أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 1 " شعر العامى "ب"

  1. #1
    الصورة الرمزية علاء عيسى قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    العمر : 54
    المشاركات : 1,651
    المواضيع : 95
    الردود : 1651
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 4" شعر العامى "ب"

     علاء عيسى فى ديوانه " خيانة "
    يسعى للتجاوز وكسر المألوف ويغرد خارج السرب !!
     على عبد العزيز رغم عتمة الواقع وقسوته فى ديوانه
    " نعى الغلابة لبعضهم" ما ذال قادراً على الغناء !!
     ناصر فلاح يعود لرياض الشعر ليغرد للمحبوبة والوطن!!
    بقلم / مجدى محمود جعفر
    علاء عيسى يعزف فى "خيانة" خارج السرب
    ـ 1 ـ
    لا أعتقد أن شعر العامية المصرية قد خرج من معطف الزجل كما يروج البعض – لكنه جاء لظروف تاريخية وأسباب حضارية وفنية على أيدى مجموعة من الموهوبين أمثال فؤاد حداد وصلاح جاهين والأبنودى وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم ونجيب سرور ومجدى نجيب ومحسن الخياط وغيرهم .
    والزجل الذى كان مقصوراً على رواد المقاهى من المثقفين ، عجز عن الخروج بقالبه الفنى إلى الجماهير ، ولم يستوعب من حيث الرؤية والأداة التطور التاريخى والحضارى ، ومن ثم تقوقع ، وانحسر ، وسحب شعر العامية منه البساط ، وعليه – فمن الخطأ أن يربط بعض النقاد شعر العامية بالزجل ، ويعتبره البعض امتداداً وتطوراً له ، مثل شعر التفعيلة الذى هو امتداد للشعر العمودى ، وهذا منزلق آخر من مزالق النقاد الذين يربطون ما بين شعر العامية وشعر الفصحى من حيث التطور التاريخى ومن حيث الأدوات الفنية ، وانطلت هذه الخدعة على الشعراء الجدد – وخاصة شعراء العامية ، وراحوا يقلدون شعراء الفصحى ، وواصلوا بقصيدة العامية إلى ما أسموه الآن بـ"قصيدة النثر العامية" تيمناً وتقليداً أعمى لشعراء الفصحى ، وبدلاً من أن يجهد النقاد أنفسهم فى البحث عن جماليات شعر العامية وأدواته ، ونظرياته الخاصة به – يكتفون بتطبيق نظريات الفصحى على العامية – استسهالاً ، وائتناساً بتراث الفصحى الثرى والضخم والمتراكم عبر آلاف السنين ، وأصبحت المسافة واسعة بين جيل الرواد فى العامية وشباب شعراء العامية الجدد والذين هم مسخ مشوه لشعراء الفصحى ، وقليلون ، قليلون جداً هم الذين ينفلتون من هذه الدائرة ، ويعزفون الآن خارج السرب ، ولكنهم للأسف محاصرون ، ولا تجد قصائدهم طريقها إلى النشر فى الصفحات الأدبية التى تسيطر على معظمها متعاطى قصيدة النثر. وعلاء عيسى واحد من هؤلاء المغيبين ، والمبعدين ، لأنه من جانب يعيش فى أقاليم مصر ، ومن جانب آخر لا يتعاطى قصيدة النثر ، ومن جانب ثالث لا يملك الإرادة الكافية للقتال من أجل إيصال فنه إلى الجماهير ظنا منه . وهو واهم . أن العمل الفنى الجيد هو الذى يقدم نفسه فيقول :
    تنزل من بيتك وتبص بعينك ع الجرانين / لجل تدوَّر على أى قصيدة / يمكن سهوًا تنزل لك / أو حد يهمَّك / أو تقرا أخبار ع النادى بتاعك / تتصفح كل الجرانين / ماتشفشى . غير بس دراسة لناقد / عن واحد مابيعرفش شئ عن وزن الشعر / مابيعرفش غير الصوت العالى وبس / ومعارف / كل الأسماء محفوظة / لجل يْحَفًّظوا بيها القراء / والقراء / ماعادتش بتحفظ صـ 22
    و إذا كان الشاعر هنا يوصف حاله – وحال كل الشعراء الموهوبين أمثاله , فإنه أيضا يقدم تنظيرا لواقعنا الأدبى والثقافى الذى تراجع أمام الهجمة الشرسة للانفتاح والعولمة والخصخصة والاقتصاد الحر :
    وتدوَّر ع الصفحة الأدبية / شايلينها لوقت العوزة / حطوا مكانها إعلان عربيات / أسعارها طبعا مش لينا / للناس العايشه هناك فى بلدنا/ أو يمكن إحنا العايشين هنا فى بلادهم صـ 28
    إنها غربة المثقف الحقيقية ـ وتراجع دور الثقافة ودور المثقف .
    -2-
    وعلاء عيسى صاحب تجربة شعرية طويلة نسبيا تربو على الخمسة عشرة سنة أو تزيد قليلا – أصدر خلالها "العزف على أوتار ممزقة" ، "عفوا سقط العنوان سهوا" ، "عشرة طاولة" ، "واحد واخد على خاطره" ومؤخرا أصدر ديوانه الجديد "خيانة" وهو محل قرائتنا – عن سلسلة أصوات معاصرة فى (72) صفحة تقريبا من القطع المتوسط برقم إيداع 17801/2005 م فى غلاف أنيق وجميل "فصل ألوان" .
    وعلاء عيسى فى ديوانه الجديد "خيانة" كما فى دواوينه السابقة لا يفقد صلته بالمتلقى ، بل يحرص على التواصل معه من أقرب الطرق وأيسرها ، وهو واحد من الذين يحملون رسالة مثل الشاعر "النبى" ينطلق من رؤية واضحة ، وله فلسفته وأيدلوجيته ، منحاز إلى أبناء جيله وأهله وناسه ، منحاز إلى جموع الناس التى تعانى وتجاهد ، فيختار المواطن المطحون ليكون صوته ، ونبضه ، واحساسه :
    "الأيام بتجرجر فىَّ / تشد ف شعرى / وبتمسح بىًّ الأرض" صـ 66
    هذا البيت من قصيدة "إوعى تموت" : يلخص موقف الشاعر ورؤيته ، فهنا الإقرار من الشاعر بقسوة الزمن على المواطن العادى ، وسحقه له ، فالأيام تجرجر المواطن العادى البسيط فقط ، وتشد فى شعره ، وتمسح به الأرض ، لاحظ هنا الصورة الشعرية ، وبساطة تركيبها ، ودلالاتها ، وجمالها ، هذا الانسان البسيط "المرمطون" فى يد الزمن ممنوع حتى من الحلم ، فالحلم مقصور على الصفوة :
    "أحلامهم بس المشروعة / وحلمك مش مشروع" :
    وإن كان ولابد من الأحلام لهذا المواطن فهى للتنفيس :
    "أما التنفيذ / ممنوع / منعاً باتاً تتكلم" :
    وآخر أمانى هذا المواطن أن يحلم جواه :
    "بقى أخر حلمك تحلم جواك / والحلم خلاااااص !!"
    فالإنسان المستلب حتى من أحلامه يخاطبه علاء متهكماً ، والتهكم والسخرية أداة من أدوات المقاومة عند علاء عيسى كما هى أداة وسلاح المقهورين من أبناء الشعب :
    "خليك كده .. لابس عباية لانكسار / وادفن مشاعرك / خليك كده جوه الحصار / خليك جبان / واياك تغير موقفك ".صـ 52 , 53
    وهى دعوة من الشاعر لهذا المواطن بالتحرر من ربق الاستغلال ، ودعوة له بكسر قيد العبودية .
    -3-
    ويشغل الفقر مساحة كبيرة من حيز الديوان تكافئ مساحة الفقراء على الأرض والشاعر منحاز لهم بطبعه ، ولنقرأ مثلاً :
    "إن رحت لقيت القبض / قول ان شالله . إياك تنسى / دوا للبنت . عدى على الدكتور بالمرة / كان بيقول محتاجة أشعة" . .صـ 20
    " البنت تقول لك نفسى يا بابا آكل (لحمة) / تضحك طبعاً . جاهلة البنت لو عرفت / إن الكيلو سعره معدى حدود الصبر / كانت تنسى معنى الكلمة" صـ 20
    ويقول أيضاً سارداً لمأساة الموظفين والفقراء ومعدداً لمشاكلهم وهمومهم ، واحتياجاتهم اليومية والمعيشية الضرورية :
    "خلونا نحلم بالرغيف / خلو البيوت مقفولة تحسب دخلها وتوزعه / هايكفى إيه ويكفى مين / ناكل بإيه .. / نشرب بإيه ../ نركب بإيه ../ نلبس بإيه ../ نسكن بإيه .. / وان جينا عزنا نروح لمين / ومنين نجيب سعر الكتب / ومنين نجيب درس العيال / ومنين نجيب الأنسولين ؟ / بقى حالنا يصعب ع اليهود !" صـ 55 , 56
    - 4 -
    ومن الطبيعى أن تشغل السياسة أيضاً حيزاً من مساحة الديوان كما تشغل مساحة من عقل وتفكير الشاعر ، فالأمة العربية منكسرة ، ومنهزمة ، وتعيش أسوأ فترات تاريخها :
    "وعشان كده / حطوا القواعد عندنا .. / جابوا جنودهم أرضنا .. / الضرب فينا ومننا .. / بقينا أعداء البشر / هما الضحية .. واحنا أصبحنا خطر " .صـ 56
    وستظل العلاقة ملتبسة بين الشاعر والمثقف من جانب وبين السياسى من جانب آخر . فالسياسى يتعامل مع الواقع ومع الممكن والمتاح والكائن بينما الشاعر ينظر للأمر من زاوية ما يجب أن يكون , وعلاء يكون زاعقاً أحياناً .. وهامساً أحياناً , فهو يزعق حينما يتطلب الموقف الزعيق والصراخ . ويكون للزعيق ضرورة فنية وأسباب موضوعية .. ويلجأ أحياناً إلى الإسقاط والتخفى وارتداء الأقنعة واستخدام الرمز الماكر , فيتخفى مثلاً وراء شخصية "جحا" وهى شخصية تراثية شعبية ليبث من خلالها أفكاره وأراءه بخبث فنى وبذكاء سياسى , وخاصة فى المسائل الخطيرة والتى تمس قضايا شائكة . مما يسمونه الأمن القومى .. والمواقف القومية , والقرارات المصيرية ..
    فجحا يميل إلى الانعكاف والاعتكاف فى داره ظنا منه أن ما يجرى فى الخارج لن يطوله طالما أوصد على نفسه الباب ، فالحرب اشتعلت أوزارها فى الخارج :
    الحرب شغاله هناك ..
    "والدش" بيجيبها هنا / واحنا هنا جوُّه البيوت / ضاغطين بإيدنا ع "الريموت" / آه يا جحا .. / مانتَ اللى ياما قلتها / الضرب لو كان فى الجيران مش مشكله / شخر ونام تحت الغطا
    وحلنى لمَّا هاتوصل عندنا صـ 54
    وكان الشاعر موفقا للغاية فى التقاط شخصية "جحا" التراثية ليسقط من خلالها على بعض الحكام وسلبيتهم , ويجعل منها – أى من شخصية جحا – رمزا دالاً عليهم وعلى مواقفهم المزرية , فالشاعر يخاطبه قائلاً :
    مين اللىِّ قاللك ياجحا الضرب هايوقَّف هناك / دا الحرب بتقرب هنا/ زاحفة وجايه عندنا
    ويكشف الشاعر فى كلمات قليلة وعبارات دالة وموحية وإشارات سريعة عن المقدمات التى تسبق الحرب العسكرية – وهى الحرب الاقتصادية والحصار الاقتصادى – من خلال إقامته الذكية للعلاقة بين "الدولار" و"الجنيه" :
    واقفين نبحلق "للدولار" / لما "الجنيه" أصبح مسيره للعدم
    وحينما يخطف الدولار أبصارنا وتصبح له السيادة الاقتصادية وتنعدم قيمة الجنيه , يكون الفقر المدقع ويصبح :
    بيننا وبين الفقر كام / بيننا وبين الحرب كام / إحسبها تطلع كام قدم
    الشاعر يحاول على مهل – وبذكاء وروية – أن يهدم نظرية (جحا) الأمنية ويبين خطورتها عليه – وعلى الوطن – ويحذر من الطوفان القادم , ويفضح أغراض المستعمر ويكشف عن نواياه :
    كالعادة / أمريكا بتضحك ع العالم / عايزه المولد يفضل فاضى / ْوتعمل صاحبه
    وإذا كان علاء – قد استخدم جحا ولجأ إليه كحيلة فنية ماكرة – ليقول ويعبر عن قضايا عويصة وشائكة وخطرة – فإنه لا يعدم الحيل والوسائل – ليقول ما هو أكثر صعوبة وهذه ميزة لشاعر فنان , وما أكثر القضايا التى عالجها علاء بفنية وحرفية فى هذا الديوان وفى الدواوين التى سبقته .
    - 5 -
    يتماهى علاء كثيرا مع الطبيعة , ويقدم لنا لوحات كونية جميلة يشكلها من مفردات الطبيعة والكون مثل [ الشمس – القمرة – الضى – الليل – النجوم – الصبح – البرق – الرعد – الظلام ... إلخ ] ولا يكتفى بالوصف الظاهرى للمشهد الكونى , ولكنه يكثفه ويعمقه , ويردفه برؤية إيمانية عميقة .
    والشاعر فى المشاهد الكونية التى يرسمها بمهارة – أقرب إلى الصوفى فى علاقته وتماهيه مع الكون ومع الله .. ولنتأمل هذا المشهد أو نقرأ له هذا الوِرد إن جازت التسمية :
    والشمس ح تطلع فى معادها / والقمره ح تخاف من ضى الشمس ليحرقها / فَ بتِداَرى ./ ولحدّ ماييجى الليل / ويمد خيوطه جدايل. فوق الكون / ح تنادى القمره نجومها. لجل ماتطلع / ويقضّوا الليل حكايات / ويضيع الوقت ما بينهم / ومّا يحسوا الصبح بشبه حراره .. / تبقى الشمس بتعلن / بعد دقايق ممكن تطلع / تتخَبى نجوم الليل والقمره معاهم / ويروحوا يناموا صـ 68
    وتأملات الشاعر فى الكون يتولد عنها رؤى وتجليات , ففى نهاية المشهد أو الورد السابق يقول :
    ومابين طلوع الشمس وغيابها ..! / تحصل أشياء / سبحانه الظاهر والباطن . جوَّه الأشياء
    ويمد الشاعر فى المشهد الكونى الذى يفجر رؤاه الايمانية لتتسع الرؤية :
    السما ح تمطَّر ميَّه ونور / على برق ورعد . وشويه ضلاّم / والشمس ان طِِلْعِت يبقى خلاص .. / الضلمه تنام / ودا شئ مش كل الأشياء !
    وتأتى فى نهاية المشهد أو الورد الخاطرة الإيمانية :
    وان مات الشئ .. مابيحصل شئ / الكون ح يكون / سبحانه المالك أمر الكون / والخالق للأعمى عيون .. / ماتشوفشِ .../ وْخالق للمبصر عين .. / بتشوف ... /مع إن العين دى بتشبه / نفس العين ... ! / وْنفس الحجم ونفس اللون ! / سبحانه القايل كن للشئ / والشئ بيكون صـ 69
    – 6 ـ
    يتميز علاء فى هذا الديوان بتنوع الأشكال والقوالب الفنية , فهذا الديوان يضم ست قصائد – وكل قصيدة يصوغها فى شكل وقالب فنى جديد ومختلف – ولا يتأتى هذا إلا من عمق وتنوع التجارب لدى الشاعر وأنه يملك من الحيل والوسائل الفنية ما يعينه على ارتياد مناطق جديدة بدربه وخبرة ، فعلاء الذى كتب قبلا عشرات الأغانى ولاقت قبولا واستحسانا وحفاوة طيبة من القراء والنقاد على السواء قد خلى منها هذا الديوان فإذا كانت تجاربه الجديدة ضاقت الأغنية – التى يجيد كتابتها عن استيعاب هذه التجارب , فإنه يتلمس بث تجاربه وأفكاره فى قوالب وأشكال أخرى ولعل أبرزها القصة , ويبدو أن كتابة القصيدة / القصة أو القصة القصيدة . هذا اللون هو الأقرب إلى علاء وإلى طبيعته الحكائية , فلدية قدرة رائعة على توليد الحكاية من الحكاية , ولضمها , وانتظام حكايات صغيرة فى خيط شفيف كعقد أو مسبحة , سلسلة من الحكايات لا تنتهى , قد يبدأ بحكاية صغيرة ثم تتسع الحكاية وتتسع إلى ما لا نهاية من الحكايات , وقد مال مؤخرا إلى كتابة المطولات الشعرية فى قوالب قصصية والتى بدأها بـ "عشرة طاولة" ثم "واحد واخد على خاطره" وأخيراً "خيانة" التى احتلت وحدها (32) صفحة من الديوان الذى لا يتجاوز (72) صفحة , وعنون بها الديوان لقربها موضوعيا وفنيا من نفسه وإشارة ربما مقصودة أو غير مقصودة إلى قدرته على ارتياد هذا الفن المخاتل والمراوغ الجميل , والقصة القصيدة / أو القصيدة القصة / القصة التى عنوانها باسم "خيانة" ويحمل الديوان اسمها – تستحق دراسة وقراءة مفردة – سواء فى الرؤية أو الأداة – فى الفكر / الموضوع أو التشكيل / الفن , ونرجو أن يتحقق هذا قريبا , ونحن هنا فقط نشير إلى المناطق – التى يرتادها الشاعر – ولو إشارات عابرة وإلى القوالب التى يُحمِلْ فيها أو يصب فيها رؤاه وأفكاره فإذا كان قد كتب الأغنية بإقتدار , وأجاد أيضا فى كتابه الحكايات الزجلية فإنه فى هذا الديوان يؤكد براعته فى كتابة القصة / القصيدة أو القصيدة / القصة كما فى "خيانة" مثلا .
    ويتخذ من فن (الرسالة)أداة ووسيلة فى توصيل أفكاره , وهذا أيضا من جديد علاء فى هذا الديوان – كما فى قصيدة / رسالة "من مواطن مصرى إلى الحكومة" ولاحظ الاسم ودلالته وإيحاءه فمن ... إلى من (المرسل) و .. إلى (المرسل إليه) وما بين من .. و إلى .. تكون الرسالة , فالمرسل هو المواطن والمرسل إليه هو الحكومة والرسالة تبدأ بالسلام :
    السلام ده جى طاير / جى حاير / من مواطن عادى جدا للحكومة
    قبل مابدأ فى الكلام .. / المواطن ياحكومة له سؤال صـ 42
    ويبدأ الشاعر فى سرد شكايته فى رسالة للحكومة وللمسئولين أو شكاية من ينوب عنهم وقد اختار الشاعر المواطن الفقير المطحون لينوب عنه ويكون صوته كما قلنا قبلاً .
    ومن الأشكال التى قدمها علاء أيضا فى هذا الديوان "الدعاء" كما جاء فى قصيدة "جحا العربى" ومن أجمل الأدعية التى قرأتها وليت الأئمة فى المساجد يحفظون هذا الدعاء ويرددونه فى الصلوات فيقول الشاعر :
    وارفع دراعاتك لفوق .. / وادعى وقول .. أستر يارب
    إرفع يا مولانا الغضب / نزِّل طعام للمحتاجين
    نزِّل علاج للمجروحين / فك الحصار ع المسجونين والمأسورين
    بالمرة أكِّل شعبنا / نزِّل ملايكه مِْ السما ..
    تييجى فْ صلاتنا تؤمنا / بالمره وتأدِن لنا
    خليها تدعى لنا هنا / بالمره وتقول لَّك آمين
    واحنا كفايه إننا .. هانَّدِّد الوضع المشين صـ 53
    نحن إذن أمام شاعر حقيقى يستحق أن يكون فى طليعة أبناء جيله وقادر فى كل ديوان على الإضافة والتجاوز ونثق أنه سيكون واحد من القلائل الذين سيثرون فن الشعر العامية المصرية وأرجو أن أكون من خلال هذه الرؤية النقدية السريعة قد نثرت ولو قطرات ضوء قليلة على الديوان الذى يستحق الحفاوة النقدية الطيبة والاستقبال الحسن .
    على عبد العزيز " رغم عتمة الواقع وقسوته فى ديوانه
    " نعى الغلابة لبعضهم" ما زال قادراً على الغناء !!
    " نعي الغلابة لبعضهم " هو الديوان الثاني للشاعر علي عبد العزيز ، وقد صدر له من قبل مجموعة شعرية بعنوان " طالع يغني " وإن احتضنت بعض الصحف والمجلات بعضا من أعماله الشعرية ، وله قيد الطبع نصوصا غنائية ، " لسه قادر يغني " هذا كل ما نعرفه عن الشاعر الذي لم نحظ بشرف مقابلته بعد ، وهو أيضا عضو بنادي أدب المنصورة ، وعضو بفريق "هيا " للشعر والغناء والحكي الشعبي ، كما هو مثبت بالديوان ص 71 ببطاقة التعريف بالشاعر.
    ومن عنواني الديوانين " طالع يغني " و " ولسه قادر يغني " الذين لم نشرف بقراءتهما ، وباعتبار العنوان عتبة النص كما يقول السيمائيون ـ نجد الشاعر ـ يملك القوة والإرادة والقدرة على الغناء ، رغم الشجن والحزن وعتمة الواقع وانكسار الحلم الفردي ، والجمعي في نصوص " نعي الغلابة لبعضهم " .
    والديوان صدر في 72 صفحة ن القطع المتوسط في غلاف أنيق فصل ألوان مزدان بلوحة معبرة للفنان محمد قطب برقم إيداع 1588/2005 عن سلسلة إبداع الحرية التي يشرف عليها القاص والروائي عبد الفتاح عبد الرحمن الجمل ، وهي إحدى السلاسل الجادة التي خرجت من أقاليم مصر ، بعيدا عن غوغائية دور النشر الرسمية ، وغطرسة الاحتكار في القاهرة ، وتعني بنشر الأدب الجاد وتقديم المواهب الشابة والأقلام الواعدة جنبا إلى جنب مع الأقلام الراسخة .. فالمعيار .. هو الفن وجودته .. دون النظر إلى الاسم أو الموقع الجغرافي أو ...أو ... وعلى عبد العزيز قلم جاد ، يأسرك بموهبته ، ويدهشك بثقافته ، وهو واحد من شعراء العامية القلائل الذين يملكون ثقافة عميقة ورفيعة ، فضلا عن الموهبة التي لا تخطئها عين القاريء لأشعاره .والشاعر يكشف في قصيدته "حكايات " ص26 ، سواء بقصد أو بدون قصد عن الكثير من منابع رؤيته الشعرية وسماته الأسلوبية والفنية ، وتكاد كل قصائد الديوان تدور في فلك هذه القصيدة / الأم ، وهي في رأيي القصيدة المحور والتي سنتكئ عليها ، ننطلق منها ونعود إليها كثيرا في هذه القراءة ، والشاعر يقدم نفسه بادئ ذي بدء في قصيدته " حكايات " لاحظ دلالة الاسم ..على أنه الشاعر / الحكَّاء / المغني .
    ( كتير غنيت مع الصهبه / وفي الضمه / أغاني الفرح واللمه /ويوم الدرس / والنورج / وختن الواد وجميزة / ورش الملح في الغربال ودقة زار ومدح نبينا يا / هلالي / وذات الهمة والظاهر ".
    فالشاعر هنا مسرح الشعراء الشعبيين / الحكَّائين ، وهو لا ينفصل عن الجماعة ، بل ينوب عنها في التعبير عن أفراحها وأحزانها ، وهو لبيان حالها ، واختار جماعة الفلاحين وخاصة الفقراء والأجراء ، ويذكرنا بأغاني الأفراح في القرية ، وأيام الحصاد ، وختان الأولاد ، وسبوع المولود برش الملح في الغربال ، ودقة الزار ، ومديح النبي العدنان ، ..الخ ، وغناء الشاعر / الحكَّاء هنا يجعل الحياة ممكنة ،وأكثر قبولا واحتمالا لأنه يستعيد لنا المسرات القليلة ، ويحاول أن يقبض على لحظات الفرح القليلة رغم الأحزان والاحباطات الكثيرة ، فهو يعتصم بالغناء ، وصدقه في الغناء ويحاول أن يعصمنا معه .
    والشاعر لا يزيف الواقع ، ولا يجعل حياتنا وردية ..بحدسه وبقرون استشعاره ، يدرك المخاطر المحدقة بالناس الغلابة وبالوطن ، فيقول في قصيدة " للصدق كام موَّال " ص32 .
    (ما تنتظريش سفينة نوح / ما بتعديش على مدينتي "
    فالحمام / رمز السلام ، جريح
    " حمام المراكب الكداب / ما جاب وياه سوى حنضل / وشايل دم في جناحه / يرفرف بيه على الساري" ص35
    وإذا كان السلام الراهن هو الاستسلام بعينه فإن السقوط الكامل جاء في " سفر الصقور " ، وبعد أحداث سبتمبر ، انكشفت الحقائق التي أسقطت أوراق التوت عن كل الحكام العرب والمسلمين .
    " سقط ورق الشجر كله.. / ومين منا ما وطاش /
    عشان يستر يا دوب عورته " ص46
    وقال يومها لسان حالهم ـ يقصد اليهود بعد السقوط المدوي لبغداد ـ ".
    " محينا السبي يا بابل / وطاطى النخل واستسلم / ولو مريم تهزه سنين / ما عاد هيجود " / يهوذا بيقرا في التلمود / وبيجهز فرس أشهب / هيفتح به بيبان مكه
    ويرسي قواعد الهيكل " ..
    وكأن الشاعر يستنهض الهمم ، ويستنفر العرب والمسلمين ، محذرا ـ أن تصبح الأمة العربية والإسلامية ـ أثرا بعد عين ـ ويكون مآلها مثل الهنود الحمر ، فالصراع بعد أن سقطت كل الأوراق ، صراع حضاري ، ثقافي وتاريخي وديني ـ ألهذا نرى الشاعر حزينا وممرورا ؟
    " سري الحزن في المنديل / وسيبي دمعتين منك " ص34.
    " امبارح فرت مني آخر دمعة / كنت حاشدها عشان معركة الحزن"
    " دخان سيجارتك / حاصر كلام القصيدة / وفجر الحزن اللي مرمي
    جوا كباية الكاكاو .." ص32
    " ملامح أبويا اللي بهته عليا / وأمي اللي راميه دموعها في عنيا " ص42 .
    والشاعر يستلهم الحكايات الشعبية ، ويوظف الأمثال والأغاني الشعبية باقتدار ، فالأغنية الشعبية المعروفة " تاتا تاتا ..خطي العتبه .."
    يعيد توظيفها : " تاتا ورا تاتا " يا قلبي بزياده / العتبه خطينا " ص21
    أغنية الصغار المشهورة " التعلب فات فات .. وف ديله سبع لفات "
    يعيد توظيفها : " قلنا وغنينا لك السبع حكايات / وتعلبك لو فات
    هيفرق الد به / في النهر ولا البير " ص22 .
    كما يستفيد من الأمثال الشعبية ويوظفها في شعره ، فمثلا المثل الذي يقول " سرك في بير " يقوله شعرا : " لو شاف كأنه بير يسكت ولا يقولشي / مع انه واد قويل / يفرش حصيرة الصيف / غنا ومواويل / ويدفي ليل الشتا / ويقصره بحواديت " ..
    وفي ص40 يقول : " الرز وكلاه الملايكه مع الصغار " وفي ص41 يقول : " المش دوده منه فيه / واللي زرعته هتلاقيه / وليه بتستنى البلح / وانت اللي علمت النخيل في الريح يطاطي وينجرح " .
    وهكذا نرى الأغاني الشعبية والأمثال الشعبية مبثوثة في معظم قصائد الديوان .
    كما ان للحكايات الشعبية حضورها الطاغي ، مثل حكاية الأميرة ذات الهمة ، والظاهر ، والهلالي ، وشهرزاد ، مسرور السياف ، السندباد ، وزهران ، وادهم ، وعلي الزيبق .. وغيرهم..
    وبعودتنا مرة أخرى إلى قصيدة " حكايات " التي تكشف عن منبع آخر من منابع الرؤية عند الشاعر ، وهو استرفاد التراث الديني والتماهي نع النصوص المقدسة ،فيقول في قصيدة حكايات : " ندهني هواها علمني / عديد كل الجنازات اللي حضروها / جدود جدي وأزجالهم وأمثالهم / ما ورد على لسانهم سرق وداني من القداس / شجى الشماس / وهو بيقرا ترانيمه "
    " القداس / الشماس / الترانيم " وهو هنا يتناص مع التراث المسيحي كما تناص قبلا في " سفر السقوط"وغيرها من القصائد مع الترث اليهودي ، والمسيحية إحدى مكونات الثقافة المصرية ، شأنها شأن التراث الإسلامي والتراث الفرعوني ، والشاعر لا يكتفي بالإشارة السريعة أو اللمحة العابرة للتراث المسيحي ولكنه يشير إليه في اكثر من قصيدة ، فيقول في قصيدة العشاء الأخير :
    " طالع بكايا غنا / يشبه في طعمه / برتقان صيفي / فصصت أشوف / إيه اللي فاضل فيه / صورة عشانا الأخير/ وكلنا يهوذا / ساعة ما شبه لنا /أنكرنا بعضينا / مال والمدى صلبان / ولا حد لاقي مسيح / للجلجته يدعيه " .
    ويستحضر الشاعر علي عبد العزيز في قصيدته " حكايات " نوحا وموسى ، وسليمان وهدهده ، وأولاد يعقوب ، وحكاية يوسف والذئب ، وحوت يونس ، وحكايات الخضر .. مما يشي بثقافته الدينية وارتكازه عليها ، كمحور مهم في شعره ، فيقول :
    " وكان لسه على كفي / علامة شيخي في الكتَّاب / عشان أعرف / سفينة نوح وركابها / عصا موسى وأحوالها / وفاس محطوط / على كتف الصنم الأكبر / وهدهد جاب عشان / سليمان نبأ عاجل / وديب ظلموه بني يعقوب / وبير فيه نور / وحوت بلع نبي وعايم / وفتية في كهفهم ناموا / سنين ياما / ما تعرف كام / وعبد بيخرق المركب / ويبني جدار بلا أجره / ويقتل طفل بالحكمه / ما يعرفه سوى الصابرين / على التأويل " ص30 ، ص31
    والشاعر في قصيدة حكايات يعلن عن ملمح فني آخر ، فهو لا يعنيه أن يكتب الشعر تقليديا أو حداثيا .. المهم أن يكون صادقا ، وأن تصل أحاسيسه إلى قلوب الناس .
    " وبكتب شعرك العامي / وحبر كتابي من دمي / ومش همي / يكون تفعيله وحداثي / مدام واصل بإحساسي / قلوب الناس "
    وإذا كان الشعر هو فن الرسم بالكلمات بتعبير " نزار قباني " فإن على عبد العزيز لديه قدرات هائلة على التشكيل باللغة ، بل نحس به في مواضع كثيرة فنانا تشكيليا يعمل فرشاته بمهارة ويقدم لوحات فنية لافتة ، ويقدم لنا أيضا صورا بصرية تترى أمام أعيننا .. فتبهرنا ، يقول في قصيدة " أيام ما كان للرحايا طحين " ص44 .
    " ده منديل بأويا.. وطاقيه لابويا / وقله في صنيه بطربوش نحاس / وشفشق إزاز / بنملاه مواردي "
    وفي ص45 يقدم لنا لوحة أخرى :
    " آية قرآنية في مفرش حرير / وعلبة قطيفة لمصحف شريف / وشيشة قديمة كات يوم لكيف / عصاية للأيامه وعكاز كفيف / كليم نوله يدوي / فيه صورة لبدوي / وراكب حصان / على الحيطه هودج / وكعبة وسفينة / ومبرور حجه يا جدي لنبينا "
    ومن اللوحات الشعبية الجميلة أيضا ، التي يرسمها بمهارة ويكثف فيها العادات والتقاليد التي يتوارثها المصريون جيلا بعد جيل في الريف المصري .
    " وستي اللي من فوق بخورها تخطي / تشكشك وتحرق عيون الحسود / تشوفه تكبَّر /.. تخمس بإيدها / ولما الليالي تضلم تقيدها / وبعد السنين أمي تاني تعيدها / تقلدها حتى في عقدة قورتها / في رح الرحى / وعمل الرقوده / في كل المواسم / تقولك بعوده " ص43
    وهذه التشكيلات الفنية من أبرز السمات الفنية في شعر علي عبد العزيز ، وينقل لنا عبر لوحاته / قصائده التي يرسمها / يكتبها بمهارة واقتدار ، أجواء القرية المصرية ، وخاصة القرية القديمة ـ ينقلها لنا ـ رائحة وصوتا وحركة ، ففي الفقرة السابقة نشم رائحة بخور الجدة ، ونسمع صوت شكشكتها ، وهي تحرق عين الحسود كما نسمع رح الرحى الأم ، وحركة يدها وهي تخمس ، وهي تعقد القورة ، وتصنع الرقودة ، إنها المنمنمات الصغيرة ، والصور الجزئية الصغيرة ، التي تلتضم وتنتظم لتكون في النهاية الصورة الكلية ..وتكون القصيدة / اللوحة مدهشة ومبهرة بألوانها وظلالها وتناسبها وتناسقها وتكاملها .
    وعلي عبد العزيز كما نجح في التعبير عن الفقراء والأجراء
    " عرق الفقير الأجير
    ينبت في الصحاري توت
    هو اللي قادر يجود
    بآخر رغيف وياه " من قصيدة " التوت بيفرش ضلة على مين " ص36
    فإنه نجح أيضا في التعبير عن المثقف وواقعه المأزوم واغترابه وأزمته الحضارية ، ونادرا ما نجد شاعر عامية قد اقترب من أزمة المثقف ، ويصور المثقف مغتربا في وطنه وبين أقسى أنواع الغربة وأشدها إيلاما على النفس في قصيدة " الغربة قتلاني " .. فيتساءل :
    " ازاي وأنا بينهم " ص 59 ، فالغربة تشله وتجعله عاجزا عن التحليق
    " كان نفسي أسئل / أي ولحد عجوز / دراعي ليه انطوى
    لما حاولت أطير "
    ويحاول أن يعتصم بالصبر ، فطوبى للغرباء كما قال المسيح عليه السلام
    " طوبى لمن منهم على جمرته باقي " ص60
    ورغم أزمته ورغم سوداوية الواقع وقساوته .. يحاول أن يشد من عزم المأزومين والمقهورين .. وهذه ميزة للشاعر ـ الذي لم يزل يقبض على بصيص من امل ..
    " يا آخر الصف شدو العزم دي الرحلة / لا تبتغي منتهى / ولا تنتظر مرسى "
    فالحياة أصبحت غابة / سوقا ، والمعيار في الحكم هو المال .
    " اتسرسب الحلم اللي فاضل
    م الايدين / العين ما عادت
    تنكسف م الدمع
    الجمع أصبح حاصل قسمة السمسار
    أنا في التجارة ماليش" ص66، ص 67
    وبفنية واثبة يرسم باقتدار هذه اللوحة
    " الليل زحف صفى الميدان / على قهوة نص مغمضة
    فيه الرفاق بيشربوا المر شاي
    وبيهتكوا ستر الحكاوي الطيبة " من قصيدة في القهوة ص14
    ويقول أيضا في ص15 : " الضحكتين بيطقطقوا قلب الحجر / ويا المعسل والكلام / القهوة متشاله وشها / اللعبة مين هيغشها "
    والشاعر يستدعي في تناصه إسحق الموصلي وبدر شاكر السياب وأمل دنقل وغيرهم فيقول :" اوعاك / تصدق / إن إسحق الموصلي / هو اللي ضاف وتر للعود" ص52 .
    ويقول : " أنا المحاصر / بين بدر شاكر السياب / وابو النواس / قررت اواصل / لعبة التمثيل " ص52
    ويقول في تناصه مع الكعكة الحجرية لأمل دنقل :
    " العكعة باقية / وأمل قصيدة متعادة / حاضنة البلد كلها / من شبرا للجامعة " .
    والشاعر هنا محرض مثل امل دنقل ..وداعيا إلى الثورة من أجل الإنسان والوطن ، إنه شاعر طليعي " طالع يغني " من رحم أرضنا الطيبة ورغم عتامة الواقع وقساوته " لسه قادر يغني " !!
    "ناصر فلاح " يعود بعد غياب
    لرياض الشعر ليغرد للمحبوبة والوطن !!
    في بداية الثمانينات من القرن المنصرم ـ عرف ناصر فلاح ـ على نطاق محدود بين ثلة من المثقفين ـ شاعرا يكتب الأغاني ، والمقطوعات الزجلية ، وينشرها على استحياء على نطاق محدود في مجلات محدودة الانتشار من تلك المجلات التي كانت تصدر في أقاليم مصر في ذلك الوقت على نفقة أصحابها والتي كانت تعرف بمجلات " الماستر " .
    وتجربة " أدب الماستر " تجربة مهمة في ثقافتنا المعاصرة وتستحق الدراسة والاهتمام .. وقد لجأ إليها الأدباء بعد أن ضاقت أمامهم سبل النشر وأوصدت كل المنافذ والأبواب ، ومن تلك المجلات المتواضعة الإخراج والفقيرة الإمكانيات - خرج ناصر فلاح – كما خرج عشرات الشعراء والأدباء من جيل السبعينات والثمانينات من القرن الماضى – وخاصة أولئك الذين يعيشون فى أقاليم مصر , فكانت هذه المجلات "مجلات الماستر" تضم أدبا جيدا وأقلاما شابة موهوبة , عفية وفتية من أسوان إلى الاسكندرية ومن مرسى مطروح إلى دمياط مرورا بكل أقاليم مصر .
    ومن خلال هذه المجلات المتواضعة الإخراج والفقيرة فى الإمكانيات ولكنها تقدم أدبا جيدا – عرفت (ناصر فلاح) شاعرا رقيقا ينشر أغنياته للمحبوبة والوطن , وينتقد فى مقطوعاته الزجلية المثالب والعيوب التى طرأت على حياتنا وبعض العادات والتقاليد والسلوكيات المشينة , شأنه فى هذا شأن معظم الزجالين الذين يملكون ملكة النقد – وخاصة النقد الاجتماعى والسياسى ويصبونه فى قالب شعرى موزون ومقفى وجميل .
    وكان فى تلك الفترة مولعا ببيرم التونسى , يتخذه هاديا ومرشدا ودليلا , ونموذجا , ومثلا أعلى , وإذا كانت أزجال بيرم وأشعاره قد فتنته ووقع فى أسرها فى ذلك الحين – لكن سرعان ما راح يتلمس طريقه باحثا عن صوته الخاص بعيدا عن بيرم , مشاكسا لواقعنا , معافرا لراهنا , مشتبكا مع همومنا ومشاكلنا وقارئا لفؤاد حداد وصلاح جاهين ومجدى نجيب ونجيب سرور وأحمد فؤاد نجم والأبنودى ومحسن الخياط وسيد حجاب ولكل شعراء العامية العظام الذين أثروا العامية المصرية وفتحوا بمواهبهم وجسارتهم دروبا وطرقا جديدة مكتشفين أشكالا جديدة وقفزوا بشعر العامية قفزات سريعة .
    وما كاد شاعرنا الشاب يقطع خطوات على طريق فن الشعر - الطويل سلمه ، حتى هجره – هكذا ظننت ، بل هجر الوطن كله وغادر الأرض والديار بحثا عن الوفرة والرزق فى بلاد النفط التى اجتذبت المصريين الذين ضاقت بهم سبل العيش فى بلادهم , ومكث فى بلاد الغربة ما يقرب من خمسة عشرة سنة .
    وكما تعود الطيور المهاجرة إلى أوكارها – عاد شاعرنا إلى أرض الوطن , حط رحاله , واستقر , وفاجأنا بديوانه الأول "أغنى للهوى مواله" وقد استوى فيه عوده ونضجت تجربته .
    و"تجربة الغربة" استأثرت على معظم صفحات الديوان , وتجربة شاعرنا المغترب فى هذا الديوان – تجربة ثرية تستحق الدراسة والبحث سواء فى قصائده التى تناول فيها الغربة الزمانية أو الغربة المكانية أو "الزمكانية" أو الغربة النفسية أو .. أو .. ولأن الصفحات المحدودة لى تضيق عن استيعاب مقاربتنا النقدية فى الديوان , لذا سنكتفى بالاحتفاء بالشاعر الذى عاد إلى الإبداع وعاد الإبداع إليه , ويحق لنا أن نفرح به وبكل من يواصل الكتابة فى زمننا .. وقد أهدانى الشاعر فضلا عن الديوان عشرات القصائد التى نشرتها له الصحف والمجلات المصرية .. وسننظر فى بعض مقطوعاته الزجلية التى نشرتها له الصحف – نظرة المحب ، وعين المحب عن كل عبن كليلة – على أمل أن نستوفى فى مقاربتنا النقدية فى ديوانه المطبوع "أغنى للهوى مواله" مستقبلا .
    ففى قصيدة "اشهد يا زمان" التى نشرتها له جريدة الأنباء الدولية – فى العدد 420 بتارخ 9/9/2003م .
    نرى الشاعر قد ساءه حال شباب اليوم الذى أفسدته المدينة الحديثة – والذى أصبح مستهلكا لها ولما ينتجه الغرب بدلا من أن يكون صانعا لها , وهذا ما ينذر بالخطر على مستقبل الوطن , فيشهد الزمان عليه ويقول :
    "اشهد يا زمان بالحق وقول / على شاب تشوفه تقول مشغول
    ماشى فى أيديه شايل محمول / بيعيد ويزيد فى كلام معسول
    وكأنه خلاص أصبح مسئول / فى الدولة وعنده لوحده حلول"
    ويستمر الشاعر فى انتقاداته اللاذعة لشباب اليوم :
    "ودا برضه يبقى كلام معقول / اشهد يا زمان بالعدل وقول
    على شاب مالوش غير لبس هدوم / ومقضى حياته ف أكل ونوم
    ولا يقرا ف فرع لأى علوم / وثقافته يا دوب أخبار لنجوم "
    ويواصل سرده لأحوال الشباب المزرية :
    " ودا برضه يبقى شباب معقول / اشهد يا زمان على الجيل ده وقول
    على شاب حياته سهد وويل /على القهوة ليلاتى لنص الليل
    سهران ومفتح زى الخيل / بيشد فى شيشة تشد الحيل
    ودا برضة يبقى شباب هينول / يوم كل مراده ولا يطول
    منصب فى وزارة أو مسئول / أنطق يا زمان بالحكم وقول ؟
    .. ويسوء الشاعر ظاهرة الطوابير التى انتشرت فى حياتنا وتكاد مصر من دون كل دول العالم تنفرد بظاهرة الطوابير وخاصة الزحام فى الطابور أمام الأفران للحصول على رغيف الخبز , فينتقد هذه الظاهرة فى قصيدته "بدون طوابير" التى نشرتها له جريدة الوفد فى 26/9/2003م
    فيقول :
    "لانا حلمى أكون مسئول / فى الدولة وأبقى وزير
    ولا عضو فى مجلس أقول / فى كلام مالهوش تأثير
    ولا نفسى أشيل محمول / واعمل زى المشاهير
    ولا صاحب جاه ولا سلطة / ولا دفتر للتوفير
    ألبس على آخر صيحة / واركب عربية تطير
    أنا حلمى دا شئ معقول / مش أبدا وهم كبير
    أنا أصلى باموت م الخوف / م الزحمة وم التكشير
    وبدال ما ارسم فى حروف / مالهاش أبدا تفسير
    باتمنى ونفسى أشوف / مخابزنا بدون طوابير"
    ويواصل شاعرنا انتقاداته الحادة للظواهر السلبية فى مجتمعنا , ففى زجليته التى عنونها بـ"أوهام مرشح" ونشرتها له جريدة المساء 26/11/2005م ننقل منها :
    "ياللى بتجرى ورا العضوية / ومفكرها أمور تسلية
    عمال تبنى قصور بأمانى / والأحلام صبحت وردية
    بتقول كل الدايرة اخواتى / والخدمات عامة وشخصية
    جوة الدايرة بنيت أمجادى / عاشق عمرى للوطنية"
    .. وينتقد السياسة الأمريكية المنحازة دائما لإسرائيل على حساب العرب والمسلمين والشعب الفلسطينى فيقول فى قصيدة " هى .. غابة ؟" التى نشرتها له جريدة "النبأ الوطنى" فى 3/9/2006م .
    " دول كلاب عاشقة خراب سعرانة يابا
    نازلة تجرح كل مطرح قول ديابة
    وان سألنا يوم وقلنا هيه غابة ؟
    نلقى فيتو جاى فى إيدو ميت إجابة
    تبقى نار وألف دار تصبح خراب "
    ويفضح الشاعر العقوبات الظاهرة والخفية التى تفرضها أمريكا وإسرائيل على الفلسطينين بسبب انتفاضة الأطفال فى فلسطين بالحجارة.
    " والحيطان مالهاش بيبان والدمار من غير حدود
    والعزارا دموع حيارة والضمير مالهوش وجود "
    ويخاطب الشاعر" بوش " ثائراً ، ومتمرداً :
    " هات عاليها فوق واطيها شيخ وطفل ما ترحموش
    إبنى حلمك إيه يهمك غنى فوق كل الوشوش "
    والحل عند الشاعر فى العمليات الاستشهادية , فيقول فى قصيدة " انطق "التى نشرتها له جريدة القاهرة فى العدد 265 بتاريخ10/5/2005م.
    " فك سلاسل صوتك انطق
    عمر شراع الحق مايغرق
    إلى أن يصل:
    " اكتب بإيدك سفر شهادتك
    قبل ما غول الغابة يكشر
    عن أنيابه أكتر واكتر"
    وفى قصيدته المطولة " فى المنام التى نشرتها له جريدة المساء فى 12/6/2004 م . والتى يرثى فيها الشيخ ياسين الذى امتدت له يد الغدر واغتالته أصابع الصهيونية القذرة ، فيتخذ من هذه المناسبة الفرصة للإعلاء من قدر الشهادة فيقول :
    " قلت نام يا شيخ ياسين / جنب سيد المرسلين
    واحكى عن عطر الشهادة / اللى أغلى م العبادة
    وفى مقطع تال من القصيدة :
    " بدرى بكرة فجره طالع / جاى معاه مليون ياسين
    صوته يدوى على الجوامع / رعب جوة المجرمين
    الحجر فى إيديه مدافع / والشهادة على الجبين
    الشهادة على الجبين "
    .. وإذا انتقلنا إلى الأغنية . فنجد ناصر قد خطا خطوات واسعة فى كتابتها فهو كما يقول الشاعر رضا عطية فى دراسته عن الأغنية عند شاعرنا :
    " الأغانى الجميلة التى يكتبها شاعرنا تضع أقدامه بثبات على الطريق الصحيح للأغنية العربية ، فهو يكتب الأغنية بمهارة وفنية ، وقلمه فى الأغنية سيال ينطلق بانسيابية ، وبفهم واع لطبيعة ورسالة الأغنية فى المجتمع " ..و " أغانى ناصر تعكس حالته النفسية التى يحسها فهى غالباً صدى لنفسه ، فمن يتأملها يرى دخيلة نفسه , فهو يعانى من مرارة الغربة ، ويشعر بحنين جارف إلى وطنه ، وهو العاشق الذى يقدم ويبذل ويلتمس العذر للحبيب ويحنو عليه فى حين يقابله المحبوب بالجفاء والصد والقسوة "..
    " وناصر قد هضم باقتدار الموروث الغنائى فى القرن العشرين لكبار كتاب الأغنية أمثال : مرسى جميل عزيز ، مأمون الشناوى ، حسين السيد ، فتحى قورة وغيرهم .."
    ويصل ناصر إلى درجة كبيرة من الإجادة الفنية والإتقان كما يقول رضا عطية كما فى أغنية " أغنى للهوى "
    " على فكرة بحر هواك زايد/ وغرقت أنا فيه / وشوقى ليك دايماً قايد / مش قادر أطفيه / وهواك أخدنى وودانى / وفردلى شراع/ وسابنى فى البر التانى/ ولا قال لى وداع "
    وكذلك فى أغنية " على ضى العين ونكتفى منها بهذا المقطع الجميل :
    " على ضى العين مسى لى يابا / دا حبيبى عنيه وحشونى يابا / سهرنى الليل ولا راضى يميل / وعنية مدوبها صبابا "
    .. ولعلنا فى هذه العجالة نكون قد بيناّ . كيف استطاع الشاعر بمقطوعته الزجلية أن يضعنا فى مواجهة حقيقية مع بعض السلبيات والظواهر الاجتماعية التى انتشرت فى مجتمعنا ، ويلفت أنظارنا إليها .كما استطاع أيضاَ أن يعبر عن الهموم القومية والسياسية وهو أميل كما قلت قبلاً إلى النقد الاجتماعى والسياسى _ شأنه شأن الزجالين المقتدرين كما استطاع أن يصوغ مشاعره فى أغان تفيض عذوبة وتعطر رقة ، فيسمعنا من خلالها نبضات قلبه وهمسات نفسه وفيوضات روحه .
    وإذا كان شاعرنا يكتب أزجاله وأغانيه بصدق وبحب معبراً عن نفسه وعن الوطن ، فنحن أيضا هنا نكتب عنه بنفس الحب وبنفس الصدق ، ونشكر أمانة المؤتمر التى أتاحت لتا الفرصة لنحتفى معها بشاعر جميل عاد إلى رياض الشعر ليغرد بعد انقطاع دام خمسة عشر سنة آملين فى الإضافة والتجاوز فى أشعاره المقبلة والله الموفق .
    هذا بعض منى http://alaaeisa.maktoobblog.com/

  2. #2
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    الدولة : فوق الأرض..وتحت السماء..وحيث اللحاف..النجوم!
    العمر : 32
    المشاركات : 2,044
    المواضيع : 86
    الردود : 2044
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    شاعرنا المفلق
    "علاء عيسى"
    قرأت لكَ الكثير من أشعارك...
    جميلة ورائعة هي...
    ليتني أكتب قراءاتٍ ولو أولية مثلك....صدقني لما قصرت...
    أتمنى لك التوفيييييق دوماً
    ومودتي

  3. #3
    عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    الدولة : فوق الأرض..وتحت السماء..وحيث اللحاف..النجوم!
    العمر : 32
    المشاركات : 2,044
    المواضيع : 86
    الردود : 2044
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    اشهد يا زمان بالحق وقول / على شاب تشوفه تقول مشغول
    ماشى فى أيديه شايل محمول / بيعيد ويزيد فى كلام معسول
    وكأنه خلاص أصبح مسئول / فى الدولة وعنده لوحده حلول"
    ويستمر الشاعر فى انتقاداته اللاذعة لشباب اليوم :
    "ودا برضه يبقى كلام معقول / اشهد يا زمان بالعدل وقول
    على شاب مالوش غير لبس هدوم / ومقضى حياته ف أكل ونوم
    ولا يقرا ف فرع لأى علوم / وثقافته يا دوب أخبار لنجوم


    لله درك....
    ذكرتني ب أغنية منتشرة حاليا عندنا...
    على الهوارة الهوارة أزعر في ايده سيجارة....
    ههههههههه
    مو حافظاها صراحة

  4. #4
    الصورة الرمزية علاء عيسى قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Jun 2006
    العمر : 54
    المشاركات : 1,651
    المواضيع : 95
    الردود : 1651
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ماجدة ماجد صبّاح مشاهدة المشاركة
    شاعرنا المفلق
    "علاء عيسى"
    قرأت لكَ الكثير من أشعارك...
    جميلة ورائعة هي...
    ليتني أكتب قراءاتٍ ولو أولية مثلك....صدقني لما قصرت...
    أتمنى لك التوفيييييق دوماً
    ومودتي
    الماجدة " ماجدة "
    أعدك أن مستقبلك الأدبى يفتح صدره وزاعيه لقلمك باستفاضة
    لأنكى
    مشروع كاتبة
    هايلة
    تحياتى

المواضيع المتشابهه

  1. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 3" الرواية " أ "
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 06-06-2009, 08:13 PM
  2. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 5" " قصة ب"
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 10-03-2007, 10:08 PM
  3. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 2.شعر الفصحى"
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-03-2007, 12:51 AM
  4. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 2. الرواية" "ج "
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-03-2007, 02:39 AM
  5. أبحاث المؤتمر السابع بديرب نجم " 2. الرواية" "ب "
    بواسطة علاء عيسى في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 09-03-2007, 02:19 AM