(4) قراءة في رواية "شغل الليل والنهار" " 1 "
للقاص ثروت مكايد عبد الموجود
بقلم / محمود الديداموني
لا أعرف ما الذى جعلنى أتذكر رواية ( ابك يا بلدى الحبيب ) لإدجار ألن بو وأنا أقرأ هذه الرواية ، ربما حجم الظلم ، ربما الجو السوداوى العام ، ربما القضية المثارة أيضا ، فالرواية هناك تدور فى مجتمع تسوده العنصرية ، والرواية هنا تدور فى مثل هذا النطاق وإن اختلف المسمى ، ربما أشياء أخرى ..... ربما ... ربما .
نعود إلى رواية ( شغل الليل والنهار )رواية تدور أحداثها فى فترة الستينات من القرن الماضى ، يتعرض فيها الكاتب ( ثروت مكايد ) إلى اضطهاد الثورة ورجالها للإخوان المسلمين ، وما أدى بدوره إلى عدم التمييز لديهم بين هذا وذاك ، يؤكد ثروت مكايد من خلال هذه الرواية على أهمية عودة النظام الإسلامي إلى الوجود ، حيث بعودته تستقيم الأمور ، ويعيش الناس جميعا فى ظله فى أمن وأمان ، ولست هنا لأناقش أفكار الكاتب أو أتخذ موقفا منها ، إنما الأمر يتعلق بالشخصيات التى أصبحت تتحكم فى سير الأحداث ، وتقدم رؤيتها للمجتمع والناس ، ومن خلال الرواية لا أعرف ما الذى جلب إلى ذهنى قضية موت المؤلف فقررت تنحيتها جانبا حتى لا أتخذ موقفا مسبقا من العمل الروائى ، ولننظر إلى الإهداء الذى يتصدر الرواية , ما هو إلا جملة حوارية لأحد شخصيات الرواية ( عادل النمل ) وهذا يؤكد على ضرورة عدم الفصل بين المؤلف وأبطاله الذين تدور بينهم أحداث الرواية فيقول المؤلف فى الإهداء ، أم أن عادل النمل هو القائل : " كأنما قُدر للدنيا أن تنوء بأصحاب القامات الشامخة ، فتروح تعذبهم وهم على ظهرها .. وقد يستمر العداء للعظمة حتى بعد أن يوارى أصحابها فى الثرى . إنه كلما زاد نصيب المرء من العظمة زاد حظه من عداء السوقة وجهل الجهلاء " المهم أن هناك عاملا مشتركا بين المؤلف وشخوصه . وليس غريبا أن نجد هذا الكم الهائل من الصراع النفسي والاجتماعي والسياسي داخل الرواية .
كما نلمح من الرواية وجود حبل سرى بين الرواية كعمل أدبى وبين السياسة ، ( ولأن السياسة لها تقاليد مغايرة عن الأدب ، فبينما تظل السياسة محددة ، مرتبطة بمنهج معين يتقيد بالأمر الواقع ، فإن الأدب يجاوز دائرة السياسة إلى آفاق أرحب ، فهو لا يعترف بهذا الامر الواقع الذى يُفرض على صاحبه ، وإنما يجاوزه إلى مساحات التعبير ، ويعكس الإرادة البشرية ، بكل ما تحمله من طموحات لتحقيق المثل العليا _ خارج الواقع _ والذى لا يستطيع الواقع السياسى ان يحققه .
تلتزم السياسة بالكائن بينما الأدب يجاوز ذلك الى ما يجب أن يكون ، ولا يعنى ذلك أن الأدب ينحو إلى المثالية التى لا تصمد أمام الواقع ، وإنما ينحو إلى استعادة الحق الضائع ، فى واقع لا يعترف به ولا يشير إلى إمكانية تحقيقه " 2 "
ولعل هذا ما دفع الراوى / البطل إلى التمسك بدعوة زميل سجنه ( رأفت منصور ) إلى الصمود عندما قال رأفت منصور ناصحا له بكيفية معاملة السجان :
- إن ثباتك اشد وقعاً على قلوبهم من سياطهم على جسدك . السجن اكتظ بنا .. بخيرة شباب هذا البلد .. يوجد هنا معنا ثلاثة من الشباب . هم الآن فى غرفة الإنعاش . إنعاش الذاكرة كما يقولون . سوف تراهم وتسمع لهم . إنهم من خيرة شباب هذا البلد البائس كما قلت لك .. منهم الأديب والعالم والمفكر .. سوف تراهم . إنهم يعرفون غاية طريقنا ، لذا فلا صعب .. ما بالك بطريقٍ غايته الجنة وصحبة المصطفى ..
ثم يمهد الراوى للمروى عليه أسباب التمسك بكلمات رأفت منصور، تلك العلامات التى قرأها فى وجهه (واقترب منى .. إنه لمنبسط الأسارير وعلى وجهه الشديد الشحوب تسبح سكينة ، وفى عينيه البراقتين أمل رغم الجحيم .. نعم .. أمل ! ) .
وهذا يقدم لنا أيضا وجها فعالا لمحاولة إيجاد مجتمع يتمسك ولو بالحد الأدنى من الصمود فى وجه القهر السلطوي ، وبالعودة مرة أخرى إلى الإهداء ،نجد هذا المنحى الفكرى ، والموقف المسبق تجاه المجتمع والسلطة ، يمكن القول أن النظرة التى يحملها الراوى _ تجاه كل ذلك _ نظرة فوقية متعالية . من الجدير بالذكر أن رواية ( شغل الليل والنهار) يمكن أن تصنف على أنها تقدم نوعا من وجهة النظر ، وهى مقولة فكرية بالضرورة ، تكشف عن قصدية فى التوجه ، وعن وعى يسبق النص ، ويلحقه ومن ثم يساهم فى التشكيل الفنى والجمالى والفكرى لدى الكاتب . وهى تنتمى إلى الأدب الإسلامى حيث القضية المثارة تعبر عن اضطهاد السلطة للإخوان المسلمين ، والأفكار التى تحملها الشخصيات وتدافع عنها أفكارا إسلامية ، حتى المسيحى الموجود (مدحت شكرى ) يبحث عن الإسلام السياسى .
كما أن التراث الذى تركه الشيخ عبد السلام النمل لا يتمثل فقط فى الكتب الملقاة تحت الأسرة أو على الأرفف ، وإنما هذا المد التأثيرى لدى الناس والسلطة ، فالشيخ عبد السلام يرمز هنا إلى القائد الذى يجتمع الناس حوله ، ويهتفون لأفكاره ويدافعون عنها بكل قوة ،
هذا الأمر يدفعنا لتذكر الشيخ الجليل حسن البنا ، والسيد قطب ، وغيرهم من شيوخ التيار الإسلامى فى مصر إبان عهد الثورة وحكمها ، وما لحق بهم من قهر وظلم ، حتى أن الراوى / البطل يريد الربط بين الماضى والحاضر أو نفيهما عن بعضهما ، خاصة عندما تلقى خبر حمل زوجته " وتابعت تقول :
- عموماً .. ما عندى من أخبار سيجعلك تقبل رأسى ..
ولما لم أنبس . أردفت فرحة :
- أنا حامل .
وتجمد الدم فى عروقى وتمتمت :
- كيف !!
قلتها ذاهلاً وقد طار لبى ، وارتعدت فرائصى ، وتلاشى ما فى عقلى من قدرة على التماسك . حامل .. ذلك محال .. وقلت :
- كيف حدث هذا ؟!
ردت ذاهلة :
- ألا تعرف كيف حدث هذا ؟!
- لا أريد أطفالاً ..
- الله يفعل ما يريد .
- لم أكن أتصور أنك بكل هذه القسوة ..
- ذلك عالم قذر .
- لا شئ يستمر إلى الأبد ..
- إلا هنا ..
- يا لله ! .. أبلغ بك اليأس ذلـ ..
ودق الباب دقات متلاحقة عنيفة . وتطلعت إلى الوراء وكأنما أنظر من طاقة فانخلع قلبى .. نفس الدقات ، ونفس الجو الكئيب ، وهى حامل . وأمى كانت عجوزا . تكورتُ فى جانب السرير ، ونظرتْ متسائلة ، فقلتُ :
- ألم أقل لك ذلك عالم قذر ؟ فالبطل لا يريد زيادة عدد المقهورين، هكذا قرر القهر : يمثل القهر عائقا ضد الحرية الإنسانية النسبية ،وليس القهر مجرد حرمان من الحرية ، بل هو وصف لسلب الإرادة ، أو تعليقها لفترة أو لمدة طويلة . "3 " ولعل القهر الذى تطرحه الرواية ( شغل الليل والنهار ) يعد من أصعب أنواع القهر ، لأنه يشتبك فى علاقاته مع مفردات المجتمع ، يتدرج فى قوته حتى يصل إلى قهر الموت ...هذا ما حدث بالفعل لأبطال هذه الرواية . (قاطعته دون وعى :- أنا !
- لا تقاطعنى يابن اللئيمة ، ولا تتكلم إلا إذا أذنت لك .
وأردف بعد صمت لم يطل :- يبدو أن ذاكرتك لم تنعش بعد ..
- بل أنعشت بما فيه الكفاية . قلتها وأنا أمد يدى أمامى وكأنما أدفع عنى خطراً أعرفه .. ورد ساخطاً :
- لا ألعب معك .
- سوف أعترف بما تريده يا سيدى ..
- ليس قبل أن تقلـ ....
قاطعته متوسلاً :
- سيدى .. سيدى .. سيد .. دى .. لم أدر ما يقول . غير أن ذهنى شرد لحظة وأنا أردد لفظ " سيدى " حين وقعت عيناى على عينيه ، ولمحت ذلك الطرب الذى أحدثته هذه الكلمة فيه ، وبان لى الحق جليا : نحن بالفعل سادة وعبيد .نعم .. عبيد لا نملك أى شىء .. لا نملك إنسانيتنا . حاولت أن أطرد هذه الفكرة من رأسى ، وكان من السهل علىَّ ذلك خاصة والمحقق قد أكمل ما قطعته أنا من حديثه ، فهزنى بعنف حيث قال :
- ليس قبل أن تقلد نباح الكلاب .
- سيدى ..
- دعنا نتسلى قليلا ، فقد أجهدتنى .. هيا اركع وانبح كما تنبح الكلاب . )
ولعل هذا الموقف الحوارى بين الضابطوبين البطل عبده إسماعيل للتدليل على هذا القهر .
وقد وفق القاص فى رصد أدوات القهر ، خاصة فيما يتعلق بالشخصيات والأمكنة ،كما أنه حاول أن يترك الزمن مطلقا لاحد له ، وهذا أيضا يدلل على وعى الكاتب بالفكرة والموضوع مسبقا ، مما أوقعه فى ممارسة دور البصير ببواطن الأمور ، وموجها لأفكار أبطال الرواية فى بعض المناطق ، وهذا يجرنا إلى طبيعة الأدب الإسلامى الذى يهتم كثيرا بالمضمون الواجب تقديم للقارئ أو المتلقى ، بعيدا عن بعض الأساليب الفنية ، أو الرؤى النقدية .
فهنا نجد حوارا لا يمكن بحال من الأحوال أن ينطلق من مثل هذه الشخصية ، إذ كيف تكون بهذا الفكر وتستمر فى حالة التوهان ، وتقف عند مرحلة البحث عن قائد ، ولعلها آفة البشر ، البحث عن قائد يتحمل عنا ويفكر لنا ...إلخ ..
( وقال قائلهم :
- حدثنا يا شيخنا عن الغد ..
- الغد بيد الله .
رد شاب وكأنما لم يعجبه ردى :
- لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ..
- صدقت .
- هذا وعد الله وسنته .
قلت اجتر حديث أصحاب السجن :
- تغيير النفس لن يكون بين عشية وضحاها , وإنما الأمر يحتاج إلى جهد جهيد وصبر .
رد الشاب نفسه :
- كل هذا ندركه جيداً .. لكن طريقة العمل .. ما منهجنا فى السير ؟ , وهل نتحرك فرادى أم جماعات ؟ .. وأى جماعة تضم شتاتنا ؟ , وما معنى وجود كل هذه الفرق على الساحة ؟ .. وكيف نتفق سويا ؟ .. كل هذا يحتاج إلى إجابة . نريد أن نفهم . نعم إننا فى حاجة إلى قدوة صالحة وإلى فهم للأوضاع . فهم لغايتنا نحن وكيف نسلك السبيل إليها ؟ .. هأنتذا ترانا هنا نلقى بأنفسنا فى أحضان الثرثرة والجوزة , لأننا قوى معطلة , لا مجال لنا ولا طريق .. وقد يحالف أحدنا حظه , فيحظى بلقاء أنثوى يشبع فيه جوعه الجنسى ثم يعود ليتحدث عن الغد المظلم أو يحاول نسيان كل شئ عن طريق أحلام اليقظة إذ لا مال لنا كى نلجأ للمخدرات .. أنا لم يحالفنى الحظ كى ألتقى بالشيخ عبد السلام . نعم .. عرفته من تلاميذه . إنهم اليوم أعمدة فى مدينتنا , لكنهم بلا صوت . من يتحدث منهم يُعتقل .. ولا أمل ثمة فى الأفق .. أسمع عن الإنجازات التى تمت فى حياة الشيخ لكن الشيخ مات وتفرق التلاميذ , ولم يجمعهم من بعده أحد .. نحن فى حاجة إلى قدوة .. فى حاجة إليك ولو خضت بنا البحر , لخضناه معك .. ) .
الحوار :
لقد أصبح من الشائع فى أدبيات السرد اليوم أن المبدأ الحوارى الذى ركز عليه الناقد الروسى ( باختين )يعد الجذر الأساسى فى تمثيل تعدد الأصوات وتجسيد روح الاختلاف ، وتطويع اللغة ، لنتلبس بمزاج الشخصيات . " 4 "
إن البؤرة الرئيسية لحوارات هذه الرواية التى بين أيدينا " الجماعات الدينية " ودورها السياسى فى محاولة تغيير المجتمع ، ولعل ما يثير الانتباه فى هذه الحوارات كلمة غاية فى الدلالة يطلقها البطل " عبده إسماعيل " تكشف عن تكوين هذه الشخصية فكريا ، وتقدم مواقفه تجاه المجتمع والسلطة والحياة بصفة عامة ....كلمة ..( ربما ) تكاد تقفز إلى الوجود فىكثير من الحوارات .
( قال الضابط :- أنت مرة أخرى ..
- ربما .. ( وكأنما ألجمه ردى لحظة .نظر إلىَّ نظرة رادعة وقال دهشا :
- ماذا تعنى بـ ( ربما ) هذه !
لا شئ ..
- بم اتهمت فى القضية الأولى ؟
- لا أدرى ..
- قضيت خمس سنوات فى المعتقل ..
- ربما ) .
وهذا حوار آخر يعبر عن مرحلة إنعدام الوزن لدى الكاتب أو فلنقل مرحلة التفكير التى تسبق الهداية ..
(. أذّن الظهر فابتعدت وهى تردد :
- حان وقت صلاتك ..
- لن أصلى .
فغرت فاها عن أسنان نضيدة , وقالت :
- حقاً !
ولما لم أرد , أردفت :
- شئ فيك تغير ..
- ربما .. )
الشخصيات :
يذهب بعض النقاد إلى الفصل بين الراوى والمؤلف على اعتبار انهما كائنان اثنان لا يلتقيان ، أحدهما كائن إنسانى ، والآخر مجرد كائن ورقى ، والحقيقة أن المؤلف مؤلف ،والراوى راوى ، أى لا هذا يكون ذلك ، ولا ذلك يكون هذا ، فأحدهما يكتب ويسجل عالما يخترعه بنفسه لنفسه ، أو لمتلقيه ، ويقدمه فى خطاب مكتوب ، إذا أراد أن يحكى عمله السردى هذا ، فإنه يصبح أجنبيا عنه من بعض الوجوه ."5"
والحقيقة أننى لم أجد اختلافا كبيرا بين المؤلف والسارد فى هذه الرواية ،حتى أن ذلك حمّل الشخصيات _كما سبق وأشرت _ أفكارا ورؤى أكبر من ثقافة الشخصية الممتدة على طول صفحات أحداث الرواية .
( وقال مدحت وكأنما اخترق حجب اللحم والعظام حتى وصل إلى اللب :
- إن الخلط بين الإسلام الدين والإسلام الدولة يؤدى إلى أن تعجب وأنت مسلم حين أدافع أنا المسيحى عن دولة الإسلام ، وأتحمل المعتقل فى سبيل إيمانى بضرورة قيام دولة للإسلام تظل العالم كله .. لكن ذلك العجب يزول حين تدرك الفرق بين الإسلام الدين والإسلام الدولة .. إن المسيحى وكل صاحب دين لن يجد حريته وما يصون له كرامته كفرد من أفراد الإنسانية إلا فى ظلال دولة الإسلام ، ذلك لأن من واجباتها التى هى قائمة لتحقيقها ! حفظ الدين .. حفظ دين المسلم ودين المسيحى ودين اليهودى بحيث لا يكرهه بشر مهما كان سلطانه على الدخول فى دين لا يرضاه , ولا يمنعه عن شعائر دينه .. ذلك من واجبات دولة الإسلام ، وإن لم تقم بهذا غيرت الأمة القائمين عليها , لكونها حكومة مدنية قائمة بأمر الأمة ، لحفظ الدين مع ما تحفظه للإنسان ليحقق أعلى درجات الصلاح فى الدنيا التى خلقه الله لعمارتها .
وتابع مدحت يقول : إن اليهودى حين كان محمد رئيسا لدولة الإسلام فى المدينة قبل أن يرهن درع محمد عنده مقابل ما أخذه قائد الدولة من شعير ليأكل .. لا بد أن نقف عند هذه النقطة طويلا ، ونستخرج منها فقه الدولة فى الإسلام وبذا تتهاوى ترهات القائلين بشق وحدة الصف حين ينادى منادٍ بضرورة عودة دولة الإسلام . إن دولة الإسلام ضرورة حيوية لوجود حضارة إسلامية عالمية يشارك فى صنعها كل من تظله هاتِه الحضارة من مسلم ومسيحى ويهودى .. ) وكأنى أقرأ لنظمى لوقا أحد كتاب المسيحية الكبار فى مصر ، لا مجرد شخصية مسيحية مثقفة وحسب . المهم أن الشخصيات ( لطيفة إبراهيم ، ومدحت شكرى ، ورأفت منصور ، ومحمود سعيد ، وغيرهم أيضا من الشخصيات الثانوية ، ) كان لهم كبير الأثر فى تغيير منطق الحياة لدى الراوى / البطل ( عبده إسماعيل ) .
فلطيفة إبراهيم كشخصية منحرفة تمثل زمنا من وجهة نظرى وتمثل حالة ، وترمز فيما ترمز إلى حالة فقد الذات لطريقها ، معبرة أيضا عن الحالة النفسية للراوى / البطل . مراحل زمنية ثلاث مر البطل بها ، (مرحلة الخطيئة ، مرحلة التفكير ، مرحلة الرفض والقدرة عليه ) . الأمر لايخلو من فلسفة هنا ، حيث بوجود مدحت شكرى يوضح أن الصراع ليس مجرد صراع دينى فحسب إنما هو صراع أعمى لا يفرق بين هذا وذاك ، فى سبيل تحقيق أهدافه ، ولعل هذا ما أثار تساؤلات الراوى، عندما علم بأن مدحت شكرى مسيحى . (تمتمت هامساً :
- لو أعلمتهم أنك مسيحى .. ربما .. ربما أخلوا سبيلك وتركوك . )
وكأن الراوى يريد أن يخلق نسيجا واحدا للبحث عن الحرية المفتقدة ، لأن الغاية الأسمى للإنسان عموما على اختلاف عقائده ، هى المعنى الحقيقى لهذه الكلمة . هذا يعيدنا إلى شخصية ( رأفت منصور ) التى كانت بمثابة المحفز للصمود وقدرة كلماته على الثبات عند البطل .
المكان فى الرواية لن أحاول الولوج إلى هذا العالم الدلالى كثيرا ، حيث يستحق المكان فى هذه الرواية دراسة منفردة تؤكد على مدى أهميته فى سير الأحداث ، إنما فقط سأشير إلى السجن كمكان ، ودوره فى تغيير منطق ورؤية البطل ودلالة ذلك ، السجن لآول مرة كان جراء التظاهر العشوائى ، السجن مرة ثانية لزواجه من زوجة الشيخ عبد السلام النمل وظنهم بأن ذلك سيخلق منه خليفة للشيخ فى أفكاره أيضا ، والمرة الثالثة والتى يمثل السجن كمكان قيمة كبرى لدى البطل . بالطبع فإن مفهوم المكان أختلف فى الحالات الثلاث .
المهم أن الاعتراف بالخطيئة أو الذنب مفتاح الخلاص ، وهذا ما غير أيضا مفهوم المكان لدى البطل ومفهوم الحرية ............. إلخ .
ولا يمكن أن نحد المكان فى معناه الظاهرى ، كما كان الإسلام ظاهريا أيضا عند البطل فى مرحلة التشتت . البحث هنا فى هذه الرواية عن القيم الحقيقية لا الظاهرية المزيفة .
تقديرى العميق للقاص ثروت مكايد وفى انتظار المزيد من الإبداعات التى تقدم إبداعا يحمل قيمة ويدعو إلى الحق والعدل والجمال .
المراجع
1 _ شغل الليل والنهار _ رواية _ ثروت مكايد
2 _ الغيم والمطر _ د . مصطفى عبد الغنى _ مكتبة الأسرة 2003
3 _ النص الأدبى من منظور اجتماعى _ د . مدحت الجيار _ ط2 _2005– دار الوفاء
4 _ الرواية الجديدة _ د. صلاح فضل _ مكتبة الأسرة 2002
5 _فى نظرية الرواية _ د .عبد الملك مرتاض . عالم المعرفة