رحلة قصيرة (6)
_________
بعد أن طالني اليأس من تكرار المحاولة للمرة المائة ، وبعد أن هددني صراحة مدير الأمن بأنني لو عدت إلى باب مكتبه أو وقفت أمامه أو حتى في الصالة بأكملها لسوف يأمر بسجني ، بل إنه سلم جوازي لمسئول الأمن وأمره بمنعي من الاقتراب من مكتبه مع الأمر بعدم تسليم الجواز إلا في الطائرة المغادرة ، بل حتى الموظف الهندي الذي بمكتب التنسيق ما عاد يفتح الشباك لي ولا يتجاوب معي مطلقاً ، بعد كل هذا قرر اليأس أن يرمي بي عند أول مقعدٍ يكون بعيداً عن صالة الدخول وفكرت في النجاة من ليلةٍ في سجن المطار .
فتشت أولاً عن مكان يكون مناسباً كي أتمدد قليلاً وأنام ولكن تبين لي أن كل الكراسي الموجودة هي مفردة ولا يمكن إلا الجلوس عليها فقط ، فجلست في محاولة للهدوء والنوم "قاعداً" ولكن الانفعال كان قد أيقظ بركاناً بداخلي تحركت به كل الأحاسيس مما جعلها من الصعب أن تهدأ قبل مرور الكثير من الوقت ، وذهاب الناس وخروجهم يزيد الغيظ في نفسي ويقهرني أكثر وأكثر .
وجدت مكانا يعمل الطعام فأكلت فيه وعدت لمكاني ولا مجال للنوم ...
مرت ساعات ثقيلة كأثقل ما يكون وكرهت بها نفسي ورحلتي والإمارات جميعها وكرهت على الأخص أبو ظبي وأقسمت بالله لئن دخلت دبي لأحضرن إلى أبو ظبي براً لكي أتبول في شوارعها وإن استطعت في ساحات المطار فعل هذا لفعلت .
ومرت الساعات وأنا في تفكيري الانتقامي وفي غضبي الذي أذهب النوم عني ، فأنا الوحيد في هذا المطار الكبير الذي يشعر بالقهر ، بل بقهر يكفي كل الموجودين من القادمين والمغادرين .
ثم لاحت لي فكرة وقررت تنفيذها ، لماذا لا أعمل زوبعة في المطار عبر ضرب جرس إنذار الحريق في المطار ؟.
ثم قررت الذهاب للحمام وإشعال نارٍ فيه حتى تقوم هذه الزوبعة ويبدأ الناس في الهلع والخوف ، لربما يسمحون لي بالخروج خوفاً على سلامتي :) ذهبت للحمام والشيطان يشد على يدي وأكاد أشعر به ، وحالما بلغت الحمام تحركت معدتي التي منذ صباح الخميس لم تتحرك وترتاح ، فدخلت وقضيت حاجتي ثم خرجت وكعادتي توضأت وبعدها كان الشيطان قد ولى ، والإرهاق قد خف كثيراً فاستغفرت ربي وصليت ركعتي الليل ودعوت الله بالفرج والخلاص ، ثم عدت للكرسي نفسه الذي ربما لن أنساه ما دمت حياً ، وجلست عليه كالشجر في يوم ريح عاصف أترنح يمنة ويسرة والنوم يغالبني ويغلبني ولكن دون جدوى .
دخلنا في وقت الفجر ، صليت وبعد السابعة صباحاً رجعت لمكتب التنسيق وكان الموظفين قد تبدلوا ولكن أوامرهم ثابتة ، فحاولت من جديد دون جدوى ، ثم جلست في مقعد قريب من مكتب التنسيق حتى جاءت الساعة العاشرة فجاءني رجل من مكتب التنسيق باكستاني الجنسية وناداني باسمي وقال لي حجزنا لك عند الساعة الحادية عشر مقعداً في الطائرة العائدة إلى البحرين ، وطلب مني نقوداً ليشتري لي تذكرة ذهاب ، فأعطيته النقود وطلبت منه شراء تذكرة ذهاب للبحرين وعودة إلى دبي، فكان متعاطفاً واشترى لي التذكرة كما طلبت ، ثم بعد صعود جميع الركاب جاءني مسئول من الأمن برتبة عالية ومعه جوازي ، وعادة يأتي جندي ولكن هذا المسئول قرأ اسمي فعرفني وقرر أن يأتي بنفسه وفعلاً لما أتى وقرأت اسمه الموجود على بدلته عرفته يمنياً من يافع وأبناء عمومته معروفين عندي .
سألني ما سبب مشكلتك : فقلت له بسرعة مشكلتي أني يمني ، فضحك وقال النظام في أبو ظبي ليس كالنظام في دبي وكان يجب أن تعرف ذلك ، ثم عرفني عن نفسه وسألني عن احد أبناء عمي وتحاورنا في طريقنا للطائرة ، وقدم الكثير من الاعتذارات خاصة أنه لا يقدر أن يغير شيء في القانون ، وبذلك أصبح حتمياً عليَ أن أعود للبحرين التي لا اعرف كيف سيكون استقبالها لي وهل سيسمح لي بالدخول لمدة سبعة ساعات أخرى أم سيطالبون بترحيلي للسعودية وأنا لا أريد العودة للسعودية ذلك أن أعمالي لم تنتهي في دبي .
وصلنا لباب الطائرة وكنتُ محرجاً من أن أظهر كالمجرم أمام الآخرين فالجواز بيد الضابط وأنا آخر من سيدخل الطائرة فما كان منه إلا أن سلمني جوازي وودعني عند البوابة كصديق وكانت لفتة جميلة منه لا أنساها أزالت عني الحرج الشديد ومنحتني صورة جميلة أمام الآخرين ، وكأنني رجلاً مهما وليس مجرماً بتهمة القدوم إلى أبو ظبي .
__________________________
الجزء السابق
https://www.rabitat-alwaha.net/molta...ad.php?t=18804
:)