أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الإعلام والأوهام مقالة للاستاذ مازن صالحي

  1. #1
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي الإعلام والأوهام مقالة للاستاذ مازن صالحي

    كتب صديقي الفاضل
    المهندس السوري مازن صالحي مقالة جديرة بان يطلع عليها فضلاء واحتنا الكرام

    بعد ان وعدني بالانضمام الى قاقلة المبدعين في واحتنا



    الإعلام والأوهام
    مازن صالحي
    البحث عن الحقيقة عملية طويلة مضنية. فنحن لا نعرف العالم كما هو حقيقة بل نراقب ظواهره (يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا)، و لا نعرف نوايا الناس و ما يبطنون و ما ينوون. و كثير منّا لا يدرك الأساليب العلمية المتطورة التي اكتشفت و طوّرت و استغلت في التحكم بتفكير الجماعات البشرية و توجيهها، و استغلال غريزة القطيع إلى أقصى حد لتحقيق مكاسب سلطوية. و البحث في هذا المجال واسع و معقد إلى درجة تجعله بعيدا عن متناول معظم الناس، و لو أنه بحث في غاية الخطورة. و يمكن للقاريء الاطلاع على آراء مهمة في هذا المجال بقراءة "تصنيع الطاعة" (Manufacturing Consent) و "أوهام ضرورية" (Necessary Illusions) لناعوم تشومسكي.
    بالمختصر، من المؤكد أن هناك "صناعة" اسمها صناعة الرأي أو المزاج العام لمجموعة بشرية معينة. هذه الصناعة لها تقنياتها المدروسة و المطورة و المجربة و الفعالة. أدوات هذه الصناعة هي التعليم و المدرسة و المؤسسة الدينية و وسائل الإعلام بأنواعه. و يمكن تشبيه تأثير هذه الأدوات - بكثير من التبسيط - بالحقل المغناطيسي الذي يؤثر على برادة حديدية منثورة فيستقطبها و يوجهها بشكل منتظم. و كأي صناعة، فإن لها مستثمرين فيها، يصبون فيها مقدراتهم بشتى أشكالها، و يستحلبون منها منتجاً مرغوبا. هذا المنتج هو المزاج العام و الاستقطاب الذي يتكون عند المستهلك لهذه البضاعة، و الذي يضمن تنفيذه للأوامر و طاعته و تبرعه بماله و وقته بل و حياته مقابل ما صار "يؤمن" به. و عبر تاريخ الإنسان، كانت هذه أدوات هذه الصناعة مكلفة و بعيدة المتناول من جهة، و ضعيفة الفعالية من جهة أخرى، و ذلك لأنّها كانت تعتمد على العنصر البشري المباشر لإحداث التأثير المطلوب، و كان هذا محدوداً بسبب محدودية مساحة الاحتكاك الممكنة مع الجمهور المتلقي، و بسبب تخافت تأثيرها عند تجميدها بشكل نصوص مكتوبة (و هي وسيلة البث الأساسية المتوفرة آنذاك). و قد كان نجاح الحركات الاجتماعية و السياسية الكبرى حكراً على القلة القليلة التي فهمت أساليب الاتصال و أتقنت صناعته، و أيضاً امتلكت أدواته المكلفة. و مع تطوّر تقنيات الاتصال، تضخمت مقدرة هذه الأدوات مئات المرات، و ازدادت مقدرتها و فعاليتها على التأثير، خاصة مع تعاظم دور الإعلام المرئي و المسموع على حساب الإعلام المقروء. إذ أن الإنسان مارس التواصل وجها لوجه منذ نشأته الأولى و اعتاد عليه، و مفردات التفاعل مع الوجوه و الأصوات مغروسة عميقاً في الكائنات الحية - و منها الإنسان - لأنها طالما كانت أدوات حياة أو موت. و من المعلوم أن الحيوانات العليا تتلقى الإشارات الصادرة من بعضها و من الإنسان مثل الخوف أو الغضب عن طرق الحواس و تفهمها. و مع هذا التطور، صار صاحب الرأي أو الدعوة يصل إلى المتلقي في غرفة نومه بصوته و صورته و تعابيره كاملة. و يتفاعل المتلقي الغافل مع هذا البث كما لو كان حاضراً مع المتحاورين أو المحاضرين، لأن تركيبة عقله تعتقد ذلك بسبب ملايين السنين من التطور البطيء الذي لم يهيئه لوضع مشابه، بينما هو في الحقيقة يجلس وحده في غرفة صغيرة، يتلقى المعلومات في اتجاه واحد. و مع التطور التقني حصل شيء جديد، إذ قلت إلى حدّ كبير تكلفة أدوات الصناعة التي نتحدث عنها، و صارت في متناول من هبّ و دبّ. و في خلال سنوات معدودة، حصل انفجار إعلامي كبير، فأنشأت مئات المحطات الإعلامية التي يحاول كل منها استقطاب أكبر شريحة ممكنة من "المستهلكين". و ازدادت قوة المجالات المغناطيسية التي تحاول استقطاب برادة الحديد و ازدادت توجهاتها و تداخلها، و ازدادت معها جرعات المحفزات و المخصّبات التي تحقن في شرايين الإنسان بشكل جنوني لضمان استمرار ولائه لأفكار معينة، أو لمحاولة انتزاعه منها إلى "حقول" أخرى. و عانى الوعي الإنساني ما تعانيه الأرض، في انتقال أدوات الحروب من القوس و السهم إلى القنابل الهيدروجينية، فكان أثر تغوّل الأدوات بهذا الشكل أن سُحق الوعي الجماعي الذي كان الهدف الأساسي هو استنباته. و حصل كذلك ما يشبه ما يجري في عالم الأمراض الجرثومية و الطفيلية، حيث أن السلالات القديمة المتواضعة من الجراثيم، و لضمان حفظ بقائها أمام الهجوم البشري الحاد عليها، قد أنسلت أجيالاً جديدة فتّاكة من الجراثيم. ففي مجال الوعي الإنساني، و لمقاومة البث التشويشي الحاد و الفعال القادم من كل الاتجاهات، نبت التطرف الشديد كسلاح بدائي يضمن نوعاً من المناعة لمستخدمه من تأثيرات الاستقطاب المخالفة. و من علامات هذا التطرف عدم الإصغاء إلى الرأي الآخر و عدم الاستفادة مما تطرحه الأفكار المخالفة أو المغايرة، و بمعنى آخر تعطل القدرة على التعلم و اكتفاء كل طرف بما لديه (كل حزب بما لديهم فرحون). و يمكننا أن نرى هذا بوضوح في المحطات الفضائية التي تبث هذه الأيام ما لا يكاد يصدق من الاتجاهات المتباينة، يصدرها بشر من نفس التركيب البيولوجي. أي هاردوير Hardware متماثل و لكنه يشغل سوفتوير Software مختلف تماما. فهل صار البحث عن الحقيقة أصعب اليوم؟ الجواب في رأيي لا. و ذلك لسببين. السبب الأول هو أنه بالنسبة للباحث، فإن التوازن بين التأثير الممارس عليه و بين الأدوات المتوفرة لديه لا يزال قائماً، بالرغم من ازدياد وزن كل من كفتي الميزان عما كان عليه الأمر قبل قرون. و السبب الثاني و الأهم هو ذلك الفرق الجوهري بين الإنسان و الميكروب، في أنه بإمكان الإنسان أن يعي ذاته، و أن يراقب نفسه من بعيد، بينما لا تستطيع الجراثيم و لا الحياة الطبيعية أن تفعل ذلك. البحث عن الحقيقة لم يصبح أصعب إلا على من لم يكن يتبع المنهج الصحيح في البحث أصلاً. فمن يقصر بحثه على التلقي و الاستهلاك، قد صار بالفعل في موقع يصعب الخروج منه لأنه ألغى ميزته الإنسانية الأساسية و تحول إلى عنصر مكشوف و محكوم، يسهل توجيهه. أما من "يعقل" و "يتفكر" فلديه من الأدوات ما يكفيه لمواجهة الأعاصير الفكرية الحالية بنفس الفاعلية التي واجه بها العقلاء من القدماء عصرهم.
    الإنسان : موقف

  2. #2
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    اقول معقبا ً على مقالك القيم
    اننا في الدعوة الى الرؤية الاسلامية نسينا حل هذه الاشكالات التي طرحتها
    كون الاعلام يُجري تصويتا ً لصالح جهلنا وظن البعض ان المواصلة لحل مشكلات الوعي في الاستغراق في ماضوية مقيته يعرضها على جمهور المتلقين هو السلاح الوحيد لنشر رؤيتنا الاسلامية لمنهاجنا المهيمن
    انظر الى العراق كيف يتم استغلال العناوين الدينية في شخوص بعض العمامات السنية والشيعية في التهيئة لاستحضار ثارات الماضي فصارت الرؤية الاسلامية واجهة اعلامية لبعض منزلقات التاريخ الاسلامي
    وهنا ضاع المضمون التجديدي للحقيقة الاسلامية ... والامة اليوم في خطر جليل

  3. #3
    الصورة الرمزية بابيه أمال أديبة
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    الدولة : هناك.. حيث الفكر يستنشق معاني الحروف !!
    المشاركات : 3,047
    المواضيع : 308
    الردود : 3047
    المعدل اليومي : 0.46

    افتراضي

    سلام الله عليكم

    بالمختصر، من المؤكد أن هناك "صناعة" اسمها صناعة الرأي أو المزاج العام لمجموعة بشرية معينة. هذه الصناعة لها تقنياتها المدروسة و المطورة و المجربة و الفعالة. أدوات هذه الصناعة هي التعليم و المدرسة و المؤسسة الدينية و وسائل الإعلام بأنواعه. و يمكن تشبيه تأثير هذه الأدوات - بكثير من التبسيط - بالحقل المغناطيسي الذي يؤثر على برادة حديدية منثورة فيستقطبها و يوجهها بشكل منتظم. و كأي صناعة، فإن لها مستثمرين فيها، يصبون فيها مقدراتهم بشتى أشكالها، و يستحلبون منها منتجاً مرغوبا. هذا المنتج هو المزاج العام و الاستقطاب الذي يتكون عند المستهلك لهذه البضاعة، و الذي يضمن تنفيذه للأوامر و طاعته و تبرعه بماله و وقته بل و حياته مقابل ما صار "يؤمن" به.

    كأفراد مجتمع (واعون على الأقل بما يحوم حولنا من مخططات تصب جميعها نحو استغلال تربة أرضنا العربية بمائها وخبزها وتجنيد طاقات أفرادها وقدراتهم العملية نحو إنتاج تصب غلاته في حسابات أجنبية وبعض الجيوب العربية مع الإبقاء على دور حكام ومسئولين يقاسموننا اللهجة ويخالفوننا الرغبات والتطلعات إلى حين)، نرى أنه هناك تباين كبير بين :
    ما نفكر به وما نريد قوله وما نقوله
    ما نريد سماعه وما نسمعه
    ما نظن أنفسنا قد فهمناه وما نريد أن نفهمه وما قد فهمناه
    وهذا يثبت بشكل كبير عدم توافقنا كأفراد مجتمع واحد في التنسيق بين أشكال الاتصال والتواصل بيننا إضافة إلى تشتت مفردات لغة اللسان بين لهجات محلية متعددة..

    ومع تمايل كفتي الجهل والفراغ وقلة اليد في استغلال الوقت بما يعود على صالح الفرد العربي المسلم الواحد ثم المحيط الصغير ومن ثم الجماعة.. لعبت وسائل صناعة الرأي العام دورا طلائعيا في التأثير على أذهان وعقول أفراد أمة لم تعد لها نفس السيادة علما وإنتاجا.. وأولى وسائل هذه الصناعة – كما أشرت سابقا أخي مازن صالحي - هي المدرسة التعليمية (بمنهاج تعليم بال لا زال لم يخرج من بدلته الرسمية والمشكلة من سبورة سوداء وطباشير ومعلمين أغلبهم معلبي الأفكار)، ومؤسسة دينية (أصبحت اجتهادات المفقهين فيها كلما تقدمت خطوات قليلة نحو الفقه المثقف إلا وتعود أدراجها نحو أحكام النساء) ووسائل إعلام (مفخخ بقنابل أنثوية مجهزة للقضاء على آخر رمق من حياء أفراد أمة عظيمة لم يتبقى منها إلا ما خطه تاريخها الحافل بالاجتهاد والتخطيط والانتصارات).. وقانون قمعي وضع إلجاما لنداءات الغيورين بتصحيح المسار قبل أن تغرق السفينة بمن عليها..
    وبهذا نرى تكاثف الأيادي السوداء المستثمرة في العقل والساعد البشري العربي والمستغلة لخيرات أرضه ومياهه.. تكاثف تضاعفت أشكاله ووسائله حتى وصلت وسط البيت العربي..!!


    "البحث عن الحقيقة لم يصبح أصعب إلا على من لم يكن يتبع المنهج الصحيح في البحث أصلاً. فمن يقصر بحثه على التلقي و الاستهلاك، قد صار بالفعل في موقع يصعب الخروج منه لأنه ألغى ميزته الإنسانية الأساسية و تحول إلى عنصر مكشوف و محكوم، يسهل توجيهه. أما من "يعقل" و "يتفكر" فلديه من الأدوات ما يكفيه لمواجهة الأعاصير الفكرية الحالية بنفس الفاعلية التي واجه بها العقلاء من القدماء عصرهم"..

    هنا لن أضيف أكثر من هذا :
    لله دره من عقل مفكر حلل الداء ووضع أسباب المرض وأعطى الدواء الناجع لمن أراد اتقاء جراثيم علة أودت بالكثير منا إلى مهالك كبرى وجعلتهم يمشون جثثا فوق الأرض ورائحة موت الضمير تزكم أنوف من حولهم..

    لهذا فالشكر وحده لا يكفي على ما أضافته لي مقالتك القيمة هذه من أفكار ثمينة أخي مازن.. ويبقى الجزاء الأوفر عند رب كريم يأبى إلا أن يضاعف الحسنة بعشر أمثالها..
    سنبقي أنفسا يا عز ترنو***** وترقب خيط فجرك في انبثاق
    فلـم نفقـد دعـاء بعد فينا***** يــخــبــرنا بـأن الخيــر باقــي

  4. #4
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    الاستاذة نهيلة نور

    اضفت الكثير من النكهة في قرءاتك لمقالة اخي الحبيب الاستاذ مازن


    شكرا ً

  5. #5
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    أطلب من جهابذة الواحة ... وعلى عجل

    ترجمة الكتابين المذكورين في المقال

    تصنيع الطاعة و أوهام ضرورية

    \

    جزيتم الجنة

  6. #6
    الصورة الرمزية عبدالصمد حسن زيبار مستشار المدير العام
    مفكر وأديب

    تاريخ التسجيل : Aug 2006
    المشاركات : 1,887
    المواضيع : 99
    الردود : 1887
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    خليل إلى أن أعود
    أحتفي
    بتثبيت
    المقال
    تظل جماعات من الأفئدة ترقب صباح الانعتاق,لترسم بسمة الحياة على وجوه استهلكها لون الشحوب و شكلها رسم القطوب ,يعانقها الشوق و يواسيها الأمل.

  7. #7
    الصورة الرمزية محمد سوالمة قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Dec 2002
    الدولة : رفح
    العمر : 69
    المشاركات : 488
    المواضيع : 188
    الردود : 488
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    الاعلام سلاح العصر


    وهي المحاضرة الأولى من سلسلة محاضرات تتحدثُ حول فكرة " تأسيس رؤية إعلامية ملتزمة بقضايا المسلمين "، تقدمها شبكة ومنتدى الناقد الإعلامي
    .
    تعريفُ الإعلام ِ:
    الإعلام لغة ً : الإخبارُ، وأعلـَمَ بالشيءِ أي أبلـَغ عنه وأخبرَ به، ومنه التعليمُ أي تبليغُ المعلومات .
    إصطلاحاً : هو الإخبارُ بالأحداثِ، ونشرُ المعلوماتِ والمعارفِ وانتقاؤُها والتدقيقُ في صَحتِها، بناءً على وجهةِ النـّظر في الحياة، وعلى سياسة الدولة، وحَسَبَ مَنْهج ٍ تربوي ٍ معين ٍ ( أي حَسَبَ كيفيةٍ معينةٍ لإيصال ِالمعلومةِ بحيثُ تضمنُ هذه الكيفية ُوصولَ المعلومةِ بالشكل المرادِ).
    والإعلامُ: هو كل شكل من أشكال الاتصال بالآخر لتبليغِه فكرة ما.. ومن هذه الأشكال: الخـُطبُ و حلقاتُ الحوارِ والنـَّدواتُ والتدريسُِ والمؤلفاتُ المتخصّصةُ أو المؤلفاتُ المتنوعةُ كالدورياتِ مثلُ المجلاتِ و الجرائدِ، وكذلك إيصالُها عبر الوسائل الصوتية والمرئية كالإذاعات، والتمثيلُ في المسرحِ أو في السينما.
    وإذا دققنا في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فإننا نلاحظ أنها كانت مليئة بأعمال إعلامية، فقد أعلمَ بالإسلام زوجتَه وأقرباءَه عندما نزل قوله عز وجل: (وأنذر عشيرتك الأقربين)، ثم لما جاء الأمرُ بالجهرِ بالدعوةِ صعَد إلى جبلِ أبي قبيسٍ ونادى هناك على قريشٍ وبلغَهم الدعوةَ. وكان يَصُفّ المسلمين في صفوفٍ يطوفون حول الكعبة ملبينَ، في حركات مقصودةٍ الغايةُ منها الإعلامُ، وكان كلما نزلت آيةٌ قرأَها على أصحابه ونشرَها بينهم، أو طلبَ من أحدِ أصحابِه أن يقرأها على مسمعٍ من قريش. وبعدَ الهجرة أرسلَ الرسلَ إلى ملوكِ الأرض يدعوهم فيها إلى الإسلامِ. وقال : "بلغوا عني ولو آية" . كما شُرِعت صلاة الجمعة والعيدين التي تتخلها الخطبُ التي هي شكلٌ من أشكال الإعلام. وقد كان الحكامُ سابقاً يوْكلونَ إبلاغ َ القراراتِ والأخبارِ للناس ِ إلىِ فرقة ٍ خاصة من المبلغينَ، فيقوم هؤلاء يالنـّداءِ في الشوارع ِ مع قرع الطبول وتعليقِ اللافتات. وهذه الفرقة ُ كانت وسيلةً من الوسائل ِالتي تستخدمُها الدّولة لأجلِ الإعلام .
    أما اليومَ فقد تطورَ الإعلامُ من مجرّدِ إيصال ِ المعلوماتِ و الأخبارِ ليصبح ( سياسة ً تتصدرُ أعمالَ الدّول ِ فتستعملـُها لغاياتٍ معينة، منها: لتشكيل ِ الوعيِ وتوجيهِه ِلدى الشعوبِ، ولتحريكِ النـّاس ِأولتهدئتهم، ولصفـِّهم وراءَ مشروعٍ ما أو التعبئةِ ضد معارضيه). وبذلكَ تحوّلَ الإعلامُ إلى إحدى أدواتِ قيادةِ الشّعوبِ تتجمعُ فيه تركيبة ٌ من المعارفِ، تستخدمُها أجهزةُ الدولِ لتحقيق ِ هذه الغاياتِ في الشعوبِ.

    أبرزالوسائل الإعلامية في العصر الحاضر هي:
    التلفزيون والراديو والصحفُ الدوريةُ والشبكةُ العنكبوتيةُ، هذه هي أبرزُ الوسائلِ الإعلاميةِ التي تُستخدمُ اليوم، ولن نخوضَ في حديثنا حولَ هذه الوسائلِ بوصفِها أنها موضوع بحثنا اليوم بل نكتفي بهذا القدر مِن الحديثِ حولَها، وننتقل إلى الحديث عن أثر الإعلام في المجتمعات. وذلك من خلال طرح السؤال التالي:

    أين تكمن خطورةُ الإعلام ؟
    يكون من قبيل التزييفِ الحديثُ عن اعلامٍ حرٍّ او مستقلٍّ، فكلُّ وسيلةٍ اعلاميةٍ تحملُ و تروِّج لسياسةٍ معينةٍ سواءٌ أكان لِجماعةٍ ما او حزبٍ ما او مريدِ سلطةٍ ما، او صاحبِ سلطةٍ يريد تشكيلَ الرأيِ العامِّ حسَبَ رؤيتِه و مصالِحِه، و هذا ما يجري الان في كلِّ وسائلِ الاعلامِ , فمنذ القِدمِ , سواءٌ أكان على مستوى القصةِ اوالشعرِ أو كان على مختلفِ اشكالِ التعبيرِ الادبيِّ و الفني , كان الانتاج الاعلاميُّ لصيقا بمشروعٍ سياسي ما سواءٌ أكانَ عن قناعة من صاحبه او عن طمعٍ او وظيفةٍ يؤديها، لقد كان المسرح الاغريقي و البابلي يخدم العقيدةَ السائدة التي تقول: إنّ من يحكم العالم هم ابناءُ الآلهة . و في العالم المتخلف كانت الكنيسة تشرفُ منفردةً على ايِّ نوع من انواعِ الاتصالِ بعامة الناس على مختلف انواعِه، و عند ثورة الفنانين الايطاليين على الكنيسة اسسوا شكلاً من اشكالِ الاتصالِ بالناسِ يسعى الى التحرر ِمن السيطرة الفكريةِ للكنيسةِ وهو مشروعٌ سياسي. وفي الاسلام كان الشِّعرُ و الخطابةُ يحملانِ فكرَ الدولةِ و يهاجمان الافكار المخالفةَ له , وفي الصين كان التعبير الدرامي يمجِّد قادةَ الحربِ , ثم اصبح يصوِّر ظلمَ اليابانيين لاهل الصين ,... فالاعلام لصيقُ السياسةِ بل وليدُها و لا ينفك عن خدمتها ما بقيت البشرية.

    واليوم لايكاد يخلو بيتُ مدرٍ ولا وبر إلا ودخلته أداةُ اتصالٍ واحدةٍ على الأقلِّ من خلال وسيلةٍ إعلاميةٍ واحدة على الأقل، لِتصبحَ إحدى أهمِّ مكوناتِ البيتِ، بل الكائِنَ الأكثرَ خطراً فيه، تبثُّ الأفكارَ والمعلوماتِ ليتلقاها أهل البيتِ مهما كان مستوى ثقافتِهم، فيتأثروا بتلك الأفكارِ سلباً أو إيجاباً،وهنا تكمن الخطورة. هذه الخطورة ظاهرة آثارُها السيئةُ اليومَ في الأفراد وفي المجتمعات بشكل واضح، وبيانُ ذلك:
    أن الإنسان يكيف سلوكه في الحياة حسبَ مفاهيمِه عنها، والمفاهيمُ تتكون ابتداءً من خلال الأفكارِ والمعلومات، وأما المجتمع فهو مكوَّن بالإضافة إلى الأفراد من علاقات دائمية بين الأفراد. وتؤثرعلى سلوك المجتمع المشاعرُ المشتركةُ ببنهم. ولما كانت الوسائلُ الإعلامية اليوم مملوكةً لأصحاب الأفكار الفاسدة، فإن الأفكار التي تنشرُ فيها تكون هي بدورها فاسدة أيضاً، مما يؤدي إلى فساد المفاهيم والمشاعر وبالتالي فسادِ سلوكِ الأفرادِ والمجتمعات.
    وتكمن خطورة الاعلام في قدرته على الوصول الى أسماعِ و انظارِ الناس بشكل ملفتٍ وواسعٍ، وباسلوبٍ مدروسٍ يراعي التدرج في التلقي، وبتركيزٍه على الاغلبية من الناس البسطاءِ الذين يسهُلُ تحريكُهم عاطفيا.
    فإذا أرادَ الإعلامُ أن يغيّرَ مفهوماً ما، بدأ بتحريفٍ بسيط لهذا المفهوم، هذا التحريفُ يخفى عادة على الناس البسطاء فلا يستطيعون كشفه، يغلّفُه بما يتماشى مع مشاعرِ الرضى والغضبِ عندَ الناسِ ويُلصقُه بأمرٍ يتعارفُ النّاس على محبتِه أو عدائِه، فيكون ذلكَ قناعاً تمَرّرُ من تحته المُخالفةُ البسيطةُ، والتي تتكررُ في مواطنَ عديدةٍ حتى يتعودَ النّاسُ عليها فينتقلَ إلى مرحلةٍ أكثرَ جرأةً حتى يصلَ في النهايةِ إلى تقويضِ ذلكَ المفهومِ كُليّاً بشكلٍ سافرٍ وقدْ هيّأ لهُ المؤيدينَ.
    مثال ذلك: ان يؤتى بمشايخ يثق بهم الناس يبرِّرون عملا ما , او يعطون حلولا لقضية ما , مثلا قضية الحجاب، حيث قال بعض هؤلاء المشايخ: البسوا الطاقية أو ضعوا الشعر المستعار بدل الحجاب، أو اخلعوه في المدرسة و ضعوه في الشارع بحجة ضرورة تعليم البنات. وبعد فترة تجرؤوا أكثر فأفتوا بأن شكل الحجاب الحالي ليس من الشرع . وهكذا.

    ويستخدم الاعلام في سبيل الوصولِ لمآربِه عدداً من الأساليبِ المعرفيةِ المدروسةِ بدقةٍ. كعِلمِ النفسِ والتربيةِ وعلوم اللغة وعلمِ الدلالات.
    مثال ذلك: استخدام ما يعرف في العلاج النفسي بدفع الحالة الى أقصاها، وهذا ما يمارسه الاعلام الامريكي و خاصة الناطق باللغة العربية، فلأجل تمرير مفهوم معين، يدفع الإعلام حالة المشاعر في المجتمع إلى أقصى حد لها، كالإحساس بالذل، حيث تزيد امريكا من اذلال المسلمين إلى أن يصلوا إلى درجة إحساسهم بعدم الاعتبار، عندها يهون على المسلمين ما هو اقل من حالة الذل الذي هم فيه، وهكذا تكسر الحالة بما هو اقوى منها، وهذا يمارس اليوم على اوسع نطاق في العالم الاسلامي.
    ومثال ذلك أيضاً: واضح لمن يدقق النظر في مراحل تحول الخطاب و المضمون لدى الوسيلة الإعلامية عبر الشهور و السنين. كما هي حال جميع الوسائل الاعلامية اليوم.
    ومثال ذلك أيضاً: أن الإعلام يختار اليوم المصطلحاتِ بدقة لتخدُم التوجهَ المرادَ تركيزُه، وكمثال على ذلك فان كلمة الدول الاسلامية تعطي الناس فكرةَ أن الاسلام مطبق في الحياة في هذه الدول، في حين أن كلمة دول العالم الاسلامي تفصل الاسلام عن الحكم في الواقع الحالي، و من ذلك ايضا كلمة دول الكفر أو الكفار، يقابلهما الغرب و غير المسلمين. ومثل المصطلحات فإن الإعلام يستخدم المفردات اللغوية بدقة أيضاً لنفس السبب. كما أن شكل تقديم المعلومة او الخبر بشكل مسموع له دور كبير في مستوى التأثير على المستمع، فاذا قُدِّم مجلجلا قوياً فإن ردة الفعل ستكون بنفس المستوى من القوة، بيمنا اذا كان التقديم لطيفا حذرا، فان ردة الفعل ستكون بنفس المستوى من السكون.
    ومثال ذلك أيضاً: استخدامُ علمِ الدلالات وهو ما يسمى اليوم بالسيميولوجيا، وهو صف المفردات والمصطلحات بطريقة تحقق الشعور (الاحساس) المرادَ تحقيقُه لدى الآخرين، ومنه أيضاً استعمال الاشاراتِ والتلميحات سواء الصوتية منها او اللغوية او المرئية التصويرية. ويراد من هذا الأمر تحقيق التأثير على العقل الباطني للمتلقي تمهيدا لابلاغه بامر قد يرفضه، او امرٍ قد يحزِنه، او موقف قد يثيره فيحركه.
    والعقل الباطني في علم النفس، هو طاقة يعي بها الانسان ما يجري حوله ويسجلها في عقله دون أن يكون الانسان مهتما أو قاصدا هذا الوعي أو التسجيل. و قد بين علماء النفس أن هذه الطاقة توجه تسعين بالمئة من قرارات الانسان وردات افعاله واستجابته. فركز الاعلام بكل ثقل على هذه الناحية في تقديم الاخبار والمعلومات فحققوا بتركيزهم هذا قيادةَ الرأيِ العامِّ وتوجيهِه، مما جعل الاعلام اليوم سلاحا قائما بذاته وسلطةً يهابها الجبابرةُ والحكام على مختلف قوتهم و سلطتهم و جبروتهم.

    أخيراً فإن هذه هي المحاضرة الأولى من سلسلة محاضرات تالية بإذن الله تطرحها شبكة ومنتدى الناقد الإعلامي تصور من خلالها واقع الاعلام الحالي، من خلال فهم اساليب الكافر المستعمر، الغاية منها تأسيس رؤية إعلامية ملتزمة بقضايا المسلمين، والعمل على إيجاد جبهة إعلامية تحمل مشروع الأمة العظيم مشرع الخلافة الاسلامية إلى الأمة. وذلك بتبيان خطر الوسائل الاعلامية في العصر الحاضر ابتداءً، عن طريق شرح ٍ مجمل لواقع الإعلام حالياً، ومن ثم نقض الأسس الفكرية التي تبنى عليها هذه الوسائل اليوم، ومجابهتها فكرياً عن طريق كشف فسادها، ووصولاً إلى تأسيس رؤية إعلامية اسلامية، تأخذ زمام المبادرة لتبادر إلى تبني المصالح الحقيقية للأمة الاسلامية وتحملها للناس حملاً إعلامياً عبر وسائل الاعلام.
    نقلا عن منتدي الناقد الاعلامي
    وانصح كل اعلامي بزيارة المنتدى
    [motr]من اراد الله به خيرا فقهه في الدين[/motr]

  8. #8
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    جزيت الجنة أخي الغالي : محمد الفاتح

المواضيع المتشابهه

  1. وتعطّلت لغة الكلام(مازن صالحي)
    بواسطة خليل حلاوجي في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 31-01-2013, 08:43 AM
  2. رويدك مازن أخا كريما ..تعزية للأخ الشاعر د مازن لبابيدي بوفاة والده
    بواسطة جهاد إبراهيم درويش في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 10-10-2010, 11:48 PM
  3. كتاب الإعلام والقيم يتحدث عن ممارسات الإعلام العربي والغربي تجاه المرأة
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى قِرَاءَةٌ فِي كِتَابٍ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 21-03-2009, 07:59 PM
  4. ارفعو اكف الضراعه بالدعاء للاستاذ احمد ابراهيم
    بواسطة ابراهيم عباس في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 15-01-2007, 06:09 PM
  5. اعتذار للاستاذ محمد حافظ
    بواسطة لحظة صدق في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 19-01-2005, 08:02 AM