .
    2- يرتاح قلبه إذا سمع أحداً يغتاب ويقدح في صاحبه المحسود .
    3- ربما يقع هو نفسه في غيبة أخيه المحسود وغالباً ما يثني عليه في البداية حتى يظهر أنه منصف ثم يقول : ولكن ... كذا وكذا ، وهذا ما يسميه بعض العلماء : ( غيبة لكن ) كأن يقول : فلان نحسبه من الأتقياء ولكن يغلب عليه الجهل فهو يفتي بغير علم وينام عن صلاة الفجر ، و .. و .. إلخ.
    4- يفرح إذا غاب أخوه المحسود عن مجلس أو نزهة ، و ذلك من أجل أن يتفرد بالصدارة وحده.
    5- يتضايق الحاسد إذا أُثني على أخيه و هو يسمع .
    6- يحاول تخطئة أخيه المنافس له وربما أول كلامه أو بتره حتى يخرج بأخطاء وهمية .
    7 - محاولة الدخول في نية المحسود ، فربما اتهمه أنه من المبغضين لأهل العلم ، أو أن قلبه مريض بالهوى أو غير ذلك .
    8- عدم شعور و مبالاة الحاسد بحسده لأخيه ، مع علمه بتحريم الحسد وحفظه لبعض النصوص فيه ، و هذا دليل على ضعف في إيمانه ، و تلبيس الشيطان عليه .
    قال الجاحظ : ( وما لقيت حاسداً قط إلا تبين لك مكتومه بتغيير لونه، وتخويص عينيه، وإخفاء سلامه، والإعراض عنك، والإقبال على غيرك والاستثقال لحديثك والخلاف لرأيك) ا.هـ

    المبحث الرابع :
    أسباب الحسد
    اعلم رحمك الله أن للحسد أسباباً نجملها فيما يلي :
    1) عدم الرضى والقناعة بقسمة الله تعالى بين عباده .
    2) بغض الحاسد للمحسود لأسباب مختلفة والحقد عليه مما يولد الحسد في آخر الأمر .
    3) التكبر والعجب بالنفس ، فإذا كان الحاسد معجباً بنفسه رأى أنه أحق بالثناء من غيره
    4) خبث النفس ، فبعض النفوس نعوذ بالله منها لا تتمنى لأحد خيراً أبداً ، بل ربما تتمنى الشر لمن أحسن إليها .
    5) تفوق المحسود بفضل يعجز عنه الحاسد ، كالعلم أو المال أو الأدب ... إلخ .
    6) حب الرياسة ، فإذا كانت النفس مريضة بحب التصدر والرياسة فإنها تحسد كل من تشعر أنه يزاحمها ويضايقها في الوصول إلى المناصب ، ومن ثم تسعى لإسقاط الطرف الآخر لتتفرد هي بالرياسة .
    7) الاشتراك في عمل واحد ، فهذا مما يسبب الحسد في كثير من الأحوال ، حيث تجد التاجر يحسد التاجر ، والمزارع يحسد المزارع ، والعالم يحسد العالم ، والواعظ يحسد الواعظ وقلَّ أن تجد عالماً يحسد طبيباً ، أو مهندساً يحسد مزارعاً إلا لأغراض أخرى.
    8) الخوف من فوت المقاصد ، فإذا كان الحاسد مشتهراً بأمر ، حتى صار الناس يتزاحمون عليه بسببه ، وصار اسمه مذكوراً على جميع الألسن ، واشتهر أمره ، ثم برز من يساويه أو يتفوق عليه في ذلك الأمر تراه يحسده ويتمنى أن ينتقل إلى مكان آخر ، أو أن ينجفل الناس عنه ، خوفاً من فوات مقصده من الشهرة والمال والثناء وغير ذلك .

    المبحث الخامس :
    أضرار الحسد وآثاره السيئة
    للحسد أضرار كثيرة وعواقب وخيمة على الحاسد نذكر منها ما يلي :
    1) الحسرة التي تأكل قلب الحاسد حتى تصبح ألماً في جسده : فإن الحاسد يحقن في جسده الهم والغم والحقد والبغض وتمني زوال نعم الآخرين عنهم ، وربما زادت هذه النعم فزاد غيظه.
    2) انخفاض منزلته في قلوب الناس ، ونفورهم منه حتى يصبح مبغوضاً عندهم ، وقد قيل : الحسود لا يسود .
    3) إسخاط الله تعالى في معارضته ومخالفة قضائه وقدره .
    4) إهدار الحسنات وكسب الخطايا والآثام ، فإن الحاسد غالباً ما يسعى لإزالة النعمة عن المحسود بقوله أو فعله وفي ذلك إهدار للحسنات ، وكسب للسيئات .
    5) زرع العداوة بين الأصحاب والأقارب وتفكيك المجتمع المسلم ، قال الجاحظ عن آثار الحسد: ( فمنه تتولد العداوة ، وهو سبب كل قطيعة ، ومنتج كل وحشة ، ومفرق كل جماعة ، وقاطع كل رحم بين الأقرباء ، ومحدث التفرق بين القرناء ، وملحق الشر بين الخلطاء ، يكمن في الصدور كمون النار في الحجر ) ا.هـ
    المبحث السادس :
    بعض كلام العلماء والحكماء والشعراء في ذم الحسد و بيان أضراره
     قال السمرقندي : ليس شيء من الشر أضر من الحسد ، لأنه يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل إلى المحسود مكروه :
    1) غم لا ينقطع .
    2) مصيبة لا يؤجر عليها .
    3) مذمة لا يحمد بها .
    4) يسخط عليه الرب .
    5) تغلق عليه أبواب التوفيق .
     قال بعض الحكماء : ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش : الحقد والحسد وسوء الخلق .
     وقال عمر رضي الله عنه : يكفيك من الحاسد أن يغتم وقت سرورك .
     قال القرطبي رحمه الله : والحسد مذموم وصاحبه مغموم ، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب .
     وقال الحسن رحمه الله : ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، نغص دائم وحزن لازم .
     قال الجاحظ : أما أنا فحقاً أقول : لو ملكتُ عقوبة الحاسد لم أعاقبه بأكثر مما عاقبه الله به ، بإلزام الهموم قلبه ، وتسليطها عليه فزاده الله حسداً ، وأقامه عليه أبداً .
     وقال كذلك : ( ولو لم يدخل رحمك الله على الحاسد بعد تراكم الهموم على قلبه ، واستمكان الحزن في جوفه ، وكثرة مضضه ، ووسواس ضميره ، وتنغيص عمره ، وكدر نفسه ، ونكد لذاذة معاشه ، إلا استصغاره لنعمة الله عنده ، وسخطه على سيده بما أفاد الله عبده ، وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه ، وألا يرزق أحداً سواه ، لكان عند ذوي العقول مرحوماً ، وكان عندهم في القياس مظلوماً ) ا.هـ
     وقال ابن مسعود : ألا لا تعادوا نعم الله ، قيل : ومن يعادي نعم الله ؟ قال : الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله .
     وقال الأحنف : لا راحة لحسود .
     وقال الأصمعي لأعرابي : ما طول عمرك؟ فقال : تركت الحسد فبقيت .
     وقيل لعبد الله بن عروة : لم لزمت البدو وتركت قومك ؟ قال : وهل بقي إلا حاسد على نعمة أو شامت على نكبة ؟
    وقيل : الحسود عدو النعمة ، غضبان على القدر .
     قال الشاعر :
    أيا حاسداً لي على نعمتي *** أتدري على من أسأت الأدب
    أسأت على الله في حكمه *** لأنك لم ترض لي ما وهب
    فأخزاك ربي بأن زادنـي *** وسد عليك وجوه الطلـب
     وقال آخر :
    اصبر على كيد الحـسود *** فـإن صـبـرك قـاتله
    الـنـار تـأكـل بعضها *** إن لـم تـجـد ما تأكله
     وقال آخر :
    يا طالب العيش في أمن وفي دعة *** رغـداً بـلا قتر صـفواً بلا رنق
    خـلص فؤادك من غل ومن حسد *** فالغل في القلب مثل الغل في العنق
     وقال الشافعي :
    كل العداوات قد ترجى مودتها *** إلا عداوة من عاداك من حسد

     وقال آخر :
    وإذا أراد الله نـشـر فـضيلة *** طـويت أتاح لها لسان حسـود
    لولا اشتعـال النار في جزل الغضا *** ما كان يُعرف طيب ريح العود
    لولا التخـوف للعواقب لم يزل *** للحاسـد النعمى على المـحسود
     وقال آخر :
    إني حُسِـدت فـزاد الله في حسـدي *** لا عاش من عاش يوماً غير محسود
    ما يُحـسَـد المرء إلا من فـضائله *** بالعلـم والظُّـرف أو بالبأس والجود
     وقال آخر :
    أعطيت كل الناس من نفسي الرضا *** إلا الحـسـود فـإنـه أعـيـاني
    مـا إنَّ لـي ذنـبا إليـه علمتـه *** إلا تـظـاهـر نعـمة الـرحمـن
    وأبى فـما يـرضـيه إلا ذِلـتـي *** وذهـاب أمـوالـي وقطع لسانـي
     وقال الشافعي رحمه الله :
    وداريت كل الـناس لكن حاسدي *** مـداراتــه عزت وعز منالهـا
    وكـيف يداوي المرء حاسد نعمة *** إذا كـان لا يـرضيه إلا زوالـها
     وقال آخر :
    لـما عفوت ولم أحقد على أحدٍ *** أرحت نفـسي من هم العداوات
    إني أحـيي عـدوي عند رؤيته *** لأدفـع الشـر عـني بالتحيات
     وقال آخر :
    الق العدو بوجه لا قطـوب به *** يكاد يقطر من ماء البشاشـات
    فأحزم الناس من يلقى أعاديه *** في جسم حقد وثوب من مودات

    المبحث السابع:
    تحاسد العلماء
    ذكرنا فيما مضى تعريف الحسد وأسبابه وأعراضه وآثاره ، وقبل أن ننتقل إلى العلاج نشير إلى قضية خطيرة وهي: التحاسد بين العلماء وطلبة العلم ، فهذه قاصمة للظهر ، وإذا ظهر التحاسد بين طلبة العلم تفرقت الأمة ودخلت الأهواء والضلالات على أفرادها .
    والحسد بين العلماء نوع من أنواع التحاسد بين الأقران ، وكما ذكرنا فإن سبب تحاسدهم هو اجتماعهم على شيء واحد هو طلب العلم ، فكما يحسد التاجر التاجر ، والطبيب الطبيب ، والمهندس المهندس ، فكذلك يحسد العالم العالم .
    ولعلنا نذكر بعض المقولات السلفية في هذا الموضوع لنعلم من خلالها أن كثيراً من الجرح الذي يحصل في هذا العصر لا يعتد به أصلاً عند السلف ، ولو عاصروه لعدوه من تحاسد الأقران لا غير .
    نقولات سلفية في تحاسد الأقران :
     قال ابن عباس رضي الله عنهما : " خذوا العلم حيث وجدتم ، ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض ، فإنهم يتغايرون تغاير التيوس في الزريبة "(1)
     وقال مالك بن دينار : " يؤخذ بقول العلماء والقراء في كل شيء إلا قول بعضهم في بعض ؛ فإنهم أشد تحاسداً من التيوس " (2)
     وقال أبو حازم : " العلماء كانوا فيما مضى من الزمان إذا لقي العالم من هو فوقه في العلم كان ذلك يوم غنيمة ، وإذا لقي من هو مثله ذاكره ، وإذا لقي من هو دونه لم يزهُ عليه حتى كان هذا الزمان ، فصار الرجل يعيب من هو فوقه ابتغاء أن ينقطع منه حتى يرى الناس أنه ليس به حاجة إليه ، ولا يذاكر من هو مثله ، ويزهى على من هو دونه ، فهلك الناس "(3)
     وقال ابن عبد البر : " هذا باب غلط فيه كثير من الناس ، وضلت به نابتة جاهلة لا تدري ما عليها في ذلك ، والصحيح في هذا الباب : أن من صحت عدالته وثبتت في العلم أمانته وبانت ثقته وعنايته بالعلم ، لم يُلتفَت فيه إلـى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة تصح بها جرحتـه على طريق الشهادات والعمل فيها من المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب قوله من جهة الفقه والنظر ، وأما من لم تثبت إمامته ولا عرفت عدالته ، ولا صحت – لعدم الحفظ والإتقان – روايته فإنه ينظر فيه إلى ما اتفق أهل العلم عليه ويجتهد في قبول ما جاء به على حسب ما يؤدي النظر إليه ، والدليل على أنه لا يقبل فيمن اتخذه جمهور من جماهير المسلمين إماماً في الدين قول أحد من الطاعنين : أن السلف رضوان الله عليهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير في حال الغضب ، ومنه ما حمل عليه الحسد كما قال ابن عباس ومالك ابن دينار وأبو حازم ، ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم القول فيه ما قاله القائل فيه ، وقد حمل بعضهم على بعض بالسيف تأويلاً واجتهاداً لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان ولا حجة توجبه " (1)
     وقال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله : " لو كان كل من ادُّعِيَ عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادُّعِي به ، وسقطت عدالته ، وبطلت شهادته بذلك ، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار ؛ لأنه ما منهم إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه "(2) .
     وقال الإمام الذهبي رحمه الله : " كلام الأقران بعضه في بعض لا يؤبه به ، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد ، وما ينجو منه إلا من عصمه الله ، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين ، ولو شئتُ لسردتُّ من ذلك كراريس !! " (3) .
     وقال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله : " واعلم أنه قد وقع من جماعة الطعن في جماعة بسبب اختلافهم في العقائد ، فينبغي التنبه لذلك وعدم الاعتداد به إلا بحق " (4) .
     وقال السبكي رحمه الله : " والحذر الحذر من هذا الحسبان ، بل إن الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته ، وكثر مادحوه ومزكوه ، وندر جارحوه ، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره ، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ، ونعمل فيه بالعدالة ، ولو فتحنا هذا الباب ، وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون ، وهلك فيه هالكون " (1) .
     وقال الذهبي رحمه الله : " كلام الأقران إذا تبرهن أنه بهوى وعصبية لا يلتفت إليه ، بل يطوى ولا يروى " (2) .

    المبحث الثامن :
    نماذج من كلام العلماء في بعضهم
    في كتاب ( منطلقات طالب العلم ) للشيخ محمد حسين يعقوب ذكرٌ لبعض العلماء الذين تكلموا في بعضهم(1) ومع ذلك فلم تذهب مكانتهم في الأمة ولم يعتد السلف بهذا الجرح لأنهم علموا أن ذلك قد يكون من تقادح الأقران ، وقد ذكر الإمام ابن عبد البر في ( جامعه ) هذه المواقف بالتفصيل ورد عليها(2) لكننا نسوقها هنا مجملة ، فقد :
     تكلم ابن أبي ذئب في مالك لأنه بلغه أن مالكاً رحمه الله لا يأخذ بحديث: ( البيعان بالخيار ... ) فاشتدت مقالة ابن أبي ذئب رحمه الله في الإمام مالك ، ولم يعول العلماء على ذلك ، فبقيت إمامتهما معتبرة ، ولكنهما كانا عالمي المدينة ، فحدث بينهما ما يكون بين الأقران في البلد الواحد .
     وتكلم سعيد بن المسيب رحمه الله في عكرمة رحمه الله .
     وتكلم الثوري رحمه الله في الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
     ولم يقبل العلماء قول الأمام مالك في محمد بن إسحاق صاحب المغازي .
    * وقد طوى العلماء هذه المقالات وطعنوا في صحتها أحياناً ، ووجهوا بعضها بأن هذا هو شأن المعاصرة والمنافرة ونحوهما ، وقد قال علماء الجرح والتعديل : ( لا يقبل جرح المعاصر على المعاصر – أي إذا كان بلا حجة – لأن المعاصرة تفضي غالباً إلى المنافرة ) .
     قال الإمام البخاري رحمه الله : " ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم ، وذلك نحو ما يذكر عن إبراهيم في كلامه في الشعبي ، وكلام الشعبي في عكرمه، وكذلك من كان قبلهم ، وتناول بعضهم في العرض والنفس ، ولم يلتفت أهل العلم إلى ذلك ، ولا سقطت عدالة أحد إلا ببرهان ثابت وحجة " .
     قال التاج السبكي رحمه الله في طبقات الشافعية : " ينبغي لك – أيها المسترشد – أن تسلك سبيل الأدب مع الأئمة الماضين ، وأن لا تنظر إلى كلام بعضهم في بعض إلا إذا أتى ببرهان واضح ، ثم إن قدرت على التأويل وتحسين الظن فدونك ، وإلا فاضرب صفحاً عما جرى بينهم ، فإنك لم تخلق لهذا، فاشتغل بما يعنيك ، ودع عنك ما لا يعنيك ، ولا يزال طالب العلم نبيلاً حتى يخوض فيما جرى بين الماضين " .
    وبعد أن ذكر كلام الأئمة في بعض قال رحمه الله : " فإنك إن اشتغلت بذلك خفتُ عليك الهلاك ؛ فالقوم أئمة أعلام ، ولأقوالهم محامل ، وربما لم نفهم بعضها ، فليس لنا إلا الترضي عنهم والسكوت عما جرى بينهم كما يفعل فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم " (1) .
    ونختم الكلام على هذه الفقرة بكلام قيم للإمام ابن عبد البر رحمه الله إذ يقول : " فمن أراد أن يقبل قول العلماء الثقات الأئمة الأثبات بعضهم في بعض فليقبل قول من ذكرنا قوله من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بعضهم في بعض ، فإن فعل ذلك ضل ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً ، وكذلك إن قبل في سعيد بن المسيب قول عكرمة ، وفي الشعبي والنخعي وأهل الحجاز وأهل مكة وأهل الكوفة وأهل الشام على الجملة ، وفي مالك والشافعي وسائر من ذكرنا في هذا الباب ، ما ذكرنا عن بعضهم في بعض ، فإن لم يفعل – ولن يفعل إن هداه الله وألهمه رشده – فليقف عند ما شرطنا : أن لا يقبل فيمن صحت عدالته وعلمت بالعلم عنايته ، وسلم من الكبائر ، ولزم المروءة والتعاون ، وكان خيره غالباً ، وشره أقل عمله ، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به فهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله "(2) ا.هـ

    المبحث التاسع :
    هل هناك أحد يسلم من ألسنة الناس ؟
    بعدما ذكرنا كلام العلماء في مسألة الحسد المتواجد بين أهل العلم وتحذيرهم من قبول الجرح إذا تبين أنه لحسد أو منافرة نطرح سؤالاً له أهمية كبرى وهو : هل يسلم أحد من ألسنة الناس الطاعنين بلا دليل ؟ وهل إلى إسكات الحساد عن قولهم الإفك من سبيل ؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال تكون عزاءً لمن كثر حساده ، وغار من فضائله أقرانه ، كما تكون إشارات تنبيه لطلبة العلم أن يتثبتوا مما يسمعون من كلام في العلماء حتى إن سمعوا الطعن من إمام ثقة كما ذكر ذلك ابن عبد البر في النقل السابق .
    وللإجابة على سؤال : هل يسلم من ألسنة الناس أحد ؟ نقول وبالله التوفيق :
    إن رضى الناس غاية لا تدرك ، وأمنية لا تتحقق ، فإن اختلاف أمزجة الناس وأفكارهم كفيل بتحقيق الاختلاف بينهم مما يجر كلام بعضهم في بعض .
    قال الإمام الذهبي رحمه الله : " وقلَّ من برز في الإمامة ورد على من خالفه إلا عودي ، نعوذ بالله من الهوى " (1) .
    وقال أيضاً : " فمن ذا الذي يسلم من ألسنة الناس ؟!! لكن إذا ثبتت إمامة الرجل وفضله لم يضره ما قيل فيه ، وإنما الكلام في العلماء يفتقر إلى وزنٍ بالعدل والورع " (2) .
    وقال الإمام الشافعي رحمه الله : " ليس إلى السلامة من الناس سبيل ، فانظر الذي فيه صلاحك فالزمه " (3) .
    وهذا الإمام الشاطبي مع جلالة قدره لم يسلم من ألسنة الناس ، حيث يحكي محنته في كلام الناس فيه فيقول(4) :

    [[ فتردد النظر بين - أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس فلابد من حصول نحو مما حصل لمخالفي العوائد ، لاسيما إذا ادعى أهلها أن ماهم عليه هو السنة لا سواها إلا أن في ذلك العبء الثقيل مافيه من الأجر الجزيل - وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السنة والسلف الصالح ، فأدخل تحت ترجمة الضلال عائذاً بالله من ذلك ، إلا أني أوافق المعتاد ، وأعد من المؤالفين ، لا من المخالفين .
    فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة ، وأن الناس لن يغنوا عني من الله شيئاً ، فأخذت في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور .
    فقامت علي القيامة ، وتواترت علي الملامة ، وفوق إلي العتاب سهامه ، ونسبت إلي البدعة والضلالة ، وأنزلت منزلة أهل الغباوة والجهالة .
    وإني لو التمست لتلك المحدثات مخرجاً لوجدت غير أن ضيق العطن والبعد عن أهل الفطن رقي بي مرتقى صعباً ، وضيق علي مجالاً رحباً .
    وهو كلامٌ يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات لموافقة العادات ، أولى من اتباع الواضحات ، وإن خالفت السلف الأول .
    وربما ألموا في تقبيح ما وجهت إليه وجهتي بما تشمئز منه القلوب، أو خرجوا بالنسبة إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادة ستكتب ويسألون عنها يوم القيامة .
    فتـارةً نُسبتُ إلى القول بأن الدعاء لاينفع ولا فائدة فيه كما يعزى إلى بعض الناس ، بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة . وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء .
    وتـارةً نُسبتُ إلى الرفض وبغض الصحابة - رضي الله عنهم - ، بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص ، إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم ، ولا ذكره أحد من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب .
    وقد سئل " أصبغ " عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين(1) فقال : هو بدعة ولا ينبغي العمل به ، وأحسنـه أن يدعو للمسلمين عامة . قيل له : فدعاؤه للغزاة والمرابطين ؟ قال: ما أرى به بأساً عند الحاجة إليه ، وأما أن يكون شيئاً يصمد له في خطبته دائماً فإني أكره ذلك .
    ونص أيضاً عز الدين بن عبد السلام : على أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة .
    وتـارة أضيف إلي القول بجواز القيام على الأئمة ، وما أضافوه إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة ، وذكرهم فيها محدث لم يكن عليه من تقـدم .
    وتـارة أحمل على التزام الحرج والتنطع في الدين ، وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفـتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعداه ، وهم يتعدونه ويفتون بما يسهل على السائل ويوافق هواه ، وإن كان شاذاً في المذهب الملتزم أو في غيره . وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك وللمسألة بسط في كتاب " الموافقات " .
    وتـارة نسبت إلى معاداة أولياء الله ، وسبب ذلك أني عاديت بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة ، المنتصبين - بزعمهم - لهداية الخلق ، وتكلمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم .
    وتـارة نسبت إلى مخالفة السنة والجماعة ، بناء منهم على أن الجماعة التي أمر باتباعها - وهي الناجية – ما عليه العموم ، ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي - - وأصحابه والتابعون لهم بإحسان . وسيأتي بيان ذلك بحول الله ، وكذبوا علي في جميع ذلك، أو وهموا، والحمد لله على كل حال .
    فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه ، إذ حكى عن نفسه فقال: (( عجبت من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني ، والأبعدين ، والعارفين ، والمنكرين ، فإني وجدت بمكة ، وخراسـان وغيرهما من الأماكن أكثر من لقيت بها موافقاً أو مخالفاً ، دعاني إلى متابعته على ما يقوله ، وتصديق قوله والشهادة له فإن كنت صدقته فيما يقول وأجزت له ذلك - كما يفعل أهل هذا الزمان - سماني موافقاً .
    وإن وقفت في حرف من قوله أو في شيء من فعله - سماني مخالفاً .
    وإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد ، سماني خارجياً .
    وإن قرأت عليه حديثاً في التوحيد سماني مشبهاً .
    وإن كان في الرؤية سماني سالمياً .
    وإن كان في الإيمان سماني مرجئياً .
    وإن كان في الأعمال ، سماني قدرياً .
    وإن كان في المعرفة سماني كرامياً .
    وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر ، سماني ناصبياً .
    وإن كان في فضائل أهل البيت ، سماني رافضياً .
    وإن سكتُ عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما إلا بهما ، سماني ظاهرياً .
    وإن أجبت بغيرهما ، سماني باطنياً .
    وإن أجبت بتأويل ، سماني أشعرياً .
    وإن جحدتهما ، سماني معتزلياً .
    وإن كان في السنن مثل القراءة ، سماني شافعياً .
    وإن كان في القنوت ، سماني حنفياً .
    وإن كان في القرآن ، سماني حنبلياً .
    وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخيار – إذ ليس في الحكم والحديث محاباة – قالوا : طعن في تزكيتهم .
    ثم أعجب من ذلك أنهم يسمونني فيما يقرؤون علي من أحاديث رسول الله ما يشتهون من هذه الأسامي ، ومهما وافقت بعضهم عاداني غيره ، وإن داهنت جماعتهم أسخطت الله تبارك وتعالى ، ولن يغنوا عني من الله شيئاً . وإني مستمسك بالكتاب والسنة ، وأستغفر الله الذي لا اله إلا هو الغفور الرحيم )) .
    هذا تمام الحكاية فكأنه رحمه الله تعالى تكلم على لسان الجميع . فقلما تجد عالماً مشهوراً أو فاضلاً مذكوراً ، إلا وقد نُبز بهذه الأمور أو بعضها ، لأن الهوى قد يداخل المخالف ، بل سبب الخروج عن السنة : الجهل بها ، والهوى المتبع الغالب على أهل الخلاف ، فإذا كان كذلك حُمل على صاحب السنة ، أنه غير صاحبها ، ورُجع بالتشنيع عليــه والتقبيح لقوله وفعله ، حتى ينسب هذه المناسب .
    وقد نُقل عن سيد العباد بعد الصحابة أويس القرني أنه قال : " إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً ، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا ، ويجدون في ذلك أعواناً من الفاسقين ، حتى - والله - لقد رموني بالعظائم ، وأيم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه " ]] انتهى كلام الشاطبي رحمه الله .
    المبحث العاشر :
    أسباب دفع شر الحاسد
    ويمكن أن يندفع حسد الحاسد وشره عن المحسود بأسباب عشرة ، ذكرها العلامة بن القيم رحمه الله في كتابه بدائع الفوائد وأذكرها ملخصة فيما يلي :
    1- التعوذ بالله من شره .
    2- تقوى الله وحفظه عند أمره ونهيه .
    3- الصبر على عدوه وأن لا يقاتله ولا يشكوه ولا يحدث نفسه بأذاه .
    4- التوكل على الله ، ومن يتوكل الله على فهو حسبه . ومن يتوكل على الله يهد قلبه .
    5- فراغ القلب من الاشتغال بحاسده أو الفكر فيه وأن يقصد أن يمحوه من باله .
    6- الإقبال على الله والإخلاص له .
    7- تجريد التوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي .
    8- الصدقة والإحسان ما أمكنه ذلك .
    9- وهو من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها ولا يوفق له إلا من عظم حظه عند الله وهو طفئ نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً وله نصيحة وعليه شفقة .
    10- وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم . . فإذا جرَّد العبد التوحيد فقد خرج من قلبه خوف ما سواه و كان عدوه أهون عليه من أن يخافه مع الله .
    المبحث الحادي عشر :
    كيفية التعامل مع الحاسد
    1 – الابتعاد عنه قدر المستطاع .
    2- محاولة إخفاء النعم عنه ، قال بعضهم : ( إني لأشتري اللحم فأخفيه من جيراني مخافة أن يحسدوني عليه ) .
    3- عدم إفشاء السر إليه .
    4- الدعاء له بالهداية والصلاح .
    5- استخدام ( العزلة الشعورية ) بإهمال التفكير فيه تماماً وعدم محاولة الانتقام .
    6- مداراته والتلطف معه اتقاء لشره .
     قال الجاحظ : ( فإذا أحسستَ رحمك الله من صديقك بالحسد فأقلل ما استطعت من مخالطته ، فإنه أعون الأشياء لك على مسالمته ، وحصِّن سرك منه تسلم من شذاة شره وعوائق ضره ، وإياك والرغبة في مشاورته ، فتمكن نفسك من سهام مساورته ، ولا يغرنك خدع ملقه وبيان زلقه فإن ذلك من حبائل ثقافه ) .
     وقال أيضاً في آخر رسالته التي كتبها عن الحسد : ( وما أرى السلامة إلا في قطع الحاسد ، ولا السرور إلا في افتقاد وجهه ، ولا الراحة إلا في صرم مداراته ، ولا الربح إلا في ترك مصافاته ) ا.هـ

    المبحث الثاني عشر :
    علاج الحسد
    ينقسم علاج الحسد إلى نوعين : نظري وعملي .
    أولاً : العلاج النظري :
    1- قوة الإيمان والخوف من الله التي تمنع صاحبها من الحسد ؛ خشية الإثم وضياع الحسنات.
    2- التسليم بقضاء الله وقده وجبر النفس عليه .
    3- العقل الذي يستقبح به نتائج الحسد .
    4- أن يتفكر في نفور الناس منه وكراهيتهم له .
    5- أن يترك الحسد طلباً للراحة النفسية .
    6- أن يزهد في الدنيا وأن يعلم أنها أقل شأناً من إثارة الحسد عليها فهي حطام فانٍ زائل.
    7- أن يتفكر في ما يتعلق بالنعمة التي عند صاحبه من هموم الدنيا وحساب الآخرة فيتسلى بذلك .

    ثانياً : العلاج العملي :

    1- الدعاء لأخيه بظهر الغيب حتى يزيل الله ما في النفس عليه .
    2- محاولة التحبُّب لأخيه ، والسؤال عن حاله و حال أهله وإجبار النفس على ذلك .
    3- زيارته ، و إظهار مالَهُ من الفضل و الأخوة .
    4- عدم السماح أو الرضى بغيبته ، أو همزه ، أو لمزه .
    5- إيثار أخيك على نفسك في الأمور التي تؤْثَر فيها ، كإلقاء كلمة أو نصيحة على مجموعة من الناس إذا طلبوا منك ذلك ، فتؤثر أخاك بهذا حتى لا يتأثر بتقديمك عليه ويبقى ذلك في نفسه.
    6- استشارة أخيك و طلب نصيحته ، و إظهار حاجتك لرأيه . فذلك من أعظم الأسباب لطرد الشيطان عن نفسه .
    7- تقديم هدية مشفوعة برسالة ، تظهر فيها روح الأخوة الصادقة .
    8- تكلف الثناء عليه في حال حضوره ، وفي حال غيابه كذلك .

    الخاتمة
    أخي الكريم .. إن هذا العمل جهد بشري ، فما كان فيه من حق فمن الله وحده ، وهذا فضله وتوفيقه ولا تنس صاحبه من الدعاء ، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله منه بريئان ولا يعدم صاحبه منك الاستغفار ، فلعل دعوة منك في ظهر الغيب تنجيه في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ..
    أسأل الله العظيم بمنه وكرمه أن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا هو ، وأن يصرف عنا السوء والفحشاء والفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأن يجنبنا الآفات ومساوئ الصفات ..
    كما أسأله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم وأن يتقبله عنده بمنه وكرمه .. إنه ولي ذلك والقادر عليه ..
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    اللهم اعز الاسلام والمسلمين وحفظ بلاد الحرمين من كل سوء يارب

  2. #2
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    لله در الحسد ما أعدله
    بدأ بصاحبه فقتله




    تحيتي
    ولي عودة
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. نظرات في الحسد وعلاجه
    بواسطة سامح عسكر في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 29
    آخر مشاركة: 17-05-2012, 11:31 AM
  2. حق المسلم على المسلم
    بواسطة مصطفى امين سلامه في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-05-2011, 10:50 AM
  3. حق المسلم على المسلم
    بواسطة رقية عثمانية في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 01-02-2010, 07:22 PM
  4. أمة الحسد ..
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 26-01-2008, 02:13 PM
  5. حرمة المسلم على المسلم
    بواسطة بابيه أمال في المنتدى المَكْتَبَةُ الدِّينِيَّةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-12-2007, 04:58 PM