أمام الجامع الكبير دكان عطارة، خلف الدكان يقبع بيتي يا خالة ، راحت العجوز تتحسس الطريق بعينين انطفأ نورهما إلا قليلا ، وبظهر منحني كقبة مسجد صغير . تمشي متكئة على عكاز مزق السوس أوصاله، منكسة في الخلق .
كان علي أن أكمل طريقي؛ لأضرب في الأرض مبتغيا من فضل الله ثم أعود حيث يشاء الله ، حين اقتربت نادت بصوت إلى الصمت أقرب، فأقبل عليها أحمد هاشا باشا، فقبل يديها وأجلسها، وأشرق وجه زوجتي بابتسامة سخاء وعطف وروح ورقة، هي لا تعرف العجوز من قبل ، هي اعتادت مني على ذلك ، وأنا اعتدت منها على الرضا وحب الخير .
راحت ابنتي الصغيرة نور تفتش في جيوب فستانها عن حلوى تعطيها للعجوز، فلما عثرت عليها مدت كفها الصغير إليها، فضمتها العجوز بيدين مرتعشتين، وقبلتها، وراحت تدعو الله لها بالبركة والستر، وحاول أحمد برفق إبعاد القطة، التي قفزت لتتمسح بالعجوز لترحب بها بطريقتها الخاصة.
ولما غشي ليل الليلة الخامسة، وأوت العجوز ونور للفراش قالت نور لها : كملي يا جدتي الحدوتة .
فقالت العجوز والنوم يغالبها : كان يا مكان يا سادة يا كرام ما يفيض ولا يحلى الكلام إلا بذكر النبي عليه الصلاة والسلام .
فردت نور : عليه الصلاة والسلام .
فأكملت العجوز: وبعدين عم وهدان الملك راح معينه وزير وسماه وزير الخير، وطرد الوزير ظعفران من القصر ، فقالت نور وقد داعب النعاس عينيها : عشان هوه شرير صح ، همهمت العجوز وقد غلبها النوم: صح . فقالت نور وهي تفرك عينيها لتبعد عنهما النوم : طب أخد العصفور معاه ولا لا ... لكن العجوز كانت قد نامت ..
وتنفس الصبح عن نية لي بالعودة ، فقد كنت اشتقت لهم كثيرا، وعدت بالفعل في الظهيرة، فإذا بي أرى الناس قد خرجوا من الجامع
الكبير أفواجا، يحملون نعشا، ما لبث ان توسطهم وهم في طريقهم للقبور، فلحقت بهم، ولما عرفت ما عرفت، وفاضت عيني بالبكاء، وراح الناس يعزونني، البقاء لله، حياتك الباقية،ابيضت عين العجوز من الحزن ، وصرخت نور الصغيرة كما صرخت وهي كبيرة، وهي تضع حفيدتي الأولى التي أسمتها رقية على اسم أمها ، صرخت وهي تبحث في أرجاء البيت ، تتساءل أين أمي يا أبي ؟ وأجيب بقلب يخفق ألما وحزنا
عند الله يا بنتي . عند الله يا صغيرتي.