أغلى من الحب!
أ\علي محمد الغريب
ما هو الشيء الذي يمكن أن يكون أغلى وأقوى من قصة حب عنيفة هزت وجدان رجل وامرأة، وزلزلت كيانهما؟! وما هي تلك الدوافع التي تنهي قصة حب عارمة بهذه البساطة دون البكاء على أطلالها أو الوقوف أمامها طويلاً، من غير أسف ولا حسرة؟!
الإجابة ببساطة أنه لا شيء أغلى من الدين على المرء، ويستوي في هذا المتدين وغير المتدين! والقصص التي تدل على المفاصلة عندما يتعلق الأمر بالدين كثيرة، أشهرها قصة هذا الشاب الذي سافر إلى إحدى الدول الأوروبية يلهو ويسرف على نفسه، وعندما رأى الراقصة في الملهي قد لفت جسدها في خرقة مكتوب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ثار ولم يتمالك نفسه وهب إلى الراقصة ينتزع عنها قطعة القماش الممهورة بالشهادتين، لكن حراس الراقصة أوسوعه ضرباً حتى غيبوه عن الوعي، وعندما أفاق وجد نفسه وقد قبضت يده على قطعة من الخرقة ولم تفلتها، حمية لدين الله تعالى!
القصص في هذا المجال كثيرة وطريفة أيضاً، لكننا نتوقف هنا أمام حادثة بعينها صاحبها لم يكن لاهياً ولا مخموراً، ولم تكن حميته للدين انفعالات آنية سرعان ما زالت، بل إنها أتت بعد صراع بين عاطفتين، وتضارب بين فكرتين، عاطفة الحب وعاطفة الدين، فكرة الدنيا، وفكرة الآخرة.. هذه القصة تتعلق بلاعب الكرة المشهورعارف اردم نجم المنتخب التركي في كأس العالم ونجم فريق غلطة سراي أكبر الأندية التركية جماهيرية، الذي رفض الزواج من مذيعة تليفزيون شهيرة في شبكة ستار، بسبب رفضها ارتداء الحجاب.
حاول "عارف" مع خطيبته المذيعة المشهورة ودعاها مرات ومرات لارتداء الحجاب، لكنها لم تستجب، ولما خُير"عارف" بين دينه وقلبه، كانت الغلبة للأقوى، ومن حسن حظه أن دينه غلب قلبه، وحسمت المفاصلة لصالح الدين في النهاية.
هذه الحادثة وغيرها أصبحت مما يقلق أعداء الحجاب والعفاف في كل مكان؛ وليس ما حدث في فرنسا عنا مؤخراً ببعيد؛ بل إن تركيا نفسها ـ التي ينتمي إليها "عارف اردم" ـ تنكد على كل من أرادت الحجاب وتضع العراقيل في طريقها، تعوقها عن الوصول إلى عملها أو مدرستها، ما أثار استياء المجتمع التركي الذي ربض الإسلام في قعر داره، وأبى أن يستجيب لكل موجات اقتلاعه من البيئة التركية، وما زلنا بين وقت وآخر نرى ملامح بني عثمان تلوح في أفق الدولة المهرولة بحماسة للارتماء في أحضان الغرب المترفع عنها!
إن الذين يعادون الحجاب والمحجبات "ينفخون في قربة مخرومة" كما في المثل المصري، فشعبية الحجاب تتسع، والراغبات في الحجاب يتزايد عددهن برغم الحواجز والموانع التي تصدهن عنه، وآخر هذه المحاولات ما وقع في إحدى المحاكم التركية، حين منع رئيس محكمة عقوبات أنقرة دخول إحدى المتهمات المحجبات للمحكمة للتحقيق معها وأخذ أقوالها، واشتراطه أن تخلع الحجاب قبل دخولها قاعة المحكمة!
قبلها بأيام ثارت أزمة سياسية في البلد نفسه بسبب الحجاب أيضاً، نجمت عن مقاطعة ثلثي نواب البرلمان التركي عن حزب العدالة والتنمية الاحتفال بعيد تأسيس الجمهورية الذي كان مقررا في التاسع والعشرين من أكتوبر 2003 ثأراً لكرامة زوجاتهم اللاتي لم تتم دعوتهن لهذا الحفل القومي بسبب ارتدائهن الحجاب، بعد أن اكتشف النواب أن الدعوات التي وجهها لهم رئيس الجمهورية "أحمد نجدت سيزار" لا تتضمن زوجاتهم المحجبات، في حين تم توجيه الدعوات لنواب حزب الشعب الجمهوري المعارض مع زوجاتهم.
وتتسع أزمة الحجاب في بلد بني عثمان لتأخذ شكل الطرفة حين تذكر صحيفة حريت ـ أوسع الصحف التركية انتشارا ـ أن الجدل والنقاشات المحتدمة حول ارتداء الحجاب قد اتسعت للدرجة التي دفعت بالبعض إلى التأكيد على أنه طالما لا يحق للمحجبات دخول قاعات المحاكم بوصفها مؤسسات رسمية للدولة فإنه لا يحق لهن دخول السجون؛ لأنها مؤسسات رسمية أيضا!
يبدو أن من يعادون الحجاب، هنا وهناك، ينفخون في قرب كلها مخرومة!
منقوووول
رد مع اقتباس
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع
