المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. سمير العمري
أَعَادَ النَّظَرَ إَلَى سَاعَتِهِ بِبَعْضِ سَأَمٍ مِنْ تَعَمُّدِهَا سَيرَاً كَسُولاً ثَقِيلا عَلَى غَيرِ مَا عَوَدَتْهُ مِنْ نَشَاطِ أَرْنَبِهَا المُعْتادِ. لا يَزَال فِي الدَّوَامِ نِصْف سَاعَةٍ أُخْرَى. عَادَ مُحَاوِلاً الانشِغَالَ بِبَعضِ الأَورَاقِ أَمَامَهُ دُونَ فَائِدَةٍ فَتَفْكِيرُهُ اليَومَ مُنْشَغِلٌ بِأَمْرٍ آخَرٍ. مِنْ نَافِذَةِ مَكْتَبِهِ القَابِع فِي الدَّورِ التَّاسِعِ نَظَرَ إِلَى الأُفقِ سَاهِمَاً وَعَلَى شَفَتَيهِ ابْتِسَامَةٌ تَتَرَاقَصُ فِي هُدُوءٍ.
- هَلْ مِنْ أَمْرٍ أُسْتَاذ رَاشِد؟ قَدِ انتَهَى الدَّوَامُ مُنذُ رُبْعِ سَاعَةٍ.
انْتَفَضَ رَاشِد يَنْظُرُ إِلَى سَاعَتِهِ بَينَ السُّخْطِ وَالرِّضَا يَتَعَجَّبُ مِنْ إِصْرَارِهَا عَلَى مُعَانَدَتِهِ فِي كُلِّ حَالٍ ، ثُمَّ التَفَتَ إِلى الفَرَّاشِ بِبَسْمَةِ اعْتِذَارٍ وَانْطَلَقَ مُسْرِعَاً يَنْهبُ الدَرَجَاتِ إِلَى سَيَّارَتِهِ.
ابْتَاعَ طَاقَةَ وَرْدٍ أَبْيَضٍ مِنْ ذَاتِ المَحَلِّ الذِي اعْتَادَ أَنْ يَزُورَهُ فِي مِثْلِ هَذَا اليَومِ مُنذُ عِشْرينَ عَامَاً قَبْلَ أَنْ يَتَوَقَّفَ أَمَامَ مَخْبَزِ الحَاجِّ عَبْدِ المَولَى المَشْهُورِ بِجَودَةِ عَمَلهِ وَلَذَّةِ مُنْتَجَاتِهِ.
- تِلكَ الكَعْكَةُ بِالكِرِيمَة ِوَالكَرَزِ ، أَلَيسَ كَذَلِكَ؟
هَزَّ رَأْسَهُ مُوَافِقَاً بِابْتِسََامَةٍ دَافِئةٍ يَرُدُّ بِهَا عَلَى بَشَاشَةِ الحَاجِّ عَبدِ المَولي التِي تَشعُّ سَكِينةً وَوَقَاراً.
ثِقَتَهُ الكَبِيرَةُ لَمْ تَمْنَعْهُ مِنْ أَنْ يَخْتَبِرَ الكَعْكَةِ التِي نَقَدَهُ ثَمَنَهَا بِإِصْبَعٍ جَرَفَتْ القَلِيلَ مِنْ أَحَدِ أَطْرَافِهَا.
- لَذِيذَةٌ كَمَا العَادَة يَا حَاج ، لفَّهَا لِي إِنْ أَذِنْتَ.
سَحَبَ المِفْتَاحَ وَأَعَادَهُ إِلَى جَيبِهِ ثُمَّ طَرَقَ البَابَ بِرِفْقٍ وَقَدْ سَطَعَتْ عَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةٌ وَاسِعَةٌ يَحْملُ فِي يَدٍ طَاقَةَ الوَرْدِ الأَبْيَضِ زَيَّنَتهَا وَرْدَةٌ حَمْرَاءُ زَاهِيةٌ فِي مُنْتصَفِها ، وَفِي اليَدِ الأُخْرَى حَمَلَ تِلكَ الكَعْكَةَ اللذِّيذَةَ وَقَدْ لَبِسَتْ ثَوْبَهَا الأَبيَضِ وَتَزَيَّنَتْ بِقِطَعِ الكَرَزِ الحَمْرَاءَ. فَتَحَتْ البَابَ لِيَجِدَهَا أَمَامَهُ كَمَا يَرَاهَا مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً حَالِمَةً وَادِعَةً بَاسِمَةً تسْتَقْبلُهُ بِحَفَاوَةٍ وَشَوقٍ.
- لَمْ تَنْسَ إِذَاً.
- وَكَيفَ أَنْسَى ذِكْرَى أَجْمَل أَيَّامِ العُمُرِ؟ كُلُّ عَامٍ وَأَنْتِ الجَمَالُ وَالوَفَاءُ.
- كُلُّ عَامٍ وَأَنْتَ أَنْتَ ، القَلْبُ الذِي يَحْتَوِي ، وَالرُّوحُ التِي تَسْتَوِي.
أَمْسَكَ بِيَدِهَا لِيَدْلفَا إِلَى حَيْثُ يَحْتَفِلان فِي كُلِّ عَامٍ فَمَالتْ عَلَيهِ بِهَمْسٍ لا يَخْلُو مِنْ دَلالٍ:
- انْتَبِهْ ، شَقِيقَتِي نَهْروَان عِندَنا فِي الدَّاخِلِ.
وَأَرْدَفَتْ وَهِيَ تَتَحَاشَى نَظْرَةَ العَتَبِ فِي عَيْنَيهِ:
- تَعْلَمُ بِأَنَّهَا امْرَأةٌ وَحِيدَةٌ مُطَلَّقَةٌ مُنْذُ سَنَواتٍ ، وَحِينَ أَصَرَّتْ عَلَى زِيَارَتِي اليَومَ لَمْ أَجِدْ قُدْرَةً عَلَى الاعْتِذَارِ لَهَا فَاغْفِرْ لِي.
اسْتَجْمَعَ رَاشِدُ فُلُولَ بَسْمَتِهِ الهَارِبَةِ وهَمَسَ فِي حُنُوٍّ:
- لأَجْلِكِ يَهُونُ كُلُّ خَطْبٍ ، لا بَأْسَ أَنْ تُشَارِكَنَا هَذِهِ المَرَّة أَجْمَلَ لَحَظَاتِنَا الخَاصَّةِ.
شُمُوعٌ أُضِيئَتْ وَوَرْدٌ تَسَاقَى نَظَرَاتِ السُّرُورِ فِي عَيْنَي حَبِيبَينِ فَتَأَنَّقَّ فِي إِنَاءٍ بِلَّورِيٍّ تَوَسَّطَ المَائِدَةَ ، وَإِلَى جِوَارِهِ اسْتَلْقَتْ كَعْكَتُهَا المُفَضَّلَةُ لِيَنْحَرَ مِنْهَا رَاشِدُ أَجْمَلَ قِطْعَةٍ قُرْبَاناً لِلحُبِّ وَالوَفَاءِ وَالدِّفْءِ الذِي أَحَاطَ حَيَاتَهُمَا لِسَنَوَاتٍ طَوِيلَةٍ. انْتَبَهَتْ لأَثَرِ تِلكَ الإِصْبَع فِي الكَعْكَةِ فَسَأَلَتْ بِفُضُولٍ لِتَسْبقَ أخْتُهَا التِي لا تكِنَّ لِزَوجِهَا وُدَّاً إِلَى الإِجَابَةِ بِخُبْثٍ وَبَعضِ غيَرٍة:
- لَعَلِّ ذُبَابَة سَقَطَتْ فِيهَا فَأَزَاحَهَا بِإِصْبَعِهِ.
هَرَبَتْ الابتِسَامَةُ الوَضَّاءَةُ مِنْ وَجْهِهَا وَهِيَ تَلَتَفِتُ لِزَوجِهَا فِي تَسَاؤُلٍ حَزِينٍ ، فَهَزَّ رَأَسَهُ بِهُدُوءٍ نَافِيَاً:
- كَلا ، بَلْ هُوَ الحِرْصُ عَلَى أَنْ أَتَأَكَّدُ أَنَّهَا الأَطْيَبُ فَتَذَوَّقْتُهَا بِإِصْبَعِي. أَلا تَعْرِفِينَ زَوجَكِ بَعْدَ كُلِّ هَذَا العُمُرِ؟؟
وَقَبْلَ أَنْ تَهمَّ بِالرَّدِّ مُعْتَذِرةً أَسْرَعَتْ أُخْتُهُا تَقُولُ وَهِيَ تَغْتَصِبُ ضحْكَةً مُفتَعَلةٍ:
- مَا كَانَ فِي قَولِي إِلا المُزَاح ، فَلا أَحْسَبُ رَاشِد يَفْعَلُهَا وَهُوَ الكَرِيمُ الرَّقِيقُ.
وَبِابْتِسَامَةٍ دَافِئَةٍ حَانِيَةٍ قَدَّمَ لَهَا قِطْعَةَ الكَعْكِ التِي نَحَرَهَا مِنْ أَجْلِهَا بِنَفْسِهِ. اجْتَهَدَتْ تَبْحَثُ عَنْ بَقَايَا ابتِسَامَتِهَا الهَارِبَةِ فَخَرَجَتْ صَفْرَاءَ بِاهِتَةً ، وَهَمَسَتْ بِرِقَّةٍ:
- أَثِقُ بِكَ أَيُّهَا الحَبِيبُ. سَلِمَتْ يَدَاكَ.
لاكَتْ أَوَّلَ قضْمَةٍ مِنْ كَعْكَتِهَا المُفَضَّلَةِ فَوَجَدَتْ فِيهَا مَا تَعْرِفُ مِنْ كُنْهٍ وَلَمْ تَجِدْ فِيهَا مَا تَعْرِفُ مِنْ نَكْهَة.
المبدع/ د. سمير العمري
كتبت لك منذ دقائق في قصيدة "أنا لن أموت" رداً قلت لك فيه إنك تفاجئني كل حين بمفاجأة جديدة
وبملَكة جديدة
وبموهبة من مواهبك المتعددة
وها هو كلامي يتحقق بعد دقائق
فأقرأ لك قصة قصيرة !!!
حقاً...
(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)
صدق الله العظيم