السائل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فضيلة الشيخ فقد كلفني شباب الإمارات بالمجيء إليكم لتوجيه لمجموعة من الأسئلة المهمة التي تُفيد إن شاء الله الأمة.
ما قولُكُم يا شيخ فيمن يقول: لا يُتَرَحَّم على من خالفَ عقيدَة السلَف كالنووي وابن حجَر، وابن حزم، وابن الجوزي وغيرهم.
ومن المعاصرين: سيد قُطْب، وحسن البنا، مع أنّكُم تعلمُون ما عند البنا في (مذكرات الدعوة والداعية)، وعند سيد قطب (في ظلال القرآن).
الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
نحنُ نَعتقِد أنّ الرحمة أو بعبارة أصْرَحْ الدُعَاء بالرحمة جائزة لكل مُسلِم، ومُحَرَّمَةٌ على كلِّ كافِر.
الجواب هذا يَتَفَرَّع على اعتقاد يَقُومه لنفسه الشخص، فمن كان يرى أنّ هؤلاء الذين سُمُّوا في السؤال وفي أمثالهم، يرى أنهم مسلمون، فالجواب عُرِف مِمّا سَبَق أنّه تَجُوز الدعاء لهم بالرحمة وبالمغفرة.
ومَن كان يرى لا سَمَحَ الله أنّ هؤلاء المسلمين الذين ذُكِرُوا في السؤال، هم ليسوا من المسلمين، فلا يجوز الترَحُّم عليهم، لأنّ الرحمة قد حُرِّمَت على الكافرين.
هذا هو الجواب بالنسبة لما جاء في السؤال.
السائل: إي نعم، لكن يا شيخ هم يقولون: أنّ من منهج
السلف أنّهم كانوا لا يترحمون على أهل البدع.
فبالتالي يَعُدُّون هؤلاء الذين ذُكروا في السؤال من أهل البدع.
فهم من هذا الباب لا يترحمون عليهم.
الشيخ رحمه الله:
نحن الآن قُلنا كلمة، الرحمة تجوز لكل مسلم، ولا تجوز للكافر.
هل هذا الكلام صحيح أم لا؟
السائل: صحيح.
الشيخ رحمه الله:
إن كان صحيحاً، السؤال الثاني غير وَارِد.
وإن كان غير صحيح، فالمناقشة وَارِدة ألاّ يُصلّى على هؤلاء الذين يُطلِقُ عليهم بعضهم أنّهم من أهل البدعة.
ألاّ يُصلّى عليه صلاة المسلمين؟
ومِن عقائِد السلف التي تَوَارثها الخلف عن السلف أنّه يُصلّى وراءَ كلِّ بَرٍّ وفَاجِر، ويُصَلّى على كلِّ بَرٍّ وفَاجِر، أمّا الكافِر فلا يُصَلّى عليه.
إذًا هؤلاء الذين دارَ السؤال الثاني حولَهم، أنّهم من أهل البِدَع، هلْ يُصَلّى عليهم، أمْ لا يُصَلّى عليهم؟
لا أُرِيدُ أنْ أدخُلَ في نِقاش إلاّ إذا اضْطُرِرْتُ إليه.
فإنْ كانَ الجواب بأنّهم يُصَلّى عليهم، انتهى الموضوع، ولمْ يبقَى للسؤال الثاني محلٌّ مِن الإعرَاب كمَا يقُول النحويُّون.
وإلاّ فمجَالُ البحْث مفْتُوحٌ ووَارِد.
السائل:
طيّب، والذي يقول يا شيخ لا يُصَلّى عليه؟
فكيف يكون الجواب عليه؟
الشيخ رحمه الله: ما هُو الدليل؟
السائل: يستدل بالسلف، يقول مثلاً: يُفَرِّق بين الفسق
والفجور، وأهل البدع الذين يبتدعون في الدين.
يعني: هناك مِن السلف من كانوا لا يُصلُّون على أهل البدع، ولا يُجالسونهم، ولا يشاركونهم.
فمِن هذا الباب هو يقول هذا الشيء.
الشيخ رحمه الله: حِدْتَ، انتبِه، ماذَا كان السؤال؟
السائل: عن الصلاة
الشيخ رحمه الله: لا، وحُقَّ لك أنْ تَحيد، لأنّك أطَلتَ الجواب في غير جواب، كان السؤال: ما هو الدليل؟
السائل: نعم.
الشيخ رحمه الله: أنتَ ذكرتَ الدّعوَة، والدّعوَة غير الدّليل.
أي من يقُول: إنه لا يُصلّى على المسلم المبتدع، ما هو الدليل؟
السائل: هو ما عنده دليل، فقط يستدل بفعل السلف.
الشيخ رحمه الله: أهو الدليل فعل السلف؟
السائل: هكذا يقول.
الشيخ رحمه الله: طيب، أين هذا الدليل؟
السائل: هو ما يذكر دائماً الكلام يكون عام.
الشيخ رحمه الله: السّلف، أليس كانوا يقاطعون بعض
الأشخاص لذنب ما، أو لبدعة ما؟
هل معنى ذلك أنهم كفّرُهم؟
السائل: لا.
الشيخ رحمه الله: طيّب، لا.
إذًا حكمُوا بإسلامه؟
السائل: نعم.
الشيخ رحمه الله:
ما عندنا فرق بين مسلم وكافر، ما في عندنا وسط، يعني ما عندنا كالمعتزلة منزلة بين المنزلتين، إمّا مسلم، فَيُعامَل معاملة المسلمين، وإمّا كافر فيُعامَل معاملة الكافرين.
ثمّ يا أخي بارك الله فيك هذه مُجَرَّد دعوة، أيْ أنّ السلف ما كانوا يُصلّون على عامة المبتدعة، وعلى كلّ المبتدعة، هذه مُجرَّد دعوة تقُوم في أذهان بعض الناس الطَّيِّبين، الذين يأخذون المسائل بحمَاس، وبعاطفة غير مقرونة بالعلم الصحيح القائم على قال الله قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فأنا قدمتُ لكَ حقيقة لا يختلف فيها اثنان، وهي: إمّا مسلم، وإمّا كافر.
فالمسلم مهما كان شأنُه يُصَلّى عليه، ويُورَّث، ويُوَرِّث، ويُغسَل، ويُكفَّن، ويُدفَن في مقابر المسلمين.
وإنْ لم يكن مسلماً نُبِذ نَبذاً... ودُفِنَ في قبور الكافرين.
ما في عندنا شيء وسط، لكن إنْ لمْ يُصَلِّي مُصَلٍّ ما، أو عالم ما على مسلم ما، ذلك لا يعني أنّ الصلاة عليه لا تَجُوز، وإنّما يعني أنّه يرمِي إلى حكمة قد لا تتحقّق هذه الحكمة بغيره، مثل الأحاديث التي لابدّ أنّك تذكر شيئاً منها، التي يقول الرسول عليه السلام في بعضها: ((صلّوا على صاحِبِكُم)).
ما صلّى الرسول عليه.
تُرى آلرسول المُمْتَنِع عنِ الصلاة على مُسلمٍ أَهَمْ، أمْ العالِم السلفي إذا امتنَعَ مِن الصلاة على مسلم أَهَمْ؟
قُلْ لي ما هوَ الأهَمْ؟
السائل: ترك النبي صلّى الله عليه وسلّم.
الشيخ رحمه الله:
حسناً، فإذا كان تركُ الرسول الصلاة على مسلم، لا يدُلُّ على أنّ تركهُ الصلاةَ عليه، أنّهُ لا يجُوز الصلاة عليه.
فمن باب أوْلى حينئذ تركُ عالِم من علمَاء السّلف الصلاة على مسلم مبتدع أنّه لا يدلُّ على أنْ لا يُصَلّى عليه.
ثمّ إنْ دلَّ على أنّه لا يُصَلَّى عليه، فهل معنى ذلك أنّه لا يُدعَى له بالرحمة والمغفرة ما دام أننا نعتقد أنّه مسلم؟
إذاً باختصار امتناع بعض السّلف عن الصلاة على بعض المسلمين بسبب بدعة لهم، فذلك لا ينفي شرعية الصلاة على كل مسلم، لأنّ هذا من باب الزجر والتأديب لأمثاله، كما فعل الرسول عليه السلام في الذي لم يُصَلِّي عليه، وليس له ذنبٌ إلاّ أنّه مات وعليه دَيْن، والغال من الغنيمة، ونحو ذلك.
فإذاً هذا الامتناع، أي امتناع الرسول أهم مِن امتناع بعض السّلف.
فهذا وذاك لا يدلان على أنّه لا يجوز الصلاة على المسلم المبتدع.
ثمّ هنا لا بد من بحث، يجب أنْ نَعرِف من هو المُبتدع، تَماماً كما يجب أنْ نعرف من هو الكافر.
فهنا سؤال كما يقولون اليوم يَطرَحُ نفسَه: هلْ كلُّ مَن وَقَعَ في الكُفْرِ وَقَع الكُفْرُ عليه؟
وكذلكَ كلُّ مَن وَقَع في البِدعَةِ وَقَعَتْ البدعة عليه؟
أم الأمر ليس كذلك؟
إذا كان الجواب ليس كذلك، نمضِي في الموضوع، وإنْ كان خافِياً فلا بدّ مِن بيانِه.
أُعيد المسألة بشيء مِن التَّفصِيل:
ما هي البِدعة؟
هي الأمْرُ الحادِث على خِلاف سُنَّة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يُرِيدُ بها صاحبُها أنْ يزدادَ تَقَرُّباً إلى الله تبارك وتعالى.
فهلْ كلُّ من ابتدعَ بدعةً يكون مُبتدِعاً؟
أُرِيدُ أنْ أسْمَعَ الجواب باختصار: لا، بلى.
السائل: لا
الشيخ رحمه الله: إذاً مَن هُو المُبتَدع؟
السائل: الذي تُقام عليه الحُجَّة، ويُصِرُّ بعد ذلك على البدعة.
الشيخ رحمه الله:
حسناً، فهؤلاء الذين نقول نحن عنهم لا
يُتَرَحَّم عليهم، هل أُقيمَتْ الحُجَّة عليهم؟
أنا أقولُ مِن عندي: الله أعلم.
أمّا أنتَ ماذا تَقُول؟
السائل: أقولُ كما قلتَ يا شيخ.
الشيخ رحمه الله:
جزاكَ الله خيراً، إذاً ما هو الأصل في هؤلاء؟
الإسلام، أمِ الكُفر؟
السائل: الإسلام.