|
رائعة ابن زيدون في الألم والفراق |
أضْحَـى التّنائـي بَديـلاً مِـنْ تَدانِينَـا |
ألاّ وَقَد حانَ صُبـحُ البَيـنِ، صَبّحَنـا |
حَـيْـنٌ، فَـقَـامَ بِـنَـا للـحَـيْـنِ نَاعـيِـنَـا |
مَــنْ مبـلـغُ الملبسِيـنـا، بانتزاحِـهـمُ |
حُزْنـاً، مـعَ الدهـرِ لا يبلـى ويُبْلينَـا |
غِيظَ العِدا مِنْ تَساقِينا الهوَى فدعَوْا |
بِــأنْ نَـغَـصَّ، فَـقـالَ الـدّهـرًُ آميـنَـا |
فَانحَـلّ مــا كــانَ مَعـقُـوداً بأَنْفُسِـنَـا |
وَانْبَـتّ مـا كـانَ مَـوْصُـولاً بأيْدِيـنَـا |
وَقَـدْ نَـكُـونُ، وَمَــا يُخـشَـى تَفَرّقُـنـا |
فاليـومَ نحـنُ، ومَـا يُـرْجـى تَلاقيـنَـا |
يا ليتَ شعرِي، ولم نُعتِـبْ أعاديَكـم |
هَلْ نَـالَ حَظّـاً مـنَ العُتبَـى أعادينَـا |
لــم نعتـقـدْ بعـدكـمْ إلاّ الـوفـاء لـكُـمْ |
رَأيـــاً، ولَـــمْ نَتَـقـلّـدْ غَـيــرَهُ دِيـنَــا |
مـا حقّنـا أن تُقِـرّوا عيـنَ ذي حَسَـدٍ |
بِـنـا، ولا أن تَـسُـرّوا كاشِـحـاً فِيـنَـا |
كُنّا نـرَى اليَـأسَ تُسْلِينـا عَوَارِضُـه |
وَقَــدْ يَئِسْـنَـا فَـمَـا للـيـأسِ يُغْـرِيـنَـا |
بِنْتُـم وَبِنّـا، فَمـا ابتَلّـتْ جَوَانِحُنَـا |
شَوْقـاً إلَيـكُـمْ، وَلا جَـفّـتْ مآقِيـنَـا |
نَكـادُ، حِيـنَ تُنَاجِيـكُـمْ ضَمائـرُنـا |
يَقضي علَينا الأسَى لَـوْلا تأسّينَـا |
حَـالَـتْ لِفقـدِكُـمُ أيّامُـنـا، فـغَــدَتْ |
سُوداً، وكانتْ بكُـمْ بِيضـاً لَيَالِينَـا |
إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ مـن تألُّفِنـا |
وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا |
وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانيةً |
قِطَافُهـا، فَجَنَيْنَـا مِـنْـهُ مــا شِيـنَـا |
ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهـدُ السّـرُورِ فَمـا |
كُـنْـتُـمْ لأروَاحِـنَــا إلاّ رَياحـيـنَـا |
لا تَحْسَبُـوا نَأيَـكُـمْ عَـنّـا يغيّـرُنـا |
إنْ طالَمـا غَيّـرَ النّـأيُ المُحِبّينَـا! |
وَاللهِ مَـا طَلَـبَـتْ أهْـواؤنَـا بَــدَلاً |
مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا |
يا سارِيَ البَرْقِ غادِ القصرَ وَاسقِ به |
مَن كانَ صِرْف الهَوى وَالـوُدَّ يَسقينَـا |
وَاسـألْ هُنالِـكَ : هَــلْ عَـنّـى تَذكُّـرُنـا |
إلــفــاً، تــذكُّــرُهُ أمــسَــى يـعـنّـيـنَـا؟ |
وَيَـــا نـسـيـمَ الـصَّـبَـا بـلّــغْ تحيّـتَـنَـا |
مَنْ لَـوْ علـى البُعْـدِ حَيّـا كـان يحيِينـا |
فهـلْ أرى الدّهـرَ يقضينـا مساعـفَـةً |
مِـنْـهُ ، وإنْ لــم يـكُـنْ غـبّـاً تقاضِـيـنَـا |
رَبـيــبُ مُـلــكٍ، كَـــأنّ الـلَّــهَ أنْـشَــأهُ |
مِسكـاً، وَقَــدّرَ إنـشـاءَ الــوَرَى طِيـنَـا |
أوْ صَـاغَـهُ وَرِقــاً مَحْـضـاً، وَتَـوجـهُ |
مِـنْ نَاصِـعِ التّـبـرِ إبْـداعـاً وتَحسِيـنَـا |
إذَا تَـــــــأوّدَ آدَتْـــــــهُ، رَفــاهِــيّـــةً |
تُــومُ العُـقُـودِ، وَأدمـتَـهُ الـبُـرَى لِيـنَـا |
كانـتْ لَـهُ الشّمـسُ ظئـراً فـي أكِلّـتـه |
بَـــلْ مـــا تَـجَـلّـى لـهــا إلاّ أحايِـيـنَـا |
كأنّمـا أثبـتَـتْ ، فــي صَـحـنِ وجنـتِـهِ |
زُهْــرُ الـكَـوَاكِـبِ تَـعـوِيـذاً وَتَزَيِـيـنَـا |
مـا ضَـرّ أنْ لـمْ نَـكُـنْ أكـفـاءه شـرَفـاً |
وَفـي الـمَـوَدّة ِ كــافٍ مِــنْ تَكَافِيـنَـا؟ |
يـا رَوْضَــة ً طالَـمـا أجْـنَـتْ لَوَاحِظَـنَـا |
وَرْداً، جَـلاهُ الصِّـبـا غـضّـاً، وَنَسْرِيـنَـا |
ويَــــا حــيـــاة ً تـمـلّـيْـنَـا، بـزهـرَتِـهَــا |
مُـنــى ً ضــروبَــاً، ولــــذّاتٍ أفـانـيـنَـا |
ويَــا نعِيـمـاً خطـرْنَـا، مِــنْ غَـضـارَتِـهِ |
فـي وَشْـيِ نُعْمَـى ، سحَبنـا ذَيلَـه حيـنَـا |
لَـسـنـا نُـسَـمّـيـكِ إجْــــلالاً وَتَـكْـرِمَــة ً |
وَقَـــدْرُكِ المُعْـتَـلـي عَـــنْ ذاك يُغْنِـيـنَـا |
إذا انفـرَدَتِ ومـا شُورِكـتِ فـي صِفَـةٍ |
فحسبُـنـا الـوَصْـفُ إيـضَـاحـاً وتبْيـيـنَـا |
يــا جـنّــة َ الـخـلـدِ أُبـدِلـنـا، بسـدرَتِـهـا |
والكـوثـرِ الـعـذبِ ، زقّـومــاً وغسلـيـنَـا |
كـأنّـنَـا لـــم نـبِــتْ ، والـوصــلُ ثالـثُـنَـا |
وَالسّعـدُ قَـدْ غَـضَّ مـن أجفـانِ وَاشيـنَـا |
إنْ كـان قـد عـزّ فـي الدّنيـا اللّقـاءُ بكـمْ |
فــي مَـوْقِـفِ الحَـشـرِ نَلقـاكُـمْ وَتَلْقُـونَـا |
سِــرّانِ فــي خـاطِـرِ الظّلـمـاءِ يَكتُمُـنـا |
حـتـى يـكـادَ لـســانُ الـصّـبـحِ يفشـيـنَـا |
لا غَرْوَ في أنْ ذكرْنا الحزْنَ حينَ نهتْ |
عنـهُ النُّهَـى ، وَتركْنـا الصّـبْـرَ ناسِيـنَـا |
إنّا قرَأنا الأسَى ، يوْمَ النّوى ، سُورَاً |
مَكتـوبَـة ً، وَأخَـذْنَـا الصّـبـرَ يكفيـنـا |
أمّــا هــواكِ ، فـلــمْ نـعــدِلْ بمَنْـهَـلِـهِ |
شُـرْبـاً وَإنْ كــانَ يُرْوِيـنَـا فيُظمِيـنَـا |
لـمْ نَجْـفُ أفـقَ جمـالٍ أنـتِ كوكـبُـهُ |
سالِـيـنَ عـنـهُ، وَلــم نهـجُـرْهُ قالِيـنَـا |
وَلا اخْتِـيـاراً تَجَنّبْـنـاهُ عَــنْ كَـثَــبٍ |
لكـنْ عَدَتْنَـا ، عـلـى كُــرْهٍ عَوَادِيـنَـا |
نأسَـى عَليـكِ إذا حُثّـتْ مُشَعْشَعَـةً |
فِـيـنـا الـشَّـمُـولُ، وغـنَّـانَـا مُغـنّـيـنَـا |
لا أكْؤسُ الـرّاحِ تُبـدي مـن شمائِلِنَـا |
سِيّمـا ارْتيـاحٍ ، وَلا الأوْتــارُ تُلْهِيـنَـا |
دومي على العهدِ ما دُمنا مُحافِظةً |
فالحـرُّ مَـنْ دانَ إنْصـافـاً كـمـا ديـنَـا |
فَمـا استعضْنـا خَليـلاً منـكِ يحبسُنـا |
وَلا استفـدْنـا حبِيـبـاً عـنــكِ يثنـيـنَـا |
وَلَوْ صبَـا نحوَنَـا مـن عُلـوِ مطلعـه |
بدرُ الدُّجى لم يكنْ حاشـاكِ يصبِينَـا |
أبْكـي وَفـاءً ، وَإنْ لـم تَبْذُلـي صِـلَـةً |
فَالطّـيـفُ يُقْنِعُـنَـا ، وَالـذّكـرُ يَكفِـيـنَـا |
وَفي الجَـوَابِ مَتَـاعٌ إنْ شَفَعـتِ بـهِ |
بيضَ الأيادي التي ما زِلتِ تُولينَـا |
إلـيـكِ مـنّـا سَــلامُ الـلَّـهِ مــا بَقِـيَـتْ |
صَـبَـابَـة ٌ بِـــكِ نُخْفِـيـهَـا ، فَتَخْفِـيـنَـا |