عودة خضره الشريفة
لـ عبدالله مهدي
نموذج لهوية التراث الشعبي في المسرح المصري

بقلم / صادق إبراهيم صادق
مقدمة لابد منها :
لاشك ان استلهام مواد من الفولكلور / أو من التراث الشعبي القومي يساعد على نشر الوعي القومي بثقافة الأمه ويؤكد مشاعر الانتماء للوطن في قطاعاته المختلة .. كما أن استلهام العناصر الفولكلورية أو استخدامها في أعمال محثة يعطي للحديث آصالة وبعدا تاريخيا ، ولكن يجب أن يكون هذا العمل الجديد بإمكاناته الحديثة وسماته الفنية المتطورة ، مبرزا للخصائص القومية الإنسانية ومحافظا في الوقت نفسه على آصالة الإبداع " الفن الشعبي " دون تزييف أو تشويه ، وأن يكون اقتباس الفنان المثقف لعناصر المأثورات الشعبية إقتباسا فنيا يحفظ للأصل الشعبي روحه وطابعه الفني الخاص .
إن عملية استلهام الموروثات الشعبية تخضع في حد ذاتها لقدرات الفنان الخاصة في استلهام موضوعه ـ عمله من الإبداع الشعبي ـ سواء كان فنانا تشكيليا الذي يصور مواضيعه من القصص الشعبي والسيّر والملاحم ، أو شاعرا الذي يتغنى بجمال الزينة والحلي الشعبية ، أو مصمما للرقصات ، أو أديبا يستلهم السير والملاحم الشعبية مثل عنترة بن شداد ، السير الهلالية ، ذات الهمة ، سارة وهاجر ، وغيرها من ملاحمنا الشعبية ، فالفنان المعاصر وبقدرته الفنية على التعبير له مجاله الرحب في أن ينقل ما يريد من الإبداع الشعبي إلى مجال تعبيره بالوسيلة التي يريدها أو الإسلوب الذي يراه ، ومسئولية الفنان الذي يقتبس عناصر أو موضوعات من المأثورات الشعبية لابد وأن تكون محددة في مدى استخدامه هذه العناصر استخداما جيدا أو صحيحا تبعا لوظيفتها الأساسية في الإبداع الشعبي , لذلك كان من الضروري أن ينتبه الفنان الذي يستخدم هذه المادة ويقتبسها إلى مدى آصالة هذه المادة في الإبداع الشعبي ، كما أنه من الضروري أيضا أن يتعرف الفنان على معنى دلالات وخلفية الموضوعات الشعبية التي يتناولها في أعماله الفنية المحدثة حتى لا يدفعه حماسه وانفعاله الفني إلى استخدام عناصر وموضوعات شعبية هي في حقيقتها إبداع شعبي أصيل ولكن استخدامها في غير موضعها وموضوعها ، يقلل من قيمتها أو يغير من دلالتها أو يفسد من وظيفتها ، بل قد يسبب هذا الاستخدام الخاطئ رغم أصالتها في الإساءة إلى المجتمع نفسه مع مراعاة أن كل عنصر من عناصر الإبداع الشعبي مرتبط بغيره ، وكل مادة من مواد الموروثات الشعبية متصلة بغيرها رغم تميُّزها . القصد من هذه المقدمة أن تركز على مفهوم الفن الشعبي قبل الولوج إلى العالم المسرحي لعبدالله مهدي ومسرحيته " عودة خضره الشريفة " حيث ينتمي هذا النص إلى المسرح الشعبي أو مسرح السامر الذي كثر فيه الحديث وتنوعت فيه الآراء ، وأقيمت من أجله العديد من الندوات وبدون الدخول في التفصيلات والتعريفات الدرامية بين الدراما والمسرح وتعريفات أرسطو التي ليس لها مجال هنا .
نستطيع أن نؤكد ان تعاملنا مع المسرح الشعبي يركز على معيارين هما :
المعيار الأول : استلهام الموروث الشعبي ووضعه في سياقه الثقافي الممتد منذ تخلقه والمنتهي في الزمن الحاضر .
المعيار الثاني : القيام بإعادة صياغة هذا الموروث الشعبي صياغة فنية لا تطمس معالمه ولا تفرغه من محتواه الرئيسي في نفس الوقت الذي لا يقف به إلا لحظة زمنية لم يقف بها هو أصلا من قبل .
وعلى ذلك فالمسرح الشعبي الذي نستهدفه هو ذلك المسرح المتفجر من ذات النبع الذي تفجرت منه كافة موروثاتنا الشعبية ، وما زالت تتفجر تبع الوجدان الشعبي ومستهدفا التأثير بالإيجاب في العقلية الشعبية ، مسرح يعي المعاش ويسعى لتغييره .
وبالرغم من تعدد كتَّابنا المسرحيين الذين تعاملوا مع التراث ومادته وصوره المختلفة فإن المرء لا يستطيع أن يغفل أن ثمة خصائص وعلامات في النص المسرحي تميز بين كاتب وآخر ، فهناك من يتعامل مع الموروث الشعبي كمادة تاريخية ساكنة تفتقد " ديناميكية الأحداث " وفاعلية التأثير ، وهناك من يتعامل مع هذه المادة كمواقف وحركة مستمرة تساهم في تطوير التاريخ وتغييره ، فالفكر الإنساني خليط من البنيات التراثية التي فرضت وجودها انطلاقا من جدلية التأثر التأثير ، وكل تراث إنساني لا يؤكد استمراريته في حركة التاريخ لا يعتبر أصيلا ، وقد حدد الدكتور / عز الدين إسماعيل العلاقة بين الكاتب المسرحي والتراث الشعبي في مستويين ...مستوى الإغراق في الاتصال أو " الاتصال الكامل " ، ومستوى مواجهة التراث أو " الاتصال والانفصال " وأشار د / عز الدين إسماعيل إلى أن هناك مستويين بين هذين المستويين تتدرج تصاعديا من المستوى الأول إلى مستوى " استعادة التراث " مع بعض الإضافة إلى مستوى الاستلهام الجمالي شكلا وموضوعا إلى المستوى الأرقى والأكثر فاعلية مستوى المواجهة مع التراث أو الاتصال والانفصال . وبالرغم من تحديد هذه المستويات فإن ذلك لا يعني وضع حدود فاصلة بينها ، فقد ينتقل الكاتب المسرحي من مستوى إلى آخر صعودا أو هبوطا ، أو قد يخرج من المستويين ، أو قد يجمع بين أكثر من مستوى في عمل واحد وفي جميع الأحوال فإن معيار هذا التعامل يتوقف على ثلاثة عوامل ، وعي الكاتب بالتراث وبإمكانيات مادته ومفرداتها في تشكيل العمل المسرحي ، والوعي بالواقع المعاش وبمعطياته وبأبعاده وعلاقة هذا الواقع بالماضي وبدرجة الاتصال به ، ثم وعي الكاتب بدوره التاريخي في الكشف عن العناصر الحيوية والفعالة للتراث ، ورفض العناصر المعوقة لاستمرار الحركة وفاعليتها .
عودة خضره الشريفة ...واستلهام التراث الشعبي
وانطلاقا من الإيمان بأن الارتباط بالجانب الشعبي في التراث له مغزاه الواضح بالنسبة إلى المسرح ، ذلك أن التراث الشعبي أكثر تمثيلا لروح الشعب ومنطقه وطرز تفكيره ومعاييره في تقدير الأمور ، انطلاقا من هذا الإيمان فقد لجأ المؤلف المسرحي عبدالله مهدي لصنع إبداعه المسرحي في عودة خضره الشريفة حيث عاد إلى التراث مستندا غلى نظريتين تمثل الأولى الوجهة النضالية للتراث ضد الشكل المسرحي المستجلب من الغرب حيث اعتمد على مسرح السامر .. ففي ص11 " من النص المسرحي ، الديكور ، في ليلة مقمرة من ليالي الصيف يجلس على مدار الساقية مجموعة من الناس مختلفة الأعمار وقد لبست ملابس العمل والفلاحين في الأرض وذلك لتفريق الأرض لشتل الأرز بها ، ومن الأفضل إجراء العرض في الخلاء بعيدا عن خشبة المسرح ." .
حدد المؤلف هنا طريقة العرض بالنسبة للمخرج المسرحي من حيث تصويره للمشهد المسرحي والذي يدور فيه الحدث ، فابتعد عن الخشبة الإيطالية وحدد أيضا الشكل المسرحي وهوشكل المسرح الاحتفالي أو السامر .
أما النظرية الثانية : تمثل في توظيف هذا التراث مسرحيا بشكل يهز فكر الإنسان المصري والعربي لحثه على مواجهة كل أشكال السلبية والتقهقر ، وقد استعان عبدالله مهدي بأسلوب مسرح السامر وسمر الريف ومفرداته لتحقيق وجهة نظره هذه .لكن إلى أي مدى استطاع تحقيق ذلك هو ما سوف نقف على بعض منه خلال قراءتنا لمسرحيته " عودة خضره الشريفة " .
أولا : استطاع عبدالله مهدي أن يتحرر تماما من التجربة التاريخية كما دونت أو رويت أو تغنى بها الزجالون ، وعاش التجربة الواقعية بكل ما تحمل من مآسي وأحزان مستعيدا فقط من روح الماضي ليعبر عن جوهر الواقع فلا تعوزنا الفطنة الشديدة لإدراك أن المؤلف وصل بهذا العمل ٍإلى مستوى المواجهة مع التراث أو الاتصال أو الانفصال .. وهذا ما سوف نقف على حقيقته من خلال السطور القادمة.
تطالعك من أول وهلة صورة الغلاف الذي هو عبارة عن لوحة زيتية معبرة عن الريف المصري بنخيله وبيوته وبقعة بيضاء ( كالفانوس ) وإذا دققت النظر سوف يكون على شكل قطار يتجه إليك ليصدمك ، هذا القطار هو الزمن الذي يأتي بمشكلاته وهمومه ، ونأتي إلى الإهداء ص7 إلى رمزين شامخين من رموز الشجاعة العربية الأصيلة الفارس / عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية ..والإعلامي الكبير حمدي قنديل وإلى الشعبين الصامدين العراقي والفلسطيني .
وجاء بلقب الفارس وهذا اللقب من تراثنا الشعبي الأصيل ، الذي كان يطلق على أبطال الملاحم مثل عنترةبن شداد ـ أبو زيد الهلالي.
وكنت أتمنى أن يأتي بلقب لحمدي قنديل من التراث الشعبي وأيضا لقب من التراث الشعبي إلى الشعبين العراقي والفلسطيني ، هذه الإهداءات جعلت لي مفتاحا لفهم النص المسرحي من أول كلمة في التشخيص .
أما شخصيات المسرحية فهى إحدى عشر شخصية تتنوع في وظائفها وملابسها وقد وصفها وصفا دقيقا من حيث السن والمؤهل وهذا جعله يخضع إلى المسرح الاجتماعي والذي يهتم بالتفاصيل الشخصية ويهتم بالدراما الأرسطية.
والمسرحية تقع في ثلاث فصول ولا أعرف لماذا الإصرار على ثلاث فصول علما بأنها تقع في ليلة مقمرة واحدة لا تستمر أكثر من 12 ساعة ، أي الأحداث في مكان واح=د وزمن محدد ، والشخصيات ثابتة ليس بها تطوير إلامن خلال الحوار والتشخيص وتعليقاتها على التشخيص .
استفاد المؤلف من المسرح الاحتفالي أو السامر وجعل النص المسرحي يدور في هذا الفلك حيث نبذ المؤلف تقاليد الدراما الغربية بمفهومها الأرسطي والعودة إلى المنابع المصرية الشعبية بهدف خلق مسرح مصري أصيل شكلا ومضمونا ، والواقع أن الفلسفة التي يقوم عليها هذا الاتجاه يمكن قبولها نظريا ذلك أن المسرح كوسيط فني ليس بالضرورة أن يكون مرتبطا بالدراما بشكلها الأرسطي ، وهذا ما يؤكد عليه المؤلف الدكتور / عبد الحميد يونس بقوله أن من الخطأ البين أن نتصور الفن المسرحي عبارة عن ذلك الشكل المعروف في الأدب بالدراما ولأن التعبير الدرامي مقصور على الكلمات والعبارات الموزعة على الشخوص في صورة الحوار أو المناجاة أو التعليق الجانبي على المواقف والأحداث ... وعلى ذلك فلا داعضرورة أن يقسم النص إلى ثلاث فصول .
المشاكل الاجتماعية التي طرحها النص :
طرح النص المسرحي كثيرا من المشكلات الاجتماعية التي من وجهة نظري أن كل مشكلة بها من الممكن أن يكون لها نصا مسرحيا خاصا بها ، فمثلا " الزواج العرفي ـ الهجرة ـ الغزو الثقافي ـ الصراع الإسرائيلي ـ سيطرة أمريكا على العرب ." لكن المؤلف كان يطرح المشكلة دون التعمق فيها ، أسبابها ، وإسلوب الحل ، فكان الطرح يأتي عن طريق الحوار ففي ص17 .. يعلق على الغزو الثقافي من خلال تركيب الدش :
( عواد : لسه بدري يا به ...الدشاش مش هتخليهم يزهقوا
الزاوي : دشاش ايه ؟
عثمان : دي ماليه سطوح العمارات في القاهرة يا خويا وبلدنا شفت فيها خمسة ولا ستة .
الزاوي : هي بتعمل إيه ..؟
عثمان : بتخلي التليفزيون يجيب الأجانب وهمه سايحين على بعض ) .
ويأتي بعدها بالحل الذي يراه المؤلف مناسبا ، وهو في وجهة نظري لم يطرح المشكلة بطريقة عميقة ولا أيضا أقل .. لأنه يريد أن يطرح أكثر من مشكلة أخرى ففي ص18 .
( الزاوي : يا ستار .. يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف
عثمان : وبعدين ..دا لو حصل حنضيع
مجاهد : ممكن يا عمي ما نضيعشي ولا حاجه .
عثمان : إزاي يا مجاهد ؟
مجاهد : نفهم دينا ونتمسك بيه صح
عواد مقاطعا : وبرضوا عاداتنا وتقاليدنا .. لازم نتمسك بيها ونحافظ عليها .. ثم لا ينسى أن يفكرنا أننا في المساء وما زلنا نتسامر بالحديث
عثمان : أمك وهدى وآمال جايبين الأكل هناك أهم .
عواد : كويس .. الواحد جاع
مجاهد : .. دا الواحد ما يتعشاش في الجو ده خالص . )
ثم يدخل المؤلف على مشكلة أخرى وهي مشكلة استيراد الغذاء من امريكا والفرق بينه وبين الغذاء المصري ويتطور الحديث ليدخل المشكلة الأهم وهي سفر ممدوح إلى العراق وبطرح موضوع سفره إلى العراق باحثا عن فرص عمل أفضل بعد حاربه المفسدون بالقرية ، فراح يتحدث عن العراق وما جرى فيها ..ففي ص22
مجاهد : هو بيحب العراق
عواد : والله العراق تتحب .. الناس بتروح العراق بميت جنيه ولا عقد ولا عشر تلاف جنيه
آمال : خسارة اللي بيحصل للعراق ده .. اتفق عليه كل الشياطين .. الأطفال عماله تموت ولا حد سائل
نوال : إذا كان أخوه العربي مش سائل ) . ثم يتطرق الحوار بعد ذلك إلى مشكلة خريجي الجامعات وتعيين الأوائل من أصحاب السلطة فقط .. ففي ص24 :
( مجاهد : دلوقتي التعيين في أي حاجةبتتحكم فيه حجات كتيره .
عواد : يعني واحد زي مجاهد .. المفروض يتعين في وزارة الخارجية .
وفي ص25 يعود بنا ويهرب إلى التراث الشعبي لحل المشكلة ، أي اعتمد على التراث الشعبي بعد خمس وعشرون صفحة من طرحه لبعض المشاكل ففي ص25 :
عواد : كان حيخلينا نتسامر وكل واحد عنده حدوتة حيقولها .
هدى : ولاد عمك يا عواد كلهم بيموتوا في التراث الشعبي ..
ثم يختارون حدوتة خضره الشريفة لتجسيدها ويبدأ في التغيير في الحدوته ص26
عواد : فاهم قصدك يا آمال عشان كده بصفتي مخرج العمل وواحد من أبطاله لازم اللي يدخل معانا السامر يغير ويبدل في الحدوته
مجاهد : مدام هنغير يبقى فيه شخصيات جديدة حتدخل في الحدوته ..
وأن من حق الفنا المثقف الحديث أن يتدخل بالتعديل والتبديل في صياغة ما يقتبسه بشرط أن يكون هذا التعديل أو التبديل نتيجة خبرة فنية واحتياجات ثقافية محدثة والعمل من بدايته إلى نهايته هو عمل منسوب إليه أصلا وعلى ذلك استطاع عبدالله مهدي أن يوظف سيرة خضره الشريقة لاحتياجاته الثقافية ففي ص28
نوال : بأسى " مش عارفه ايه اللي جرالك من ساعة ما تجوزت زبيده مفرح وسبقتك
عواد : ثائرا " زبيدة إيه وزفت . ما أنا كل يوم متجوز واحده( يقف التشخيص )
الزاوي : يبقى يتجوز عرفي ..
عواد : ( يخرج عن الشخصية ) طبعا كتير من زملائي في الكلية متجوزين عرفي
مجاهد : الموضوع ده انتشر قوي ...
فجاء بمشكلة الزواج العرفي وأيضا موضوع الخصخصة ..
ولكن لي ملاحظة وهي الشخصيات التي تشخص ، كان من المفروض يسميها باسم التشخيص نفسه فمثلا عواد الذي يشخص جابر كان المفروض أن يكتب جابر وليس عواد وعندما يقف التشخيص ، الحوار يكون على لسان عواد وهكذا باقي الشخصيات حتى مساحة التشخيص قليلة جدا وبعدها يرجع إلى عرض المشاكل وحلها عن طريق الشخصيات الأساسية وهذا يعمل على اختلاط الأوراق بعضها ببعض ،
ويستمر التشخيص ( خضره الشريفه ) ووضع بعض المشاكل وهي كثيرة جدا جدا لا يتحملها أي نص مسرحي وتشعب هذه المشكلات من صبغتها المصرية إلى المشكلات العربية فالقضية الفلسطينية والتعصب الديني والمخدرات ، أي وضع مشكلات المجتمع المصري والعربي ، وأيضا يستمر هذا الحوار خلال الفصل الثاني والثالث بنفس المنوال السابق ، ويقف تطور الشخصيات الرئيسية كما سبق أن تحدثنا بالتعليق فقط على سيرة خضره الشريفه ومشاكل المجتمع المصري والعربي ...ففي ص52 :
مجاهد : والعمل يا شريفه
آمال : الشعب كله يا مولاي مفروض عليه ينضف بلده من مفاسدهم ، كل فرد من الشعب لازم نغرس فيه المقاومة والصمود ضد كل اللي حيمس شخصيته واستقلاله .
مجاهد : أي حد يثبت انه تعاون معاهم حا عاقبه
آمال : المفروض يا مولاي .. نعرف الأول الحاجات اللي ساعدت في دخولهم جوانا .. الشعب كله لازم يتحمل المسئولية .
أما الفصل الثاني :
نفس الديكور ونفس الشخصيات ولكن ينضم إليها شخصية ممدوح الراجع من العراق والذي يبدأ في الحديث عن العراق وما حدث لها ويدخل معهم في السامر .
وهنا في هذا الفصل يبدأ في طرح مشكلة الأمة العربية ففي ص66 ، ص67 ، ص68 :
عواد : نبدأ في مشهد المواجهة بين آمال ( خضره الشريفه ) وكبير الكفرة ( ممدوح ) بثلاث تصفيقات
ممدوح : من التقارير التي وصلت لي .. اتخيلت انك دميمة .. أول مره أتوقع غلط
آمال : دايما انت بتغلط في توقاعاتك
ممدوح : باين لسانك زالف شويه يا خضره
آمال : بسخرية ) تقاريرك بتقول كده
ممدوح : ليه بتحاربينا .. ليه بتحاولي تدمير خططنا
آمال : خططكم كلها شيطانية .. عايزه تدمر الدنيا وتبلعها
ممدوح : ربنا خلقنا عشان نكون أسياد .. ليه ما نحافظشي على كده
آمال : عشان كده بتدمروا كل حاجه كويسه
ممدوح : وايه اللي دمرناه؟
آمال : حأقولك ايه ولا ايه
ممدوح : قولي اللى انت عايزه
ىمال : هو تدميركم تاريخ الأمم وتشكيكم في أي قيمة محترمة وفرض عاداتكم وتقاليدكم على الدنيا كلها مش تدمير ...من حقنا أن نحوش عن أنفسنا ..
ممدوح : يعني كل حاجه حتقدري تقاوميها
آمال : لأ .. كل حاجه نقدر نقاومها
ممدوح : ماشي يا خضره .. تقدري تقاومي التطرف .. المخدرات .. الكتب والمجلات الخليعة .. الفساد .. الرشوة ... قولي أزاي )
ومن رأيي ان هذا الحوار هو حوار خطير جدا وهو المسرحية كلها ، واستطاع المؤلف أن يعبر عنه أحسن تعبير وهو حوار يدل على فهم عميق للوضع الراهن واستخدامه للموروث الشعبي لكشف هذا الوضع .
ولا ينسى الكاتب ان ينهي مسرحيته بالسعادة والفرح والهناء ففي ص68
الزاوي : يبقى كلامكم صحيح يا اولاد .. لازم نقف على كل حاجه حلوه فاضله بينا ونقويها ..
عثمان : ده أول سامر حيفيدنا
الزاوي : عايزين نجوزك يا ممدوح
ممدوح : لسه بدري يا با
الزاوي : بدري من عمرك .. لا بدري ولا حاجه يا بني .. شقتك موجودة ولو زنقت خالص وما لقيتش شغل ..يبقى اسرح في أرضنا .. بقولك ايه .. ايه رأيك في هدى بنت عمك ؟
وتنتهي المسرحية والمجموع يردد في صوت واحد
الله ..الله يا بدوي ... جاب اليسرى ص70
اللغة
استطاع عبد الله مهدي تكثيف اللغة التي جاءت بالفلاحي وغرق في المحلية الريفية ، أعطى الصدق الفني لهذه اللغة والصدق في العمل المسرحي ، وعندما يدخل في التشخيص كانت الغة العامية ، إذا استعمل لغة الأرياف في محليتها ، تلك اللغة العامية أعطت انطباعا بالموروث الشعبي وتداخله في النص المسرحي
وأخيرا فإن العملية الفنية في استلهام التراث الشعبي تهدف إلى الكشف والإضافة بأحدث الأساليب والوسائل الفنية عن القيم الجمالية في الإبداع الشغبي ، فهي عملية إبداعية جديدة تكشف في الوقت نفسه عن القيم الفنية الكامنة في المروث الشعبي ن كما طبقها عبدالله مهدي في هذا النص المسرحي
وهو أمر لابد من الإصرار عليه وتكراره لتنطلق القدرات الخلاقة الواعية في تقديم مثل هذه النصوص المسرحية في أكمل صورة تتوازى فيها الحداثة في إطار فني يجمع بين الخبرة الفنية المحدثة والمعرفة الثقافية الواعية بمضامين وأشكال الإبداع الشعبي الأصيل .
وتعد هذه القراءة السريعة للنص المسرحي " عودة خضره الشريفه " للمؤلف عبدالله مهدي التي زخرت بالعديد من الصور والمادة التراثية الثابتة في البيئة المصرية والعربية الصميمة ، والتي لم يتسع المجال لحصرها ..
أقول انها السبيل الوحيد لخلق هوية مسرحية متميزة في قالبها الفني لتعبر بحق عما يختلج في أنفسنا لا عما يختلج في نفوس الآخرين من خلال الاستفادة والاستعانة عن قناعة وصدق بهذا النبع الفياض من تراثنا المتميز بنكهته الخاصة وخصوصيته الشديدة .


المصادر والمراجع :



- عودة خضرة الشريفة عبد الله الهادي ، مسرحية بالعامية المصرية– هيئة قصور الثقافة .
- صفوت كمال .. استلهام عناصر من الفولكلور في الإبداع الفني الحديث .. مجلة الفنون الشعبية ..عدد18 ..1987 .ص16
- د / عز الدين إسماعيل ..توظيف التراث في المسرح ..مجلة فصول ..مجلد 1 .. العدد الأول .. اكتوبر 80 الهيئة العامة للكتاب 1980
- د / مصطفى رمضان .. توظيف التراث ـ إشكالية التأصيل في المسرح العربي .. عالم الفكر .. المجلد 17 .. العدد 4 ..وزارة الإعلام .. الكويت 1967
- د / عبد الحميد يونس .. الحكاية الشعبية .. كتاب الجيب .. العراق
- د / عبداللطيف البرغوتي .. الفولكلور والتراث ..م عالم الفكر .. المجلد ال17 ..العدد الأول .. وزارة الغعلام ..الكويت 1986
- مجموعة كتاب .. ملف الدراما والتراث الشعبي ـ م المسرح ـ عدد 245 ـ السنة الثانية ـ يوليو 1984
- شوقي عبد الحكيم ـ دراسات في التراث الشعبي ـ مكتبة الأسرة 2005
- فاروق خورشيد ـ الجذور الشعبية للمسرح العربي ـ مكتبة الأسرة 2006
- شوقي عبد الحكيم ـ تراث شعبي ـ مكتبة الأسرة 2004






(6) عبد الله مهدي ومسرح مصرى صميم
دا حسين علي محمد

مسرحية "عودة خضرة الشريفة" للأديب عبد الله مهدى هى الخامسة له فى قائمة مسرحياته المنشورة , بعد أن أصدر "إضراب عمال الجبانات" 1998م ثلاث مسرحيات قصيرة , "عودة أصحاب الرؤوس السود " 1999م مسرحية فى ثلاثة فصول .
عبد الله مهدى أحد الأصوات الجادة التى يرجى من ورائها الخير الكثير فى حياتنا الأدبية , والمسرحيات السابقة مسرحيات تاريخية تستلهم التراث المصرى القديم , والسومرى لمواجهة قضايا الواقع , ولكنه فى مسرحيته الخامسة "عودة خضرة الشريفة" اختار العامية أداة , ومواجهة قضايا الواقع من خلال مسرح مصرى صميم , يذكرنا بمسرح نعمان عاشور , وسعد الدين وهبه ومحمود دياب .. وإن كان له صلة بالأخير من حيث التجريب , واستخدام السامر المصري والحكاية الشعبية .
هو يقيم السامر ليتغلب على وحدة الإنسان المعاصر , فكأنها رحلة فى الزمان لاستعادة زمان جميل مضيء ومن خلال هذه الاستعادة تسوقه قناعته السياسية من خلال حوار مقتر .
عثمان : رغم الشقا .. كنا بنحب ليالى الساقية قوى .. الملقة كلها بيسهروا مع بعض منتظرين مجيء المية فى الترعة , وكانوا بيسلوا بعضهم بالسمر .
الراوى : ولما يحسوا بمجى المية ينفض السامر , ويغرقوا فى الشقا .
مجاهد : دلوقتى كل واحد بيجر مكنته وبييجى يدورها ساعة ولا اتنين لحد ما يخلص ويسحبها ويمشى .. كل واحد بقى عايش لوحدة .
فكأن السامر فى هذه المسرحية عودة لأيام زمان , ومحاولة للتغلب على الوحدة وقد استطاع عبد الله مهدى أن يستلهم التراث من خلال توظيف حكاية خضرة الشريفة فى قالب فنى مقتدر , يذكرنا بمحاولات محمود دياب "ليالى الحصاد" ويوسف إدريس "الفرافير" .. وغيرهما فى إيجاد مسرح مصرى له خصائصه المتفردة عن المسرح الغربى , ومن خلال توظيف الحكاية استطاع أن يناقش إنفراد أمريكا بقيادة الكون وتدمير ثقافاته .
لا مسرحية بدون حوار , والحوار عنصر أصيل فى المسرح , وقد استطاع عبد الله مهدى أن يسوقه ببراعة , ومن تجلياته .
عثمان (ببشاشة) : فاكر زمان يا زاوى ؟
الزاوى : الله يرحم اللى فكروا فى السد , وبنوه .
مجاهد : الله يرحم كل حاجة عملها .
عثمان : كفاية اللى حصل للقطاع العام , والمستأجرين .
عواد : الدنيا مش بتقف .. يعنى السقية زمان زى دلوقتى .
الزاوى :لأ طبعا .. زمان كنا نتعلق فى الطنبور بالأسبوعين عشان نغرق الفدان ده .
الحوار يسير فى المسرحية سيرا حسنا , حيث يدفع الأحداث ويلقى الضوء على أشياء ضرورية يحتاجها البناء المسرحى .
تناولت المسرحية تلاحم جناحى الأمة (مسلمون ومسيحيون) , وخيانة ما يرى غير ذلك .
سيدهم (ثائرا) : دول ناس خونة .. أكيد منبعين لأعدائنا .
الزاوى (بتأمل واستغراب) : طول عمرنا عايشين سوا .. لو نزل واحد غرب بلدنا ما يقدرش يميز دا مسلم ولا مسيحى .
آمال : انتوا عارفين مش بيقدر يميز ليه ؟
غطاس : عادى .. ناس بيتكلموا لغة واحدة .. عاداتهم واحدة .. تقاليدهم واحدة .. طموحاتهم واحدة .
كان من الأفضل أن تكون المسرحية فى فصل واحد بدلا من ثلاثة فصول وذلك لعدم وجود انتقالات زمانية وبقاء المنظر كما هو فى الفصول الثلاثة كما أن فيها سمات مسرح الفصل الواحد الشئ الكثير , حيث الاهتمام بالحدث , ووحدة المكان والزمان , وعدم تعمق الشخصيات إلا بقدر مشاركتها فى الحدث والصراع .
رغم ذلك فإن مسرحية "عودة خضرة الشريفة" تضع عبد الله مهدى بقوة واقتدار , واحدا من كتاب المسرح المصرى الذين لديهم الرؤية , يمتلكون الأداة وعلى مخرجى المسرح المنقبين عن النصوص الجادة أن يلتقفوا هذه المسرحية كغيرها من إبداعات (عبد الله مهدى) المسرحية فى وجه محاولات طمس هويتنا .