أحدث المشاركات

نسجل دخولنا بذكر الله والصلاة على رسول الله» بقلم عوض بديوي » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»»

النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التشكيل بين ذاتية الهوية وهوية الذات

  1. #1
    فنان تشكيلي
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 261
    المواضيع : 28
    الردود : 261
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي التشكيل بين ذاتية الهوية وهوية الذات

    التشكيل بين ذاتية الهوية وهوية الذات

    --------------------------------------------------------------------------------

    يعتبر تحديد ملامح الهوية الفكرية من أولويات بناء الذات الإنسانية, ومن خلال هذا البناء يتمكن الشخص من التعرف على قدراته ومواهبه وحدودها وإمكاناتها وأفضل السبل والطرائق للرقي بها والوصول بها إلى مراحل متقدمة من الإبداع, والتخلص من هيمنة الانسياق والإتباع بدون رؤى فكرية واضحة المعالم تنير له طريق التميز والإبداع في رحلة الثقافة.
    ولكون الممارسات التشكيلية بشتى مجالاتها, تعد أحدى أهم المجالات الفكرية التي يكون الإبداع والتجديد من سماتها الأساسية، فإنه من الأولى إلقاء نظرة على عوامل بناء الهوية التشكيلية ، والعوامل المؤثرة في تشكيل معالمها.
    ومن هذا المنطلق نبدأ بتسليط الضوء على أكثر من وجهة نظر عن بناء الهوية التشكيلية ومقومات هذا البناء ومعوقاته, وليس المقصود من ذكر هذه الرؤى( على اختلاف مبادئها) الاتفاق معها والإيمان بأفكارها وإنما من باب المعرفة بنظرة كل اتجاه لعوامل بناء الهوية التشكيلية ,وسنورد في الختام نظره في عوامل بناء الهوية التشكيلية .
    وهنا يقصد بالهوية التشكيلية بصياغتها الفردية الذاتية, وليست بمنظورها الجمعي, الأمر الذي يعني كل فنان ويفتح آفاق فكرية أوسع لفهم ذاته التشكيلية والعوامل المؤثرة بها.
    - النظرة الأولى: ترى أن الهوية التشكيلية تتحدد وتتشكل معالمها من الحالة التراكمية الناتجة عن البيئة المحيطة والواقع الذي يعيشه الفنان, وتأثير الصراعات والظروف المحيطة به, والتأثر بالكم الثقافي لدى الفنان سواءً كانت ثقافة بصرية أو مقرؤة, و إلى ما اختزلته الذاكرة من مشاهدات يومية, وترسبات معرفية, إضافة إلى محاولة الانصهار والتعايش مع المجتمع, وهذا الكم من العناصر والمؤثرات تساهم في رسم ملامح الهوية التشكيلية, وبدورها تلقي بإسقاطاتها الفكرية على المنتج الفني بشكل مباشر فيخرج مجموعة أعمال لصيقة للمجتمع ومسجلة لأحداثة تسجيلاً تاريخيا واجتماعيا وسياسيا سواء كانت هذه الأعمال بشكلها المحاكي للواقع أو بإعادة صياغة الواقع بشكل أكثر فلسفية وتشكيلية..
    فنرى هنا أن الهوية التشكيلية هنا لم تتعدى حدود التأثر والتأثير ببعدين للواقع وهما البعد الزماني والبعد المكاني, فظهرت مخرجات العملية التشكيلية بشكل أكثر مباشرة، يفتقد للعمق البصري والنفسي، كما انساقت الهوية هنا للمتغيرات المحيطة، ولم تطوعها وتشكلها برؤية ذاتية وإنما أصبحت ضمن سياق التجربة المجتمعية وانحصرت الرؤى وضاقت حدود الإبداع ضمن الهوية الجمعية, فدأبت على تلمس خطوط الإبداع في الذاكرة الزمانية والمكانية, فعطلت كثيرا من مكامن الإبداع في هذه النظرة, كما أن الخوف أيضا في هذه النظرة من أن يعيش بعض الفنانين غربة اجتماعية, وهم الفنانين الذين خرجوا بأفكار ورؤى خارج سياق التجربة المجتمعية ، فتخرج أفكارهم أكثر تطورا وتقدما من أفكار ورؤى مجتمعهم , بما يمثل عائقا أمام تشكل هويتهم بحرية.
    - والنظرة الثانية: ترى أن الهوية التشكيلية تصنع مثلها مثل الحرية وان لم تصنع هذه الهوية فإن الفنان يظل عبداً لمعارفه وثقافته السابقة و القديمة, وصنع الهوية التشكيلية يتطلب التخلي كلية عن مجموعة من الرقابات الداخلية والخارجية والتخلص من جميع القيود الداخلية وجيوشها التي تردع في هذه الذات :
    ( قل هذا , لاتقل هذا , هذا عيب , هذا لا يصح ... الخ )
    كما ينظر للتراكمات الثقافية والمعارف المختزلة على أنها مجموعة من المعطلات والمؤخرة لعملية الإبداع وصنع الهوية، ويسمونه غبار المعرفة وغبار الثقافة, ولابد من وجود مكنسة سحرية وهمية يكنس بها غبار المعارف السابقة.
    ولن يصل الفنان إلى الجديد والصادق ومازالت تسبح حوله سحابات من التراكمات القديمة والمعارف المختزلة والرؤى المحيطة, فلا بد من التخلي عنها والعمل على استجلاء ما ورائها, وفسح المجال للنباتات الذاتية لتنمو, وللأفكار بأن تتشكل بحرية, فهذه الأفكار مثل الأعشاب تنمو والحفاظ على ثبات نموها يحتاج إلى أمور عدة منها أن نفلسف الواقع أو نموت لأجل تعديله, ولكن القبول به كما هو يسبب القهر الداخلي والذي ينعكس سلباً على صناعة الهوية بشكل أكثر تحرراً.
    ومن خلال تسليط الضوء على هذه النظرة في تشكيل الهوية التشكيلية نجد أنها أكثر تصوفاً في نظرتها للذات وانسلاخها من جميع المؤثرات المحيطة واعتمادها علىالذات فقط وإهمال التراكمات الثقافية والرؤى المختزلة وركام المعرفة, هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنها تبيح للذات تجاوز جميع المحذورات والممنوعات والانفلات بحرية مطلقة لكي تصل بها إلى آفاق أبداعية أوسع .
    كما نرى أن الفنان من خلال هذه النظرة وفي حال بداء الممارسة التشكيلية فأنه يعيش مضطراً في عزلة عن ثقافته ومعارفه ومحيطه البيئي, ويمارس جلدا لذاته ركضا وراء الحرية الفكرية والخروج عن الأطر الفكرية المحيطة.
    وبعد أن أطلعنا على تلك النظرتين في بناء الهوية التشكيلة حيث كانت:
    -النظرة الأولى: مستغرقة في الواقع مباشره أوبا لسير على حوافه, ولكن كانت الأفكار والرؤى تأتي فيها كنتاج طبيعي لمعايشة الواقع والتفاعل معه والانطلاق منه وتلخيصه واختزال مفرداته وإعادة صياغتها , كما أنها أخذت في اعتبارها تبني الخطاب التاريخي والاجتماعي والسياسي وإدراجه ضمن اولوياتها , والعمل على التعايش مع المجتمع ومعايشة قضاياه بشكل أكثر مصداقية ( وبشكل موجز فإن هذه النظرة ترى أن الهوية التشكيلية تكون من الخارج إلى الداخل ).
    - أما النظرة الثانية : فكانت منسلخة من الواقع ومؤثراته الداخلية والخارجية والبحث المستقصي في أغوار الذات ونفض الركام المعرفي ,ولكنها كانت تتعامل مع الذات بحرية متناهية الأمر الذي حمل الذات على التخلي عن مؤثراتها والمطالبة برؤى وأفكار تنبثق منها وبشكل أكثر خصوصية ( وبشكل موجز فإن الهوية التشكيلية في هذه النظرة تبنى من الداخل إلى الخارج )
    وبعد أن تطرقنا للنظرتين وما تحمله في طياتها من أفكار ورؤى عن عوامل بناء الهوية التشكيلية , والعوامل التي تسهم في تعطيل وضوح ملامح الهوية التشكيلية , وسواء اتفقنا مع هذه الرؤى أم لم نتفق , فإنها تبقى آراء طرحت في نفس الموضوع وجدير بنا أن نلقي الضوء عليها كما ذكر سابقاً .
    وما سنطرح آخراً بعض الأطر العامة, والخطوط العريضة والتي تسهم في تشكيل معالم الهوية التشكيلية بصورة عامة.
    * فمن أول الأمور التي تؤثر في بناء الهوية هي ( الصدق ) وذلك لأن العملية الإبداعية عملية فكرية نفسية لابد وأن تكون نابعة من صدق الفنان مع ذاته ومع مخرجاته الفنية , ومع ما يحيط به من جوانب حياتية وثقافية واجتماعية .
    *وتأتي بعد ذلك الممارسة والتجريب: وفتح مجالات التجريب المقنن وعدم التخوف من الإخفاق,والجراءة في هذا المجال .
    * العناية بالإرث الثقافي : وجعله كقاعدة ومنطلق , وركيزة للتطور والإبداع, والاستزادة منه بقدر المستطاع
    *البحث في أغوار الذات : والإبحار في كوامنها لمعرفة حدودها ومعالمها وإمكانية تطويرها والرقي بها .
    * الخروج عن النمطية : وقولبة الذات في قالب واحد ومحاولة البحث عن ما هو جديد بدون انفصال أو انقطاع مخل عن الذات وتنميتها رعايتها .
    * عدم الاستعجال في تحديد معالم الذات: والانبهار بما عند الغيبر ومحاولة محاكاته,لأن ذلك قد يفقد أبجديات هويته.
    *مشاركة الجسد والعقل والثقافة والعوامل الخارجية في العملية الإبداعية كي يظهر الناتج الإبداعي من الذات التشكيلية بصدق .
    فيصل خالد الخديدي
    المشرف العام على جماعة تعاكظ التشكيلية

  2. #2
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.50

    افتراضي

    أستاذنا الفاضل ل"فيصل الخديدي":

    أولا أشكرك على هذا المقال الرائع ..حيث أفدت منه واستمتعت .

    واسمح لي أن أضع هذا المقال للأستاذ : طلال معلا

    ********

    في الهوية والذاكرة والتشكيل


    الانتقال بين القرون، او المضي في الزمن الجاثم على عديد الشهادات الابداعية، يقتضي توفر عناصر محددة لبناء موضوعات العصر الذي ننتهي اليه. ويبرز هذا الامر في الفكر والثقافة والفنون باعتبارها تعيد طرح الذاكرة الانسانية وفق الاختيارات المتجددة، وفي اطار الفضاءات الحوارية التي تعني ايضاً تميز الانقلابات في المفاهيم والرؤى والقيم. اي الانقلاب بالمصطلحات على ما كانت تهيمن عليه في فترة دون اخرى لتحقيق النجاحات التي تؤمن اندماجاً حضارياً لقوى المجتمعات الذاتية.

    وقد لاقت الفنون التشكيلية الانسانية في حراكها التطوري الكثير من الصدام في آليات الانتماء الذاكراتية، وبالارتباط بكل ما يعطي منجزها التراكمي ملامح الهوية التي كانت الشغل الشاغل لنقد القرن العشرين الى جانب طروحات الشمولية والعالمية والانتماء للحداثة وما بعدها.. كما ان التحضير لدخول الالفية الثالثة بادراك النظرة الفلسفية للعولمة ومتطلباتها يبرز في السنوات الاولى لهذا القرن عبء التعارض بين العقل البشري ومناهج التفكير التي ينتجها لبناء توافقات تتعلق بالتوازن في العلاقة مع المركز وكل ما يترتب في الابتعاد عنه او في تشظيته على ابعد تقدير.

    لا نظن على الاطلاق بان قضايا كالذاكرة والهوية او العولمة هي قضايا تخص المبدع العربي دون سواه، فهي قضايا انسانية تناقشها المؤتمرات والندوات، وتشكل مادة للحوار الفكري والثقافي، ومادة اساسية للنقد بشكل عام ولكل ما تحتويه المجالات والصحف والدوريات والابحاث مما يشعرنا بأننا دائماً في اطار الفكرة المطروحة لتأسيس وجهة نظرنا واضاءة الجوانب المتعلقة بابراز افكارنا وافكار من نحاورهم او باظهار احكام الاخرين على ذات القضايا الجمالية لتوسيع النظرة والاكثار من احتمالات تقليب الامور.

    والاشارة الى السطح الرجراج للزمن في ثباته الاصطلاحي بينما تنهض روح الشعوب لتجديد حقيقتها وهي تعيد صياغة ذاتها في مرورها بهذا الزمن. ولا ننكر خصوصية هذه الشعوب في طرح قضايا كما اشرت، بل ان هذه الخواص تمنح الصوت قوته في الاشارة الى قيمة الروح وهذا ما حاولت الناقدة التركية (جالا ايرزن) التركيز عليه في بحثها «هل الفن جزء من الثقافة» حين تكتب: «قد يبدو حقيقياً ان الصغار والهامشيين يريدون دائماً ان يلتصقوا بقيم خاصة اكثر تقليدية، بينما ثقافات الاقوياء سياسياً تأخذ ما يمكن ان تأخذ من الثقافات الاخرى وتستفيد منها دائماً:

    والتاريخ يثبت صحة ذلك في فن ما بعد الحداثة اخذ بحث الفنان تعددية لهوية فردية تتناول الجمالي من الشخصي، مما دفع بالاقليمي والفطري الطبيعي الى ان يصبح مرة ثانية قيمة مستعادة.. هناك ذوق السوق وخيارات البيع حسب السياق العالمي ـ احكام القيم ليست حرة دائماً.

    ان قضايا الروح (او الهوية) كانت تحل ضمن التركيبة الكبرى للمجتمع وضمن الدين تاريخياً. والفن كانتاج فردي كان وولايزال قضية المجتمعات الدنيوية غير الدينية، اما في الحياة المعاصرة فان الفن لا يمكن ان يكون جزءاً من التقانة: "الثقافة تهم معظم حاجات الحياة، الفن يصبح سلعة ومسألة جمهور الفن ايضاً تصبح قضية.. مسائل المحلية والعالمية في الفن لا تتحدد في اطرها الفنية فقط بل تتسع، ولكن الفن الحقيقي خارج الحدود، بل هو الوسيلة لفهم الاخر والارتباط به».
    بهذه الاطلاقية والشمولية عبرت الناقدة التركية عن لغة الفن وضرورة ترسيخها لتمكن المجتمعات من التحاور، بل ان (سكينا اثينا) الباحثة اليونانية في الجماليات ترى هذه اللغة «كائن حي متجدد، متغير، متطور باستمرار تتداخل فيه العناصر القديمة بالجديدة، ويتقبل الفن بذلك باستمرار التجارب الحية الدينامية.. وكل جيل فني له تعابيره وخبراته.. الفن خير اسلوب للتعبير بين الشعوب وافضل وسيلة للتخاطب الرفيع المستوى المعبر عن بيئة محددة.. والفنان يظهر سماته وخصوصيته وذاته فيما يرسم مشكلاً (هويته) ولا ينبغي ان ننظر الى الهوية كعازل بين الفنان والعالم».
    هذه المسألة طرحت في ندوة دولية في الدورة الرابعة لبينالي الشارقة (ابريل 1999) وقد تحدث العديد من الباحثين والفنانين العرب والاجانب حول هذه القضايا زاد على الستين مشاركاً في محاور كنت قد اعددتها آنذاك حول ميل المغلوب لمحاكاة الغالب في العلاقة مع الغرب والانبهارية، والاعلائية في تفسير العلاقة مع الاخر والأنا والاخر وسبل صياغة الهوية وما يتعلق بالعولمة وتحديات القرن الحالي وغيرها من المحاور التي تشترك في تطلعاتها لتمتين جسور اكتشاف الفن وتسهيل علاقته بالحياة لتجاوز مشتقات التطوير التي تقتضي الرؤية والتعبير عن هذه الرؤية وكل ما يحلم المبدع بتحقيقه دون كثير حاجة للبرهان على التصاقه به وانبثاقه منه، باعتبار الابداع الطاقة الخلاقة للانسانية التي تنتج الثقافة والفنون والحضارة.

    هاريو ايشيرو، رئيس فرع اتحاد النقاد التشكيليين العالمي في اليابان يؤكد ان معنى الهوية في الفنون الاسيوية مركب ويصعب استيعابه، ويقارن في ندوة للاتحاد اقيمت في اليابان بين الفن الصيني والفن الياباني على سبيل المثال لتأكيد وجهة نظره، وفي الوقت الذي يرى ان الحداثة الصينية موقوفة على العروض الخارجية، في اليابان وكوريا وتايوان وغيرها فان فنون التنصيبات وفنون الارض وغيرها هي فنون ليست مقبولة في الصين وعلى هذا الاساس فان تقسيم (ليكسيانتينج) هذا الفن الى ثلاثة مستويات هو التقسيم الصحيح، الاول: الواقعية وما يساندها اكاديمياً، الثاني: تصوير «الادباء» الذي يسعى لاحياء وتطوير التراث والثالث: كل ما ينشد الحداثة.

    ويؤكد (ايشيرو) بأن التصوير الصيني يتميز عن مثيله في اليابان بأن الاول وعبر دارسيه الذين تلقوا تعليمهم في الغرب، تمكن من صياغة توجه واضح الى التراث والرسم الوطني بينما شكل التصوير التراثي في اليابان اتجاهين منفصلين كون الثقافة اليابانية ومنذ القدم كانت اقدر على تمثل وقبول الثقافة الاجنبية وهذا ما دعم سبل التحديث في المجتمع الياباني وجعلها بطيئة في المجتمع الصيني، الا ان كلا المجتمعين كانت لهما شروطهما لاصطدام محاولات التحديث بالوعي النقدي فيها.

    ويضيف الباحث بان ذات الشيء ينطبق على الفنانين الصينيين في الخارج حسب مقال لـ (جون كلارك) من جامعة سيدني في استراليا، كان قد ذكر فيه: «الفنانون الذين يفكرون بالعودة الى الاراضي الصينية في المستقبل يختارون تصوير المناظر الطبيعية، وهذا الامر وان بدا في ظاهره بانه اختيار فني فانه في عمقه اختيار سياسي لمن لانية لديهم في العودة الى الوطن اذ تسكنهم مسألة الهوية الوطنية،

    ولهذا فهم دائماً بحاجة الى مساندة النقاد ومنظمي المعارض حيث يعيشون للتعريف بهم وبفنهم الذي يختلف في بعض جوانبه بما هو متحقق على الاراضي الصينية حيث يمكن الحديث عن ضيق افق النقد بموازاة وقائع الفن الصيني الذي يتحرك في اطر غير معلنة او انها لا تلقى القبول الرسمي على اساس ان هذه الطليعة هي نتاج السيطرة الغربية على الفنون، ولعل هذه الفكرة تتسع احياناً في جنوب شرق اسيا ايضاً حيث يركز اغلب الفنانين على الاستمرار بتصوير الاساطير وفنون العرض التراثية التقليدية ليصوروا مباشرة تناقضات بلدانهم بدل ان يشكلوا امتداداً للحداثة المحيطة بهم.

    ان الدعوات الخارجية للفنانين في الصين تتيح لهم اليوم الوقوف اكثر على المتغيرات، كما ان مثل هذه الدعوات في السنوات الاخيرة اتاحت لهم انتشاراً واسعاً في اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وفي عروض الدول الاوروبية كبينالي فينيسيا حيث دعي الفنان الصيني كاي جوكسيانج ليشارك في موضوعة (الماضي، الحاضر، المستقبل) كما دعي ثلاثة فنانين لبينالي ليون

    ، وهنا يجب ان نفهم القصور الاوروبي والدافع القوي لديهم لاحياء قوتهم الثقافية بمواجهة الولايات المتحدة، وهو طموح دعمه تشكيل السوق المشتركة. ويستغرب الباحث هاريو ايشيرو مما كتبته منسقة (الدوكومينتا) كاترين ديفيد بانه ليس هناك داع لشمل الفنانين الحداثيويين من العالم الثالث في المعرض لانهم ـ بشكل او اخر ـ في مواقع بيروقراطية. ولعل هذا السبب يدعو العديد من الجهات في مختلف انحاء العالم لانشاء واحداث منظمات ومؤسسات تحمي فنونها من جهة وتوثق لها وتدفع بها للمشاركة في المحافل الدولية من جهة اخرى،

    وهذا ما كان حين اعلن عن تأسيس المركز العربي للفنون في الشارقة الذي يدفع في توجهات لاختراق الحدود وجعل الفن العربي يشارك في مختلف التظاهرات والانشطة الدولية اسهاماً في حوار حضاري انساني، كما ان مؤسسة اليابان لمركز اسيا دعت في الخريف الماضي الى اعادة النظر في الفن الاسيوي المعاصر، واقترح في هذا المجال ناقد تايلاندي انشاء منظمة دولية

    مشتركة لتدفع باشراك الفنانين الاسيويين في المعارض الدولية في اوروبا. كما ان اولوية العمل الاسيوي المشترك سيمكن النقاد والفنانين من خلق حوار وتعاون في ارجاء المعمورة عبر صياغة تصور استراتيجي للانتشار والانطلاق في المعارض الدولية التي تشكل صورة العالم والتي يجب ان تكون كافة الشعوب ضمن مقومات وجودها.

    في هذا الاطار تأتي الانشطة الدولية في المناطق المختلفة من العالم كالبيناليات المختلفة في اليابان ومصر والامارات وبنجلاديش والمانيا وغيرها الكثير ممن لا تتوفر في انشطتهم المواصفات الدولية الفعلية، كما ان الملتقيات النحتية والفرافيكية الدولية، المؤتمرات البحثية، وغير ذلك مما يمكن ان يؤكد القلق المتنامي لدى المجتمعات لاختراق عزلتها واحتلال موقع لها في التعبير عن هويتها وطريقة تفكيرها والخروج بالتالي من الاطر التقليدية التي حاصرتها..

    كما ان ما نلمسه اليوم في بعض الدول الاوروبية كفرنسا على سبيل المثال مما تستشعره من خطر على ثقافتها وفنونها بمواجهة المتغيرات الدولية يصب في ذات الاتجاه لانها تخاف على تراثها وثقافتها وبالتالي فهي تحرص على اسلوب حياتها ونمط تفكير مجتمعها، وعلى غرار حكاية الصراع الحضاري الانساني تهمس ابداعات الشعوب بخطر الذوبان ورياح التنوع واعتبار التقليد وسيطاً قابلاً للنقض اذ يستحيل وراثة الذاكرة دون نفي هذا التقليد، كخطوة اولى للتطوير.

    الناقدة كاثرين وبستر تؤكد في بحث لها دعته التعبير عن الذات في محيط الثقافات بأن الفن النيوزيلندي يجهد في بناء هويته، ولكنه يجد النجاحات والتقدير دولياً، ويجد في الوقت ذاته معنى لعيوب ومساوئ البعد عن مركز العالم الفنية، ومن لا يعي ذلك يهاجر في بلدان العالم. تركيبة سكان نيوزيلندا وجغرافيتها وفترة الاستعمار تشكل بعض ملامح صراعها من اجل الهوية، لغة انجليزية (لغة مستعمر)، اقلية سكانية اصلية (الماوري)، مهاجرون من اوروبا واسيا مبكراً جداً تقاليد وعادات اوروبية..

    كل ذلك تنهض اليه روح قومية جديدة لتجد صوتها الجديد وتتعلم اغنيتها وفنها.. لقد وجد تدريجياً ذلك الفنان الذي يعبر عن بيئة خاصة في منطقة جزر المحيط الهادي، ويحاول ان يظهر للآخرين تلك الخاصية المحلية ضمن خليط هجين من ثقافات اوروبية واسيوية، ليجد موقعاً بين الثقافات لهوية قومية ناهضة.. الا تستحق ذلك؟!

    قد تلزم اليوم بعض كلمات التحذير قبل ان تنهي الافكار الفلسفية ترسيم حدودها واعتبار ما يحصل رؤيا شاملة لاحوال الهوية والذاكرة في اطار الاستشقاقات العولمية والتي يمكن الا تتعدى التمهيد لما هو اوسع تدميراً حسب الترتيب الزمني لأولويات المستقبل، فجاذبية التغيير والتطوير تلغي في تحركها الكثير من التفاصيل الجمالية للفكر الاجتماعي كما ان شمولية التصنيع تتضمن بوضوح جوانب تدميرية للتقاليد التي تسبقه.. وفي هذا المقام يذكر (ايشيرو) في مقال له قصة شخصية حدثت معه فيكتب:

    «في العام 1980 دعوت ادونيس. الصديق السوري الذي يعد من ابرز الشعراء العرب، وهو يعيش في باريس ويدّرس في السوربون، دعوته للمشاركة في حوار مفتوح في يوكوهاما وكيوتو، وقد ابدى اسفه حينذاك للحالة الصناعية المتأمركة التي وصلت اليها اليابان في الوقت الذي تمتلك فيه تقاليد قديمة ورفيعة في اماكن مثل يوكوهاما وكيوتو وغيرها،

    وخلال رحلة العودة بالقطار من كيوتو الى طوكيو اشرت لادونيس بان رحلة القطار هذه كانت تستغرق نصف يوم وتتطلب المبيت في كيوتو، بينما لا تستغرق اليوم سوى ثلاث ساعات في القطار المدعو «القذيفة»، قلت له بأن كثرة العمل ضخمت الشعور بان العالم قد غدا مقراً مؤقتاً، وان الحياة تعدو وتتلاشى، وبعيداً عن مناقضة الحساسيات التقليدية فالتصنع موجود في ذات الوقت، ولهذا قلت لادونيس بانه نصف محق ونصف مخطئ، وحين سمع كلماتي اطرق تائهاً في افكاره ومشاعره المتناقضة، وقد بدا ذلك جلياً على وجهه.
    في جانب من الفن الحديث يكون الاثنان متصلان، التصنيع والتقليد، ولهذا اشار (كوندو) بانه عندما تتوفر عناصر تقليدية في التنصيبات فانه يمكن اعتبار ان الاستشهاد بها واعادة انتاجها انما يتم على ذات مستوى العناصر الحديثة، وقد يكون هذا ما دعا (ميناميشيما هيتوشي) لانتقاد عدم جدوى البحث المحموم لافواج من اليابانيين عن هوية فردية، واذا افترضنا بان دوافعه لهذا الامر كانت سليمة فان نبذه للهوية الوطنية لذاتها هو اما تهور او انه امرلا يطابق الواقع.


    دمت بكل الخير
    وتقبل خالص تقديري وباقة ورد

  3. #3
    فنان تشكيلي
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 261
    المواضيع : 28
    الردود : 261
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي

    سحر الليالي ...
    شكري العميق على جميل المشاركة ...
    وبجد الفنان طلال معلا من أفضل من قرأت له من النقاد العرب وكتاباته غنية وثريه بالمعلومة والفكر وخصوصية الكلمة وجودتها ...
    والحقيقة مداخلتك أثرت الموضوع ...
    ولك مودتي ودمت في ود ...

المواضيع المتشابهه

  1. ساق القصب (ليحيى يخلف) ما بين إلغاء الذّات وتحقيقها
    بواسطة كاملة بدارنه في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 14-06-2022, 08:46 PM
  2. العربية إرث وهوية
    بواسطة ملاد الجزائري في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 02-10-2015, 10:38 PM
  3. المثقف العربي بين أيدلوجية التغريب المفروضة وغربة الذات
    بواسطة اشرف نبوي في المنتدى النَادِى التَّرْبَوِي الاجْتِمَاعِي
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 05-05-2008, 10:59 AM
  4. الشهداء وتشكيل الهوية في شعر الانتفاضة
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 28-10-2005, 08:06 PM
  5. الشهداء وتشكيل الهوية في شعر الانتفاضة
    بواسطة رمضان عمر في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-11-2004, 01:26 AM