|
بـِّدد همـوم العمـر بالأسفــار |
واكشف رمـوز السـرِّ في الأسفـار |
واسكن إلى الإيحاء واستسق الـرؤى |
وارو جفاف الرِّوح بالأشعار |
واسجع مع اللَّحن الطَّروب تواجـداً |
واسبح وأفواج النَّسيم السَّاري |
"أبـني بُكـاري"(1) قد أتيتك عاشقـاً |
يا مرتع الغزلان والأقمار |
تتجاذب القمم السُّفوح أعِنَّتي |
وأغيب منتشياً على الأغوار |
أهدي لأفياء الجمال قصائدي |
وأعيش في أحشائها مُتواري |
أشتقُّ من همس الشجـون هواجسـي |
وأشيح عن صمت السكون ستـاري |
وأسـوح في الأعمـاق أنثر مهجـتي |
فيميل نحو الشَّامخات مساري |
أعلـو أغـوص الهـاويات أذوب في |
عمق الهضاب ولا يقرُّ قراري |
حـتى أعــانق كـل وادٍ نظــرة |
وأعود محبوراً إلى أوكاري |
أغفو وأسلـم للمخـاض قصـائدي |
وأشيد للذِّكرى بها تذكاري |
في لحظة الإيحاء أقتبس الهوى |
وأغيـب عن وعيـي بغـير خيـاري |
وتشدُّ روحي روعة أزلية |
تبدي الجمال لناظري وتواري |
إن لاح عن بعدٍ لعيني طالع |
بدر يفوق البدر في الأسحار |
ويخرُّ إعجاباً على جنباتها |
طرفي أمام جلالة الجبَّار |
تلك الرَّواسي الشامخـات تسربلـت |
بكرائم الأشجار والأزهار |
حاكـت يد الإبـداع أزهـى حلـة |
فيها ووشَّت ثوبها بنظار |
ترخي رداءً سندسياً أتقنت |
تدبيجه كفُّ العزيز الباري |
تزهو به فوق السهول تجرُّه |
عُجباً تتيه عزيزة المقدار |
وعلى ذوائبها الوقار سحائباً |
فكأنَّما قد قنِّعت بخمار |
عذراء ما نال الزَّمان بكارة |
منها ولا ارتاعت من الأخطار |
فأجل لحـاظك في مناقـب حسنهـا |
وأجل صنوف الهمِّ والأكدار |
"ذخر"(1) منحت الحب أرضك طائعـاً |
يا موطن الأمجاد والأخيار |
يا قلعة الأحرار عزُّك عُدَّتي |
وذخيرتي عند الفخار فخاري |
حمَّلت أشرعة الزمان هواجسي |
حيث الشجـون تسير سار قطـاري |
وبذرت في رحـم الحـروف تولُّهـي |
وأرقت فيك مواجع الأشعار |
وأتيت أحمل في الحنايا لوعة |
حرَّى وقلباً مفعماً بالنار |
إذ جئت لا أرجو سوى حـب اللقـا |
أملاً على الإخفاء والإظهار |
أجري إليك تشوُّقاً وأود أن |
ألقاك بالإجلال والإكبار |
حتى وقفـت أمـام "شَنَّـة"(1) أستقي |
من وحيهـا مـا غـاب من آثـاري |
أستقرأ التاريخ في عرصاتها |
وشموخها وأتيه في الأطوار |
أتصدَّر الزمن البعيد تطلعاً |
لمعاقل الأمجاد في الأقطار |
أرد المعالم صادياً فتصدٌّني |
عنها ندور مصادر الأخبار |
أحصي القرون حوادثاً وأعدُّها |
حقباً خلت فأضيـع في الأصفـار |
وأعود منفرداً وروحي نحلة |
تجني بقايا الشهد في الأزهار |
عذراً أخا وجعـي فلسـت بشـاعرٍ |
حتى تدوِّي في الفضا أشعاري |
لكنني أجبرت أن أسعى إلى |
تلك المكانة عنوة وشعاري |
أني بها مازلت طفلاً حالماً |
ما طار يومـاً في السمـاء غبـاري |
عارٍ عن الأطماع لا أجري ورا |
عرضٍ ولا وطرٍ من الأوطار |
ما جئت إلاَّ أستحثُّ ركائباً |
متحلِّياً بالحب والإيثار |
أرقى إلى المجد المؤثَّل طامحاً |
متطلِّعاً أجري مع التيَّار |
أعلو وتنحدر السهول سفينتي |
عبر المروج الخضر والأشجار |
وأقرُّ بالتقصير حين أجوبها |
سراً .. أتابع سيرها مشواري |
عطشان أشـرب من رذاذ غمـائمي |
عذبا وأسقـي العاشقـين عُقـاري |
وإذا استبدَّ بي النَّديم يشدُّني |
من بات يملـك في الحيـاة قـراري |
فأبثُّ أشجاني الرياح تسوقها |
قبلي وأودع في الربى أسراري |
سأعود يا بلدي إليك معاوداً |
سيري بمحض إرادتي وخياري |
إن كنت جئتك دون سـابق موعـد |
منِّي مباغتة .. بلا إشعار |
فالحق أنِّي لم أكن متوقِّعاً |
هذا اللقاء ولم تكن أسفاري |
إلا زيـارة عـــابرٍ متجــوِّلٍ |
عَجلٍ كبرقٍ أو كطيفٍ ساري |
ورجعت من و همي وهمي مفرغـاً |
متمنطقاً درعاً من الأخطار |