أحدث المشاركات

قراءة في مقال حقائق مذهلة عن الكون المدرك» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» بكاء على الاطلال» بقلم أحمد بن محمد عطية » آخر مشاركة: أحمد بن محمد عطية »»»»» مصير الكوكب على متن الشراع الشمسي» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة فى بحث تجربة ميلغرام: التجربة التي صدمت العالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» وذُلّت الأعناق مقتطف من رواية قنابل الثقوب السوداء...» بقلم إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح » آخر مشاركة: إبراهيم أمين مؤمن مصطفى ح »»»»» الفصل الثاني من رواية وتستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الأم الجريحة» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» و تستمر الحياة بين يأس و تفاؤل الفصل الأول من الرواية بقلم بوشعيب» بقلم بوشعيب محمد » آخر مشاركة: ناديه محمد الجابي »»»»» قراءة في بحث أمور قد لا تعرفها عن مستعمرة "إيلون موسك" المستقبلية» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: اسلام رضا »»»»» نعم القائد» بقلم عطية حسين » آخر مشاركة: احمد المعطي »»»»» قراءة في مقال يأجوج و مأجوج ... و حرب العوالم» بقلم اسلام رضا » آخر مشاركة: بوشعيب محمد »»»»»

النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: تيار الوعي : قراءة نفسية زمانية مكانية

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي تيار الوعي : قراءة نفسية زمانية مكانية

    تيار الوعي
    قراءة نفسية زمانية مكانية
    مع دراسة تطبيقية على رواية " يحدث أمس "لإسماعيل فهد لإسماعيل



    بقلم د. مصطفى عطية جمعة







    ربما يكون المفهوم المبسط لمصطلح " تيار الوعي " ، هو المفهوم الذي قدمته " فرجينيا وولف " في مؤلفها الشهير " القاريء العادي " ، حيث لمسنا تحديدًا للمصطلح بشكل مبسط ، صاغته مترجمة الكتاب بقولها : " إنه أسلوب التسلسل العفوي " ، وحددته أكثر بـ " أنه أسلوب الشيء بالشيء يُذكر "( )وهو في ظاهره مبسط ، ولكنه ينطوي على جوهر هذا الأسلوب الفني ، الذي أضحى من سمات القصص بخاصة ، والفن بشكل عام في القرن العشرين . فعندما يذكر أحد الأمور ، فإن العقل سرعان ما يتداعى إليه – بشكل عفوي – ما يتصل بهذا الأمر ، سواء مما يحبه الفرد أو ما يكرهه . وفي تلك اللحظة ، فإن قرار الفرد أو سلوكه سيتحدد بناء على تلك الخلفية المتداعية . وقد يكون الأمر جديدًا عليه ، وحينئذ تتوزعه أيضًا مجموعة من المشاعر التي تتباين بين الرغبة في المعرفة والخوف من الجديد .
    وهذا لا شيء فيه على صعيد الواقع الإنساني المعتاد منذ فجر الخليقة ، فما الجدل – إذن - إزاء ذلك المصطلح ؟ مشروعية السؤال تأتت من المعرفة المبسطة السابقة ، ولكن على مستوى الفن القصصي – بخاصة – كان الأمر جد مختلف . فالقص موضوعه منذ الأزل علاقة الإنسان مع أخيه ، أو مع الطبيعة . وتلك العلاقة لم تكن مجرد سلوكيات ، بل سبقتها دوافع ونوازع متعددة ، ترسبت في داخل الإنسان ، وحركت توجهاته . إلا أن القص كان يتوقف عند الوصف السلوكي الظاهري والتركيز على البعد الاجتماعي أو الظاهري في المسألة دون التعمق فيه . وبقي الإنسان – كنفس ونزوع – في عزلة عن السياق القصصي . فالقاص يعرض النتيجة دون ذكر العمق النفسي الذي يكمن وراءها . ولكن مع اقتراب أو انكفاء الإنسان على ذاته في عصر الثورة الصناعية ، حيث كان القلق والخوف والإحساس بالتلاشي يسيطر عليه ، أمام جبروت المدنية بمصانعها ومداخنها ، بدأ يتأمل تلك النفس التي يحتويها جسده . ومن ثم كانت مكتشفات " فرويد " حول العقد الغريزية واللاوعي التي تحرّك الكثير من السلوكيات الظاهرة للفرد . ومحاولات "برجسون" لدراسة وشرح كل ما هو صادر عن الشعور . وثبت الأمر أكثر في دراسات " ليفي برول " وكشفه عن عقلية ما قبل المنطق عند الفطريين أو الإنسان البدائي ( ). فكان ذلك فرجة لدراسة النفس وقراءة السلوك بطريقة مختلفة ، حاولت أن تتوازى مع العلم المعاصر الذي انصب على الطبيعة يتحداها ويصارعها ، ولم يستطع أن يكتشف إلا النذر القليل من نفس هذا الكائن الآدمي ، الذي يريد مجابهة الكون . ومن هنا كانت محاولات " جيمس جويس " ، هذا الأديب القلق في حياته ، المتمرد على كل ما يحيطه ، والذي أدار السجال حول نزعاته وشبقاته ، مثلما فجره بأعماله القصصية ، فكانت أعماله نماذج مصغرة لواقعه المعاش ، وبعضها كان تصويرًا لكل نزعاته المتقلبة . أي أنه راح يقرأ ذاته بطريقة تختلف عن القصاصين السابقين ، وهذا هو سر تفرده ، منذ روايته " صورة للفنان كشاب " 1916، ثم " الفينيقيون يستيقظون " 1939 ، وأخيرًا " عوليس " التي حوت قمة رؤاه الفنية وتمرده. لقد أراد أن يكتب رواية تصور الحياة المدركة وغير المدركة ( ). والأولى تعني السلوك الظاهري الذي يحكمه الزمان والمكان والمادة ، أما الثانية فهي الخلفيات والنوازع – الواعية وغير الواعية – التي تكمن وراء هذا . وبالتالي كان الأمر يُعَد فتحًا على مستوى القص ، فهناك تجارب وحالات نفسية لا نستطيع التعبير عنها ، وحتى اللغة ذاتها لا تملك مصطلحات نقلها ، وهناك لحظات بين اليقظة والنوم ، والوعي والجنون ، كلها تحرّك السلوك ( )وتلك هي الثورة التي فجرها " جويس" ، وأجاد بناء قواعدها في قصصه ، فكان النحت وإيلاج كلمات جديدة من لغات عدة ( )، وكان التعامل مع الأسطوري والشاذ والتراكمي . وفي الوقت الذي قد نخجل من طرحها وتسييلها على الورق ، فكان لابد من مجابهة الأديب لذاته ، كما يجابه الفيزيائي الكون ، وإن كان البعض ، توقف عند أطروحات " جويس " وتفجيره لللذات الجنسية بصراحة تصل لحد التنفير ، وتتبع كل ما هو غير مألوف في العلاقات الجنسية ، فكانت النظرة المضادة له تنبع من الجانب الخلقي ، وهي تمتلك الكثير من المشروعية ، فلا الجنس هو المحرّك الغريزي الأوحد – كما يرى فرويد - ، ولا الحياة الإنسانية تتوقف عند الأعضاء الوسطى من الجسد ، وليس التحرر الحقيقي ، عندما يصبح إشباعها هو نهاية الأرب . فالقيم والمباديء والمثل لها أيضًا لذتها ، فكما تجنح النفس للشهوة الحسية ، تجنح أيضًا للفضيلة اللاحسية . وهذا هو سبب الاختلاف مع " جويس " ، بجانب الأسباب الفنية الأخرى ، المتمثلة في كسر المألوف من الحكي القصصي واللغوي . وفي هذا يكون للفن والنقد كلمتهما التي لها الكثير من المشروعية أيضًا .
    كما وجدنا – أيضًا - تقنيات القص التي مزجت المونتاج السينمائي ( )، لا باعتباره من الحيل الإبداعية ، بل باعتباره عملية نفسية ذاتية في المقام الأول ، فكل منّا يخضع ما يدور من أمور حوله إلى رؤية نفسه ، فيرى الأشخاص وفق زمانه ومكانه وبيئته وأيضًا أسطورته وفهمه لدينه ولخالقه . وحركات الارتداد "الفلاش باك " تتم في الوعي قبل أن تنقلها الكاميرات السينمائية . فـ" جويس " يتأمل ويستبطن اختلاجات جوانحه "من خلال عمليات عديدة : صريحة ومضمرة ، ذهنية ودافعية ، مزاجية وإدراكية، انعكاسية وتراكمية ، متروية ومتسرعة ، بطيئة ومتلاحقة .." ( ) كما يوظف علوم وثقافات عصره في إبداعه. وكان البناء الفني الذي قدمه في أعماله ، لا يقوم على حبكة واضحة ، بقدر ما يقوم على الفهم المتعدد للقص في العمل الأدبي ، الذي لا يلين من القراءة الأولى ، بل يتأتى من القراءات المتتالية .
    وتبعًا لذلك ، أصبح المفهوم الجديد للفن لا يقوم على تقديم الأمل ووصف انتصار الخير ضد الشر وإن كان هذا يحدث ، بل سعى الفن إلى تقديم المزيد والدقيق عن الحالة والواقع الإنساني في لحظات الحكي ، تقديمًا عميقًا دون تزييف ( ) ، ويترك الأمر بعد ذلك للقاريء يستنتج ما يريد من خلال تجربته هو كقاريء . فتحول القاريء إلى مبدع إيجابي غير مسترخ . وهذا بالطبع كان يحدث على درجات عديدة في الآداب والدراميات السابقة ، ولكنه أضحى مع رؤية المبدع المعاصر ، من الأمور التي تصاحب المبدع في لحظات إبداعه ، كما هي تصاحب القاريء في تلقيه .
    فالفهم لذات الإنسان ، لم يقف عند الذات المبدعة فقط ، ولا عند تشريح شخوص القص ، بل تعداه إلى إشراك المتلقي في النشاط الإبداعي ـ على اعتبار أن الإبداع لا يُفسَّر من ركن واحد ، ولامن رؤية مسبقة ، بل هو جزء من الفعل الإنساني الذي لا يخضع لدافع نفسي واحد أيضًا .
    وبذلك صارت وظيفة الفن كما يقول " أرنست فيشر " : " فتح الأبواب المغلقة ، لا ولوج الأبواب المفتوحة " ، أي البحث عن المستغلق في أعماقنا ومكنوناتنا ، وهذا ما دفع " ماركيز " إلى أن يؤكد عليه بقوله :" يجب دفع القص إلى أقصى حد ، ليتجاوز كل واقع " ( ) والواقع هنا – كما أرى – كل رؤية لا تتعمق الظاهر والسلوك ، وتكتفي برصده فقط .
    ولذا نرى أن مصطلح " تيار الوعي " ليس دقيقًا ؛ فهو يقصر التداعي على ما يعن للعقل في لحظة وقوع الحدث، فلا المتداعي من الوعي يكون بوعي أو بمنطق من صاحبه الفرد ، بل إن لحظة التداعي هي حرة في تكوينها ، تتخطى مشاعر الحب و الكره ، وتتآلف مع اللاوعي في تكوين الدافع والسلوك ، وهذا ما وجدناه ونجده في الإبداع ، حيث تتقاذف العقل والنفس عشرات من الأمور العقلية واللاعقلية ، ومن هنا يكون مصطلح " تيار التداعي " أدق وأشمل ، فهو يشتمل حركة وتماوج النفس بين الوعي واللاوعي ، والعقلي والسلوكي .
    أما عن الزمان ، في هذه التقنية ، فإننا نلحظ أن هناك زمنين ، زمن الحدث الواقع ، و" زمن التداعي "، فالأول هو كائن ثابت خاضع للمقياس العقلي البشري ، نستطيع تسجيله ورصده والتحكم فيه ، أما الثاني " زمن التداعي " فهو يتخطى كل المقاييس المنطقية ، ليحلّق في الزمن المطلق، لأن الحدث المتداعي هو البطل ، وهو الذي يجمع في تداعيه أشتاتًا من الطفولة والشباب والشيخوخة ، بل ويجمع الأمنيات المستقبلية لصاحبه ، كل هذا يتم في لحظات قد تكون دقائق – وفقًا للمقياس البشري – أو ساعات ، ولكنه تمتد بامتداد العمر ، بل وتتخطى هذا العمر البشري ، حين يتداعى على العقل والنفس ما توارثه من أساطير وعادات وقيم وخرافات ، وفي هذا ، يكون الزمن ممتد عبر الرصيد الإنساني بكل ما عرف وترسب في أعماق الفرد .
    ونفس الأمر يكون مع المكان ، فهناك المكان الواقعي ، الذي يكون الحدث الظاهر يحدث فيه ، وهناك " مكان التداعي " ، وهو يشكل الخلفية المادية المكانية للأحداث المتداعية في النفس عند استثارتها بالحدث الخارجي ، وقد نراه – في النفس – واضحًا بتفاصيله وموجوداته ، أو غير واضح حينما يكون المتداعي من الأساطير أو الكوابيس أو المشاعر المحبة أو الكارهة .
    إذن ، يكون " تيار التداعي " ليس مطلقًا في كل الأحوال ، فهناك تيار زماني متداعٍ مقيد، وهناك آخر مطلق ، فالمقيد يكون مقيدًا باللحظة الزمانية الواقعية التي استدعته ، مثلما أن يرى الفرد حدثًا لثورة ، فيذكّره بكل ما اختزنه من الأحداث الثورية التي عاشها في حقبات من حياته ، سواء اتفق أم اختلف إزاءها فهذا هو المقيد . في حين عندما يخلد الفرد نفسه إلى ذاته ، تكون هناك الكثير من الأمور المتداعية ، دون رابط موضوعي أو زماني محدد ، وكما يحدث في النوم والأحلام ، تترك النفس على سجيتها فيكون التداعي هنا مطلقًا دون قيد .
    وينصرف الأمر بالتالي على المكان ، وهو مصاحب للزمان والحدث ، لأنه يمثّل الإطار المادي الذي يحتويهما ، وقد يكون مقيدًا أو واضح المعالم والقسمات ( كما في الحدث الثوري السابق ، حين يذكر الفرد ما رآه بعينيه من مظاهرات ومسيرات في أماكن بعينها ) أو يكون المكان غير واضح المعالم ، بل هلاميًا .
    وتتبقى الأشياء والجمادات في الحدث الواقعي ، والحدث المتداعي ، حيث نرى أن ثمة ترابطات بين الشيء الواقعي وهو مجرد جزء ، قد يستدعي جزءًا آخر يشابهه من أعماق النفس ، وقد يستعي أيضًا كلاً يشتمل هذا الجزء .
    وفي نفس الوقت ، فإن التحاور العقلاني يكون واردًا أيضًا لحظة التداعي ، أي أن العقل يكون حاضرًا بأشكال مختلفة ، سواء بعقد المقارنة بين الواقعي والمستدعى ، أو بالانتقاء من الأمور المستدعاة ، للربط بينها وبين الحدث الواقعي ، أو إقامة حوارًا بين الرؤية المترسبة في العقل ، وبين الحدث الواقعي .





    تيار التداعي
    دراسة تطبيقية على رواية " يحدث أمس " لاسماعيل فهد اسماعيل

    لا يمكن أن نفصل في قراءتنا لجلّ الأعمال القصصية والشعرية المعاصرة عن البعد النفسي الذي يغلّف بنياتها ؛ فقد أصبح تيار التداعي ، بأبعاده النفسية والتقنية المتعددة ، وسيلة لفهم العمل الإبداعي ، وفهم طريقة المبدع في بناء وتشكيل عمله ، وطريقته في الغوص والكشف والتشريح لشخوصه . وهو يمثّل لدى الروائي " اسماعيل فهد اسماعيل " في معظم أعماله مدخلاً هامًا للقراءة والدرس ، فقد كان يسعى منذ مجموعاته الأولى إلى الاستفادة القصوى من تقنيات التداعي ، خاصة تقنية " الارتداد " أو " الفلاش باك " .
    ووصل الأمر معه إلى الذروة في أعماله الروائية الأخيرة ، حيث أضحى التداعي من أبرز السمات التي تلوح للقاريء منذ ولوجه إلى النص .
    ونموذجنا هنا رواية " يحدث أمس " ( ) ، حيث كان الهم النفسي أو تقنية التداعي هي المسيطرة منذ المفتتح . وهذا طبيعي ، ويتسق مع المضمون المطروح ، والمتمثل في عودة البطل " سليمان " من غربة سبع سنوات في الكويت إلى بلده " البصرة " في العراق ، ومنذ المطلع ، نجد أن التداعي الحر ، بأشكاله المختلفة جاثمًا على نفسية البطل ، وعلى السرد الروائي . وقد اتخذ أنماطًا عدة تتمثل في :

    - التلازم الشيئي :
    أي الترابطية التي تستدعي أشياء متجاورة ، فالبطل يستذكر الماضي وهو يشاهد أشياء من الحاضر، ويلح في ذلك كنوع من الاستمتعاع العقلي المعتاد لدينا ، كلما رأينا ما يذكّرنا بما نحب ، وقد كان على امتداد الصفحات ، وخاصة في الفصول الأولى .
    " غابات النخيل تترامى حيث لا حصر ، ولا ترى منها … غير جذوعها العملاقة ، لدى اصطفافها على جانبي الطريق . يذكر عن طفولته ، أنه كان يسوّد فراغات كراريسه المدرسية برسومات متنوعة للنخلة . الإنسان والنخلة يولدان – في البصرة – متلازمين ، كما العِشرة والمصير .." ( )
    غابات النخيل ، رسومات الكراريس عن النخيل ، شيء بشيء ، ولكن الأول مألوف في بيئة زراعية كالبصرة ، إلا أن الاستدعاء جاء بشيء فيه متعة للبطل الآيب ، فاختار مشهد طفولي ، يحمل الإحساس بحميمية المكان والأشياء لدى البطل منذ نعومته . فهي علاقة متناغمة في التداعي .
    - المقارنة :
    بين شيئين ، في مكانين وزمانين مختلفين ، وتلك يقيمها العقل ، كنوع من التلذذ عندما ينتصر للمكان الذي يحبه . فبينما يسير بمفرده في الطريق إلى قريته ، يسمع..
    " نقيق ضفدع متوحدة ، يُسمع في الجوار . يتملكه إحساس رائق بالألفة . سبع سنوات ، لم يسمع خلالها أيما نقيق . " الكويت بلا ضفادع " . ضفدع أخرى تستجيب للأولى ، الليل له أصواته"( ) فرغم أن نقيق الضفادع مما يضايق النفس ، فإنه أصبح كنغم وتيمة مميزة للبصرة ، ولا تمّيز الكويت ، لأن الضفدع يميل للعيش في المكان الزراعي ، حيث الماء والخضرة . فهنا مقارنة ، غير مباشرة بين الرمل والزرع .

    - المنولوج الذاتي :
    ويكون بين الواقعي والمتداعي ، حيث البطل لا يكف عن المنولوج الذاتي مع المكان والغربة ، والأشياء . فمع شعور اللذة بالعودة ، ينتابه الخوف .." أحس كما لو أن هناك من يترصده . عيناه كانتا اعتادتا الظلام أكثر … " الضفادع ما عادت تنق " ، يرهف أذنيه . لا نأمة ، ولا ما يؤكد له شعور الترصد . أهي الحساسية المترتبة على سنواته في الكويت ، حيث لا غابات ولا نخيل ولا منعطفات لدروب زراعية .. .. " لم يبق الكثير عن البيت " …"( )
    فالخوف والأمل في لقاء الأهل ، والمقارنة مع الكويت – كاغتراب – يتفاعل في الوعي ، ومع اللاوعي ، حيث الشعور بالترصد الذي يصاحب البطل ، وهو يسير في الدروب المنحنية ، يخشى من المنعطفات أن يكون خطرًا ، وهو الذي يرى كل شيء واضحًا عندما كان يسير في صحراء الكويت المنبسطة .

    - تقنية الارتداد :
    وقد جاءت عفوية ممتزجة مع السرد ، دون فواصل ، وفي تداعٍ حر لم يستوجبه شيء أو مكان ، بل هو التداع الناتج عن استحضار الوعي لكل ما مضى .. ، فقد كان سائرًا في الدرب إلى بيت أهله
    " أيام كان في الكويت ، وفي اللحظات التي يمضّه فيها الحنين إلى الوطن ، تحضره - دون غيرها – صورة هذا الدرب ، لتحتل بانطباع حاد ذاكرته كلها ..
    - ذكرى جميلة أشبه بلوحة تأثيرية .
    ذاك ما عقبت به نجوى ، عندما كاشفها حالة حنينه تلك .." ( )
    فـ " الفلاش باك " جاء وهو يتذكر الحنين في الكويت بينما هو سائر في الدرب إلى بيت أهله . إنه يقدّم أمام عقله ، كل ما كان يقلقه ويضابقه ، كأنه يستحضر التعب وقت الحصول على الأجر . فهو ارتداد تلقائي واعٍ من البطل .

    - الحلم :
    فبعدما سقط في أسر المجموعات التي اعترضت طريق عودته ، كان بين إغفاءة وصحو " لحظات خليط ، يتداخل فيها زمن النوم بزمن اليقظة ، لتتأتى عنهما حالة من الحضور المعلق . …. كان يصارع مياه شط العرب . يسبح منذ أمد لا أول له . المياه نوع من الجيلاتين الثقيل . " من أين جاء؟" . أصدقاؤه يصطفون واقفين على الساحل …" ( )
    جاء الحلم معبرًا عن الحيرة التي يعشيها البطل وهو في سجنه ، وقد جسّد الكثير من الرموز التي جمعت المكان " شط العرب " ، وأثارت التساؤل العميق عن المجيء . فكان إيراد الحلم ممثلاً لإكمال حالة النفس البشرية في جميع أحوالها .

    هذه التقنيات فرضت أشكالاً سردية ، مثّلت تميزًا في الأسلوب السردي للرواية ، فالكاتب معنيٌ بحشد كل التفاصيل عن المكان الذي يصفه ، وعن محتلف الأمكنة والأحداث المتداعية ، بأسلوب يقترب من الوصف المجرد ، المعتمد على الفنيات المتعددة التي يفرضها تيار التداعي ، وهي غنية في بنياتها ، مثلما هي غنية في دلالاتها ، وكان من أبرز السمات السردية :
    - الحوار المزدوج :
    أي الذي يجمع بين التخاطب الخارجي والمنولوج الداخلي ، والأخير ظهر محددًا في علامات تنصيص سردية . " - .. كان الأحرى بي ألا أتورط في هذه التوصيلة !
    سليمان مع نفسه ، يجد تبريرًا .
    " له الحق ، ما دام غريبًا على المنطقة " ……. " ( )
    وهذا الشكل نراه في أعمال الروائي بشكل عام ، و على امتداد تلك الرواية بشكل خاص . وهذا مطلب يستلزمه العمل ، الذي يحلل الأشياء والأفعال من رؤية البطل لها .

    - التكرار :
    ويظهر كتيمة أسلوبية ، تمثّل إلحاح القاص على أمر بعينه ، وينسجم هذا مع الإحساس بالمكان والزمان والأشياء من حوله .
    " الدرب مألوفة ، لولا هاجس التوقع الطاريء . " البيت هناك . لا بد من المتابعة " . الدرب مألوفة، لكن شعورًا قاتمًا بالهامشية يبدأ يترسب في فمه .." ( )
    فالتكرار عبر بدقة عن حالة الرهبة التي أضفاها المكان ( الدرب ) بكل منعطفاته واسوداده ، وما أحدثه من حوار ذاتي مع البطل ، كأنه يطمئن نفسه ، حتى لا تنسى لذة العودة .

    - الحذف :
    وهو ينقل توترات السرد ، الذي يعكس حال البطل أو يجتذب المتلقي لإكمال العبارة أو الكلمة المحذوفة . " في المدرسة … عانيتُ يومها من جوع شديد . لكني وأنا أدلف إلى البيت ظهرًا ، ركضت إلى المطبخ . طعام الغذاء لم يكن قد …. فسارعت إلى مخزون التمر …. " ( )
    فالنقاط تشي بالمحذوف ، بل وتنقلنا حركيًا ونفسيًا مع البطل / الطفل ، وهو يفكر فيما سيأكله .
    وعندما كان رهن التحقيق والاعتقال :" صوته ، كما خُيّل إليه ، غريب على أذنيه . بدا وكأنه يحاول إثبات صدق ادعائه لنفسه . وهما لم يعنيا .. لم يسمعا … لم …. – …لو سمعتم ! " ( )
    فالتقطيع والحذف في الجمل ، يصور بوضوح الحالة النفسية التي عليها البطل ، حيث الحوار الخارجي، والمنولوج الداخلي .
    * * * *
    لاشك أن تيار " التداعي " سيظل عاملاً ومرشدًا هامًا في الأعمال الإبداعية ، في قراءة الشخوص والبنية وأيضًا يعطي صورة بشكل أو بآخر عن المؤلف المبدع ، وهذا ما لاينبغي إهماله بأي حال .

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد القادر رابحي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 1,735
    المواضيع : 44
    الردود : 1735
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    الأخ الكريم الدكتور عطية جمعة

    هامة
    و مفيدة من حيث مل تحتوي عليه من معلومات هامة حول رؤية نقدية طالما شكلت هاجسا للكثير من المبدعين و النقاد.
    و هي "تيار الوعي"
    جديرة بالقراءة و التمثل..
    دمت..أخي


    عبد القادر

  3. #3

  4. #4
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الغالي الأديب الناقد الحصيف الدكتور مصطفى عطية

    لقد قمت لنا هنا دراسة أكاديمية , باسلوب حيادي مبدع , وقد لامست بهذه الدراسة , نماذج صارخة , تعكس عمقا أدبيا ونقديا متميّزا , ولابد لي من العودة للدراسة , من أجل مزيد من التمثل والتأمل , فالدراسة كتبت بشكل مكثّف ودقيق .

    د. محمد حسن السمان

  5. #5
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 434
    المواضيع : 27
    الردود : 434
    المعدل اليومي : 0.07

    افتراضي

    الحقيقة أننى استمتعت كثيرا بالتناول الجميل يا دكتور جمعه
    وتحققت الفائدة
    وتستحق ان تقرا الدراسة عدة مرات
    تحياتى
    رسول الله أسألك الشفاعة = وقربا منك يا نهر الوداعة

  6. #6
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي شكرا لمرورك الكريم

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الغالي الأديب الناقد الحصيف الدكتور مصطفى عطية
    لقد قمت لنا هنا دراسة أكاديمية , باسلوب حيادي مبدع , وقد لامست بهذه الدراسة , نماذج صارخة , تعكس عمقا أدبيا ونقديا متميّزا , ولابد لي من العودة للدراسة , من أجل مزيد من التمثل والتأمل , فالدراسة كتبت بشكل مكثّف ودقيق .
    د. محمد حسن السمان
    د. السمان سلام الله عليك
    أشكر مرورك الكريم ، وإشادتك بالدراسة ، وتلقيك الفاعل الذي ينبئ عن رهافة ذوق وحس .
    هي قد كتبت منذ ما يقرب من ثماني سنوات ونشرت في مجلة البيان الكويتية ، كما تضمنها كتابي : " جدلية المرئي واللامرئي " دراسات نقدية ، الصادر عن اتحاد الكتاب بمصر .
    خالص شكري وتقديري

  7. #7
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    المشاركات : 191
    المواضيع : 44
    الردود : 191
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمود الديدامونى مشاهدة المشاركة
    الحقيقة أننى استمتعت كثيرا بالتناول الجميل يا دكتور جمعه
    وتحققت الفائدة
    وتستحق ان تقرا الدراسة عدة مرات
    تحياتى
    المبدع الجميل / محمود الديداموني سلام الله عليك ورحمته وبركاته
    أشكر شخصك الكريم على تفضلك بالاطلاع على هذه الدراسة ، وأشكرك على كلماتك الرقيقة التي برهنت لي أن الدراسة بها مساهمة نقدية موصولة غير منقطعة .
    شكري وتقديري ومودتي

المواضيع المتشابهه

  1. قراءة نفسية في قصيدة (أنت القصيدة ) للشاعر د.سمير العمري
    بواسطة ثناء صالح في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 34
    آخر مشاركة: 03-11-2019, 09:14 PM
  2. تيار .. ق ق ج
    بواسطة فريد البيدق في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 17-07-2015, 05:12 PM
  3. تيار الوعي - حكاية مدرسيّة
    بواسطة عبد الواحد الأنصاري في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 02-06-2007, 03:18 PM
  4. قراءة نفسية في البيت الأول من (اليوم الثالث للحزن) للشاعر د. جمال مرسي
    بواسطة أحمد حسن محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 22
    آخر مشاركة: 05-05-2007, 08:04 PM
  5. صراعي ... وقصة تيار الوعي
    بواسطة محمد سامي البوهي في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 14-02-2007, 04:51 PM