أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: البدعة والمبتدعون " سؤال وجواب " - الألبانى

  1. #1
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    Exclamation البدعة والمبتدعون " سؤال وجواب " - الألبانى

    السائل:
    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين،
    والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:

    فضيلة الشيخ فقد كلفني شباب الإمارات بالمجيء إليكم لتوجيه لمجموعة من الأسئلة المهمة التي تُفيد إن شاء الله الأمة.
    ما قولُكُم يا شيخ فيمن يقول: لا يُتَرَحَّم على من خالفَ عقيدَة السلَف كالنووي وابن حجَر، وابن حزم، وابن الجوزي وغيرهم.
    ومن المعاصرين: سيد قُطْب، وحسن البنا، مع أنّكُم تعلمُون ما عند البنا في (مذكرات الدعوة والداعية)، وعند سيد قطب (في ظلال القرآن).

    الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:

    نحنُ نَعتقِد أنّ الرحمة أو بعبارة أصْرَحْ الدُعَاء بالرحمة جائزة لكل مُسلِم، ومُحَرَّمَةٌ على كلِّ كافِر.
    الجواب هذا يَتَفَرَّع على اعتقاد يَقُومه لنفسه الشخص، فمن كان يرى أنّ هؤلاء الذين سُمُّوا في السؤال وفي أمثالهم، يرى أنهم مسلمون، فالجواب عُرِف مِمّا سَبَق أنّه تَجُوز الدعاء لهم بالرحمة وبالمغفرة.
    ومَن كان يرى لا سَمَحَ الله أنّ هؤلاء المسلمين الذين ذُكِرُوا في السؤال، هم ليسوا من المسلمين، فلا يجوز الترَحُّم عليهم، لأنّ الرحمة قد حُرِّمَت على الكافرين.
    هذا هو الجواب بالنسبة لما جاء في السؤال.

    السائل: إي نعم، لكن يا شيخ هم يقولون: أنّ من منهج
    السلف أنّهم كانوا لا يترحمون على أهل البدع.
    فبالتالي يَعُدُّون هؤلاء الذين ذُكروا في السؤال من أهل البدع.
    فهم من هذا الباب لا يترحمون عليهم.

    الشيخ رحمه الله:

    نحن الآن قُلنا كلمة، الرحمة تجوز لكل مسلم، ولا تجوز للكافر.
    هل هذا الكلام صحيح أم لا؟

    السائل: صحيح.

    الشيخ رحمه الله:

    إن كان صحيحاً، السؤال الثاني غير وَارِد.
    وإن كان غير صحيح، فالمناقشة وَارِدة ألاّ يُصلّى على هؤلاء الذين يُطلِقُ عليهم بعضهم أنّهم من أهل البدعة.
    ألاّ يُصلّى عليه صلاة المسلمين؟
    ومِن عقائِد السلف التي تَوَارثها الخلف عن السلف أنّه يُصلّى وراءَ كلِّ بَرٍّ وفَاجِر، ويُصَلّى على كلِّ بَرٍّ وفَاجِر، أمّا الكافِر فلا يُصَلّى عليه.
    إذًا هؤلاء الذين دارَ السؤال الثاني حولَهم، أنّهم من أهل البِدَع، هلْ يُصَلّى عليهم، أمْ لا يُصَلّى عليهم؟
    لا أُرِيدُ أنْ أدخُلَ في نِقاش إلاّ إذا اضْطُرِرْتُ إليه.
    فإنْ كانَ الجواب بأنّهم يُصَلّى عليهم، انتهى الموضوع، ولمْ يبقَى للسؤال الثاني محلٌّ مِن الإعرَاب كمَا يقُول النحويُّون.
    وإلاّ فمجَالُ البحْث مفْتُوحٌ ووَارِد.

    السائل:
    طيّب، والذي يقول يا شيخ لا يُصَلّى عليه؟
    فكيف يكون الجواب عليه؟

    الشيخ رحمه الله: ما هُو الدليل؟

    السائل: يستدل بالسلف، يقول مثلاً: يُفَرِّق بين الفسق
    والفجور، وأهل البدع الذين يبتدعون في الدين.
    يعني: هناك مِن السلف من كانوا لا يُصلُّون على أهل البدع، ولا يُجالسونهم، ولا يشاركونهم.
    فمِن هذا الباب هو يقول هذا الشيء.

    الشيخ رحمه الله: حِدْتَ، انتبِه، ماذَا كان السؤال؟

    السائل: عن الصلاة

    الشيخ رحمه الله: لا، وحُقَّ لك أنْ تَحيد، لأنّك أطَلتَ الجواب في غير جواب، كان السؤال: ما هو الدليل؟

    السائل: نعم.

    الشيخ رحمه الله: أنتَ ذكرتَ الدّعوَة، والدّعوَة غير الدّليل.
    أي من يقُول: إنه لا يُصلّى على المسلم المبتدع، ما هو الدليل؟

    السائل: هو ما عنده دليل، فقط يستدل بفعل السلف.

    الشيخ رحمه الله: أهو الدليل فعل السلف؟

    السائل: هكذا يقول.

    الشيخ رحمه الله: طيب، أين هذا الدليل؟

    السائل: هو ما يذكر دائماً الكلام يكون عام.

    الشيخ رحمه الله: السّلف، أليس كانوا يقاطعون بعض
    الأشخاص لذنب ما، أو لبدعة ما؟
    هل معنى ذلك أنهم كفّرُهم؟

    السائل: لا.

    الشيخ رحمه الله: طيّب، لا.
    إذًا حكمُوا بإسلامه؟

    السائل: نعم.

    الشيخ رحمه الله:

    ما عندنا فرق بين مسلم وكافر، ما في عندنا وسط، يعني ما عندنا كالمعتزلة منزلة بين المنزلتين، إمّا مسلم، فَيُعامَل معاملة المسلمين، وإمّا كافر فيُعامَل معاملة الكافرين.
    ثمّ يا أخي بارك الله فيك هذه مُجَرَّد دعوة، أيْ أنّ السلف ما كانوا يُصلّون على عامة المبتدعة، وعلى كلّ المبتدعة، هذه مُجرَّد دعوة تقُوم في أذهان بعض الناس الطَّيِّبين، الذين يأخذون المسائل بحمَاس، وبعاطفة غير مقرونة بالعلم الصحيح القائم على قال الله قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
    فأنا قدمتُ لكَ حقيقة لا يختلف فيها اثنان، وهي: إمّا مسلم، وإمّا كافر.
    فالمسلم مهما كان شأنُه يُصَلّى عليه، ويُورَّث، ويُوَرِّث، ويُغسَل، ويُكفَّن، ويُدفَن في مقابر المسلمين.
    وإنْ لم يكن مسلماً نُبِذ نَبذاً... ودُفِنَ في قبور الكافرين.
    ما في عندنا شيء وسط، لكن إنْ لمْ يُصَلِّي مُصَلٍّ ما، أو عالم ما على مسلم ما، ذلك لا يعني أنّ الصلاة عليه لا تَجُوز، وإنّما يعني أنّه يرمِي إلى حكمة قد لا تتحقّق هذه الحكمة بغيره، مثل الأحاديث التي لابدّ أنّك تذكر شيئاً منها، التي يقول الرسول عليه السلام في بعضها: ((صلّوا على صاحِبِكُم)).
    ما صلّى الرسول عليه.
    تُرى آلرسول المُمْتَنِع عنِ الصلاة على مُسلمٍ أَهَمْ، أمْ العالِم السلفي إذا امتنَعَ مِن الصلاة على مسلم أَهَمْ؟
    قُلْ لي ما هوَ الأهَمْ؟

    السائل: ترك النبي صلّى الله عليه وسلّم.

    الشيخ رحمه الله:

    حسناً، فإذا كان تركُ الرسول الصلاة على مسلم، لا يدُلُّ على أنّ تركهُ الصلاةَ عليه، أنّهُ لا يجُوز الصلاة عليه.
    فمن باب أوْلى حينئذ تركُ عالِم من علمَاء السّلف الصلاة على مسلم مبتدع أنّه لا يدلُّ على أنْ لا يُصَلّى عليه.
    ثمّ إنْ دلَّ على أنّه لا يُصَلَّى عليه، فهل معنى ذلك أنّه لا يُدعَى له بالرحمة والمغفرة ما دام أننا نعتقد أنّه مسلم؟
    إذاً باختصار امتناع بعض السّلف عن الصلاة على بعض المسلمين بسبب بدعة لهم، فذلك لا ينفي شرعية الصلاة على كل مسلم، لأنّ هذا من باب الزجر والتأديب لأمثاله، كما فعل الرسول عليه السلام في الذي لم يُصَلِّي عليه، وليس له ذنبٌ إلاّ أنّه مات وعليه دَيْن، والغال من الغنيمة، ونحو ذلك.
    فإذاً هذا الامتناع، أي امتناع الرسول أهم مِن امتناع بعض السّلف.
    فهذا وذاك لا يدلان على أنّه لا يجوز الصلاة على المسلم المبتدع.
    ثمّ هنا لا بد من بحث، يجب أنْ نَعرِف من هو المُبتدع، تَماماً كما يجب أنْ نعرف من هو الكافر.

    فهنا سؤال كما يقولون اليوم يَطرَحُ نفسَه: هلْ كلُّ مَن وَقَعَ في الكُفْرِ وَقَع الكُفْرُ عليه؟
    وكذلكَ كلُّ مَن وَقَع في البِدعَةِ وَقَعَتْ البدعة عليه؟
    أم الأمر ليس كذلك؟
    إذا كان الجواب ليس كذلك، نمضِي في الموضوع، وإنْ كان خافِياً فلا بدّ مِن بيانِه.

    أُعيد المسألة بشيء مِن التَّفصِيل:
    ما هي البِدعة؟
    هي الأمْرُ الحادِث على خِلاف سُنَّة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يُرِيدُ بها صاحبُها أنْ يزدادَ تَقَرُّباً إلى الله تبارك وتعالى.
    فهلْ كلُّ من ابتدعَ بدعةً يكون مُبتدِعاً؟
    أُرِيدُ أنْ أسْمَعَ الجواب باختصار: لا، بلى.

    السائل: لا

    الشيخ رحمه الله: إذاً مَن هُو المُبتَدع؟

    السائل: الذي تُقام عليه الحُجَّة، ويُصِرُّ بعد ذلك على البدعة.

    الشيخ رحمه الله:

    حسناً، فهؤلاء الذين نقول نحن عنهم لا
    يُتَرَحَّم عليهم، هل أُقيمَتْ الحُجَّة عليهم؟
    أنا أقولُ مِن عندي: الله أعلم.
    أمّا أنتَ ماذا تَقُول؟

    السائل: أقولُ كما قلتَ يا شيخ.

    الشيخ رحمه الله:

    جزاكَ الله خيراً، إذاً ما هو الأصل في هؤلاء؟
    الإسلام، أمِ الكُفر؟

    السائل: الإسلام.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    الشيخ رحمه الله:

    طيّب، إذاً الأصل أنْ يُتَرَحّم عليهم، أليس كذلك؟
    إذاً انتَهَتْ القضية.
    فلا يجوز أن نتبنى اليوم مذهباً، فنقول: لا يجوز الترحّم على فلان، وفلان وفلان من عامة المسلمين فضلاً عن خاصتهم، فضلاً عن علمائهم.
    لماذا؟
    لسببين اثنين:وهذا تلخيص ما تقدم.
    1. السبب الأول: أنّهم مسلمون
    2. السبب الثاني: أنّهم إن كانوا مبتدعين، فلا نعلم أنّه أُقيمَت الحُجَّة عليهم، وأَصرُّوا على بدعتهم، وأَصَرُّوا على ضلالهم.

    لهذا أنا أقُول: مِن الأخطاء الفاحشة اليوم، أنّ الشباب الملتزم، والمتمسك بالكتاب والسنَّة لِما يَظُنُّ هو، يَقَعُ في مخالفة الكتاب والسنّة مِن حيثُ لا يدرِي، ولا يَشْعُر.

    وبالتالي يَحِقُّ لي على مذهبهم أنْ أُسمِّيهِم: مُبْتَدِعة، لأنهم خالفوا الكتاب والسنّة( ).
    لكنِّي لا أُخالفُ مذهبي، الأصل في هؤلاء أنّهم مسلمون، وأنّهم لا يَتقصَّدُون البدعة، ولا يُكابرِون الحُجَّة، ولا يَرُدُّون البرهان والدليل.( )
    لذلك نقول: أخطئوا مِن حيثُ أرادوا الصواب.

    وإذا عرفنا هذه الحقيقة نَجَوْنا مِن كثير مِن الأمُور الشائكة في هذا الزمان، ومن ذلك جماعة الهجرة والتكفير التي كانت في مصر، وكانت نَشَرَت شيئاً مِن أفكارِها وكانت وَصَلَت إلى سوريا يومَ كنتُ هناك، ثمَّ إلى هنا أيضاً، وكان لنا هنا إخوان على المنهج السلفي الكتاب والسنّة، تأثروا بتلكَ الدّعوة الباطلة وتركوا الصلاة مع الجماعة، بل والجمعة، وكانوا يُصلُّون في دُورهم وفي بيوتهم، حتى اجتمعنا معهم وعَقَدْنا ثلاث جلسات:
    1. الجلسة الأولى: ما بين المغرب والعشاء، وامتنعوا من الصلاة
    خلفنا، أعني خلفنا نحن السلفيين، وما أردتُ أنْ أقُولَ خلفي، لأني سأتحدَّثُ عن نفسي، كانوا قولون: نحنُ نعْتَمِد على كُتُبِك ومعَ ذلك لا يُصَلُّون خلفي.( ).
    لماذا؟
    لأنّنا لا نُكَفِّر المسلمين الذين همْ يُكفِّرونهم.
    هذا في الجلسة الأولى.

    2. في الجلسة الثانية: كانت في عُقْرِ دارِهم واستمرّت إلى نِصف
    الليل.
    لكن بَدأَت البشائِر والحمدُ لله تظْهَر في استجابتهم لدعوة الحقّ، حيثُ أذنّا وأقمناَ الصلاة وصلينا هناك، قُبيل نصف الليل، فصلُّوا خلفنا، هذه الجلسة الثانية.

    3. أمّا الجلسة الثالثة: فقد استمرت من بعد صلاة العشاء إلى
    أذان الفجر.. وكانت الحمد لله القاضية، وهم إلى اليوم معنا، وقد مضَى على ذلك نحو اثني عشرة سنة والحمد لله.

    فما هي إلاّ شُبُهات جاءتهم مِن عدمِ فِقهِهِم في الكتاب والسنّة.
    ولعلّك تعلم يا أخاناَ.. بأنّ التَّفَقُّه في الكتاب والسنّة ليس أمراً سهْلاً اليوم بعد أنْ وُرثْنا مذاهب شتّى، وفِرق كثيرة جداً في العقائد، وفي الفقه، فلا يستطع الطالب الناشئ أن يخُوض في خِضَم هذه الخلافات إلاّ بعد زمن مديد وطويل جداً مِن دراسة ما يسمى اليوم بالفقه المقارن، ودراسة أدلَّة المختلفين في الأصول وفي الفروع، وهذا في الواقع يحتاج إلى عمر مديد أولاً، ثمّ إلى توفيق من رب العالمين ثانياً حتّى يتمكن المسلم أن يُحقِّق الله عز وجل له دعوته التي سنَّها لنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما كان يدعو في بعض أدعية صلاة الليل: ((اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم))( ).
    ولذلك فنحن نَنْصح شبابنا الناشئ اليوم على مذهب الكتاب والسنّة بأَنْ يَتَّحدوا ولا يترووا، وأن لا يصدروا أحكاماً يبنونها على بعض ظواهر الأدلة، لأن ليس كلّ ظاهر ينبغي لكل مسلم أن يَقِف عنده، وإلاّ عاشَ في بلبلَة علمية لا نهاية لها.

    أظُنُّكَ تعلم أن أقرب المذاهب إلى الكتاب والسنّة، هو مذهب أهل الحديث، وأنّك تعلَم أنّ أهلَ الحديث يَعتَمِدون على رواية المبتدعة إذا كانوا ثقاتاً، صادقين، حافظين، ومعنى هذا أنّهم لم يحشروهم في زُمرَة الكافرين، ولا في زُمرَة أولئك الذين لا يَتَرَحَّمُون عليهم.
    بل أنتَ تعلَم أنَّ هناك في بعضِ الأئمة المُتَّبَعِين اليوم، والذين لا يَشُكّ عالم مسلم، عالم حقاً بأنّه مسلم، وليس هذا فقط، بل وعالم فاضل، ومع ذلك فقد خالف الكتاب والسنّة، وخالف السلف الصالح في غير ما مَسْألَة، أعنِي بذلك مثلاً: النعمان بن ثابت أبا حنيفة رحمه الله الذي يقول: بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ويقول:لا يجوز للمسلم أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وأنّه إذا قال: إن شاء الله فليس مسلماً.
    لا شكّ أنّ هذا القول بدعة في الدين، لأنّه مخالف للكتاب والسنّة، لكن هو ما أراد البدعة، هو أرادَ الحق فأخطأَه.
    ولذلك ففتح هذا الباب مِن التشكيك بعلماء المسلمين، سواء كانوا من السلف أو من الخلف، ففي ذلك مُخالَفَة لِما عليه المسلمون.
    فربنا عز وجل يقول في القرآن الكريم: ((وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً))[النساء:115].
    وأخِيراً أُرِيدُ أنْ أُذكِّر بحقيقة لا خِلافَ فيها، لكني أُرِيدُ أنْ أُلْحِقَ بها شيئاً لا يُفكِّر فيه شبابنا الناشئون في هذا العصر.
    تلك الحقيقة هي: قولُه عليه السلام في كثير مِن الأحاديث: ((مَن كفَّر مسلماً فقد كَفَر)).
    هذه حقيقة لا ريب فيها.
    ومعروف تفصيل هذا الحديث في بعض الروايات الأخرى، أنّه إنِ كان الذي كفَّره كافِراً فقد أصابَ، وإلاّ حالَتْ عليه، ورَجَعَت عليه.
    هذا ما يحتاج إلى بحث، لأن الحديث في ذلك صريح، لكن أُريد أن أُلحق به فأقول: ((مَن بَدَّع مسلماً فإمّا أن يكون هذا المسلم مبتدعاً، وإلاّ فهو المُبتدِع))، وهذا هو الواقع الذي قلتُه لكم آنفاً، أنّ شبابنا بِبَدْعوا العلماء، وهم الذين وقعوا في البدعة، لكنهم لا يعلمون، ولا يريدون البدعة، بل هم يُحاربونها، لكن يَصدُق عليهم قول من قال قديماً:
    أوردهَا سعدٌ وسعدٌ مُشتمِل ما هكذاَ يا سعدُ تُوردُ الإبِل

    لذلك نحنُ ننْصَح شبابنا أنْ يلتَزِموا العمَلَ بالكتابِ والسُّنَّة في حُدُودِ عِلمِهم ، ولا يَتطَاولُوا على غيرِهِم ممَّن لا يُقرنُون بهم علماً، وفَهماً، وربّما وصَلاحاً، كمثل النووي، كمثل الحافظ ابن حجَر العسقلاني.

    أعْطينا اليوم في العالم الإسلامِي كلُّه مِثل الرَجُليْن هَدُولْ.
    ودَعْكَ والسيّد قُطب، هذا رجل نحنُ نُجِلُّه على جهادِه، لكنّه لا يزيد على كونِه كان كاتباً، كان أدِيباً مُنشِئاً، لكنّه لم يكُن عالماً.
    فلا غرابة أنْ يصدُرَ منه أشياء، وأشياء، وأشياء تُخالِف المنهج الصحيح.
    أمّا مَن ذُكِر معه مثل النووي وابن حجر العسقلاني وأمثالهم، والله إنَّهُ لمِن الظلم أنْ يُقال عنهم إنّهم من أهل البدعة.
    أنا أعرف أنّهما مِن الأشاعرة، لكنهما ما قصدوا مخالفة الكتاب والسنَّة، وإنّما وَهِمُوا، وظَنُّوا أنّ ما وَرِثُوه مِن العقيدة الأشعرية، ظَنُّوا شيء اثنين:
    1. أولاً: أن الإمام الأشعري يقول ذلك، وهو لا يقول ذلك إلاّ
    قديماً، لأنّه رَجَعَ عنه.
    2. وثانياً: تَوَهَّمُوه صواباً، وليس بصواب.

  3. #3
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    *- السائل: يا شيخ، هل صحيح أنّ السّلف كان من
    منهجهم أنْ لا يحكُموا على الرجل أنّه من أهل السنّة إلاّ إذا اتَّصَف بصفات أهل السنّة؟
    وأنّه إذا ابتدع أو أثنى على أهل البدع يُعَد منهم، كما كان يقول السّلف مثلاً: مَن قال أنّ الله ليس في السماء فهو جهمي.

    الشيخ رحمه الله تعالى: يوجد شيء من ذلك، لكن لا تنسى
    ما قلتُه لكَ آنفاً.
    هذا لا يعني أنّه ليس مسلماً، ما معنى امتناع الرسول عليه السلام مِن الصلاة على الذي مات وعليه دَيْن، أوْ على الذي غلّ، أو على الذي قَتَل، لا يعني أنّه ليس مسلماً.
    فهذا يا أخي مِن باب التأكيد كما سبق أنْ قلنا ذلك.
    هذا شيء آخر، الآثار السلفية إذا لم تكن متضافرة، متواترة، فلا ينبغي أن يُؤخذ عن فرد مِن أفرادها، لا ينبغي أن يُؤخذ مِن ذلك منهج، ثمّ يكون هذا المنهج خِلاف ما هو معلوم عن السلف أنفسِهِم أنّ المسلم لا يَخرُج مِن دائرة الإسلام بِمُجرّد معصية، أو بدعة، أو ذنب يَرْتكِبُه.
    فإذا وَجَدْنا ما يُخالِف هذه القاعدة لجَأنا إلى تأويلها بما ذكرتُ لك آنفاً، أنّ هذا مِن باب التعزير والتأديب.
    عندنا الإمام البخاري، وما أدراك ما الإمام البخاري، بعضُ علماء الحديث تَرَك الإمام البخاري، ولمْ يَرجِع عنه.
    لماذا؟
    قال: لأنّه فَصَّلَ بين قول من يَقُول: (القرآن مخلوق)، هذا ضال، مبتدع، كافر، حسب اختلاف العلماء في تعابيرهم.
    وبَيْن من قال: (لفظي بالقرآن مخلوق).
    الإمام أحمد أَلْحَقَ مَن قالَ بهذه القَوْلَة (لفظي بالقرآن مخلوق) بالجهمية، وبناءً على ذلك حكم بعض الذين جاءوا بعد الإمام أحمد على البخاري بأنَّهُ لا يُؤخذ منه، لأنّه قال قَوْلَةُ الجهمية.
    الجهمية لا يقولون (لفظي فقط بالقرآن مخلوق)، يقولون: (القرآن هو ليس كلام الله إنّما هو مخلوق مِن خَلْق الله عز وجل).

    فماذا يُقال في البخاري الذي قال كلمة (لفظي بالقرآن مخلوق)، والمحدِّث ومنهم الإمام أحمد الذي يقول: من قال هذه الكلمة فهو جهمي.
    لا يُمكن أن نُصحِّح كلّا مِن الأمرين إلاَّ بتأويل صحيح يتماشى مع القواعد.
    وقبلَ أنْ أمْضي، أنتَ أظُنُّ تُفَرِّق معي بين منْ يقول: (القرآن مخلوق)، وبين من يقول: (لفظي بالقرآن مخلوق).
    أليس كذلك؟

    السائل: نعم يا شيخ

    الشيخ رحمه الله تعالى: طيّب، إذاً بماذا نُجِيب عنْ كلمة
    الإمام أحمد: (من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي).
    بماذا نُجيب عن هذا الكلام؟
    لا جواب إذا ما ذَكرتُهُ لكَ.
    تَحذِيراً مِن أنْ يقول المسلم قولاً يُتَّخَذُ ذريعَةً لأهل البدعة، والضلالة، وهم الجهمية.
    فقد يقول قائل: بتوريط من حَولَهُ: لفظي بالقرآن مخلوق، وهو يعني نفس القرآن، لكن مُش ضروري أن كل مسلم يتكلّم بهذه الكلمة يكون قصدُهُ ذاك القصد السيئ نفسُه.

    فالآن الإمام البخاري هو ليس بحاجة إلى أنْ يُزكّى، الله عز وجل قد زَكّاه حيثُ جَعَلَ كتابَهُ بعدَ القرآن الكريم كلُّه مقبُولا عند عامّة المسلمين على ما بينهم مِن خِلاَف.
    فإذاً هو حينما قال: (لفظي بالقرآن مخلوق) عنى شيئاً صحيحاً، لكن الإمام أحمد خَافَ، فقال: مَن قال كَذا فهو كَذا.
    إذاً هذا مِن باب التحذير، وليس مِن باب الاعتقاد، أنَّ من قالَ كذا فهو حقيقة جهمي، لا.
    ولذلك إذا وَجَدنا في بعض عبارات السلف الحُكم على مَن وَقَع في بدعة على أنّه مُبْتَدِع، فَهُوَ مِن باب التحذير، وليس مِن باب الاعتقاد.

    لعلّه يَحسُن ذِكرُه بالمناسبة الأثر المعروف عن الإمام مالِك لمّا جاءَهُ سائل، قال: يا مالِك الاستواء، قال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وأخرجوا الرجل فإنّه مبتدع).
    هو ما صارَ مبتدعاً بِمُجَرّد ما سأل عن استواء، لكن أرادَ أنْ يَفْهَمَ شيئاً، لكن خَشِيَ الإمام مالك أن يَرْمي مِن وراء ذلك مخالفة للعقيدة السلفية، فقال: (أخرجوا الرجل فإنّه مُبتدِع).
    وانظُرْ الآن كيف الوسائل تختلف، هل ترى أنتَ, وأنا، وبكر، وعمرو، وزيد إلى آخره، لو سألَنَا واحد مِن عامّة المسلمين، أوْ مِن خاصة المسلمين ، مِثل هذا السؤال، نُجِيبُه جواب مالك ونُلْحِقُهُ بتمام كلامِه فنقول: أخرجوا الرجل فإنّه مُبتدع، لا.
    لِيهْ؟
    لأن الزمن اختلف، الوسائل التي كانت يومئذ مقبولة، اليوم ليست مقبولة، لأنّها تَضُرُّ أكثر ممّا تَنفَع.
    وهذا الكلام له صِلَةٌ بمبدأ المقاطعة المعروفة في الإسلام، أو الهجر لله.
    كثيراً ما نُسأل: فلان صاحبنا، وصديقنا لكنّه ما بِصَلِّي، ويشرُب الدُّخان، بِيَفْعَل كذا إلى آخره، نُقَاطِعْهُ؟
    أقُول له أنا: لا، لا تُقاطِعْه، لأنّ مُقاطَعْتَك إلُو( )، هو يبدأها هو.
    مُقاطعتك إلُوما بَتْفيدُو، بالعكس يعني بِتْسُورو، وبِتْخَلِّيه في ضلالِه.
    وأذكُر بهذه المناسبة بمَثَل شامي، بالنسبة لذاك الرجل الفاسق التارك للصلاة تاب وَرَاحْ يُصَلِّي، أوَل صلاة بالمسجد، وإذَا بهِ يجِد الباب مُغلَقاً، قال لهُ: (أنتَ مْسَكَّرْ وأناَ مْبَطَّلْ).
    هذا الفاسق الذي يريد هذا المسلم الصالح أن يقاطعه، هذا لسان حاله (أنتَ مْسَكَّرْ وأناَ مْبَطَّلْ)..، لأن صحبة الصالح للطالح بتحجّر عليه من صالحه، وهذا الطالح لا يريده، فإذا الصالح قاطعه، ذلك ما يريده.
    لذلك فالمقاطعة وسيلة شرعية، يُراد بها تحقيق مصلحة شرعية، وهو تهديد المهاجَر المقاطَع، فإذا كانت المقاطعة لا تؤدبه، بل تزيده ضلال على ضلال، حينئذ لا تَرِد المقاطعة، لذلك نحن اليوم لا ينبغي أن نتشبث بالوسائل التي كانوا يتعاطاها السلف، لأنهم كانوا ينطلقون بها من موقف القوة والمنعة، اليوم شايف أوضاع المسلمين كيف، ضعفاء في كل شيء، ليس فقط الحكومات، الأفراد، الأمر كما قال عليه السلام: ((إن الإسلام بدا غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء" قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: ناس قليلون صالحون بين ناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم"( ).
    فلو نحن فتحنا باب المقاطعة والهجر والتبديع لازم نعيش في الجبال، إنما نحن واجبنا اليوم ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ))[النحل:125].

  4. #4
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    تدخل للشيخ علي حسن: من تمام المسألة كما لحظتم من
    المسائل التي تتردد اليوم كثيرا، فلتمام البحث أستاذي أسأل أيضاً أو أنبِّه حول شيء حتى تتم الفائدة إن شاء الله ، وهذا الشيء يذكره الاخوة الذين يتبنون هذه المسائل، يقولون نحن إذ نقول: بعدم الترحم عنهم، لأن الترحم ليس بواجب، هو جائز، نحن لا نمنع ولا نحرم الترحم، ولكن نمتنع منه حتى لا يكون فيه نوع ثناء وتزكية ومدح لأهل البدعة هؤلاء الذين قد لا نقول إنهم مبتدعة مثلاً ونحكم عليهم بأنهم من المبتدعة من الكبراء، ولكن مثلاً لا نثني عليهم، ولا نقول: هم أئمة، مثلاً إذا ورد ذكر النووي، لا نقول قال الإمام النووي، بل هم يتجنبون أحياناً ويتحاشون النقل عنهم والعَدْو إليهم، حتى أن بعض إخواننا في محاضرة له نقل عن بعض هؤلاء يعني نقولاً سلفية في الحقيقة، وتؤيد المنهج، فقالوا له: كيف أنت تنقل عن هؤلاء؟، وأعني بهؤلاء ليس من ذكرهم شيخنا بأنهم مثلا ابن حجر والنووي، ولكن نقل مثلاً عن سيد قطب، ومحمد قطب، وقال: كيف تنقل عن هؤلاء؟ وهؤلاء معروفون وهم ليسوا بسلفيين، فأنت بصفتك سلفياً إذا نقلت عنهم فكأنك تثني عليهم، وبالتالي تقول للناس أن هؤلاء سلفيون، وهذا سبيل للتغرير من الناشئة بهؤلاء ، فلعلهم يصبحون كمثلهم في البدعة والانحراف، والبعد عن الجادة.
    فإذا شيخنا رأيتم التعليق على هذه .

    الشيخ رحمه الله: إني لا أعتقد أن أولاً هذا مقصدهم، وثانياً
    لو كان هذا مقصدهم أنه أسلوب في التوعية.
    أنا سأقول، هؤلاء الذين أشرتَ إليهم، هل يقرؤون فتح الباري؟
    أم لا يقرؤونه؟
    أيما الأمرين افترض فهو خطأ بالنسبة إليهم.
    إن قيل: لا يقرؤون، إذن من أين يفهمون صحيح البخاري شرحاً وفقهاً، وخلافاً، ومصطلحاً، وحديثاً وو إلى آخره؟
    سوف لا يجدون في شروح البخاري في الدنيا كلها سلفياً ، لا يجدون سلفيا كما نريد نحن شرح البخاري، ثم إن وُجد مشروحاً ، فسيوجد بشروح فيه رؤوس أقلام فقط.
    أما هذا البحر الزاخر من العلم المتضمن، والمفتوح على صاحب الفتح به عليه ، هذا لا يجده في أي كتاب من كتب التي تولت الكلام على صحيح البخاري.
    إذًا هم سيخسرون علماً كثيراً .

    فإن كانوا يعنون ، أو يضمنون هذا الكلام تحذير الناس من جملة ما يحذرون أنه ما ينتفعون من كلام هذا الإمام ، خسروا العلم، مع أنه بإمكانهم أن يجمعوا بين جلب المصلحة ، ودفع المفسدة كما هو شأن العلماء ، الآن لا يوجد عالم في الدنيا من بعد العسقلاني ، والنووي إلى اليوم ، يمكنه أن يستغني من الاستفادة من شرحهما، هذا للبخاري، وذاك لمسلم ، ومع ذلك فهُم حينما يستفيدون من كتبهما أو كتابيهما ، هم يعرفون أنهم في كثير من المسائل هم أشاعرة ، ومخالفون لمنهج السلف الصالح، فاستطاعوا بعلمهم وليس بجهلهم أن يأخذوا من هذين الكتابين أو من صاحبها من العلم ما ينفعهم، وأن يُعرضوا عما يضرهم ولا ينفعهم.قصدي أن أقول: أنا أخشى ما أخشاه أن يكون وراء هذا الكلام المعسول هو التحذير مِن انتفاع من كتبهم ، وحينها يكون فيه خسارة.
    وإذا قالوا: لا نحن ننتفع من كتبهما، ونَقرأهما، ونُقرِّءهما أيضاً، حينئذ إيش فائدة هذا الأسلوب مِن الامتناع عن الترحّم، وهو مسلم كما قلنا في أوّل الكلام.
    لو بودّو وَقع في البدعة وقعتِ البدعة عليه، ليس كل من وقع في الكفر، وقَع الكفر عليه، هذا تلبّسه الكفر، وذاك تلبسته البدعة...
    فإذاً هذا التحفّظ لا فائدة منه.

    ثمّ يا أخي أسلفية وخلفية؟
    هل العلماء الذين ورثنا عنهم هذه الدعوة الطيّبة، أهكذا كان موقفهم مِن أمثال هؤلاء الأئمة؟ كموقف هؤلاء؟ أو هذا النشأ الناشئ الجديد الذي يدّعي السلفية؟
    أولئك كانوا كهؤلاء؟
    العكس هو الصواب، ينبغي أن يكون هؤلاء كأولئك الذين سبقونا إلى هذه الدعوة الصالحة

  5. #5
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    سائل: البعض يقول أن من ابتدعة بدعة مكفرة يخرج عن
    أهل السنّة.
    ومن ابتدع بدعة مفسقة لا يخرج عن أهل السنة، وحتى لو أقيمت عليه الحجّة، وأصرّ عليها.
    هل يعدّ مِن أهل السنّة حينئذ؟

    الشيخ رحمه الله تعالى: أوّلاً: ما هي البدعة المكفّرة ؟ وما هي
    البدعة الغير المكفرة ؟

    السائل: بدعة مفسة، وبدعة مكفرة.
    المكفرة كأن يبتدع بدعة كفرية مثل القول: عدم استواء الرب جل وعلا على العرش ومثل ذلك.
    والبدعة المفسقة كأن يقع في بدعة من بدع العبادات كالمولد مثلاً.

    الشيخ رحمه الله: هذا الكلام غير صحيح ، منشؤه من علم
    الكلام، التفريق بين البدعة في الأصول، والبدعة في الفروع، أو البدعة في الأحكام، والبدعة في العبادات، هذا التفريق هو بدعة.
    أرأيتَ لو أن رجلاً جاء إلى سنة من سنن الرسول، كسنّة الفجر مثلاً فجعلها أربعاً وأصرّ على ذلك، من أي نوع هذه البدعة؟
    آلأولى المكفرة؟ أم المفسقة؟

    السائل: ..تكون من المفسقة

    الشيخ رحمه الله تعالى: هذا كلام باطل، من الأشياء التي
    ورثها الخلف عن السلف، وعامل هنا بكلمة السلف غير المعنى الاصطلاحي بيننا، هو التفريق بين الخطأ في الفروع ، والخطأ في الأصول، الخطأ في الفروع مغتفر، والخطأ في الأصول غير مغتفر، والحديث المعروف صحته: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد)) هذا في الفروع.
    أما في الأصول: ((الخطأ غير مغفور))، هذا لا أصل له لا في الكتاب ولا في السنّة ولا في أقوال السلف الصالح، وما يوجد في أقوال السلف الصالح فيها تعريف شديد عن البدعة مطلقاً سواء كانت في العقيدة أو كانت في العبادة.
    أنا ذكرت آنفاً في الحقيقة من كفّر مسلما فهو قد كفر، وألحقته بها من بدّع مسلماً إلى آخره ، لأنه في الحقيقة لا فرق عندي بين كفر وبين بدعة.
    لو أنّ مسلماً ابتدع بدعة وتبيّنت له بدعتُه وأصرّ عليها كالمثال الذي ضربته لك آنفاً، فهو كما لو أنكر استواء الله على خلقه، أو أنكر أن القرآن مِن كلامِه أو أو ، لا فرق بين هذا وهذا إطلاقاً ، لا سلباً ولا إيجاباً.
    إيجاباً: نقول: هذا كفر بالشرط المذكور آنفاً وأقيمت عليه الحجّة.
    وذاك كفر بالشرط المذكور آنفاً أي بعد إقامت الحجّة. هذا إيجاباً.
    سلباً: لا تكفير لا في هذا ، ولا في هذا إلاّ بالشرط المذكور.

    أعود، المعتزلة والخوارج يلتقون في بعض الضلالات، ويختلفون في بعض.
    مثلاً: الخوارج يلتقون مع المعتزلة في القول: بأن القرآن مخلوق. تعلم هذا؟
    وقد ذكرتُ لك آنفاً أنّ المحدثين لا يكفرون الخوارج.
    إذاً كيف نجمع في ذهننا أنّ مَن أنكرَ عقيدةً فهو كافر ، أما مَن ابتدع بدعةً في العبادة فهو فاسق؟
    وها نحن نرى أئمة الحديث يروون عن الخوارج وعن المعتزلة مع أنهم يخالفون العقيدة الصحيحة في غير ما مسألة.
    فهم مثلاً هؤلاء الذين قالوا: بأن كلام مخلوق ، يُنكرون أيضاً رؤية الله في الآخرة. تدري هذا؟
    طيب، هذا الإنكار والذي قبله يَنصَب عليهما تعرفنا السابق، هو كفر، ولكن ليس كل من وقع في الكفر وَقَع الكفر عليه.
    كيف نوفِّق حينما نجد أئمة الحديث، وأئمة السلف كابن تيمية وابن القيّم يحكمون بضلال الخوارج والمعتزلة ولا شك، لكن لا يقولون: كفّار مرتدّون عن دينهم.
    لأنهم يضعون احتمال أنّ الأمر شُبِّهَ لهم أوّلاً.
    وأنّ الحجّة لم تقام عليهم ثانياً.

    نرجع للأصل، موضوعنا الأول: أنّ هؤلاء مبتدعة، لكن ما ندري هل هم قصدوا البدعة؟
    هل أقيمت الحجّة عليهم إلى آخره؟
    هذا هو منهج العلماء يحكمون بضلال المعتزلة وبضلال الخوارج وبضلال الأشاعرة في غير ما مسألة، لكنهم لا يكفّرونهم، لا يُخرجونهم من دائرة الإسلام للاحتمال الذي ذكرناه آنفاً ، وهو يعود إلى أمرين أُذكّر بهما:

    الأول: أنهم ما قصدوا الابتداع والمخالفة والمعاكسة.
    ثانياً: أنّنا لا ندري أُقيمت الحجّة عليهم أو لا .

    فإذاً حسابهم إلى الله ، ولنا ظاهرهم، ظاهرهم الإسلام ، وماتوا على هذا الإسلام، ودُفنوا في مقابر المسلمين، فإذن هم مسلمون.
    فالتفريق إذاً بين البدعة المكفرّة والبدعة المفسقة هذا:

    أولاً: تفريق اصطلاحي ناشئ من علماء الكلام.
    وثانياً: لا دليل عليه إطلاقاً.

    وأختم الكلام على هذه المسألة بالتذكير بحديث يدلُّك على ما ذكرتُ آنفاً أنّ ليس كلّ من وقَعَ في الكفر تلبَّسَه الكفر ووقع الكفر عليه، أعني به حديث البخاري من رواية صحابيين جليلين وهما أبو سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان قالا: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ((أن رجل حضرته الوفاة فجمع أولاده حوله فقال لهم: أيّ أبٍ كنتُ لكم؟ قالوا: خير أبٍ.
    قال: فإني مذنبٌ مع ربي ولإن قدِرَ الله عليّ ليعذبني عذاباً شديداً، فإذا أنا متُّ فخذوني وحرِّقوني من نار ثم ذروا نصفي في البحر ونصفي في الرياح، فمات حرقوه بالنار فذروا نصفه في الريح ونصفه في البحر. فقال الله عز وجل لذرته: كوني فلاناً فكانت. قال الله عز وجل: أي عبدي ما حملك على ما فعلتَ؟ قال: خشيتُك. قال: اذهب فقد غفرتُ لك)).
    فالآن نحن نتساءل، كفر هذا أو ما كفر؟ كفر، لكن الله غفر له.

    متدخل قال: ما كفر

    الشيخ رحمه الله تعالى: بقوله: لإن قدِرَ الله عليّ، ما كفَرَ؟

    المتدخل: إي نعم.

    الشيخ رحمه الله تعالى: ونحن نعلم من القرآن الكريم ((إِنَّ
    اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)) [النساء : 48]
    كيف الجمع؟

    الجمع يُفهم من الكلام السابق ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ)) [النساء : 48]
    ((لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) عامداً متعمّداً.
    شو رأيك في هذا القيل؟
    لكن موجود في الآية؟
    غير موجود، من كيف وجدناه؟
    هكذا الشريعة لا تؤخذ مِن نص من آية من حديث واحد، وإنما مِن مجموع ما جاء في المسألة.
    لذلك ليس فقط المسائل الفقهية يجب أن تُجمَع كل نصوصها حتى نعرف الناسخ مِن المنسوخ، والخاص من العام، والمطلق مِن المقيد ووو إلى آخره، بل العقيدة أولى بذلك بكثير.
    فحينما يشرح العلماء هذه الآية ((إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)) عادةً لا يتعرّضون لمثل هذه التفاصيل، لأن الأمر فيما يبدو لهم واضح ما يحتاج إلى مثل هذا التفصيل ، لكن حينما تأتي الاشكالات والشبهات فهنا يضطر العالم أن يبيّن ما عنده مِن العلم، هذا الرجل الذي أوصى بالوصية ى أتصوّر أنها في الجور والظلم والضلالة يُمكن أن يكون لها مثل، يُحرّقوه في النار عشان .. على ربّه، والله يقول: ((وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)) [يس : 78]، مع ذلك غفَرَ له لماذا؟
    لأن الكفر ما انعقد في قلب هذا الإنسان ، وإنما هو تصوّر ذنوبه مع الله عز وجل، وخوفه منه، وأنّ الله عز وجل إذا وَصَل إليه أنه سيعذبه عذاباً شديداً.
    هذه الرهبة وهذه الخشية أعمت عليه العقيدة الصحيحة فأمَر بهذه الوصية الجائرة، والحديث واضح قال: ((اذهب فقد غفرتُ لك)).
    إذاً ما ينبغي نحن أن نتصوّر أن سيّد قطب وقع في وحدة الوجود مثلاً كما نعتقد، أنه قاصدها وعاقد القلب عليها مثل ابن عربي هذا الذي أضلّ الملايين من المسلمين الصوفيين إلى آخره.
    ربما هذه سانحة فكرية صوفية وهو سجين خطرَت في باله، وما أحاط بالمسألة علماً ، فكتَبَ تلك العبارة التي كنتُ أنا من أوّل من انتقدها.
    ما نحكم عليه بالكفر، لأننا ما ندري أنعقد الكفر في قلبه، ثم هل أقيمت الحجّة عليه وبخاصة وهو في سجنه أنّى له ذلك.
    لهاذا لا نربط بين كون المسلم وقَعَ في الكفر وبين كل كافر، ما نربط بين أمرين، هذا أولاً وقد تكرّر تحذيراً.
    وثانياً: لا نفرّق بين البدعة في العقيدة، وبين البدعة في العبادة ، كلاهما إمّا ضلال وإمّا كفرُ.

    ولعلّ في هذا القدر كفاية.

المواضيع المتشابهه

  1. سؤال ....وجواب
    بواسطة احمد خلف في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 02-04-2023, 12:08 AM
  2. سلسلة العقيدة سؤال وجواب
    بواسطة آمال المصري في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 12-03-2023, 06:48 PM
  3. أنواع الحب ( سؤالٌ ، وَجواب )
    بواسطة محمد حمود الحميري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 24-01-2014, 06:03 PM
  4. سؤال وجواب
    بواسطة محمد سوالمة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 09-03-2006, 04:43 AM
  5. سؤال وجواب
    بواسطة د. محمد الشناوي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 30-10-2003, 11:15 PM