تأخير.. مقصود
" قلما تأتي الأفراح التي ننتظرها في محطة.
و قلما يجيء, أولئك الذين يضربون لنا موعدا. فيتأخر بنا أو بهم القدر".
أحلام مستغانمي
كان إعداد الطبق الرابع صعبا منذ البداية... و آلام المخاض هذه المرة كانت أطول.. بل كانت الأطول على الإطلاق. و لكن عمره لم يكن كذلك.. بل كان قصيرا.. كان أقصر من أن أقدمه للآخرين.. و لأحزانه أيضا. أقصر من أن أعرفه بالناس.. و أعرف الناس بأحزانه.. و ربما بأحلامه. إغماضة عينيه كانت أسرع من أن أعرف لونهما.. أسرع حتى من أن اقبلهما.. أو أودعهما..
للمرة الألف يسبقني الموت إلى من أحب.. فيأخذه و يتركني و ذكراه.. أرعاها و تعذبني. أحضنها فتحرقني.. دموعي و هي.
لا أدري.. ماذا أفعل؟ حتى أبني الثالث ذهب.. دون وداع - و كم أكره الوداع -. أظنه غرق في أعماقي.. هذه المرة.. كما يفعل الجميع. و كأنه مقدر أن لا يقرأ الناس ما كُتب. لا أدري هل كان سيئا لدرجة أنه فضل الاختفاء على أن يُقرأ؟ كما أفعل دائما.. فكلما أنتهيت من استحضار الذكريات... و استجماع ذاكرتي.. أجدني منحازا أكثر إلى الحزن.. و هل الحزن إلا أن تُخفي خلف ابتسامتك.. جرحا عميقا.. أو دمعة تقطر دما؟
لعله فضل الاختفاء.. ليعطيني فرصة لأفرح قليلا.. لتراقص ذاكرتي.. صوتا عذبا سكنها منذ ملايين السنين على أنغام قيثارة.. لم ألتقيها بعد. أليس الرقص لغة الصامتين؟ و كل من يحب.. يتقن فن الصمت.
أنها فرصة ذهبية.. لأعبر من خلالها و بها جراحاتي.. من جديد. و أتذكرك – هل نسيتك أصلا؟ - من جديد. كم أود أن لا أكتب أبدا.. فأنا متعب جدا.. جدا. حتى إغماصة عيني تتعبني.. فحتى هي تحملك في ذاكرتها.. و هل ذاكرتنا إلا ذكريات أجفاننا, عيوننا.. و كل همسة و نبضة؟
لكنني أعجز تماما عن التوقف.. و أعجز عن المضَي قدما.. أليس التسمر في المكان.. و معانقة الزمن هو الموت؟ أترانا متنا؟!!
و لأن الفُرص و خاصة الذهبية منها لا تتكرر, فقد قرر عقلي و قلبي معا أنه لا بد من المضَي قدما.. و هكذا فأني سأعاود الكرَة من جديد.. مغتنما فرصتي الذهبية.. و سأعد الطبق الرابع من جديد.. راجيا من الله التوفيق و الصبر.
معذرة, قد يأخذ هذا الإعداد وقتا أطول.. لأنني أمر بوعكة صحية, و أخرى دائمة.. و أنا معتاد على الثانية أكثر.. فأعذروا لي صحتي الضعيفة.
و في الختام.. هي يمكنني أن أقبل هذه الكلمات قبل أن أبعث بها لك..
" نأتي الحب متأخرين قليلا, متأخرين دائما.
نطرق قلبا بحذر, كمن مسبقا يعتذر, عن حب يجيء ليمضي."
أحلام مستغانمي
محبتي للجميع.. و خاصة أنت, نعم أنت
يتبع.. الطبق الرابع
أحمد صالح
15/4/2007