أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: مشهد قصصي: عزّة الإسلام

  1. #1
    شاعر ومفكر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    الدولة : ألمانيا
    العمر : 77
    المشاركات : 254
    المواضيع : 79
    الردود : 254
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي مشهد قصصي: عزّة الإسلام


    في رمضان عام 1400هـ (آب/أغسطس 1979م) دعا الرئيس المصري السابق أنور السادات، جمعا من العلماء والدعاة ليعلن عليهم تشكيل "مجلس أعلى" يضمّهم ولا يملك أكثر من تقديم المشورة، وكان قد بدأ منذ مسيرته إلى "كامب ديفيد" بالعمل على ملاحقة التيار الإسلامي وحصاره والبطش به.. وشهد الاجتماع مواقف مخزية، لم تكن تقتصر على مصر آنذاك، وقد جمعت ما بين تجبّر الحاكم وصمت العالم، حيث لا ينبغي أن يكون الصمت، على الأقل ممّن هم في موضع القدوة.. فكانت الكلمات التالية، التي نشرت في حينه لتصوّر مشهدا، نرجو أن يصبح جزءا من الواقع الذي نعايشه.. ومضت السنون، ولعلّ هذه الأمنية قد تحوّلت الآن إلى أمل، لا سيّما بعد أن أصبح إقبال جيل المستقبل على الإسلام أضعاف ما كان عليه قبل ربع قرن، في مصر، وفي كل مكان.
    ____________________________

    رأيت في شبه ما يراه النائم، وكثيرا ما يرى النائم ما يفتقده اليقظان في الواقع القائم.. رأيت عالما جليلا مهيبا، ممّن يتمثّل فيهم قول الله تعالى ((إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماء)) ويتحقّق في قلوبهم قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (من أراد بعلمه وجه الله هابه كلّ شيء).. رأيته يظهر في آخر أيام رمضان، من عالَم الماضي الجليل، ويعود إلى أرض مصر التي قضى فيها ردحا عمره، وعرفتْ منه مواقف الإباء والجهاد.. وإذا به يتخطّى أمام ناظري جماعاتٍ من رجال الشرطة والمخابرات، وهم ينظرون إليه نظرة المغشيّ عليه من الموت، لا يملكون له ردّا ولا صدّا، وكيف يملكون ذلك وهو من عمالقة التاريخ الجليل في مصر وفي سورية وفي فلسطين، وليس من أقزام الحاضر الذليل المهين، ممّن دُرّب هؤلاء على صدّهم وردّهم، وعلى سوقهم وجمعهم.. كما دُرّبوا على العمل في قمع الأحرار الأباة ممّن يرتفعون بقاماتهم إلى العلياء رغم ثقل الاستبداد والفساد..
    ودخل العالم الجليل المهيب على جمع من العلماء، أحاط بعضهم بحاكمٍ بأمره، وجلس بعضهم الآخر قبالته، يستمعون إليه أو يحاورونه.. وكان لبعضهم لحىً أطول من لحية العالم المسنّ، وأجسامٌ أشدّ قوّة من جسمه العملاق، ولكنّ في وجهه نورا يبهر الابصار، فحملقت العيون تنظر إليه بذهول، ووجمت بعض الوجوه لمرآه، واستبشرت وجوه أخرى على استحياءٍ تواريه، واكفهرّ وجه الحاكم بأمره، فانطلقت نظرات الشرر من عينيه، وظهر الاضطراب على حركات يديه، وقطع حديثَه ليقول للعالم الجليل بصوت غاضب:
    - ما الذي جاء بك إلى هذا المكان، وأنا لم أصدر التعليمات بتوجيه الدعوة إليك؟..
    وران سكونٌ عظيم، وكأنّ على رؤوس الحاضرين الطير.. لا العمائم، واشرأبّت بعض الأعناق نحو العالم الجليل المهيب، ينتظر أصحابها الجواب، وغاصت رؤوس أخرى بين الأكتاف على وجل.. وقطع السكونَ صوت العالم قويا جهوريا:
    - جاء بي الحقّ الذي تخشاه على نفسك وحكمك، ويخشاه على نفوسهم وعلى متاع الدنيا بأيديهم من تركوه في الكتب مهجورا وتجمهروا حولك..
    قال الحاكم بأمره متمالكا نفسه ما استطاع إلى ذلك سبيلا:
    - فاجلس إذن واستمع كما استمع سواك، والزم طريقَ الحقّ الذي رسمتُه قبل حضورك..
    - إنّما ذاك ما تريد.. وأريد أمرا آخر في ذكره الصواب، فاستمع أنت وليستمع الحاضرون لما أقول، فإنّما اقول ما أمر الله بقوله في مثل هذا المقام..
    وتململ الحاضرون في مقاعدهم، واتجهت أنظار فريق منهم نحو الأبواب فكأنّما يريد بعضهم الفرار، أو يخشى أن تنفتح الابواب وتقتحم القاعةَ ثلّة من أتباع الحاكم بأمره فتقتاد ذلك الرجل الذي خرج على أمر الحاكم على رؤوس الأشهاد.. ولم يهتزّ العالم الجليل المهيب في وقفته، ولا ظهرت الرعدة على مفاصله كما تظهر –هذه الأيّام- على مفاصل كثيرين سواه في مواقف دون موقفه.. وكأنّما أخذت الحاكمَ بأمره العزّة بإثمه، وأراد متابعة ممارسة التحدّي الذي مارسه لتوّه قبل ظهور العالم الجليل المهيب، دون أن يجد اعتراضا كافيا على باطله، أو صوتا يصدح بالحقّ كاشفا ضآلة أمره وجهالة قوله.. فانبرى لسانه يردّد ما كان يقول قبل قليل ويعيد:
    - فإنّني أقول وأكرّر ما أقول، فاسمع: لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، فإن أردت الدين فالزم مسجدك والتزم بالخطّ الذي وضعته لسواك، وإن أردت السياسة فعليك بالأحزاب التي سمحتُ بها، والقنوات السياسية التي صنعتها..
    وقاطعه العالم الجليل يقول:
    - إنّك بهذا الذي تقول وبكثير ممّا تفعل قد اخترتَ لنفسك أن تكون في إحدى فئات ثلاث، فأنت كافر من الكافرين، أو ظالم من الظالمين، أو فاسق من الفاسقين.. ولستَ بمعجزٍ ربَّ العالمين.. وإنّ الهيكل الذي تصنعه بأجهزته وقنواته ومزاميره وطبوله، هو هيكل حكم الجاهلية الذي يأباه ربّ العزّة أن يكون في ديار المسلمين، وأمرُ الله فوق أمرك وأمر سواك، في مساجده وفي كلّ مكان من أرضه.. وإنّ في طاعتك الذلّ والضلال والخسران، وفي طاعته ومعصيتك النجاة والحقّ المبين والفوز العظيم..
    واستشاط الحاكم بأمره غضبا، ولكنّه تمالك نفسه مظهرا "ديمقراطيّته".. ورفع صوته يحاول أن يطغى به على الصوت المدويّ في المكان، وقد انكفأت له الوجوه وطأطأت الجباه وانعقدت الألسن عن الكلام..
    - فإنّك أيها العالم المغرور بعلمه، تتحدّث بلسانٍ واراه التراب، وتريد أن تعود بدولتي وشعبي إلى الوراء أكثر من ألف عام، وأريد أن أخرج بمصر من عهود الحكم الأجنبي، وأبني بناءها العظيم على أساس حضارتها الزاهرة قبل سبعة آلاف عام..
    وعاد الصوت المهيب يجلجل فوق رؤوس الواجمين:
    - تريد أن تعيد عجلة التاريخ سبعة آلاف سنة، وأريد أن تتابع مصر طريقها الأصيل على عجلة الإسلام الذي أعزّها فاعتزّت به.. بأرضها التي لا تملكها أنت ولا يملكها سواك فالملك لله وحده يورث الأرض لعباده الصالحلين، وبشعبها الأبيّ المناضل على الدوام، وهيهات أن يطول به عهد من عهود البغي والاستبداد.. تريد جاهليةَ ((أنا ربّكم الأعلى)) وأريد إسلامَ ((ألا لله العزّة ولرسوله وللمؤمنين)).. وإنّما أنت مدّعٍ ادّعاءً باطلا حتى في هذا الذي تقول به، فعجلتك المشحّمة بزيت فرعون ومَلَئه مصنوعةٌ من خشب الصلبان الأمريكية.. وبتصميم أعداء مصر من اليهود المغضوب عليهم وهندستهم.. ومسيرتُك التي تريد سوق مصر وأهلها وراءك فيها، إن شادت قبورا جديدة مع قبور الأهرامات، فإنّها تحفر حول مساجد الإيمان وفي جامعات العلم قبورا للشهداء الصالحين لتدوس عليها بأقدام المجرمين..
    وكاد الحاكم بأمره أن يفقد صوابه وهو يصيح:
    - إنّني أنا الذي أصنع مصر كما أريد فالزم حدود أدبك، وأبنيها كما أريد فعُدْ إلى جدران مسجدك، وأدخل بها الحروب متى أريد على من أريد فحوّل وجهة حماسك وارجع عن مقصدك، وأقيم فيها صرح السلام كيف أريد فاحذر على روحك من التمادي في اعتراضك.. أنا صوت مصر ولا أسمح لأحد أن يعكّر صفو المجالس التي أعقدها، أو يعرقل المسيرة التي أقودها إلى حيث أريد.. ولن تجد في مصر اليوم أحدا يتبعك في شذوذك عن هذا الطريق، إلاّ –إذا شئت- أولادا صغارا جاهلين لا يغيّرون ولا يبدّلون شيئا ممّا أريد..
    ورفع العالم المهيب رأسه عاليا فبدا بقامته العملاقة مخيّما على المجلس ومن فيه، ينظر إلى الحاكم بأمره من علٍ ويجيبه بصوت بدا كقرع الطبول في أسماع الحاضرين وهو يقول:
    - ذاك يا فرعونُ الصغير ظنّ الطغيان الذي أردى سواك من قبلك وسيرديك، تحسب نفسك قادرا على كلّ شيء إذ كبُرَ في نفسك الطاغوت ولا يكبر الطاغوت إلاّ في النفوس الصغيرة، واللهُ أكبر من كلّ طاغوت، والله قادرٌ على أن يُخرج مصر من محنتها، وأن يزلزل تحت أقدامك صرحك الذي تبنيه كما زلزل صروح النمرود وفرعون وعادٍ وقومِ ثمود.. وستنتصر مصر بإذن الله على كلّ ما تريده لها من مصير أسود، ستنتصر على أيدي من يجاهدون في سبيل الله ويخلصون لدينهم وأمّتهم، وإن كانوا هم الفئة القليلة وكنتَ وأعوانك وأسيادك من الفئة الكثيرة.. وإنّ هؤلاء الشباب المناضلين الذين تسمّيهم الأولاد الصغار الجاهلين هم أبناء مصر الشرعيون، من لبن عزّتها بالإسلام يشربون، وبقوّة صمودها على طريق الإيمان والحقّ يتحرّكون، وعلى طريق انتصار شعبها المستضعف من الظلم والظالمين برعاية الله يسيرون.. إنّهم الجيل الذي يجد بإخلاصه وجهاده عون الله نصرته، وإن افتقد في مجالسك العونَ والنصير.. عد إلى صوابك ورشدك أيّها الحاكم بأمره إن أردتَ النجاة، وإلاّ فاعلم أنّ مصر ككلّ أرض أعزّها الله بالإسلام ولا تجد العزّة بسواه، قد عرفت من قبلك من كانوا أكبر منك شأنا، وأشدّ منك تجبّرا، وأفحش في الناس ظلما وعلى الحق عدوانا.. وذهبوا.. وبقيت مصر رافعة الرأس بالإسلام، ناصعة الجبين بالجهاد، ولا تغرنّك جموعٌ تحشدها على الباطل، فالباطل بكل أشكاله ينهار في غمضة عين، وسيندم كلّ من ينخدع به وقد يفوت عليه الأوان، والحقُّ يأتيك من حيث لا تحتسب ولا ترتقب، فيأخذك أخذة واحدة، ثمّ تجد نفسك بين يدي العزيز الجبّار وكأنّك لم تلبث إلاّ عشية أو ضحاها، فتحاسَب الحساب العسير، وتنال –إن قضيت نحبك المحتوم دون توبة نصوح- أسوأ مصير..
    وأشار الحاكم بيده فانفتحت الأبواب، وظهرت الأسلحة موجّهة إلى القاعة لا تكاد تُرى من ورائها الأجساد، وتلفّت كثيرٌ من الحاضرين وقد أصابهم الذعر، وحاول بعضهم التواري وراء قامة العالم الجليل المهيب المنتصبة وسط المكان كالطود الشامخ، لا تطرف له عين، ولا يحجب نورَ وجهه الضباب وقد عمّ أرجاء المكان..
    وجال الحاكم بأمره ببصره بين الوجوه، ثم قال حانقا:
    - أليس فيكم يا شيوخ من يردّ هذا المارق إلى الصواب؟.. أليس فيكم بما حُمّلتُم من العلم من يردّ على كلامه؟.. أليس لكم أيها الملأ من المكانة والوجاهة وقد أغدقتُ عليكم ما أغدقت ما يُمكّنكم من إسكاته وإفحامه؟..
    ونكّس بعضهم الرؤوس، واتّجهت أبصار بعضهم الآخر إلى كبيرهم، فتململ أمام نظرات الذعر والاستنجاد، ووقف في مكانه وسط بضع خشباتٍ مسندات، ففكّر وقدّر، ثم نظر، ثمّ عبس وبسر، ثمّ أدبر واستكبر، فقال بعد طول انتظار:
    - إنّنا نقرّ بسعة علمك وطلاقة لسانك أيها العالم الجريء، وإنّ حاكمنا الذي بايعناه على الطاعة من دون سواه قد تفضّل فأمر بتشكيل مجلس أعلى نتشاور فيه بما نريد، وكيف نريد، ثمّ نرفع إليه ما نقرّر لينظر فيه برأيه، فكن أنت رئيسنا في مجلسنا الأعلى إن شئت، ولا حاجة لك بشيء لتنالَ ذلك كلّه إلاّ أن تقبل ببعض ما قبلنا به جميعا وأعلناه جميعا، من ولاء للحاكم وعهده الميمون، ثمّ إنّ لك بعد ذلك مطلق الحرية في أن تقول ما تريد، فنحن عائلة واحدة تتشاور في أمرها، حتى تسير الأمّة في طريقها المرسوم، فاحفظ للأمّة وحدة الكلمة، ولا تشقّ عصا الطاعة ولا تفارق الجماعة، وكن معنا يكن لك ما لنا وعليك ما علينا..
    وابتسم العالم الجليل المهيب ابتسامة الإشفاق والرثاء، ونطق فكان في صوته الغضب لحقّ الله فقال:
    - "ياقوم.. أنتم في وادٍ وأنا في واد.. الحمد لله الذي عافاني ممّا ابتلاكم به".. ليس لي بما لكم حاجة ولا رغبة، ولا أستطيع حمل ما تحملونه على كاهلكم من أوزاركم وأوزار من يتبعكم..
    يا قوم.. إلى اين أنتم ماضون؟.. وبأية وجوه تقابلون العزيز المقتدر يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟..
    يا قوم.. ما تفعلون بقول ربّكم جلّ وعلا: ((من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذموما مدحورا))؟..
    ما تفعلون بقول ربّكم جلّ وعلا: (( أتخشونهم فاللهُ أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين))؟..
    يا قوم.. ما تفعلون بأحاديث نبيّكم عليه الصلاة والسلام.. وهو القائل: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)
    (ما آتى الله عالما علما إلاّ أخذ عليه من الميثاق ما أخذ على النبيّين أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه)
    (لا ينبغي لامرئ شهد مقاما فيه حقّ إلاّ تكلّم به، فإنّه لن يقدّم أجله ولن يحرمه رزقا هو له)
    (من أعان ظالما بباطل ليدحض به حقّا فقد برئ من ذمّ’ الله وذمّة رسوله)
    (إنّي لا أتخوّف على أمتي مؤمنا ولا مشركا، فأمّا المؤمن فيحجزه إيمانه، وأما الكافر فيقمه كفره، ولكن أتخوّف عليها منافقا عالم اللسان، يقول ما تعرفون، ويعمل ما تنكرون)
    يا قوم.. ما تفعلون ببيعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم فوق كلّ بيعة ويد الله فوق أيدي من يبايع: (..وعلى أن نقول كلمة الحق أينما كنّا لا نخاف في الله لومة لائم)؟..
    يا قوم ما تفعلون بقول الإمام أحمد بن حنبل لقوم جاؤوه بمثل ما جاء به بعضكم: (إن أجاب العالم تقية وجهل الجاهل فمتي يتبيّن الحق؟) وكيف تصنعون بحديث خبّاب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن (كان قبلكم يُنشر أحدهم بالمنشار ثمّ لا يصدّه ذلك عن دينه؟)
    يا قوم.. ما تفعلون بقول سفيان الثوري عن حكامٍ هم في ظلمهم دون ظلم من تخشونهم: (ما أخاف من إهانتهم لي وإنّما أخاف من إكرامهم فيميل قلبي إليهم)؟..
    يا قوم.. اتقوا الله فيما أنتم فيه.. أين علمكم الذي تعلمون؟.. أجعلتموه في بطون الكتب وملأتم البطون بالشهوات، وهجرتم العمل به سرّا وجهرا طلبا لدنيا أنتم مهاجرون منها (إن شئتم أم أبيتم- إلى يوم لا تنفع فيه الظالمين معذرتهم، ولا يُنجي فيه الضعفاءَ ضعفهم: ((وبرزوا لله جميعا فقال الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنّا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنّا من عذاب الله من شيء قالوا لو هدانا الله لهديناكم سواءٌ علينا أجَزِعْنا أم صبرنا ما لنا من محيص))
    وجلس كبير الحاضرين في مكانه لا ينبس بكلمة، وقاطع الحاكم بأمره العالم الجليل المهيب ووقف يقول مرغيا مزبدا:
    - أنت مدسوسٌ علينا في مجلسنا، ولا مكان لمثلك في مثل هذه المجالس.. فارجع لمن أرسلك من الحكام الذين يهاجمون ما أصنع ويصنعون مثله وزيادة، وإلاّ وضعتك في سجن معدٍّ لأمثالك فلا يُسمع لك صوت ولا ينفعك اعتراض..
    ونظر العالم الجليل المهيب إليه، ورفع جبهته إلى العلياء قائلا:
    - أمّا الحكام الذين تتكلّم عنهم، ومجالسُهم وندوانتهم وبطانتهم كمجالسك وندواتك وبطانتك، وأعمالُهم وأوزارهم كأعمالك وأوزارك، فإنّ مصيرهم كمصيرك، وكلمةُ الحقّ التي تقال فيك هِيَ هِيَ كلمة الحق التي تقال فيهم، وما كان لأمثال هؤلاء أن يرسلوا بمثلي.. وإنّما جعلك الله وإياهم في السبل المتشعّبة الخارجة عن الصراط المستقيم، فمن سار فيها وإياكم كان مع الشيطان وافتقد تأييد الرحمن.. وأمّا السجن الذي تهدّدني به فقد عرفته من قبل ولا أخشاه، وإنّما يخشاه من يخشاك، وعرفه الكثيرون مثلي ورأوا فيه ما رأه ابن تيمية في سجن القلعة بدمشق في مثل هذه الايّام الحالكات المظلمات ((فضُرب بينهم بسورٍ له بابٌ باطنُه فيه الرحمةُ وظاهرُه من قِبَلِه العذاب))
    وخرج الحاكم بأمره عن طوره، فصاح ببعض سدنته:
    - خذوه فغلّوه..
    فقال العالم الجليل المهيب:
    - ذاك حكم الله أنطق به لسانك، وستسمعه يوم القيامة وأمثالك من كلّ متجبّر يصرّ على الفجور والحكم بغير ما أنزل الله، فقد بلغني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: (إنّ أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه، فأدخل عليه الجَورَ في عدله)
    واختلطت أمام ناظري المشاهد باقتحام المدجّجين بالسلاح القاعة على من فيها.. وتنبّهت على قول أحد الأصحاب من حولي:
    - مَن هذا الذي تكاد تهذي بالحديث عنه وأنت بين النائم واليقظان؟..
    وتفكّرت في نفسي لحظات، وعدّتُ إلى عالم المحسوسات، ثمّ قلت:
    - ذاك ما لا نرى مثلَه هذه الايام إلا نادرا.. ذاك الذي قال لأصحابه ذات يوم: (استحضرت في قلب خشية الله فصار السلطان في عيني كالقطّ).. ذاك الذي كان يتكلّم بعزّة الإسلام، العالم المجاهد العزّ بن عبد السلام.

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,694
    المواضيع : 78
    الردود : 2694
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي



    مصر كانت وستظل على مدى القرون ارض الاسلام ومنبعه
    ارض الائمة بأبنائها وشعبها وشيوخها
    ارض الازهر الشريف قلعة الاسلام على مر الزمان

    وابدا لم يصنع مصر الا رجالها
    فكم مر عليها من طامعون ومستعمرون
    وكم حاول الكثير من الأخذ منها
    ولكنها دائما تنتصر بفضل الله واولادها
    أنظر على مر العصور فى تاريخها
    ستجدها منذ قديم الأزل ارض الانبياء والحضارات
    ارض الكرامات
    وهذا العالم الجليل وأن كنت رأيته فى منامك الا انه هناك العديد يتمثلون فى صورته على ارض الواقع ولكن لا يوجد الحاكم الذى يستمع له
    فالحكام مشغولون فى شغلهم الشاغل فى جمع الاموال واستغلال النفوذ والسلطات لزيادة ممتلكاتهم ومملكتهم مهما كان الثمن حتى لو كان الثمن اوطانهم وعلى حساب ابناء ارضهم

    فحسبنا الله من قوم جاهلون

    اخى العزيز نبيل

    هذا المنام ماهو الا تصوير حقيقى لما نراه ونتمناه حقيقى تصوير رائع وحوار
    يعلّم كيف يكون اسلوب الحوار

    شكرا لك نبيل على هذا التميز والذى هو ليس بغريب عنك استاذى
    لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين


  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    أخي الحبيب نبيل:

    أشعر بخجل لتأخري عن معانقة هذا الإبداع الذي ما عودتنا سواه.


    عبرة رائعة وسرد متفرد ولغة تعبق برائحتك.


    أشكر لك أنك كالنجم الباسق بيننا


    تحياتي ومحبتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    شاعر ومفكر
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    الدولة : ألمانيا
    العمر : 77
    المشاركات : 254
    المواضيع : 79
    الردود : 254
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    أختي الفاضلة ياسمين..
    كلماتك.. هنا.. وحيثما وجدتها، تزيد من اعتزازي أن أكون في هذه الواحة الحافلة بالأقلام المبدعة، والمشاعر الفياضة، والأفكار المضيئة.. وكنت أودّ لو أجد ما يكفي من الوقت لأكتب وارء كل موضوعا بعض ما يثيره في النفس لكان علي أن أجلس أمام هذه الشاشة الصغيرة ليلا ونهارا، وذاك ما لا تحتمله العينان.. فضلا عن أن يحتمله الوقت.
    وأعترف لك أننّ أقف عند مصر وكل ما في مصر أكثر من سواها.. فمصر هو المفصل الرئيسي في مجرى تاريخ هذه الحقبة التي تمرّ بنا، ويشيب لهولها الولدان.. وما تقولين عن مصر، هو ما اقول، فالأمل كبير.. والتغيير قادم.. وبذوره لم تعد بذورا.. وصنّاعه لم يعودوا أطفالا.. لقد حدث التغيير على المستوى الشعبي إلى حدّ كبير، فبات شباب مصر وفتياتها مصدر الأمل الكبير، وصحيح أن مراكز صنع القرار لا تزال تحت سيطرة المتسلطين عليها، ولكن هم -كما هو الحال في بلداننا الأخرى- بقايا عهود انتهت.. فحتى أولادهم يثورون عليهم، بسلوكهم وأخلاقهم.. ومن يتابع أخبارهم بشيء من التفصيل، يدرك أنّ مصر اليوم غير ما كانت عليه قبل جيل واحد.. وأنها بعد جيل واحد ستكون بإذن الله.. غير ما هي عليه اليوم


    أختي العنود..
    جزاك الله خيرا على مرورك.. وقلت إن لك عودة.. وأرجو أن تحملي فيها قدرا كبيرا من النقد.. ليوازن التعبير عن (الإعجاب).. ولتسدي إلي بذلك معروفا كبيرا

    أخي سمير..
    هل تنتظر جوابا؟..
    لو كنت قادرا على أن أعقب على ما أقرأ لك لخجلت من نفسي.. من اضطراري إلى إبداء الإعجاب مرة بعد أخرى.. ولا أكتمك أنّني أشعر بأنني في هذا المنتدى أتعلّم ما لا أجده في سواه.. وأقرّ لك بأننّي أقرأ أضعافَ أضعافِ ما قد توحي به قلة المشاركة والتعقيبات فيه.. شعرا ونثرا وفكرا

    ملاحظة: لا أدري كيف كان الإخراج بخط كبير لهذه المشاركة.. فما قصدت ذلك عامدا..

  6. #6
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,694
    المواضيع : 78
    الردود : 2694
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي



    نعم نبيل لم تعد البذور بذورا بل اصبحت قريبة قطف الثمار
    وانا من هنا وبالرغم من ماينشره الغرب من مساوىء ودس افكار
    لأمركة عروبتنا وافكارنا ومعتقداتنا وحتى محاولة السيطرة على نظم الدراسة والتعليم عندنا إلا انه كما يوجد الجانب المظلم فإن الجنب المضىء ايضا بدأ بريق نوره فى الوضوح
    فأصبح الان للشباب رأيه ووجوده وبالرغم من الضغوط عليه من كافة الجوانب التى يعانى منها سواء العلمية او العملية او الاجتماعية
    أو حتى السياسية والأمنية ألا انهم اصبحوا مؤمنين بقوة الرأى والعقيدة
    والعزيمة على نصر الاسلام والمسلمين فى كل مكان ومحاربة الفساد
    والوقوق ضد التيار
    لكن ان الطريق مازال طويلا مطلوب فيه ايقاظ الهمم بين شباب العرب جميعا وليس مصر وحدها كما مطلوب ايضا التوحد والانصار لجميع الدول العربية فى بوتقة الامة الاسلامية
    وكما كانت مصر منذ قديم الازل تحمل لواء العروبة
    ستظل دائما وسيظل اولادها الذين هم خير الجنود على الارض حاملين اللواء والامانة لتكون مصر هى البداية وهى الام والاخت والحضن الذى يضم شمل كل العائلة العربية
    و كى تعود لنا وحدتنا الاسلامية والعربية والوطنية
    ونكون جبهة قوية ضد كل من تسول له نفسه الى مجرد فكرة الاعتداء

    فهل سيأتى هذا اليوم نبيل ؟؟؟ الله اعلم

    اخى الكريم
    اشكرك جدا على رأيك
    وماأنا الا جزء من كل
    فالواحة مضيئة بأمثالك الذين يحملون أمانة القلم والفكر على عاتقهم

    ولكن دعنى اقول لك بكل صراحة
    كم اتمنى ان نتحاور وأن تكون أكثر حوارا معنا أتدرى لماذا ؟
    لاننى اشعر انك عقل يمتلك فكر منطقى وصاحب مبادىء وتمتلك رصيد ثقافى عال جدا
    ولذل فأنا أطمع فى أن تحاول أن تثرى افكارى وافكار من يقرأك بالكثير والكثير من قلمك وكرمك .. اتمنى ذلك نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


    لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين


  7. #7
    عضو مخالف
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : قلب الواحة
    المشاركات : 1,290
    المواضيع : 109
    الردود : 1290
    المعدل اليومي : 0.17

    افتراضي

    السيد الفاضل استاذنا نبيل شبيب
    لا استطيع هنا الا ان اكون متابعة دائمه لكل ما تكتب
    قرأتك في موقعك سابقا والان هنا اقرأك دائما
    هنا انا اتعلم منك الكثير استاذي

    سلمت وبارك الله بك لكل ما تكتب من مواضيع ومقالات قيمه ومفيده
    تثريني فعليا في جوانب عديده

    سلمت للفكر والادب والراي الحر النزيه

    نسرينهنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. لا عزة ولا نصر لنا في غير الإسلام الجامع.
    بواسطة ملاد الجزائري في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 28-02-2016, 10:17 AM
  2. المرأة بين عزة الإسلام ومذلة الاستلاب المغرض
    بواسطة ملاد الجزائري في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 16-11-2014, 08:01 AM
  3. ( آسف يا عزة .. أنا غلطان ) إعتذار لـ (عزة .. ادفو )
    بواسطة محمد محمود محمد شعبان في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 23-08-2012, 04:44 PM
  4. ألوان من قصصي
    بواسطة محمد سامي البوهي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 12-08-2007, 04:57 PM