تخلق النصوص من حروف صامته، ينفخ فيها الكاتب من روحه، للتو تنفصل عنه كليه ، فتؤثر فيه كغريب عنها ، بل لعله يتيه عجباً متأملا صنيع يديه قائلا : من وكيف وهل ومتى ؟ وحين يعجز يخبرنا بابتسامة حائرة بأن إلهاما حل به، أفاق منه وقد تشكلت الحروف دون وعي منه أو إرادة ، ولا نجد من بد إلا أن نصدقه، خاصة إذا حلق بنا النص في عنان السماء، فجاورنا طيراً يرتل أعذب الألحان، أو أصاب النص وتر القلب، فأنّ صوت الناي في الأعماق، عازفاً ذكريات طوتها السنون، وتناسها المرء وما نسيها، حين يحدث ذلك أو مثله، نصدق الكاتب فيما أخبرنا ، وإلا فان علينا أن ننكر جاحدين تلك الروح التي هزتنا ، وذاك العزف الذي أبكانا ، وتلك الطيور التي جاورنها ، علينا أن ننكر جاحدين كل ذلك.
لكن لماذا يهبط الوحي على حروفه دون حروفي ؟ لماذا تسكب روحه دوني الألحان فتطرب لها الطيور؟
ليس لغيرة ولا لحقد أو حسد أتساءل ؟ بل لدهشة وحيرة وتأمل !!
ولأني عجزت أن أعلل مثل صاحبنا، فإني أخبركم مقلدا إياه في ابتسامته الحائرة ، حين يحل بي الإلهام، أقسم لكم أن أسأله لماذا أنا ؟ ولا أعدكم بأن أخبركم بماذا أجاب ؟ لأني سأدعي مثلما ادعى صاحبنا بأني لا أملك من الأمر شيء، وكل ما أكتبه يصب دون وعي مني أو إرادة .