.. تفتح صفحات كتابك .. يبدأ الأتوبيس ، التحرك من موقف " ألماظة " .. تفرح ، أن الكرسي ، المجاور لك ؛ خال ..
فرصة - لا تتكرر - كي تفرد ساقك ، الموجوع ...
تسرح مع سطورك .. يتوقف الأتوبيس في موقف " عبد المنعم رياض " .. تخشى أن يشغل أحد الكرسي .. يصعد ثلاثة مسافرين .. يقترب منك أحدهم .. يشير بيده :
" الكرسي رقم سبعة "
تهم من مكانك .. يجلس بجوار النافذة .. يطالعك وجهه الشاحب - الممصوص - شعره رمادي .. يضغط على أسنانه .. يلتفت ناحيتك :
" مازالت عملية الغضروف طازجة "
تبتسم له :
" ألف سلامة "
" بعد عودتي .. الأمراض تلاحقني .."
تنظر إلى عينيه الحمراوين :
" كنت بالخارج ..."
يبلع ريقه بصعوبة .. يمد يده تحت كرسيه.. يخرج زجاجة ماء من حقيبة - بلاستيكية - يرشف منها رشفتين :
" كنت في لندن أكثر من عشرين عامًا .."
" مدة طويلة "
" بعد أن بلغت الستين ؛ فضلت أن أعود إلى مصر "
" طبعًا الحياة مختلفة "
يبص من النافذة .. يطيل الالتفات :
" الغربة صعبة ؛ مهما كانت الحياة مختلفة وأفضل .."
" ألم تكن تتمنى السفر "
" لم يكن أمامي سواه "
" كيف ؟ ! "
" لفت نظري أنك تقرأ كتابك ؛ بتركيز..
هل تحب القراءة إلى هذه الدرجة "
" القراءة والكتابة ؛ هما بهجة الحياة .. "
" ماذا تكتب ؟ ! "
" القصة والمسرح "
" أنك تذكرني بشبابي.. "
" هل تكتب ...؟! "
" كنت أكتب "
" هل توقفت عن الكتابة "
" منذ ثلاث سنوات لا أكتب "
" لماذا "
" قبل سفري ؛ كنت أكتب المسرح والدراما التليفزيونية
.. نشرت بعض الأعمال المسرحية في كتاب .. أنتج
التليفزيون أكثر من مسلسل ؛ لكني صدمت بالقلوب
السوداء ؛ التي تحارب أي موهبة جديدة .. لم أستطع
أن أواجه حبائلهم .. آثرت الهجرة .."
" لماذا لم تصمد ؛ وتتدافع عن إبداعك ؟! "
يأخذ شهيقًا عميقًا ؛ يتنهد :
" حاولت .. لكني فشلت .. تصور بعد ترشيح مسلسل
تليفزيوني ؛ للمشاركة في مهرجان دولي ؛ يستبعد من
أجل مخرج أصبح شهيرًا الآن-يرحمه الله -.. صراعات
لا أقوى على مجابهتها.. أنا فنان فقط ؛ لا أجيد سوى
الإمساك بالقلم.. بعد أن رجعت ؛ قمت بكتابة حلقات
درامية .. استعنت بتقنيات تعلمتها في سنين الغربة الطويلة
؛ لكني فوجئت برد رئيسة قناة الدراما .."
" ماهو ؟ ! "
" لا يوجد لدينا مخرج يتمكن من إخراجها.. لم أعلق
.. خرجت أحمل أوراق الحلقات .. ألقيتها في درج المكتب
... أقسمت على عدم العودة إلى القلم ؛ مرة أخري.. "
الخرس يصيبك .. بعد ساعتين ؛ تخرج الحروف من فيك
بصعوبة :
" ماذا تفعل الآن "
" قلبي موجوع .. كتب لي الطبيب ؛ هذا العلاج "
يمد يده تحت كرسيه .. يخرج من حقيبته البلاستيكية
زجاجة غريبة الشكل .. يضيف :
" أشرب ربع الكوب والباقي ماء "
يضع كوبًا من البلاستيك على المنضدة الصغيرة ، المعلقة
في ظهر الكرسي – المواجه له –يصب من الزجاجة ؛ ثم
يضعها في الحقيبة .. يخرج زجاجة ماء يكمل الكوب إلى
آخره .. يمسك الكوب بأصابعه المرتعشة .. يرشف رشفتين ..
ينظر لك ..
" أنا آسف على الشراب "
تنظر له بحرف عينك :
" لا عليك "