" و بينَ أَصْدَقِ الشّعْرِ و سِحْرِ البيانِ أَجِدُ مَقاعِدي حَيْثُ لا تَمامَ لِمَعاني الكَلِماتِ إلاّ أَنْ تَسْكُبَ الأنْفُسُ فيها مَعانيها "
خُلاصة ما أذهب إليه معك في أنَّ الكلمة حيث كانت ما هي إلى صدى النفس وفكر العقل , أو بشكلٍ أدقٍ الكلمة المؤثرة الحية هي ذلك .
أتيت النصَّ من آخره لاشتراكٍ بيننا في فهم الأدب بصورة عامة , وسأذهب معك في بوحك الذاتي عن أثر الكلمة شعرًا أو نثرًا في نفسك , لنجدك تعرفيننا بك في جمل تجمع بين الشعر والنثر وروح الشاعر وقلب الناثر , وهما لا يجتمعان شكلًا بل حسًّا وفكرًا وهذا ما جعلك بينهما تعضدين المعاني بالمعاني وتسوقين التأثر للتأثير , وتتبعًا لفقر النصِّ المنقسمة إلى جزئين هما التعبير عن الذات المتأثرة الكاتبة والتصوير لحالات الكتابة وهو جانبٌ فنيٌّ أجد التالي :
-" ثم لا تَسوقُ حُجَّةً لما ادّعَتْ و لا تُحَقِقُ فيما وَعَتْ ! "
هذه صفة النفس ويشترك معك فيها كثرٌ , ولو تُرك المجال للعقل في تحديد منهج الإبداع لجاء التكلف غالبًا على الطبع , ويخطئُ كثيرٌ من نقادنا بإحالة الكتابة الذاتية إذا شابهت القديم إلى التقليدية , رغم أنَّ الأنفس يربط بينها شبه كبير , ولعلي أستعير جملة أخي جوتيار التالية " ... فكأنما جعلت بذلك زمنا يمتد في زمن " وهذه حقيق ترابط الأجيال أحاسيس وأفكارًا .
- " يقولونَ إنَّ أصْدَقَ الشِّعْرِ أكْذَبُهُ ! و أقولُ إنَّ وَراءَ كُلِّ تِلْكَ المعاني نَفْساً وثّابَةً حَيْرى لأنَّها تَعْشَقُ أو كانَتْ تَعْشَقُ ."
المقول الصحيح هو ( أعذبُ الشعر أكذبه ) لا يهم , المهم هو أنَّ الشعر ومعانيه كما قلتِ هي تلك النفس الصادقة بشعورها , وهذا ما قال حسان _رضي الله عنه_ حيث أشار إلى أنَّ أعذب الشعر أصدقه , وذلك في بيت من قصيدة .
-" و تأبى البلاغَةُ إلا أنْ تأخُذَ مِنْ نَفْسِهِ بعضَ معانيهِ لتَسْكُبَها فيّ فَيَئِنُّ القَلَمُ على صَدْرِ بَناني ؛ قد أحالَهُ الدّمُ و اللحْمُ إلى روحٍ تُناسِمُ نَبْضي متى عانَقَتْهُ أصابعي ، فأعلمُ أنّها الخِيانَةُ و ما مِنْ خائِنٍ، و أنّها الجِنايَةُ و ما مِنْ جانٍ ! "
ما تشعرين به هنا هو ألم شديد فلا ظلم بينك وبين قلمك على الحقيقة ,غير أنَّ المرء نصفان نصفٌ هو ونصفٌ الآخرون وهذا ما يهون من وطأةِ الإحساسِ بالتعبير عن الذاتِ صرفةً فلا خيانةَ ولا جنايةَ .
- " وَ يَدّعي حامِلُ حِبْري - و هوَ العَجوزُ المُتهالِكُ المُعْتَمِدُ على عَصاهُ الحَيَّةِ أنّ الكِتابَ صَنيعَةُ قَلْبٍ لا صَنيعَةُ لِسانٍ فلا سَبيلَ لِمَحْوِ أثَرِهِ و إزالةِ بَصْمَتِهِ ! فَيغْدو أثَرُهُ بَعْدَ العَيْنِ الّتي رَأَتْهُ حَفْراً في صَخْرٍ لا يَحولُ و لا يَزولُ ... أو حقاً لا أثَرَ بَعْدَ عَيْنٍ ؟ "
لله درك على تقرير فكرة هي أساس متينٌ من أسس النقد جاء بصورة غير مباشرة , وإن ادعى قلمك هذه الادعاء فقد وعى مفهوم الإبداع , لا عليك قد يكون الأثر أوقع من العين وأجمل , وكم من أعيانٍ غلبتها آثارها أو عُرفت أثارها حيث جُهِلتْ هي .
أخيرًا : اقرعي الفكر بالفكر وولدي إيقاعاتِها لتدوم في مسامعنا مجلجلةً نحن بنيات حوراء فكلُّ متذوقٍ خطاب ,, في انتظار دائم لأدبك .
لك التحية .. ودمت بخير