يحتضنني قفص الاتهام ، أشعر أني فيه أكثر حرية ، من قفص زواجي الذي دككت قضبانه ، فررت منه بعدما قتلت الحارس والجلاد ..
كان قاسياً ..! سقاني ألوان العذاب ، مزق جلد تحملني بسياط أنانيته ، استعبدني ..!
لم أشعر يوماً معه بإنسانيتي ، دفن داخلي آدميتي ، كان داءاً يضرب كل أعضائي ، استخدمت معه كل أنواع الدواء ، لم يفلح ، لم أجد بُدًّا من قتله ..
الآن ألوذ بصمتي ، لا لأنني مذنبة قاتلة ، بل لهدوء يسكنني ، مهما فعلوا معي لن يضاهي ما فعله معي ..
أرى أفواهاً تُفتح وتُغلق، كأني أشاهد فيلماً صامتاً ، مشاعر تمثيلية تتحرك أمامي ..
وكيل النيابة يُشير بأصابع مشتعلة ، المحامي يدفع عني أمواج ظلمهم ، القاضي ، مستشاروه يستمعون لهديره ، كأن على رؤوسهم الطير ..
تبكي روحي ، عندما أتذكر ما كان يفعله معي ، أعود ابتسم عندما أتذكر رؤيته ، وهو مضرجٌ بدمائه لا حول له ولا قوة ..
عيون الحاضرين بالقاعة تتفرس ملامحي ؛ ملمحاً .. ملمحاً ..
منهم من يضربني بسوط غضبه ، منهم من يشفق عليَّ ، يربت على كتفي بنظرات عتاب ، لأنني ظلمت نفسي عندما قتلته بيدي ..
تضيع مني ملامح الصورة ، غرق وعيي في بحر يقظتي ..
تُرفع الجلسة ؛ للمداولة والنطق بالحكم ...
تتجمع حولي عائلتي باكين على ما وصلت إليه ، أنا المعلمة صاحبة العقل الهادئة ، لا أسمعهم ، لكنى أقرأ حروفاً نُسجت من دموع ، تكتب على أسطر الوجوه معاني الحزن ..
أمي تطلب مني ـ ترجوني ـ أن أتحدث ، أن أخبرهم عما رأيت منه ..
إن كنتُ قتلته مرة ، فهو قتلني ألف .. ألف مرة ..!
كلما صرخوا ، كلما ضاقت علي قضبان صمتي ..
يدق الحاجب للنطق بالحكم ....
من مجموعتي ....
الحزن .. مملكة النساء