أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أبحاث مؤتمرديرب نجم ال7(4) شعر العامية أ"

  1. #1
    الصورة الرمزية علاء عيسى قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    العمر : 54
    المشاركات : 1,651
    المواضيع : 95
    الردود : 1651
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي أبحاث مؤتمرديرب نجم ال7(4) شعر العامية أ"

    سياحة قصيرة جداً في ديواني ..
    ( خفافيش ) .. حسين منصور ،
    ( بهدوء طليت ع البحر ) .. حامد أنور


    بقلم / نبيـــل مصيلـــحى



    في الشعر حياة ، وأجمل ما في هذه الحياة
    أن تشعر بوجود العالم فيها
    من لا يمتلك التعبير ، لا يمتلك الشعر

    بقلم / نبيل مصيلحي

    الكثير من الدراسات النقدية تعجز عن اكتشاف ما في النص الشعري العامي من إبداع يتبنى رؤية الشاعر وموقفه تجاه العالم ، أو تطرح ما في النص من أفكار ومعاني وعواطف ورؤى ورموز ودلالات وموسيقى ، ونعزو ذلك إلى انشغال غالبية النقاد بأشياء حياتية أقصتهم عن ميدان النقد الأدبي الحقيقي ، ومواكبة الإبداع المطروح. والبعض الآخر من النقاد يسعى إلى المقابل المادي أجر ما كتب من دراسات نقدية ، وأيضاً منهم من يجامل فيرفع من لا يستحق الرفعة ، ومنهم من يكايد فيخسف بمن يكيد الأرض ، ولهذا فإن حركة النقد الأدبي قد تكون غير مجدية لمن يأمل فيها ، أو يرجو منها إضاءة تنير له الطريق، اللهم إلا القليل من النقاد المخلصين الذين يبتغون الإصلاح الأدبي ، ويصعب عليهم التواصل مع هذا الزخم من الشعراء ، وهذا موضوع .
    والموضوع الآخر الذي أود أن أعرض له ، هو جرأة الكاتب في سرعة إصدار أعماله في كتاب ، وقد يدرك أو لا يدرك أن هذا الكتاب بمجرد إصداره سيقرر القارئ أن كان سيقرأ لهذا الكاتب ، أو سيتجاهله فيما بعد ، فإن أدرك كان من الخير أن يتمهل ، حتى يستطيع تقديم ثمرة ناضجة تضاف إلى رصيد الإبداع العام ، أما إن جهل ، فإنه يقع في مأزق مع القارئ / المتلقي يصعب عليه الخروج منه .
    وحين أجد ني أبحر سابحاً في ديوان ما ، استمتع بالسباحة فيه ، والغوص في أعماقه لأستخرج ما أستطيع من جواهره ، ولا يمكنني بما أوتيت من مهارة أن أحصل على كل ما في أعماقه من جواهر ، لذا يختلف الطرح النقدي من ناقد إلى آخر ، ولا يفوتني إذا ما اصطدمت ببعض ما لا يروق لي في رحلتي أن أتخلص منها بتحاشيها ، بل أحاول اصطيادها وطرحها على شاطئ الحقيقة كي يراها صاحب الديوان ، ويراها من يحب السباحة مثلي في أعماق الإبداع ، وهكذا أراني واضحاً أمام نفسي وأمام المتلقي .
    وقد يظن البعض أن سابق كلامي ليس له علاقة بهاتين التجربتين الماثلتين أمام عيني لاثنين من شعراء العامية المصرية أحدهما " حسين منصور " في ديوانه ( خفافيش ) الصادر عن سلسلة أصوات معاصرة 2005 ، والثاني " حامد أنور " في ديوانه ( دوامة بتحدف غرب الكون ) الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة إبداعات 2003 ، ولكن كان القصد من هذا التصدير هو تقديم صورة للناقد الآن ، وأخرى للكاتب المتلهف على نشر أعماله كي تصل رسالتي إليهما .
    " وفي الشعر معان وأخيلة مبتكرة ، لا يستطيع اقتناصها والتعبير عنها إلا الشعراء المبتدعون ، لأنها فرائد تقطر من القرائح الثرية ، فهي جديرة بأن تنسب إلى مبتكريها ، هم المستحقون بها استحقاق الكاشفين في ميادين الطب والكيمياء والفلك والعلوم ".*
    وقد تراءى لي أن أتناول كل شاعر على حدة حتى لا أصطدم بمقارنة غير عادلة بينهما ، كما يفعل البعض ، وإن كان هذا شائع التناول للتفضيل بينهما ، ولكن فضلت ما ترائي لي متمنياً أن أجيد الغوص في ديوانيهما لانتشال الجواهر من أعماقهما .
    * ( خفافيش ) .. حسين منصور :
    قدم " حسين منصور " ديوانه ( خفافيش ) وهو باكورة أعماله وأحسبه شهادة ميلاد قد تؤهله للتواجد بين صفوف شعراء العامية المصرية يتخذ مكاناً بينهم بقدر ما أنجز في هذا الديوان . والديوان يحتوي على [ 14 ]
    قصيدة ، تفصح عناوين القصائد عن رغبته في القوالة ، فأفعال الأمر المتوالية في قصيدة ( خليك نهار ) ترمي إلى هذا القصد وهو القوالة ، فنراه غير شغوف لرسم صورة ما ، مكتفياً بمحاولة اقتناص الإيقاع الصوتي لإحداث الموسيقى ، ولكن لا تكتمل رغبته , فأفعال الأمر مثل
    [ إحلم ــ حاول ــ فُك ــ إغزل ــ ضفَّر ــ إلمس ــ عيش ــ دُق ــ فادي ــ إرمي ]
    هذا الحشد من الأفعال الآمرة أوقعت النص في تقريرية ذهنية , أعتقد أنها ليست بعفوية صادرة منه .
    ومن الدعوة إلى الحرية في ( خليك نهار ) إلى تلك الخفافيش التي " تنخوِّر جوه الليل " محاولاً هذه المرة رسم صورة شعرية , ولكن تقهره المحاولة ، ولم يتمكن من نقشها ، فيقول :
    والخيل متلجم بالتعاليل / كرابيج بتلسوع ضهر الخيل*( خفافيش)
    إلا أنه يعود سريعاً إلى تلك الرغبة التي تسيطر عليه بافتعاله الصورة الشعرية .
    وكان " حسين منصور " صريحاً مع نفسه التي جعلته يقول :
    مش هاعتصم / مش هالتزم / لا بقافيه ..ولا بأبيات / ولا بمواضيع / هاكتب ولخبط / والزعل ممنوع* ( هاعتصم )
    هذه الصراحة التي أشار إليها جعلته وكأنه يعلن تمرده على الشكل السليم والمضمون الدال ، ليكتب ما يحلو له ، وهذه الصراحة لم ترافقه في أغلب مناطق الديوان ، ولكن سرعان ما يعود ويتراجع عن تمرده ، وكأنه يعاني من حالة عدم استقرار نفسي ، مما صبغ نصه بالتوتر .
    وهو في بحثه عن ذاته / ضالته في قصائد ( ما انا شاعر - أنا إنسان- لقمة عيش - غريب - نزيف الملح ) .. في هذه القصائد الخمس يبدو واضحاً دلالة الغناء ، والقارئ لهذه القصائد لا يشعر بفارق تعدد مستويات الكتابة أو تعدد الأفكار أو تنوع الرؤى ، ولكن سيشعر بأنه يتلقى قصيدة طويلة ، وقد سطرت هذه القصائد هموم ومعاناة وأوجاع الشاعر واصطدامه بالواقع ، كما يشير أنه ليس لديه في الدنيا سوى قلمه وكراسه ، فتفيض منه عاطفة الحب لوطنه ، وهذه العاطفة ممزوجة بمعاني التضحية والفداء فنجده يقول مستخدماً ضمير الأنا :
    أنا شتله في قلب الطين ومزروعه / أنا غنوه صداها بعيد ومسموعه /أنا التجاعيد على جبين الزمن حطه / أنا الورد اللي طلة عطره معروفه /أنا المربوط بحبل الصره من بطني * ( أنا إنسان )
    ويبدو أن هذا الشاعر الإنسان يبحث كغيره من الكادحين على لقمة العيش ، فهو لا يستجدي بشعره الملوك والوزراء والأغنياء ، كما كان يفعل الشعراء في الجاهلية , ولكنه يكابد من أجل هذه اللقمة ، ومع مكابدته , فهو يحلم بالأفضل ، وفي سبيل ذلك لا يهمه اللوم ، أو من يعترض طريقه ، وفي هذا المقطع منضبط الإيقاع ، متوهج المعاناة يقول :
    أدور ارمح ورا المجهول/ كما المهبول وفاتني الدور / أدور اسأل على حقي / مدام جلد الكتاف ميِّت / من القصعه / بنتغمى ونتعلق على الساقيه / كما التيران نلف ندور
    ويقول:
    كلام مكتوب في آخر سطر / أنام احلم . وماتلومنيش على حلمي /
    مدام حلمي بقى مرهون / بلقمة عيش * ( لقمة عيش )
    وتتحدد علاقته الاجتماعية من خلال سعيه عن لقمة العيش للإنفاق على أسرته ــ زوجته وأولاده ــ هذه الزوجة الراضية .. فلا يفوته أن يذكر محاسن طبعها وحكمتها في تصريف بيته ورعاية أولاده .. هذا النموذج من النساء جدير بأن يستأثر قلبه لدرجة أنه تمنى أنه لو كان مثالاً ، لصنع لها تمثالاً .. فنراه يقول عنها :
    وانا عندي عيال / رعياهم دايماً ليل ونهار /
    بتشوف الويل زي النيل / بتسقي عيالها خير وجمال * ( يا خوانا )
    وبرغم تواجده على أرض وطنه وفي أسرته بين زوجته وأولاده ، إلا أنه يشعر بالغربة ، ويتجرع مرارتها كلما ضاق به الحال ، ويبدو أن الغربة ليست سوى غربة الذات عن الجسد ، وفي هذه القصيدة أنه لا يخاطب زوجته أم أولاده ، ولكن هي أخرى قرينة له , ومن أجلها " يشيل الطين "
    لتصونه في أولاده .. فنراه يعبر عن هذا في ذل وانكسار فيقول معاتباً لها :
    وبعد دا كله يا حبيبتي / أكون مطرود / يفيض الكيل / وميهمش أموت أحيا ما انا خدام / وأستنى تقول ارجع / كفايه فراق/ اشد حزامي فوق ضهري * ( غريب )
    وتشغله قصيدة ( إشغل نفسك ) عن ذاته التي مجَّدها وكدَّرها فيما سبق من قصائد ، وبهذه الوصفة التي يراها قد تخرج المهموم من همه ، ويبدو أن هذه الوصفة الخالية من الحكمة ، التي قد يستطيع الإنسان بها تصريف أموره ، أو يستطيع أن تخرج الإنسان من أزمته ، فهي وصفة عبثية أراد بها الفكاهة ، وأحسب أنه إن أراد بها فكاهة ، فعليه أن يجد غاية لها .. فيقول :
    لما تحس انك مهموم / فوَّق نفسك / نزل راسك تحت المايِّه / اغسل وشك /
    اخرج بره / اضحك قهقه / كلم غيرك / كلم نفسك * ( إشغل نفسك )
    ولا أجد حكمة كما ذكرت سالفاً في هذا العبث الذي أراده الشاعر .
    وبرغم سهولة مفردات قصيدة ( انتظار ) .. إلا أنه أخفق في محاولة استخدام الرمز ، فلا هو استطاع طرح الرمز ومنح القارئ دلالته ، ولا هو صرح به حتى يصل للمتلقي تصريحه .. وأسأله لمن هذه القصيدة ؟! ثم يخرج من عبثية ( إشغل نفسك ) , ومن ضبابية ( انتظار ) إلى ( نزيف الملح ) ليستكمل بها قصيدته الطويلة التي تتضمن العناوين ( ماانا شاعر- أنا إنسان-لقمة عيش - غريب ) في حديث الذات وبحثها المستمر عن الراحة ، وهروبه إلى الحلم ، ليجد الحلم من زجاج ينكسر على عتبات الواقع القاسي ، ويصور لنا في هذا المقطع صورة حسية معبرة ، تعلن عن شاعريته ، وقدرته على رسم الصورة المطلوبة في النص ، فهو يقدم لنا لوحة فنية يمتزج فيها المعنوي والمادي ناطقة بالتعب ، وضياع الجهد فيما لا يفيد ، وعناد الدنيا له .. فيقول :
    أعبي الهم بكريكي / واشيل في القصعه أحزاني / وارمي القصعه فين ما ارمي /آلاقي الدنيا قاعدا لي / ترجَّع قصعتي ليَّا / ماليها الهم / واشيل الهم فوق كتفي /واعيش العمر أترنح / ما بين القصعه وكريكي* ( نزيف الملح )
    وفي قصيدة ( يهودية 100% ) يظهر موقفه من اليهود ، ويعتقد أنهم من صنعوا الحادي عشر من سبتمبر ، وأن احتلال الأمريكان للعراق سينتهي ، وستكون العراق مقبرة للمحتلين." وقد تكون المباشر والنثرية قرينتين للعفوية والرغبة في التعبير عن الذات تعبيراً مكشوفاً أو لروح المجادلة والمقايسة ، أو للسرعة وضيق الوقت عن معاودة النظر في الشعر ، أو قد تكونان ناجمتين عن ضعف الموهبة الشعرية ".*
    وأنا أؤكد على أن المباشرة في ديوان ( خفافيش ) رغبة من الشاعر في التعبير عن ذاته ، لا عن ضعف في موهبته الشعرية، فالشاعر يمتلك الأدوات التي تمكنه من إنتاج قصيدة شعرية مكتملة الملامح لو أحسن إحكام الزمام على أدواته ، وأزعم أن " حسين منصور " قد يفاجئنا في الديوان القادم برؤية جديدة يتبناها وموقفاً تجاه العالم ، ليحقق المطلوب منه كشاعر عامية يشار إليه بالبنان ، ويتغنى به عصره .




    الهوامش

    د. أحمد الحوتي .. دراسة بعنوان .. ( الشعر بين التقليد.. والتجديد ).. مجلة الشعر .. العدد الخامس 1977 ص 47 .
    الشعر بالدراسة .. من ديوان ( خفافيش ) شعر / حسين منصور .. سلسلة .. أصوات معاصرة 2006 .
    د. وهبة رومية .. الشعر والناقد .. عالم المعرفة 2006 ص 22 .



    ( دوامة بتحدف غرب الكون ) .. حامد أنور :

    إن الناقد/ الباحث في الإبداع ، لا يقل عن المبدع في إبداعه الذي يقدمه في لون من ألوان الأدب وفنونه ، فكلاهما يجب أن يتوفر له مهارة الاكتشاف ، فالمبدع دؤوب التجوال لاكتشاف مناطق جديدة في الحياة ، وفي الإبداع من صور وأخيلة ورؤى ومعاني ورموز ودلالات تضاف إلى رصيد الإبداع العام .
    والناقد / الباحث أيضاً ، ودائماً إذا أخلص لهذه المهمة ، فهو قادر على اكتشاف هذا المبدع من خلال ما يقدمه من أعمال , يحاول التوحد معه لإبراز ما في أعماله من جماليات ، أو ما فيها من قصور وسلبيات ، ويقوم بإلقاء الضوء عليها .
    ولا يقتصر دور الناقد / الباحث على هذا فقط ، إنما عليه يقوم عبء التوجيه والإرشاد والتقييم والتقويم ، وهذه عمليات أساسية تُعد من صلب مهمة الناقد / الباحث لتحقيق غاية هامة ، وهي دفع المبدع إلى سُبل التنمية الإبداعية ، والنهوض به للتزود منها ، وذلك للارتقاء بمستواه الأدبي ، لتحقيق الغاية الأجَّل ، وهي الارتقاء بفكر ووجدان الإنسان ، ليرقى هو الآخر بفكر ووجدان مجتمعه ووطنه .
    " ولا تزال طرق النقد التي نتبعها في فحص ما بين أيدينا من آثار أدبية مشوبة بآثار العقم والجمود ، فلا تلد نتيجة سليمة الأجزاء ، ولا تنتقل بنا إلى مرتبة ترقى فيها آدابنا ونتصل بهذه الحركة المستمرة الناهضة باللغات . إذ إن نظراتنا النقدية لا تتغلغل في الموضوع حتى تصل إلى روحه ، ولكنها تحوم قانعة بما يبدو لها منه لأول وهلة ، ثم ننتهي من تلك السياحة السطحية وقد خدعتها المظاهر وأضلتا الأهواء.*
    ويحتاج ديوان .. " حامد أنور " ( دوامة بتحدف غرب الكون ) إلى القراءة ، والقراءة المتأنية والتأمل الطويل فيما يطرحه من صور وأخيلة ورموز ومعاني ورؤى ودلالات في بعض قصائده التي احتشد بها الديوان . وفيه قد ترمي هذه الصور والأخيلة والرموز والمعاني والرؤى والدلالات إلى أهداف قريبة ، وقد ترمي إلى غايات بعيدة ، وقد تُحجب عن القارئ ، فيجدها مغلفة بالغموض الذي يحول بينه وبين التوحد مع الشاعر ، فلا يجد ضالته التي ينشدها ، أو يعيش معه نشوة الاستمتاع بالقراءة .
    والشاعر هنا يمر بمرحلة هامة ، وهي مرحلة التجريب ، ولعله خاض هذه التجربة لاكتشاف طرق وأساليب جديدة للكتابة العامية يجسد فيها روح الجماعة التي نشأ فيها ، وأخذ من لغتها ولهجتها ، ومارس عاداتها وتقاليدها ، وتأثر بها ، فشكلت فكره ووجدانه لتنضح هذه المؤثرات في أدبه ، بما يعبر عن روح الجماعة وعن روح العصر .
    ويبدو أن التجريب الذي مر به الشاعر ، لم يتعد محاولة اكتشاف ذاته الشاعرة ، وتمرينها على ممارسة إخراج ما فيها من مكنونات نفسية وحسية وخواطر وجدانية ، ولم يصل إلى اكتشاف مناطق مجهولة في عملية الإبداع ، أو كان نتاجه أن قدم تفسيراً جديداً للحياة ، يساعد على فهمها ، فإن أعظم ما في الحياة ، هو أن نحياها ونكتشف أسرارها .
    وما أروع أن يكتشف الإنسان ذاته ، وهذا في حد ذاته يعد إنجازاً قد يدفع الشاعر فيما بعد أن يرى الرؤية ، فتمتد نظراته إلى أفاق بعيدة.
    وما أجمل أن تلتحم وتتوحد ذات الشاعر في ذوات الآخرين ، تشاركهم أتراحهم وأفراحهم وتكشف لهم أسرار الحياة ، وتنير لهم السبل ، وتهديهم إلى مواطن الفلاح ومراسي الرشاد ، وهذا موجود ولكن بندرة
    في الديوان .
    وفي حال دخولنا إلى عالم " حامد أنور " الشعري في ديوانه ( دوامة بتحدف غرب الكون ) الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة سلسلة إبداعات 2003 ، لم أجد صعوبة في الولوج إلى عالمه ، فـ " حامد أنور " كان يقرأ عليَّ أعماله الشعرية , وكنت شديد الإعجاب بما يكتب ، وكانت بدايته طيبة . والجدير بالذكر أنه كان يحاول كتابة قصيدة
    الفصحى ، ولكن تقدمه في كتابة العامية ، جعلني أدفعه دفعاً هادئاً للاهتمام بقصيدة العامية .. واستجاب ، وكان ذلك في منتصف التسعينات تقريباً ، وفي تلك الفترة كان عليه أن يجد لنفسه مكاناً بين شعراء العامية في الشرقية ، وتحققت رؤيتي ، وفاز " حامد أنور " بجائزتي الهيئة العامة لقصور الثقافة 1997 ، عن قصيدة ( إيقاعات قابلة للرفض )، وعن ديوان ( سبع رسايل شتوية ) ، وجوائز أخرى ، وصدر له ( أحلام الزيتون ) مسرحية . وفي فترة وجيزة حقق " حامد أنور " تقدماً ملموساًً ورائعاً في إنتاج قصيدة عامية ذات سمت خاص ، تؤهله للوقوف في صف شعراء العامية في مصر .
    وانتقل " حامد أنور " من فرع ثقافة الشرقية إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ، وانقطعت علاقته بنادي أدب الزقازيق ، وهذا حال الكثير من الأدباء ممن ينتقلون إلى العاصمة للعمل بها .
    وديوان " حامد أنور " من بداية قراءتنا للعنوان ، نجد ه غامضاً مثيراً للتساؤل بما يجعل المتلقي يبحث عن إجابات .. ما هي هذه الدوامة، ولماذا " تحدف " غرب الكون ؟! .
    ومع إيماننا " أن القصيدة ليست خواطر مبعثرة تتجمع في إطار موسيقي ، وإنما هي عمل تام الخلق والتكوين تتناسق فيه جزئيات معانيه وتترابط الخواطر الوجدانية والفكرية ترابطاً دقيقاً " .*
    وفي سياحتنا داخل معالم الديوان نجد قصيدة " بهدوء طليت ع البحر ".. إن هذا البحر الذي يعنيه الشاعر ليس هو البحر المعروف لنا على خرائط الواقع , ولكن هو ذلك البحر المتواجد في عيون حبيبته , وهذا يمنحنا المعرفة إلى أن للعيون لغة أو لغات أخري ، وأنها لا تعني في كل الأحوال الحب ، ونحن معه ، فالعيون تبوح في صمت بالغيرة والكراهية واللؤم والمكر والحزن والغبطة والرغبة في الانتقام ، فهو يقول بأسلوب إيضاحي وبلغة الفاهم :
    مش دائماً لغة البحر بتعني الحب
    ولا دايماً موجه بيهدي لبر أمان * ( بهدوء طليت ع البحر )
    كما تبدو العلاقة بينه وبين البحر علاقة خوف , والخوف إذا سيطر على المشاعر أربكها وجعلها متوترة عاجزة عن التعبير أو طرح الدلالة.. فيقول:
    دا بيرمي شراعه بساريه / وعاجزه تسد طريق للجوع / ولإني بخاف من إني أكون صياد / فضلت أسيب البحر / يجر الشط الخايب من رجليه /
    علشان معرفش يرد الصمت الضارب فيه* ( طليت بهدء ع البحر )
    ونجده أيضاً .. يكرر .. ( ولإني .. من إني .. ولإني .. من إني ) وكذلك مفردة .. ( دايماً) ، وكان يمكنه استخدام مفردات أخري ..
    ولا أعرف لماذا بدأ ديوانه بهذه القصيدة , فالديوان به من القصائد الناضجة تصلح لأن تتصدر هذه المجموعة ، ولكن يحمد له محاولة استخدام الشفرة والمفتاح أو الرمز والدلالة .
    ونراه يقول في قصيدة .. ( جايز أبوح ) .. رغم عدم بوحه بالسر ..!!
    جايز أبوح/ تطفح عينيا البكا وتفوح /والقلب الموارب ضلفته يمتك / ألقاه مغلق بالشقا والنوح / م انت اللي شارد خوف وبترفض الصحبه / سلمت ضهرك لخطفة التيار / حلمي الكبير انهار .. لما انتهج منك / وانت اللي سابح في شوك الوهم طوالي / عكازي ليه مبقاش / بيدوس معايا الأرض
    يأخذنا هذا الإيقاع الصوتي ، في احتمالية البكاء والغناء , حيث تبدأ القصيدة بسؤال في كلمة واحدة وهي ( أبوح ) ..؟!
    سؤال يغلفه الخوف من إغلاق هذا الباب الموارب .. وتكون القطيعة ..!!
    ويليه الاحتمال الذي يشد خيط بداية النص الذي أهداه لأخيه .. وهو احتمال
    البوح والغناء ، والبوح هو الفضفضة .. أي عملية إخراج مكنونات النفس على مائدة العتاب واللوم . وتضح العلاقة هنا ، بأنها اجتماعية أسرية شديدة الخصوصية , كما يدلل على أن شهر رمضان بأيامه المباركة يجمع الفرقاء وفرصة للتصالح ونبذ الخلاف ، ورغم ما طرحه من فضفضة .. لم يبح بالسر، ولكن الأمل دائماً يدفع الإنسان إلى إعادة المحاولة ، والغناء قد يكون للترويح عن النفس المتعبة المتأزمة من جراء هذا النوى بين الأخوة ، ولكنه لم يتعرض للغناء ، وفي النهاية لم يجد سوى أن يناشد أرواح الأموات .. الأم التي كانت تلملم شمل الأخوة ، والأب الذي كان يروي قلوب أبناءه بلون الحياة/ الخضرة .
    ثم ننتقل إلى معزوفة أخرى ، ويكفي " حامد أنور " هذه القصيدة الطويلة المعنونة بـ ( قصائد بلون الدم ) ليعلن عن شاعريته ، وصدق تجربته الشعرية ، فنراه أحسن في توحده مع أغاني العندليب عبد الحليم حافظ :
    - في الجراح .. يقول : ( كان تالتنا جرح أكبر م السنين )
    - وفي الحزن .. يقول: ( كل الحاجات الحلوه يلزمها مسحة الحزن الأخيره)
    - وفي الغربة .. يقول : ( من كام سنه سواح غريب )
    -وفي انكسار الحلم وعناده .. يقول : ( الحلم رافض يكتمل )
    - وفي الانتظار .. وجمراته التي ألهبت المشاعر خلال ( 6 ) سنوات نكسة67 ، وكانت معاناة العندليب ومشواره مع المرض ، ثم انفراج أزمة الوطن وشروق شمس انتصار أكتوبر 1973 .. فيقول :
    كل صعب كرهته غاب / والمحال مقدرش يصمد / تحت رجلين الرجال / غنيت بصوتك المصري الأصيل / قمنا عدينا القناه
    - وفي الأمل وإشراقه واليأس وعتمته .. يقول:
    لسَّاك بتحلم بالأمل / وتعاند اليأس الطويل / لسَّايا بتبع خطوتك يم الشروق
    - وفي الخوف ، ومن العودة إلى الوراء .. يقول:
    كنت خايف عشقك المجنون / لياخدك يحدفك للإنفعال / تسقط حروفك بين إيديا / وارجع أندب فرقتك / دانا عمري ما فكرت اشدك للورا /
    - وفي البحث عن الحرية .. يقول :
    وانا بعشق الطيران / واتمنى لو أغطس معاك / جوه بحور عمك نزار
    - ويرى فيه الخلاص .. يقول :
    وانت لسّه في الوريد / ينبوع حياه / تدخل قلوبنا ويَّا أول فجر / طالع ينسلخ منه الخلاص
    - وفي حبه للوطن.. وهذه الأغنيات التي ترسم ساعة صفاء الوطن عندما يحضن فرحته ، في صورة حسية .. يقول :
    ترسم غناويك الجميله للوطن / شكل وملامح / ترسمه ساعة صفا لما بيحضن فرحته / وف كبوته ما بتنسهوش
    - وساعة تخر العزيمة .. ثم يتم التسليم للقدر .. يقول :
    ومشيت على الأشواك / تبهرك أشعار جاهين / واما نار الفرقه قادت / قلتها برضه ف غناك / قلت ليَّ والمرار عارف طريقه للبدن / ومنين حانهرب م القضا .
    وتبدو علامات الرحيل داخل بنية النص جلية لتشكل ملمح الوداع ووصول القصيدة إلى مرفأ النهاية ، إلا أنه تركها بما فيها من عواطف وأشجان ومشاعر دافئة ، ليترك الجميع على مرسى الانتظار بين أمرين / الوداع والبقاء ، وتبقى الذكرى .
    وفي قصيدة ( ايقاعات قابلة للرفض ) برغم فوزها بجائزة الهيئة العامة لقصور الثقافة .. إلا أنني أطرحها من مجموع قصائد هذا الديوان ، حيث لم تمكنه أدواته أن يبلغ منزلة الشاعر الحكيم في محاولته الوصول إليها . وفي مراوحة بين النثر وشعر التفعيلة يقطِّع النص بمجموع حروف ( م ل ك و ت ) / ملكوت .. فهو يشير إلى الموت في حالته الصغرى ، وهي النوم ..
    وفي حالته الكبرى ، وهي انتقال الروح إلى بارئها ، وبينهما موت المعاناة ، وهي معاناة الإنسان التي تجعله لا يشعر بحياته ، فيستوي عنده الحياة والموت ، وما من جديد يقدمه ..!!
    كما لجأ إلى المثل الشعبي المتداول ( مبروم على مبروم مايركبشي )
    ووضعه عنوة في غير موضعه , غير دال على معناه .. فيقول :
    والله المثل ميَّاس / لمَّا تشد مبروم على مبروم .. ما يركبشي /مع إننا من طين
    الآرض ما قلتشي / زي المثل ما اتقال
    ولا أرى هنا أي مجال للقسم بالله .. فالمثل يضرب عندما يمكر ماكر على ماكر.. فالأمثال الشعبية لم تأت من فراغ ، وإنما هي تعبر عن حكم وخبرات الآخرين. والمتأمل في قصيدة ( كلاكيت ) يتوقع أن الآتي بعد هو تصوير لمشهد ما
    في فيلم ما , وما أن يبدأ الشاعر قصيدته ، نجده ..
    يحكي : بنتولد أحرار من غير قيود
    ويفسر : هيَّه الحياه
    ويذكِّر : وبننسى برضه إننا رهن الحقيقه والمصير للدود
    ويسأل بسؤال لا معنى له : الأصل واحد .. ولا التراب كان ليه ؟!
    وتطل علينا ( خمس شجرات لمون ) تحمل على أغصانها ثمرات ناضجة مفيدة .. لتعلن مع قصيدة ( قصائد بلون الدم ) عن ملمح النضج في شاعرية " حامد أنور " , وقدرته على التصوير البصري ، فهو استطاع رسم لوحتين لعالمين في زمنين متناقضين لأطفال المدارس في عالم الأمس ، وعالم اليوم ، وما في العالمين من تباين ، وتفضيله لعالم الأمس بفطرية ناسه وعظمتهم .
    وقصائد أخرى تعبر عن حياته الخاصة وعلاقته بأسرته وبأصدقائه ، وقصائد من مذكراته اليومية تطرح همومه وتكشف عن ذاته المتشوقة إلى الاستقرار في ظل هذا الواقع المؤلم ، وهو يبحث عن لحظة مستقرة يخ طفها من تحت عجلات هذا الزمن .. لحظة لا تتوه منه الشوارع ، أو تضيع من بين يديه الحياة .
    والديوان يحتوى على ( 24 ) قصيدة .. كان يمكن لــ " حامد أنور أن ينتقي منها ، أثنى عشر قصيدة تكفي لديوان عامية يشهد لصاحبه بالشاعرية, وتبرز الجوانب / الإنساني والمعرفي والنفسي والوجداني في تجربة ناضجة، إلا إنه تأثر بغواية الحرص على كل ما كتب ، ولم يستعمل فنية الحذف التي يجب إجادتها كإجادته لفنية الكتابة .
    ويبقى الديوان كالبحر في أعماقه الدر من الإبداع ، وقد يأتي من يغوص في أعماقه ويستخرج ما استعصى علينا استخراجه.

    الهوامش :
    د. محمد ضياء الدين الريس .. كتاب الشباب .. مكتبة الأسرة ( ثلاثة شعراء مصريون ) .. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1999
    ص3 .
    تأويل العابر / تأويل ناقد مهمل .. البهاء حسين .. كتابات نقدية .. الهيئة العامة لقصور الثقافة .. أبريل 2000ص145 .
    الشعر بالدراسة .. ديوان
    ( دوامة بتحدف غرب الكون ) .. شعر / حامد أنور .. سلسلة " إبداعات" الهيئة العامة لقصور الثقافة
    2003.
    هذا بعض منى http://alaaeisa.maktoobblog.com/

  2. #2

المواضيع المتشابهه

  1. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 3" الرواية " أ "
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-06-2009, 08:13 PM
  2. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 1 " شعر العامى "ب"
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 29-07-2008, 07:03 PM
  3. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 5" " قصة ب"
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-03-2007, 10:08 PM
  4. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 2. الرواية" "ج "
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-03-2007, 02:39 AM
  5. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 2. الرواية" "ب "
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-03-2007, 02:19 AM