الحمد لله وكفى ، والصلاة والسلام على المصطفى
أيها الاخوة الكرام ، أحييكم بتحية الإسلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته
قالوا : حاملُ الدعوة مفرقٌ للجماعة مثيرٌ للفتنة
قلنا : تماما كما الأنبياء ولكن من منظار من ؟
ما أن يحمل الدعوةَ الربانيون - ورثةُ الأنبياء وعلى طريقتهم ، إلا ويتهِمُهمُ القواّمون على المجتمعاتِ القائمة بأنهم مفرقون للجماعة ومثيرون للفتنة ، تماما كما اتُّهم الأنبياءُ من قبل ،
هذه النقطة بالذات، تدلّ على بداية الطريق وطبيعته ، فالإسلامُ عاد غريبا كما بدأ ، والمسلمون لم يعودوا يفكرون على أساس الإسلام، ورضُوا أن يُحكموا بالطاغوت ،مما استدعى العلاجَ الجذريَ الشامل ، الذي جعل هؤلاء الذين رضوا ما وجدوا عليه الآباء دون بحث وتفكير يتهمون من يريدُ الأخذ بيدهم إلى جادة الصواب ، والى العلياء والى الوحدة الحقيقية على أساس الإسلام ، بأنهم مثيرون للفتنة ومفرقون للجماعة .
وهذه التهمة سنة من سنن الدعوات لن تتخلف ما بقيت الحياة
قال ابن إسحاق
" ... وَكَان الطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدّوْسِيّ يُحَدّثُ أَنّهُ قَدِمَ مَكّةَ - وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا - فَمَشَى إلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ - وَكَانَ الطّفَيْلُ رَجُلًا شَرِيفًا شَاعِرًا لَبِيبًا - فَقَالُوا لَهُ : يَا طُفَيْلُ إنّك قَدِمْت بِلَادَنَا ، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا ، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا ، وَشَتّتَ أَمْرَنَا ، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا ، فَلَا تُكَلّمَنّهُ وَلَا تَسْمَعَنّ مِنْهُ شَيْئًا ."
نتساءل ! ما الذي جاء به الأنبياء ؟
جاءوا بالقراءة باسم الله ، والبِشارة والنِذارة على أساسها ، ليقوم الناس بالقسط ولتبنى المجتمعات على أساس الحق و العدل .
هذا الأمر يجعل القائمين على المجتمعات ، لا يرحبون بهم ولا بما يحملون ، ويحاولون أن يحموا أنفسَهم ومصالـحَهم ، ويحاولون أن يحولوا بين الدعوة الجديدة وبين الناس ليستمر الحال على ما هو عليه ..
كما بيّن الله تعالى بقوله :
﴿..... كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾(108)
فإذا تباينت النظرة في تصوير الحياة الدنيا حصل الصراع ، وإذا اتفقت حصل التنافس وفق الأسس المتفق عليها .
وفي حالة الصراع قد يصل الأمر بهم إلى التهديد والوعيد والتشريد وقطع الأرزاق بل الأعناق .
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ 13 وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ.﴾
وقال تعالى واصفا حال الكفار مع الحبيب المصطفى :
﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ 3
ولان احتمالية أن يخشى حامل الدعوة غير الله ،وان يتراجع عن التمسك بالحق واردة ؛ حذره الله أن يخشى أحدا سواه ، بل وهدَّد سبحانه من هم خير منه من الأنبياء .
﴿وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً 74 إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا 75 وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً 76 سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً 77﴾
وقال عزّوجل :
﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾113 هود
فالله أمر الرسولَ بالبلاغ المبين ، والصدعِ بالحق بين أظهرِ الكافرين ومن اجل استكمال الرسالة عصمَه من الناس ، وعصمَه في التبليغ . ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِين َ 67﴾
ومن جاء بعده مطلوب منه أن يُبلِّغ البلاغَ المبين ، بين أظهر الناس الذين لا يعيشون على أساس الإسلام ، اقتداء بالرسول - عندما يكون الخللُ جذريا وشاملا والفساد مستشر في كل ركن وزاوية - مع ملاحظة أن الدعوةَ بعد اكتمالها ؛لم تعدْ متوقفةً على حياة الرسول ، فان مات حاملُ الدعوة حَمَل غيرُه الرايةَ إلى أن يصل الصادقون إلى الظفر ،وظهورِ الإسلام على الدين كله ؛ ولهذا حذر الله من ينبري للعمل للإسلام أن يخشى أحدا أيا كان غيّرَه تعالى ، لإمكانية حصول ذلك ، وأمرهم أن لا يكتموا العلم ولا يشتروا به ثمنا قليلا ، وحذرهم ان يفتروا على الله ما لم ينزل به سلطانا .
ان كسبَ الجاهلين بعد تعليمهم ، وكسبَ الكفار بعد إقامة الحجة عليهم ، وفرزَ الصفوف وتكثيرَ الطيب ، وتقليلَ الخبيث بإقناع الناس إقناعا عن طريق إقامة البرهان لهم ببيان انهم على باطل ، وان الحقَ في الردِّ إلى اللهِ والرسول ، وان الردَّ إلى غيرهِما كفرٌ صراح ، و ان المجتمعاتِ التي لا تدين بالعبودية الكاملة لله مجتمعاتٌ غيرُ إسلامية وان كان أهلُها مسلمين جهلوا دينَهم واتبعوا شهواتِهم أمرٌ لا مندوحة عنه في إدارة الصراع .
وقد أوجب اللهُ على المسلمين أن يصححوا الأوضاع ، ويعيدوا الأمورَ إلى نصابها ، وهذا تكليف الأنبياء ، ويحتاج إيماناً قوياً وعزيمةً جبارةً ورؤيةً واضحةً لا تستغرب الغربة التي عادت كما بدأت ، ولا تستغرب الإجراءاتِ التي يقوم بها من خانوا اللهَ ورسولَه ، لان طبيعةَ الصراع بين الحق والباطل ، وبين حامليه هي هي لم ولن تتغير .. بل تستغرب ألّا يقوم سادةُ المجتمعاتِ بما قام به أسلافُهم !!
فيتهِم حَمَلَةُ الدعوة عندئذ أنفسَهم ، لعلهم يكونوا مقصرين أو راكنين للذين ظلموا .
الإسلام يوحِدُ على الإيمان ، بعد الفرز والتفريق والحشد والبيان ، وان الدعوة إلى الوحدةِ على غيرِ أساسه انتحارٌ سياسيٌ لمن يزعُمَ انه يعمل للإسلام في مجتمع لا يسود فيه الإسلام ، وان إقرار الوحدةِ على غير أساسه عودةٌ إلى ملّة الكفار .
وكذلك الكفر يوحِد على الطاغوت ، بعد سعي أهلِه سعيا حثيثا لاستئصال أو احتواء الخارجين عليه .
وفي أتون هذا الصراعِ الدائر ، من قضى مؤمنا فاز ، ومن قضى كافرا خسر الدنيا والآخرة .
فان كان المجتمعُ قائما على غير أساس الإسلام ؛ وجب على المسلمين تغييرُه ؛ وان كان قائما على أساس الإسلام وجب على المسلمين حمايةُ ثغورِه ، وكلتا الحالتين ابتلاءٌ لا بدّ منه من سقط فيه خسر .
﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ 2 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ 3 ﴾العنكبوت
ومن سنن الدعوات : أن القائمين على المجتمعات ، يرضون بمن خالف في الاجتهاد ما دام مقرا بالأسس العقيدية التي يقوم عليها المجتمع ، ويرضُون أن يعيش بينهم من رضي العيش وفق الأسس ذاتها ، ولكن يرفضون وبقوةٍ كلَّ من يحاول تقويض هذه الأسس ، ومن هنا كان على مريدي النهضة والتغيير أن يتحملوا كافةَ تَبِعاتِ هذا العمل الجليل لصياغةِ الحياة على أسس الحق ، ولنيلِ الدرجاتِ العُلى ،
ولان هذا الأمر من الصعوبة بمكان فقد يزّين الشيطانُ لبعض الناس الممالأةَ والتلاعبَ فان دخل المجتمع ، من يزعم العملَ للإسلام وفق الأسس الباطلة التي يقوم عليها المجتمع كان كاذبا في زعمه العمل للتغيير .
قال تعالى :
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (213)﴾
لقد ارسل الله الرسل للتفريق بين الناس الذين كانوا امّةً واحدة على الباطل ليكونوا مؤمنين وكافرين مصداقا لقوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ 2التغابن
وقال عزّوجل : ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً (76) سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً (77) ﴾
هذه الآيات ،هددت وتوعدت الرسول أن يعمل للإسلام من خلال دائرة الكفر وأسسه الفكرية، ودعته إلى المفاصلة التامة بين الإيمان والكفر ، وعدمِ التأويل والتحوير والتدوير كما يفعل المبطلون اليوم ، باسم الإصلاحِ المزيف ، والوحدةِ الوطنية أو باسم الأمّةِ الواحدة التي بعث الله لها الرسلَ مبشرين ومنذرين ليميز بينهم ويوحدَهم على الهدى أو ليرعى شؤونَهم وفقه على الأقل ، فكيف يكون حال غيّرِه ممن لم يبلغ شأنه .
إن الدخول إلى المجتمعات من خلال عرفها العام وأفكارها الخاصة لإحداث التغيير الجذري فيها مآله الفشل الذر يع ، لان التغييرَ يناقضُ التعديلَ ؛ ولان الإصلاحَ يعني أن الخللَ في المجتمع عرَضيا ، بينما دعوى التغييرِ تنمُّ عن أن الفسادَ متأصلٌ متجذرٌ في أسسِ الحياةِ وجوهرِها ؛ فالتوغلُ إلى المجتمعاتِ لتغيير أسسها العقدية من خلال العمل وفق أسسِها الفكريةِ ونظرتِها الخاصة ومفاهيمِها عن الحياة ومشاعرِها هو كمن يطلب الإحراق من الماء ،وكمن يطلب المستحيل ، فالطريقة ليست من جنس الهدف ، والعملُ من خلال الواقع الفاسد يناقض الشعارَ المرفوعَ - وهو التغيير الجذري - منذ اللحظة الأولى .
إذا تمّ الدخولُ للمجتمعاتِ من خلال الأسس والمفاهيم الأساسية لها ، فان عمليةَ التغييرِ لن تكون إلا شعارا كاذبا ،لا يُنال حتما ، ومهما بذل الباذلون لأجله من جهود ؛ لان استقبال أرباب المجتمعِ لمن يزعم التغييَر كان استقبالا له باعتباره من جنسهم ، يؤمن بما يؤمنون ، ويحتكم لما يحتكمون ، ولهذا لو انبرى احدٌ لأخذ قيادة الناس من خلال عرفِهم العام واطروحاتِهم وطلَبَ القيادةَ وأبلى في سبيلها بلاء حسنا ، فقد يحصل عليها ؛ ولكنه إذا حاول تقويضَ أسسِ المجتمع العرفية – ولو ملك القرار - فلن يفلحَ حتى لو استخدم القوةَ لان الناس ستنساق إنْ انساقت خوفا ؛فقد بقيت قناعاتُهم كما هي لم تتغير ولم تتبدل ، وكذلك إنْ حاول شراءَ ذممِ الناس من خلال وضعِ اليد على مقدراتهم فانهم قد يتماشون معه آنيا ، إلا انهم سيبقون يعضون على أفكارهم وإيمانهم القديم بالنواجذ ، لأنها الحق من وجهة نظرهم ، ما دام لم يقم البرهان على بطلانها لهم ، ولم يقتنعوا بأنفسهم أنها باطلة فيتركوها عن قناعة ويحييون بناء على الحق الذي توصلوا إليه . ومثاله الاتحاد السوفياتي في السابق .
ان المجتمعات تقوم على فكرة أساسية ، أو مجموعة من المفاهيم الرئيسية ، فمن أراد إصلاحها كان ابتداء يؤمن بما تؤمن ، إلا انه يرى خللا وعطبا بسيطا ، فان انبرى للإصلاح في هذا الواقع فهو يسير سيرا صحيحا ، ولكن إن زعمّ أن العقيدة والمفاهيم التي يقوم عليها الناس باطلةٌ ، وليست بشيء، ودخل للإصلاح من خلال مفرداتِ الباطلِ التي كتمَ العملَ لتقويضها ولم يعلن عن هدفه الحقيقي طلبا لرضى الناس أو خداعهم أو سعيا للوصول من خلالهم لمركز القرار فان مآل هذه التجربة الفشل الذريع لأنها تضيّعُ المبدأ الذي يراد تغيير المجتمع على أساسه .
ومن الأسباب التي تدفع للعمل من خلال الواقع إضافة إلى ضعف الإيمان وهو أهمها ،
- صعوبةِ تحمل تَبِعاتِ ومشاق العمل للتغيير
- والخوفِ من مواجهة الباطل وبيانِ زيفه ، وإبرازِ الحق ناصعا نقيا مقابله
- والسعي لتأمين متطلبات الحياة الضرورية التي لا بدّ من الحصول عليها ، فيزّين الشيطان له استحالة الحصول عليها إلا بممالأةِ ما عليه القوم ، وعدم مواجهتهم بمعاني المبدأِ الذي يحمل بالحجة والبرهان .
فهذه بعض الأسباب للالتفاف على الطريق السوي لإحداث التغيير ، ومن كان هذا حاله فلم يع بعد سننَ التغيير والتبديل وليس أهلا للعمل له وان ادّعى ذلك . واللهُ قال : ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾
فمعاني العقيدة لم تتوغل في نفسه فلم تغيرْهُ هو شخصيا ؛ فكيف يُغيّرُ بها غيّرَه ؟!!
و الآن نسأل السؤال الأكبر مباشرة :
هل المجتمعاتُ القائمة في العالم الإسلامي قائمة على أساس العقيدة الإسلامية حتى يكون السعي لإصلاحها من خلالها ؟!
ان كان الجواب بالنفي وهو كذلك ، فان عدمَ ضربِ الأسسِ العقديةِ الباطلة والعلاقاتِ القائمةِ على أساسها مع ادعاء العمل للإسلام هو كذبٌ صراح وخبطٌ عشوائي ٌ ،وقفزٌ في المكان إن لم يكن رجوعا إلى الخلف وإشرافا على الفناء .
يجب أن نسأل السؤال الجوهري بصدق : هل الخلل عندنا في القشر أم في اللب ، في العرَض أم الجوهر ، في الأسس العقيدة وما يتفرع عنها من علاقات أم انه خلل في إساءات التطبيق .
فان كان الخللُ في الأسس العقيدية وما يتفرع عنها فلا يجوز التسلل إليها- أي إلى المجتمعات التي فسدت بالكامل بقيامها على غير أساس الإسلام - من خلال أسسها العقيدية بدعوى إحداث التغيير والنهضة وهي تقوم على عقائدٍ ومبادئٍ تناقض الإسلامَ جملة وتفصيلا .
ولكن ، إن كان الخلل في العرَض و القشر ، فان التعاملَ معها من خلال المفاهيم الطاغية على الناس وإزالة الادران عنها يفي بالغرض .
والحديث هنا عن المجتمعات وعرفها العام وليس عن الافراد
يتبع.................