أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: (( دمعة على أنقاض قرية ))..... رواية

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2003
    المشاركات : 153
    المواضيع : 41
    الردود : 153
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي (( دمعة على أنقاض قرية ))..... رواية

    بسم الله الرحمن الرحيم


    (( دمعة على أنقاض القرية ))

    الفصل الأول

    بعد صراع عنيف دام لعدة دقائق بين جفونها وبين سلطان النوم غطت في نوم عميق , وبعد لحظات انساب موجٌ من ذلك الهواء البارد من فتحات غطائها , أزعجها حتى استيقظت ؛ قامت وجلست على السرير , دافعت النوم وقامت نحو النافذة التي لم تغلقها قبل النوم , مدت يدها لتغلقها فهبت نسمة باردة لكنها منعشة جرت في عروقها حتى نفضت عنها غبار النوم , فانتعشت وأخذت نفساً سرى في كل جزء من جسمها .

    أخذت تنظر وتمد رأسها من النافذة ببطء شديد بدأت تنظر إلى أسفل الأرض فرأت أوراق الشجر يداعبها الهواء , رفعت رأسها قليلاً فرأت أغصان الشجر يعانق بعضها البعض , حركت وجهها نحو اليمين فرأت البئر وقد كسرت خشبته والحبل ملتف عليها والدلو يتأرجح فيه .

    رفعت رأسها قليلاً .. قليلاً ... حتى رأت البدر يتبسم في وجه السماء , فوقفت حركة رأسها وتأملت ذلك المنظر..

    أمعنت النظر في تقاسيم القمر وقد اكتمل بدراً تماماَ , ثم بدا على وجهها ذلك العجب وقد اختلط بالأسى والذكريات المريرة , ثم أنزلت رأسها ببطء شديد حتى بات بصرها نحو الأرض والهواء يداعب خصلات شعرها... يحركها.. حتى بدا جبينها يعكس ضوء القمر .

    وفي ذلك الهدوء وفي عتاب وتقرير مع النفس قالت بكل حرقة ( ياااااااااااااااااااااااا ه كم تقلبت المواجع من هذا المنظر )

    المواجع ..!!!!

    تردد صدى هذه الكلمة في أعماقها كثيراً .... المواجع .... المواجع .. المواجع ..

    يتردد ؛ وقطار الذكريات يجري أمامها , تمر الذكريات أمامها , تمر الأيام .. تمر السنين .. تمر صور كثيرة .. أماكن كثيرة ؛ ضحك وبكاء .. ليل ونهار .. نوم ولعب ... قريتها وقد ازدهرت .. أطفال القرية يلعبون وأراق الخريف قد اصفرت وتساقطت .. و فجأة وقف القطار...!!

    وقف على صوت التأمين يرتج في مسجد قريتها في صلاة التراويح .. لا صوت في القرية إلا أصوات الشباب وكبار السن يؤمنون خلف الإمام و الكل يسمع ..

    الأشجار تسمع فتغض طرفها في خشوع , والأحجار تنصت وتتأثر لهذا الصوت , الطيور وقفت وأطرقت , الريح قد استحت و توقفت حتى لا تفسد هذا الصوت الجميل , والعجائز يسمعون وقلوبهم قد تألقت في سماء الإيمان , أصبح الكل لا يعرف من هذه الدنيا وعن هذه الدنيا إلا شيء واحد : أنها ( دنيا )..!

    وبعد لحظات خرج المصلين أفواجاً من المسجد وكأن الأرض تحييهم والطرقات تتبسم لهم ؛ السعادة قد زرعت في كل أرجاء القرية , والسوق يبتهج والأرزاق وافرة لا حسد ولا بغضاء , الكل يضحك وقد غمر الحب أرجاء القرية .

    أمي الم يأتي أبي من المسجد ؟
    بلى يا صغيرتي إنه قادم .

    دخل الأب البيت و قامت البنت وقبلت رأس أبيها وقبلت يديه وأخذت منه الحوائج , ثم تناولوا عشائهم , وتحدثوا في حنان العائلة قليلاً ..

    ( الطفلة : أبي كان صوتك جميل هذا اليوم لا سيما في الدعاء...

    الأب : نسأل الله الإخلاص.. الأمر ليس بالبسيط , إنها أمانة كبيرة أن يكون رجل هو قاضي القرية وأمام الناس وأميرهم والله إنها المسئولية أمام الله جل وعلا... نسأل الله التوفيق والإعانة..)

    تفرقت العائلة وذهب كل واحد منهم إلى فراشه في بساطة وتلقائية يتمناها الملوك لما فيها من راحة النفس وتشرأب إليها نفس كل مسلم يرجو الله واليوم الآخر , احتضن الفراش الطفلة الصغيرة ( أسماء ) في حنان الأم وراح النوم يخامرها ويداعب أجفانها حتى سبحت في بحور الأحلام الوردية الجميلة.... الحدائق والأزهار وغناء الطيور وتبسم الأشجار و فرح الغيوم ونشيد السواقي وضحك الأطفال والأرض قد تحلت بأروع الحلل ولبست من خيوط العشب أجمل ثياب .. والطفلة تلعب وتضحك في براءة الطفل ...

    وفي غمرة تلك الأحلام الجميلة ...

    هز القرية أصوات الخيل وصهيلها .. فزعت أسماء و نهضت من فراشها مذعورة هلعة لا تكاد تلتقط نفسهاً من الخوف من صوتٍ .. إلا ويرعبها صوت آخر ... أصوات متتالية وصياح وأصوات سيوف وريح الدماء تعصف بالبيت ..

    وفي غمرة الخوف تفتح أمها الباب فتقوم الطفلة بسرعة وترتمي في حضن أمها علها تجد الآمان , حملتها الأم وذهبت بها إلى أكثر الغرف أمانً .

    ما الذي يجري يا أمي وأين أبي ؟

    لا تخافي يا صغيرتي .. إنهم .. إنهم التتر قد غزونا .. ماذا التتر ..!؟ وأين أبي ؟ أبوك قد لبست لأمته وحمل سيفه وأسرج خيله ومضى نحو المعركة .. المعركة .! أمي هل سيقتلون أبي ؟.. لا تخافي يا بنيتي هذه ليست أول مرة يغزونا أعداء الله , بل في كل مرة يغزوننا ويرد الله كيدهم وينتصر المسلمين .

    كلمات خرجت من الأم قد اختلطت فيها نبرة الأمل ونبرة الحزن والأسى وصوت الثقة بالله , تعزي نفسها قبل أن تعزي بنتها ؛ مشاعر تتصارع في قلبها... الخوف وحب زوجها وثقتها بالله ويقينها بأن الله ينصر دينه وأن الموت نهاية كل مخلوق فلكتن في الله .

    مدت الأم ذلك الخمار لبنتها وقالت لها : هل تحبين أبيك ؟ جاوبت الأم عين الفتاة .. حبيبتي كفي دمعتك الآن وأسبليها بين يدي الله , وادعيه أن ينصر المسلمين وأن يرد أبيك إلينا سالماً.

    السيوف قد رفعت وراية لا إله إلا الله قد انتصبت , حامل اللواء والراية هو القاضي أبو أسماء , قد تعالت أصوات التكبير وصيحات التثبيت ونداء الإيمان يعلو ..
    أمي هل تسمعين ؟؟ نعم يا حبيبتي هذا صوت التكبير .. إنه النصر.. إنه النصر .. هل انتصر أبي ؟؟ لا بل انتصر المسلمين ومعهم أبوكِ ...

    تهلل وجه الأم وعلت البسمة محياها وحمل الفرح الصغيرة وطار بها في فضاء الأماني والخيال ....

    أمي سأخرج وأستقبل أبي ... لا يا بنتي فقد قال لي قبل أن يخرج لا تخرجي حتى أرجع , قامت الأم بجانب تلك النافذة ترقب القادمين من الغزو , أحضرت أسماء طاولة خشبية حتى تصل إلى النافذة وتنظر .

    الأم يرتجف قلبها يكاد يتفطر خوفاً , ترقب الراجعين وفي نفسها تقول , هل سيعود ؟ هل سأراه ؟ .... يا رب لا اعتراض ولكن رحمتك أحب لنا .

    الصغيرة ترسم في مخيلتها ذلك المنظر الذي تستقبل به أبوها ... عَتَبٌ ....ثم تجلس في حضنه وتسأله عن المعركة وهو يحكي لها بطولته , ثم تطلب منه الحلوى التي كان يحضرها لها فيتعهد لها بذلك ...

    أمي لقد تأخر أبي .. أمي جاوبيني لماذا تأخر أبي ؟

    ما عادت الدنيا هي تلك الدنيا التي تعرفها الأم .. أظلمت الدنيا في قلبها كما هي في عينها .. هي لم تعرف مصير زوجها بعد .. ولكن شيء ما يقول لها , زوجك كان بطل المعركة وقد صافح الموت وهو يضحك ...

    بدأت أعداد القادمين تقل شيئاً فشيئاً ويتوارى الناس وجفت أرض القرية من الناس ... زاد خفقان قلب الأم وضاقت أنفاسها وحشرجة روحها .. و ما عادت أقدامها تحملها فجلست ..
    نظرت الطفلة إلى أمها .. أمي ... لماذا تبكين ... لماذا تأخر أبي؟؟

    .. كلمات كالرصاص ... أسئلة تدمي القلب ... وفجأة يُطرَقُ الباب .. من بالباب ؟ هذا أنا أبو عزام .. قامت الأم تركض حتى كادت تتعثر بالطفلة .. فتحت الباب ..

    يا ترى ما ذا تسمع ؟ وما ذا تقرأ في عين أخيها ؟ أي حرف يخرج من فمه .. أعزاء أم بكاء ؟ لحظات عصيبة يأبى الحرف معها الكلام ... سألته .. أين أحمد... لم يجبها فدخل وجلس ثم رفع رأسه إلى السماء يتمتم بكلمات ويحمد الله جل وعلا ويثني عليه .. فقالت أخبرني قد قتلني الصمت.. نظر أليها نظرة عتاب , فهمت أنه يريد إخراج الصغيرة... أخرجتها بحيلة مكشوفة عرفتها الطفلة..

    رجعت الأم تمشي بين ( الألم والأمل ) كلماتٌ تشابهت فيه الأحرف وتباعدت فيه المعاني..

    نظرت إلى أخيها ورفع رأسه إليها... وأخذ يحاول أن يزرع في قلبها حب الله والرضاء بقدر الله .. يحاول والأم قد عرفت.. اهتزت الأم وأسبلت دمعتها وخارت قواها وغرقت في بحر الأسى .. تبكي وتحمد الله وتسترجع وتكثر الحمد .. وبينما هي تعيش هذا الصراع المر وتلك الأحاسيس التي .. يحول إيمانها بالله دون الجزع .. سمعت صوت شيء قد وقع على الأرض .. هرعت إليها وقام أبو عزام وفتحوا باب الحجرة فإذا الصغيرة قد سقطت مغشياً عليها ..

    انتهى الجزء الأول و يتبع بقية الرواية إن شاء الله
    http://www.ruowaa.com/vb3/

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2003
    المشاركات : 153
    المواضيع : 41
    الردود : 153
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الفصل الثاني :


    في أحد شوارع مدينة ( رومية ) حيث المسطحات الخضراء التي هي جنة الله في أرضه وفي زحمة الناس حيث يختلط هناك الرجال والنساء المتبرجات فلا دين ولا صلاة ولا أذان , ترى دماء الطهر تسيل في الطرقات , وفي السوق الكبير بالتحديد .. رجلان من الفرنجة يتخافتون :

    توماس : من ذلك الرجل الأسمر ؟
    صديقه : أي واحد العبد الأسود ؟؟
    توماس : لا.. بل ذلك الرجل الذي توسط القوم وحوله الجواري والخدم .
    صديقه : آوه .. لا تعرفه ؟؟؟
    توماس : لو أعرفه لما سألتك ..!
    صديقه : إنه مسيلمة العربي .. التاجر الكبير صاحب الأموال الكثيرة.
    توماس : التاجر الكبير ..!!؟

    أخذ توماس يرقب مسيلمة ويسترق النظر من بين الناس الذين ازدحم بهم السوق ويتقاطع الناس أمامه وتارة يبصره و تارة يكتظ الشارع فلا يرى شيئاً ..

    ما زال يسترق النظر من بين الناس حتى رآه يخرج من جيبه صرة كبيرة .. اكتظت المكان ولم يعد يرى شيئاً حرك رأسه فلم يرى شيئاً ... وقف يبحث عن فتحه من فوق أعناق المارة يبصر بها التاجر .. آوه ما هذه الصرة الكبيرة .. ما ذا يفعل هذا المجنون .. صاح على صديقه تعال وانظر إنه ينثر مئات النقود على الجواري .. ألم أقل لك أنه من أغنى التجار هنا ..

    قال توماس في تعجب وإعظام كبير : نعم .. يبدو أنه كذلك ..!

    ملأ عينه توماس من هذا المنظر وأخذ ينظر وينظر ويتأمل .. فإذا به يرى نفسه في مكان التاجر وقد لبس أجمل وأغلى الحلل وفي يديه الذهب وأمامه الخدم والحشم والناس ينظرون إليه بعين الإكبار وهو في قمة الاستعلاء و كأنه قد اشترى الناس كلهم بأمواله .. يضحك والناس في تملق من حوله يضحكون ..

    توماس .. نعم .. فيمَ تفكر .؟ لا أبدا لا شيء .. أنا سأذهب إلى البيت .. ذهب توماس يسير إلى بيته .. وصورته وهو في ذلك المكان لم تفارق عنينه ..... ويقول في نفسه .. أنا أبلغ الآن من العمر 45 سنه ودخلي في اليوم من زراعتي لا يتجاوز 10 فرنكات ..!! وهذا ينفق آلاف الفرنكات في يوم دون أي مبالاة ..!! ومع هذا الحديث أنقدح الحسد المعمي من نفسه وعلامات الاعتراض بدت عليه .. ولكن كيف ..؟؟

    سؤال بدأ يؤرقه كثيراً كيف ..؟؟

    كيف أحصل على أمواله وأتدارك ما بقي من العمر ؟

    ؟ دخل كوخه الصغير في بستانه المتواضع .. وجلس على طاولته وأشعل سراجه وأحضر قلماً وورقة .. وكتب هذه المعادلة ..

    مسيلمة العربي = ملايين الفرنكات .... لا بد من ..؟؟!

    وفي لحظة اعتصار للأفكار واستغراق كامل ومن غير شعور كسر القلم .. فنظر إليه وضحك ضحكة صفراء .. وضع رأسه على الطاولة واستغرق في النوم ...

    دخل مسيلمة العربي قصره الكبير , و جلس في صالة القصر العظيمة والتي لا يكاد يرى سقفها .. جاء إليه الطباخ ... أحضر لك العشاء سيدي .؟ لا لا أريد شيئاً الآن .. ولكن أين كاتو ..؟ كاتو هنا سيدي هل تريد أن أدعوه .. نعم ..

    جاء كاتو مسرعاً ..
    أهلا كاتو تعال أريدك قليلاً .. تفضل سيدي أنا في خدمتك .. ما هي آخر الأخبار ..؟ أوه ياسيدي .. ليست على ما يرام .. لقد حاولت مع الوالي ولكنه تعذر مني وأمرني أبلغك كامل الاعتذار ..و أن أخبرك أنه سيحضر إليك بنفسه ليعتذر .. ثار الغضب من مسيلمة .. يعتذر ...!! و ما ذا أفعل بالاعتذار لقد أنفقت ملايين الفرنكات وأقرضته مثلها حتى تتحسن أوضاع المدينة .. مقابل تعييني نائباً له في ولاية المدينة وهاهو الآن يعتذر .. هذه حماقة منه .. سيدي لا تغضب فأنت في الحقيقة من يملك هذه المدينة فنصف أراضيها وبساتينها لك .. أعرف ذلك جيداً ولكني أريد ذلك الكرسي .. سيدي أنت تعرف أن قوانيننا لا تسمح لغير الروميين بالترأس ...

    وفي أثناء هذا الحديث يطرق الباب .. قام كاتو .. من بالباب ؟ أنا ساعي البريد...

    هناك رسالة وصلت للسيد مسيلمة , أحضر كاتو الرسالة .. أخذها وقرأها مسيلمة فحزن قليلاً واطرق لحظات ثم غرق في بحور التفكير وهو في مكانه حتى نسي من حوله .. وردد في نفسه :
    أمر ربما يكون محزن .. ولكن قد يكون فيه فائدة ..! ترددت في نفسه أفكار كثيرة وترسمت أمور مختلفة ..

    قام وذهب إلى غرفة نومه .. وتمدد على سريره الوثير وأخذ يفكر .... هل ..؟ و لكن ...؟ آوه لا لا .. لن أعود إلى ذلك التخلف وتلك الرجعية والانغلاق .. عصفت به رياح التغرير ..و طرحته على ضفاف الأماني الكاذبة .. واحتضنته أيدي الوعود الزائفة فأغمضت جفنيه و غط في نومٍ عميق ..

    انتهى الفصل الثاني ويتبع الفصل الثالث بعون الله تعالى ....

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2003
    المشاركات : 153
    المواضيع : 41
    الردود : 153
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    (( الفصل الثالث ))

    بعد عناء تحضير الوليمة الكبيرة نام الطباخ بين بقايا الأكل ... فتح عينيه فإذا بالطعام متناثر والسراج لم يطفأ , قام يغسل وجهه وفي أثناء سيره لَمَحَ ظلاً بجانبه ..

    الوالي في القصر والعساكر قد اكتظ بهم القصر وقد غطوا الجثة .. مسيلمة قد علا الغضب وجهه وترسم فيه الخوف والهلع مما حصل .. هل هي حياة جديدة قد كتبت له ؟! ..

    كلمات التهاني بالنجاة والتعازي بالفقيد تنهال من مكان ..

    في زاوية القصر وبعيداً عن الحاضرين ..

    الوالي يهمس لرئيس الشرطة .. ما حصل أمرٌ مؤسف .. أخشى أن يفشل مشروع السد والسوق الجديد والمشاريع الأخرى إذا غضب مسيلمة ( العربي الغبي ) !! .. يجب أن أرضيه بأي وسيلة ..

    ذهب الوالي يتملق مسيلمة ويطمئنه .. لا تقلق يا أخي الأمر بسيط .. سنعثر على اللص بأسرع وقت ممكن وسنقوم بتعيين أكثر من خمسة حراس عليك حتى لا يتكرر الأمر ..

    ( مسيلمة بكل غضب ) : أنا لا أريد سوى معرفة اللص وكيف دخل إلى هنا وكيف وصل إلى مكان الأموال وفتح الخِزانة بدون كسر ؟؟

    ( أحد العساكر ) : لقد وجدنا هذه الرسالة في غرفة المجني عليه ولم نستطع قراءتها...
    ( الوالي ) :آه إنها بلغة غريبة ..
    ( مسلمية ): دعني أنظر إليها .. آه هذه خاصة بي لا عليك ...ليس لها علاقة بالذي حصل .. وضع الرسالة على طاولة بجانبه .

    علامات الخوف المريب على وجه مسيلمة ..
    وبعد يومين ذهب مسيلمة للوالي وكان رئيس الشرطة عنده .
    بعد لقاء حار بين مسيلمة والوالي ورئيس الشرطة ..
    لم تعثر على اللص القاتل ؟؟
    لا ... ليس بعد ولكن لا تقلق ..
    فكر قليلاً ثم قال : عزيزي الوالي ... نعم ... أنا مضطر للرحيل إذا لم تعرف اللص الحقيقي..
    ماذا !!!!
    لا ... لا أيام .. بل قد تكون ساعات ونقبض عليه ...
    أتمنى ذلك .. ولكن هناك يومين تكون فرصة لك .... ومعذرة على هذا الأسلوب ..
    ولكن أين كاتو هل هو معك ..؟
    نعم إنه بالخارج مع أحد الوزراء ..
    أيها الحاجب .. اذهب وقل لكاتو أني أريده حالاً ..
    أهلا سيدي هل هناك أمر ..؟
    لا ولكن أريد تبادل أطراف الحديث معك .. بدأ القلق على وجه كاتو .. ثم قال متداركاً الأمر .. على الرحب والسعة ..
    هل تتهم أحداً أو تشك في أحد ؟؟
    لا ... لا أتهم أحداً ....
    آه ... جيد .. وما هو تفسيرك لما حدث ..؟
    كيف ؟
    اللص يتجه إلى الخزنة التي تحوي أكبر كمية من المال ... ألفي ألف فرنك .. إنه مبلغ كبير جداً ..
    فعلا أمر مريب حقاً ..!!
    أنت لم تكن في القصر وقت الحادث ؟؟
    بلى..!
    أين ؟
    عند سيدي مسيلمة..
    عند مسيلمة.!
    نعم سيدي ..
    إلى متى..؟
    أنا أول من رأى الجثة .. ثم أخبرت سيدي مسيلمة ..
    وكيف ؟؟ أريد التفاصيل ..
    كنا في سهرة أنا وسيدي في غرفة الجلوس نتبادل أطراف الحديث ... أمرني سيدي أن أحضر له .. شيئاً ما ..
    وما هو هذا الشيء ..؟
    هههه ... قل لا عليك قل ..
    كأس من المشروبات الروحية حتى نبدأ سهرتنا..
    وأنا أنزل من الدرج وفي الظلام .. لمحت شيئاً ساقطاً على الأرض ذهبت نحوه
    كيف رأيته في الظلام..؟؟
    كان هناك نور من ناحية المطبخ..
    ... فإذا هي الجثة ..
    قلبتها حتى أعرف هل هو ميت أولا ومن هو هذا الشخص
    _ وهنا الارتباك يبدو عل وجه كاتو .!!_
    ثم عرفت أنه الطباخ فآلمني ذلك كثيراً ..
    كم كانت الساعة ..
    الثالثة والنصف ..
    عجيب ..
    ما هذه الدقة كيف عرفت الوقت تماماً..!؟
    ها ه.. قد سألني سيدي قبل أن أنزل..
    نظر إلى مسيلمة .. هز رأسه موافقاً ..
    أكمل..
    ذهبت لأخبر سيدي بما حصل ..
    ثم أخبرته
    فبعث إليكم
    فأتيتم إلى القصر .....

    ومع شروق الشمس الباكر , قافلة قد شقت طريقها خارج المدينة .
    مئات الإبل وعشرات الخدم .. وبينما تسير القافلة... رجل ينادي من بعيد
    سيدي ... سيدي ... كاتو يريدك ويقول هناك أمر مهم لابد أن تنتظره قليلاً .. توقفت القافلة....
    سأنتظره لنصف ساعة فقط ...
    نعم كاتو .. هل وجدوا اللص .؟؟
    للأسف .. ليس بعد
    إذاً ما ذا تريد ..
    همس كاتو في إذن مسيلمة ..
    رد عليه مسيلمة قائلاً : ( بعد شهر ونصف !! )

    انتهى الفصل الثالث.....

  4. #4
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : مصر
    المشاركات : 2,694
    المواضيع : 78
    الردود : 2694
    المعدل اليومي : 0.35

    افتراضي



    ماهذه الرواية التى تحمل الكثير من الحكم
    وماهذا الاسلوب الذى تخلل الى النفس بدون حواجز
    جميلة جدا هذه الدمعة
    وكم من قرى وبلاد واوطان تحتاج منا ان نبكى عليها انهارا من الدموع
    وليست دمعة واحدة
    واعتذر شديد اعتذارى إن كنت قد تأخرت فى قراءتها

    شكرا لك اخى الكريم على هذا الابداع

    لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين


  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2003
    المشاركات : 153
    المواضيع : 41
    الردود : 153
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    شكرا أختي الكريمة , وبارك الله فيك .



    (( الفصل الرابع ))


    في ليلة كسر القمر فيها صمت الليل ومزقت النجوم فيها عباءته المعتمة ... كوخٌ جميل .. ينبعث النور من إحدى غرفه ..

    مبارك عليكِ حفظ كتاب الله .. الحمد لله على توفيقه ..

    أم عزام : ولكن ما الذي يمنعك من الزواج ؟
    أم أسماء : بعد نفس حار تلتهب فيه المشاعر .. زواج !! .. أنا أريد فقط تربية أسماء حبيبتي..
    أم عزام : آه .. لا عليك .. أسماء قد حفظت كتاب الله وقد بلغت من الجمال ومن الأدب مبلغاً كبيراً .. و كل رجل يتمناها ..
    أم أسماء : لكنها ما زالت صغيرة ..
    أو عزام : لقد أكملت ثلاث عشر ربيعاً إنها ... إنها أصبحت ( عروسه )
    ملأ الأمل والعجب والحب والتفاؤل قلبها .. مشاعر متداخلة في نفس هذه الأم المكلومة ..

    ضجيج في القرية ...
    أمي ما هذه الأصوات .؟؟ هل التتر عاودا ؟؟ لا .. لا حبيبتي .. سوف أرى ما الأمر .. هيا حبيبتي .. إلى أين أمي .. إلى بيت أبو عزام ..

    من بالباب ؟
    أنا أم أسماء ..
    أهلا حبيبتي ..
    أين أبو عزام .. ؟؟
    ذهب يستقبل مسيلمة ..
    ماذا ......!!!!!! مسيلمة !!!
    أمي من هو مسيلمة .؟؟ في وقت آخر أخبرك .. ألم تعلمي بقدومه ؟؟ لا أبدا .. لقد جاء البارحة... ويبدو أنه ليس كما كان ..
    كيف ؟؟
    صلى هذا اليوم الفجر في المسجد واجتمع مع أهل القرية .. وسلم على الكل في أخوة عجيبة ..هكذا أخبرني أبو عزام ..
    أبو عزام قال ذلك ؟؟
    نعم ..
    إذا كان أبو عزام من يقول هذا فإن الأمر يدعوا إلى التفكير ..
    لماذا ؟؟
    لقد كان أشد الناس بغضاً له...وكان السبب في طرده من القرية...

    مسيلمة يستقبل الناس في بيته الجديد ويسلم عليهم في حنان الأب !
    ولائم في القرية .. الأنوار لا تطفأ إلا بعد منتصف الليل .. أطفال القرية قد غرقوا بالهدايا... والنساء بجميل الملابس...

    طفلان يتحدثون في براءة وسذاجة ..
    أن مسيلمة أفضل رجل .. نعم .. نعم .. ليته أبي ..
    اجتمع كبار القرية في منزل مسيلمة ... حياك الله بين أهلك وقريتك ... الحمد لله لقد تداركت نفسي وعدت إلى رشدي وإلى قريتي الجميلة ...
    أبو عزام : هل وصلتك الرسالة ..؟؟
    أطرق مسيلمة قليلاَ ثم هلت دمعة من عينيه ..
    أبو عزام : آسف لقد نكأت جرحك ..
    قام مسيلمة .. ودخل بيته .. كثر الملام على أبو عزام من الناس ..
    أبو عزام : لم أقصد .. هيا بنا نخرج ونأتيه مرة أخرى ..
    هم القوم بالخروج ..
    لحظة .. لا أحد يخرج .. إن الوقت ملائم لأقول ما عندي ..
    أبو عزام : تفضل ..
    مسيلمة : يجب أن نغزوا التتر ونأخذ ثأر المسلمين وثأر أخي ..
    نظر الحاضرون إليه في تعجب شديد لا يكاد يوصف ..
    مسيلمة : مالكم ؟؟ أم يعجبكم كلامي ..
    أبداً .... أبداًً ..
    أبو عزام : أخي الكريم مسيلمة ..
    مسيلمة : نعم ..
    يبدو أن رجوعك خير على هذه القرية ..
    تبسم مسيلمة : أستغفر الله .. الخير فيكم من قبل أن آتي ...
    أبو عزام : غداً سيكون اجتماع في بيتك ويحضر أصحاب الرأي من القرية حتى نحدد الموعد..
    مسيلمة : حسناً ..

    أبو رامي : أبو عزام ...!
    أبو عزام : نعم ..
    أبو رامي: إنني لست مطمئن لما يحدث ..
    أبو عزام : كيف ؟ ولماذا ؟
    أبو رامي: هل نسيت ما كان يفعله مسيلمة في القرية قبل رحيله ..
    أبو عزام : أعرف ذلك جيداً .. ولكن الله يتوب على من يشاء ..
    أبو رامي: أنا لست مطمئن أبداً
    أبو عزام : نحن نأخذ بالظاهر .. ثم ما الذي يمكن أن يحصل ..
    أبو رامي : نخرجه من القرية ..
    أبو عزام : هكذا دون سبب..
    أبو رامي : أبو عزام أنا لست مطمئن..
    أبو عزام : يا أخي لن نخسر شيئاً..
    أبو رامي : أتمنى ذلك ..

    أم أسماء عند نافذة المنزل تغرق في التفكير.. ورجعت إلى قبل عشر سنين.. مسيلمة دائماً مخمور ..يفسد هدوء القرية .. دائماً يعكر صفو القرية ... هل يا ترى فعلاً تغير ؟؟؟
    رأس أسماء بجانب أمها على النافذة .. أمي أين ذهبتِ
    ؟؟ تبسمت وقالت : أين الطاولة ؟؟
    أي طاولة ؟؟
    التي كنتِ تقفين عليها ؟؟
    تبسمت أسماء في خجل ...
    لقد كبرتِ يا بنيتي الحبيبة ..

    من يطرق الباب ؟؟ سأذهب وأرى ..
    من بالباب ؟؟
    أنا أم عزام ..
    أهلا وسهلاً .. كيف حالك أسماء ؟؟ الحمد لله .. استأذنك أمي أريد النوم .. استأذنك عمتي .. تفضلي بنيتي ..

    ألم يحن وقت الزواج بعد ؟؟
    ليس هذا وقت الكلام في هذا الموضوع..
    بل أنسب وقت ..
    لماذا ...
    مسيلمة ..
    ماذا به ...
    لا.....لا ..
    لماذا ..؟؟
    لا أريد الزواج لا منه ولا من غيره ..
    لن يحافظ أحد على ابنتك مثل عمها ..
    لا ... الآن لا أريد الزواج أبداَ..

    بعد إن انصرفت أم عزام ... سرق التفكير أم أسماء .. ورأت أبو أسماء وقد أمها في قيام الليل يتلو سورة الأنفال .. ويبكي عند آيات الجهاد والقتال ...عندها أسرها الحنين لتلك الصورة .. هل يا ترى أراها مع ... إن حصل فعلاً ...؟
    لا .... لا ... ابنتك أولى بك من كل شيء....

    في بيت مسيلمة .. اجتماع كبير يحضره أعيان القرية وأصحاب الرأي والفرسان ..

    مسيلمة : يجب أن تكون لدينا القدرة الحسية الكافية للغزو..
    شيخ القرية الكبير : نحن أخبرنا أميرنا أبو عزام بكل شيء.. لذلك نريد تأجيل النقاش حتى ينصرف الحضور ...
    مسيلمة : كما ترى ..
    أبو عزام : قل لي الآن ما ذا تريد ؟.
    مسيلمة : ما الذي فعله شيخ القرية .. ؟؟؟
    أبو عزام : يبدو أنه رأى من لا يثق به ..
    مسيلمة : آه .. جيد .. جيد .. تصرف سليم ...
    أبو عزام : أخبرني الآن ..
    مسيلمة : سأقوم بتجهيز الجيش بكل أنواع السلاح ..
    أبو عزام : ولكن ..
    مسيلمة : أخي أبو عزام أرجوك الأمر قد انتهى .. أعراض المسلمين .. ودم أخي يرخص أمامه كل شيء ... ولكن هذا قد يستغرق القليل من الوقت .. أسابيع معدودة ويكون كل شيء على ما يرام ويكتمل إعداد الجيش..

    القرية .. تزخر بخيرات مسيلمة .. مقبرة مجهزة ... مسجد جديد وكبير .. ومساكن لفقراء القرية ....سور كبير يحمي القرية .. سواقي جديدة ... مزرعة لأهالي القرية ..

    أبو عزام : أختي العزيزة ..
    أم أسماء : نعم ..
    أبو عزام : أما آن الأوان ..؟؟
    أم أسماء : لماذا
    أبو عزام : .. للزواج ...

  6. #6

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2003
    المشاركات : 153
    المواضيع : 41
    الردود : 153
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    بارك الله فيك أختي الكريمة ..
    وتقلبي تحياتي ..



    (( الفصل الخامس))

    فرح في القرية .. الغواني يغنينَ ويضربنَ الطبول .. والقرية تموج بالغناء .. والراقصات يرقصن بغير حياء .. أشجار القرية استوحشت من هذه الأصوات .. كؤوس الخمر تدار على الضيوف .. مسيلمة جالس على كرسي الإمارة المرصع بالذهب وعليه تاج عظيم يبهر الجميع والحُجَّاب ُمن حوله .. ينظر إلى هذا المنظر وقد تهلل وجهه لما يحصل وفي يده كأس الخمر في منظر قد بلغ من القبح ما تعجز عن وصفه الكلمات ..

    هل هذه حقيقة ؟؟

    إنها الصورة التي تخيلها مسيلمة في لجة التفكير ..
    وبعد أن تمتع بهذا الحلم .. وبعد أن أدرك أنه من أحلام اليقظة صرخ صرخة : ( لقد مللت !! ) لا خمر ولا نساء ولا رقص ولا غناء .. أنا لا أريد هذا التخلف المقيت ..!

    ثم قال يسلي نفسه : إنها أيام فقط ...!

    طارق يطرق الباب ..
    اذهب وانظر من بالباب ..
    الخادم : إنه رجل غريب يريد مقابلتك ..
    مسيلمة : دعه يدخل ..
    مسيلمة : كاتو !!!!
    نعم سيدي ..
    ما الذي أتى بك الآن ؟؟
    لقد خفت..!
    هل رآك أ حد ؟؟
    اطمئن ...
    وبعد تفكير من مسيلمة ..
    اذهب الآن إلى مزرعتي وسآتيك بعد منتصف الليل ...
    وسأقول أنك جئت من رومية كي تعرض علي شراء بعض الأراضي التي أملكها هناك ..

    كاتو يمشي في القرية .. وسمع رجلين يتحدثان أن مسيلمة يعد العدة لغزو التتر ..
    تعجب كاتو .. مسلمة يغزو ؟؟!! عجباً !!

    وفي وقت متأخر من الليل رجلُ على خيل يسير بسرعة والغبار خلفه... إنه أبو عزام .. يدخل القرية بعد أن ذهب يسترق السمع من مدينة التتر ... فَعَلِِم أنهم يعدون لغزو القرية بعد شهر واحد فقط ...
    أبو عزام يسير في سرعة غريبة .. يشق السوق وطرقات القرية ..

    انسل مسيلمة من أعين الناس في ساعة متأخرة في الليل وذهب ناحية مزرعته الكبيرة .. دخل المزرعة وذهب صوب الساقية ... حيث غرفته الصغيرة ..

    أهلا وسهلا .. مرحبا بك .. حمد لله على سلامتك .. هل رآك أحد ؟
    لا لم يرني أحد ..
    جيد .. جيد
    لماذا أتيت قبل الموعد ؟
    لقد خشيت أن يقبض علي ..
    ولكن أيها الأحمق الغبي ..!
    ما الذي جعلك تقتل الطباخ ؟؟
    أوه لا تذكرني بتلك الساعة المشئومة..
    تباً لك من متهور ..
    دعني أخبرك بالذي حصل
    دخلتُ البيت بعد أن تلثمت .. لم أكن أعلم بوجود ذلك الغبي .. فعادته أن يذهب بعد العشاء . بينما أنا أمشي رأيته .. ارتبكت ولم أستطع التصرف بشكل جيد وخشيت أن يفتضح أمرنا....فحصل ما حصل ..
    سيدي ..
    نعم .
    لا يهم ما حصل فقد هربت من المدينة دون أن يشعر أن أحد بي ..
    وأنا أريد ما وعدتني الآن وسأرحل ..
    آوه إنك تستعجل كثيراً .. نسمر قليلاً ثم نتفاهم ..
    أخرج مسيلمة الخمر واشتعل الفساد في قلبه ودارت الكأس بينهما ..
    مسيلمة قد اختمر كلياً...
    سيدي ..
    نعم ..
    سمعت أنك تريد غزو التتر ..!
    هههههههههههه .. إنها حيلة حتى أكسب ود الناس وأصل إلى الملك ..
    وقد عرض علي زعيم التتر أن يساعدني في الوصول إلى الملك مقابل أن لا نغزوهم أبداً .. فتعهدت له بذلك ..
    كاتو .. نعم سيدي .. أنتَ أنقذتني من ورطة المشاريع والأموال المهدرة في رومية .. بتلك الحيلة .. وسأعطيك مقابلها ما تريد ولكن ...
    ( هنا وفي هذه اللحظات .. أفعى كبيرة تزحف حول الكوخ .. )
    ولكن ماذا سيدي ..
    أريدك أن تقتل ..
    أقتل ؟؟!
    أقتل من ؟؟
    تقتل الوالي الحالي حتى يخلو لي الجو..
    هاب كاتو كلمة قتل .. ولكن حلاوة المال تغريه ...
    كم تعطيني ؟؟
    وعدتك على ما سبق مئة ألف والآن أعطيكَ خمس مئة ألف دينار .
    تلعثم كاتو .. عندما سمع هذا الرقم ..
    ( الأفعى تقترب من الكوخ )
    لقد أغرقتُ الناس بالأموال .. الكل أصبح يهذي باسمي .. لم يبقَ أحد من القرية إلا واقترض مني ... لن يتردد أحد في اختياري كزعيم للقرية ... وسأغرقهم في الملذات .. وانتشلهم من التخلف والتبعية المقيتة...
    وفي غمرة السكر والحديث ..
    صوت رجل يتألم بالكاد يسمع ..
    سيدي ؟؟؟!!!
    ما هذا الصوت..
    هاه !! لا أدري ..
    حمل مسيلمة سيفه وخرج .
    فإذا ......!!!!؟
    أنت ؟؟؟؟؟؟؟
    نعم أنا أيها الخائن ..( الرجل يتأوه من شدة الألم )
    كنت تسترق السمع ...
    كنت أريد أن أخبرك أن ...
    أن ما ذا ... ؟؟
    الرجل يتأوه بشدة حتى لم يستطع الكلام ...
    نظر مسيلمة إلى كاتو ...
    فهمس في إذنه ...!!!
    إنه هو !!!
    حملوه وألقوه بعيداً عن أعين الناس...

    مسيلمة يسفك دموع التماسيح أمام الناس....
    و أبو رامي يرمقه بعين الغضب وقد علت جبهته علامات الحيرة و الامتعاض والشك يساوره .. وبدأ يحس أن هناك أمراً خلف هذه الأحداث الغريبة ..

    أبو رامي يصلي بالناس صلاة الجنازة وصوت البكاء ضج في المسجد .. الكل ينتحب على فراق البطل أبو عزام...

    القرية تعيش صراعاً مراً .... بين الدنيا التي يمثلها ( مسيلمة ) بملذاتها الزائفة والفانية .. وبين ( أبو رامي ) الذي يمثل المسلم الذي يطلب الآخرة فهو رجل صالح وحب الجهاد يسري في دمه أسوة بأحمد وأبو عزام ...
    انقسمت القرية إلى قسمين .. أناس مع مسيلمة وأناس مع أبو رامي... مسيلمة يزيد في إغراء الناس بالأموال والمزارع والترف ..
    وأبو رامي يتفطر قلبه على حال الناس في القرية ... يخطب الناس ويعضهم .. ولكن جذوة الإيمان في القلوب بدأت تخبو فلم يعد هناك لكلامه أثر...

    يا قوم إن المال فتنة ... من قال لك هذا ؟؟؟
    يا قوم إن ترك الجهاد مذلة .... نريد أن نسالم الناس ولا نعتدي على أحد ...
    يا قوم المعاصي شؤم في الدنيا والآخرة... لن نعصِ الله ولكننا سنتمتع بالحلال..
    يا قوم نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله .... نحن سنصلي ونصوم ولن ترك أركان الإسلام...
    يا قوم والله لن يدفن معكم إلا العمل الصالح لا مزرعة ولا مال ولا بنين ... لا تحرم ما أحل الله ..
    يا قوم إني لكم ناصح ولكن لا تحبون الناصحين ... اتركنا وشأننا لا تتدخل .. أنت حسود وتريد الملك..!!!!
    أظلمت الدنيا في عين أبو رامي .. يبكي دما لا على نفسه ولكن على قومه الذين يغرقون أمام عينيه.. جاء وقت الصلاة .. قل الحضور... الفجر لا يكاد يأتي أحد... الخمر أصبح جرماً عادياً .. يوبخ عليه الإنسان بعد أن كان يقام عليه الحد !!!! كل هذا في ثلاثة أسابيع فقط ..!!

    في إحدى الليالي هام أبو رامي على وجهه بعد أن علا شؤم المعاصي القرية وحجبتها غيوم الذنوب .. فلم يحس إلا وهو واقف في محراب المسجد..وأخذ يناجي الله جل وعلا ..

    يا رب لقد ضاقت بي الدنيا .. وضقت بأهلها .. يا رب أنت البر الرحيم .. وأنت الجواد الكريم .. أللهم أعد الصواب لأمتي ... يا رب غرقت أمتي في بحور الأماني الكاذبة .. ضاعت في صحاري الوعود الزائفة ... يا رب أنت المنقذ وأنت الكريم .. لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك.....

    قَنَّعَ رأسه على يديه في ذل وخضوع يشكو إلى الله ...سالت الدموع على لحيته... تتساقط على يديه وتتقاطر من بين أصابعه .... دموع الأسى والألم والحرقة تختلط بأرض القرية...وكأنها تتكلم والأرض تسمع وتتألم...

    كأن المسجد ينظر إليه نظرة المترحم ... الذي قد عاش نفس المأساة حيثُ هجر المسجد الناس...

    لم يكن يعرف ما بداخل قلب أبو رامي بعد الله إلا جدران وأرض المسجد وطيور الحب التي قد ترحلت تودع القرية..........وتشتاق إلى أبو رامي..وأبو عزام ..وأبو أسماء..

    { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } ..... أن هذه الآية أصدق وأعظم وأبلغ تعبير يمكن أن يصور حال هؤلاء الثلاثة ... فسبحان من أنزل هذا القرآن العظيم...........

    انتهى الفصل الخامس والقبل الأخير ... ويتبع الفصل الأخير بعون الله ..

  8. #8
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    نحن نتابع وفي انتظار الفصل الأخير أخي الميمان النجدي.

    أحييك على ما تقدم.



    تحياتي وتقديري
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. فلسطين.. ( لافتة على أنقاض أمة )
    بواسطة سالم بن رزيق في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 28
    آخر مشاركة: 07-10-2013, 06:25 PM
  2. على أنقاض حب
    بواسطة إيمان رمزي بدران في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 27-01-2011, 05:07 PM
  3. على أنقاض حب
    بواسطة إيمان رمزي بدران في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 16-01-2011, 12:52 PM
  4. بكائية على قرية ام الزينات الفلسطينية المحتلة عام 48 /شعر لطفي الياسيني
    بواسطة لطفي الياسيني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 09-10-2008, 01:21 PM
  5. إنتل تستثمر على أنقاض التطهير العرقي
    بواسطة د. سعادة خليل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 15-08-2005, 02:07 AM