صراعي ... وقصة تيار الوعي
ارتبط الفن بالعلوم الإنسانية كإرتباط الجراح بالقفاز ،بإعتبار أن الفنون هي أجزاء إنسانية انفلتت من أجساد الفنانين ، لا سيما علم الإجتماع، وعلم النفس ، فظهر علم اجتماع الأدب الذي يعتمد على فكرة التلقي ، وأن فنية الأدب لا تكتمل إلا بهذا التلقي ، ومعايشة النص شوارعنا ، وبيوتنا ، وعقولنا ، وموائدنا ، وأفراحنا ، احزاننا ، وكل خطوة نخطوها ، ومن هنا بزغ الأدب الشعبي الذي اتهم في أحيان كثيرة بالركاكة فظهرت قصص تحكي لنا عن التراث الشعبي مثل قصة ( على الزئبق ، وأدهم الشرقاوي ، أبو زيد الهلالي وغيرها ) وبذلك هبط فن الأدب من الحصن الباستيلي الذي حصره فيه أدباء العصر الماضي ، حيث كان الأديب يناطح السماء بنصوصه ، دون أن يعبأ بمن هم على أرضه ، لكن جاء الجاحظ ، وحطم باباً صغيرا من أبواب هذا الحصن ، فهبط بقلمه الي الارض ، وكتب كتبه كي تساير شرائح المجتمع ، فكان كتاب ( البخلاء ، الحيوان ) ، ولذلك أعتبر أن مؤسس علم اجتماع الأدب هو" الجاحظ " ، وبذلك كان غريباً لعصره، واتهم هو الآخر بالتدني والركاكه حينما نزل الي الشارع بكتباته ، هذه واحدة ، ...من ناحية أخرى ظهر ما يسمى بالاتجاه النفسي بالادب ، أو علم النفس الأدبي ، وهو الذي يتغلغل داخل النفس الانسانية أي انه صورة أعمق من الأدب الاجتماعي ، وعلم النفس الأدبي يعتمد على النظريات النفسية ، وإخراجها من ثوبها العلمي البحت إلى ثوب أدبي ، نراه في شعرنا ،وفي نثرنا ، وكل فنون الأدب ، ومن هنا ظهر مفهوم رواية تيار الوعي وقصيدة تيار الوعي و قصة تيار الوعي، وأعتبرأن مؤسس هذا العلم هو ( أبو العلاء المعري ) لذلك اتهم بالإغراق في شعره ، نعود إلى قصة تيار الوعي ، والتي هي محور حديثنا الآن
.
قصة تيار الوعي :-
هي من القصص التي تعتمد على علم النفس الأدبي بشكل كلى ، لذلك عندما تستوي الصور والاحداث مع النفس البشرية ، بدا هناك نوعاً من التشويش ، وهذا يعتبر ظاهرة من ظواهر نجاح العمل ، لانه يمس نقاط في لاوعي القارىء ، هذه النقاط قد تكون غير واضحة له ، يختزلها في عقله الباطن ، هو يشعرها ، ويحسها ، لكن لا يستطيع أن يضع يده عليها ، وأصعب هذه النصوص النصوص التي تعتمد على نظرية التحليل النفسي ، حيث أنها تسير في خط متواز مع القارىء ولا تلتقي معه ، ومن الممكن ان تلتقي معه في منطقة اللاوعي ، ولكن يصعب ذلك جدا الطيبة له ، ولذلك يشعر القارىء بهذه النصوص بضبابية مفهومة لا مفهومة .
تقنيات سردية:-
هذه النصوص لابد لها من تقنيات تصويرية ، ولغوية لا تعتمد أساسا على الفكرة حتى لو كانت بسيطة لان الهدف ليس الوصول للفكرة ، بل الهدف هو تحليل هذه الفكرة وتفتيتها في نفس القارىء ، كإجابة سؤال يبدأ بعلامة الإستفهام (لماذا ؟؟) ، لذلك لجأ كتاب هذا النوع من القصص إلى إعادة تصميم القصة ، وذلك اعتماداً على :
أ ) لغة السيناريو . ( الوصف )
ب) الجمل الفعلية القصيرة. ( الوقع القصير )
ت) الجملة وحدة بناء القصة . ( الإنفصال العقلي )
ث) الإسترجاعات الزمنية الداخلية المتعددة . ( الأنا - الأنا الاعلى )
ج) الشخصية الواحدة المحورية . ( تركيز البؤرة )
ح) النهاية المفتوحة . ( التعدد )
ولو نظرنا الي هذا التصميم سنجد انه يلبس الفكرة ثوباً جديداً حتى ولو كانت بسيطة ، بحيث يخفيها خلف هذا الثوب ، اعتماداً على النسج والتصميم السالف ذكره ، وكل هذا للإتساق مع الحالة النفسية ، وحالة الصراع الداخلي ، التي يعتمد عليها اعتماداً كبيرا لسير الحدث ، ومن هنا يتبين ان العقدة او الأزمة كائنة خلال مسار الحكي ، ولا تكمن في ركن معين.
.
محمد سامي البوهي
-قضايا النقد والابداع العربي ( دكتور سيد البحراوي )
- فن الأدب ( توفيق الحكيم ).
- عدة قراءات .