كل إنسان في هذه الدنيا سوي الفطرة يحب الحق ويكره الباطل يعشق العدل وبغض الظلم وخاصةً إذا وقع هذا الظلم عليه أو على من يحب، ولكن نجد كثيراً من الظلمة والمتجبرين كأنه يقول: ولدت لكي أكون ظالماً، ولسان حاله يردد قول الشعر الجاهلي الذي يتفاخر بظلم قومه قائلاً:
بغاةً ظالمين وما ظُلمنا .......... ولكنا سنبدأ ظالمين.!
تلك الحكمة الجاهلية المنشأ، شيطانية الفكر، خبيثة الطبع، نجد من يجددها بفعله وإن لم يرددها بقوله.
فيحرص ذلك المتجبر على استمرار ظلمه وبطشه ليستمر على ما هو عليه من جاه أو مال أو سلطان، ونجد من يطبل لذلك الطاغية يزمر له، وبرر له ظلمه وقد ينزلها التنزيل الشرعي ولا حول ولا قوة إلا بالله لحاجة خبيثة في نفسه التي اعتادت على التبعية العمياء ولم تعرف يوماً الحياة الكريمة، فنراه لا يتجاوز ذلك النهي ولا يرعوي لذلك الوعيد في قوله تعالى (( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله أولياء ثم لا تنصرون)).
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً..!
فلست أعتب كثيراً على الطاغية المتسلط ولا التابع المنتفع كما أعتب على ذلك المقهور ظلماً والمسلوبة إرادته والضائعة هويته بين الأمم، المختزل فكره، ثمَّ يكون قيصرياً أكثر من قيصر.!
كيف نريد للظلم أن ينزاح وأنت أيها المظلوم من اختار ظالمه بنفسه، وأعطاه السلاح، وأيده على سلب حقه، ويرفض دوماً أن يعترف أنَّ له حقاً مسلوباً فضلاً عن أن يطالب به في محافل عامة أو خاصة.
من يهن يسهل الهوان عليه ........... ما لجرحٍ بميت إيلامُ.!
فيحق لنا أن نردد إذن: يعيش الباطل يعيش الظلم يعيش البطش يعيش القهر إن كان ذلك باختيار الضحية، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل نجده ينافح عن ظالمه وسالبه الحق ويتعذر له بمعاذير واهية.
وا ضيعة الحق..!!
ومن يغترب يحسب عدواً صديقه .......... ومن لا يكرم نفسه لا يكرَّمِ.!
متى أصبح المظلم يحب ظالمه ويدافع عنه أشد الدفاع، والله لعلنا إن قلبنا صفحات التاريخ لم نجد مقهوراً قد سخَّر نفسه للدفاع عن من قهره سوى في هذا الزمن العصيب، ولو نظرنا إلى الأمم الأخرى لم نجد هذا رائجاً إلا في أمتنا التي تأخرت فراسخ عن باقي الأمم بسبب انتشار الظلم وكثرة مؤيديه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وفي ختام هذه الخاطرة وقع بين يدي أبيات جميلة للشاعر عمر أبو ريشة يخاطب بها الشعوب العربية قائلاً لها:
يـا شـعب لا تشك الشقاء ......... ولا تـطل فـيه نـواحك
لـو لم تكن بيديك مجروحا .......... لـضـمـدنا جـراحـك
أنـت انتقيت رجال أمرك ......... وارتـقبت بـهم صلاحك
فـإذا بـهم يـرخون فوق .......... خـسيس دنـياهم وشاحك
كـم مـرة خفروا عهودك .......... واسـتقوا بـرضاك راحك
أيسيل صدرك من جراحتهم ......... وتـعـطـيهم سـلاحـك
لهفي عـلـيك أهـكذا ........... تـطوي عـلى ذل جناحك
لـو لـم تُبح لهواك علياءَ ........ الـحـياة لـما اسـتباحك.