(أرجو ممن يقرأ هذه القصيدة أن يقرأسورة الفاتحة إلى روح والدي العزيز)
(1)
- لمَ لم يزرني.. ولم أراهُ هنا أبي؟
- هو سوف يأتي يا أخي
والحزن يثقبني هنا
كرصاصة المحتل في صدر الصبي
إن الإجابة مــــــرَةٌ
تبــدو كمقتله أبي
(2)
أبتــاه كيف قصمت ظهري
واقتلعت لي العيون؟
يا خنجرا في القلب يصرع مهجتي
وينام في صمت الجفون
أبتــاه يا نهرا يصب بداخلي
حمماً يعانقها الجنون
(3)
أبتــاه ما تلك التماثيل التي أورثتني؟
أبتــاه كيف نحرتني ؟
عند الغروب تركتني
ورحلت يا ربي .. وما قبلتني
مــــا كنت يوما قد فعلتْ
فلم ارتحلت .. وما رحلتْ؟
(4)
أبتــاه إني مثقل بمواجعي
ماذا أقول وقد قطعت أصابعي
وشللت فكري .. وانتهكت مدامعي
فلم انتحلت قيامتي ؟؟؟
وتركتني في عاصف الروح السحيقْ
أبتــاه إن الشعر لا يطفي حريقْ
إني بأحزاني غريقْ
ربـــاه أظللت الطريقْ
هل آن لي أن أستفيقْ؟
(5)
هبة الصغيرة يا أبي
وجعي لدمعتها اليتيمة
أبتـــاه كيف تركتها
في ظلمة الكون البهيمة؟
من ترى يا سيدي
من بعد نظرتك الرحيمة؟
يا دنيتي .. وإرادتي
من أين أبتدأ العزيمة؟
أخبرني ماذا يفعل المصلوبُ
في وحل الهزيمة؟
(6)
وأنا أحلق في سديم الحزن
آفاقاً جديدة
خانتني شعلتي الوحيدة
إني أفتش في لظى التاريخِ
عن لغة مشيده
ماذا أقول وأنت أنفاس القصيدة؟
ماذا أقول
وقد فقدتك أنت يا لغتي المجيدة؟
قدرٌ رحيلك يا أبي
قدرٌ.. وتتركني لقافيتي الشريدة
(7)
إن اللغات جميعها
ركعت بقبلتك الكحيلة
عجزت تقولكَ
أنت يا معنى الفضيلة
أبتــاه إنك لم تزل
حياً بذاكرتي القتيلة
وأراك تدعوني: بني
أقم الصلاة.. ودع أساطير القبيلة
(8)
فاهنأ وطب نفسا أبي
فلقد دعيت من الرحيم
أحببت أنت لقائه
فجزاك لقياهُ الكريم
(9)
ما أنت إلا آيةٌ
رفعته أجنحة القدر
هو لم تزل تتلى بأفئدة البشرْ
إن كان هذا الحزن ذنبا يا أبي
فلقد سألت الحزن أن لا يغتفرْ
إن الحروف تزاحمت
سكرى على كف الفكرْ
وأنا أقاتل حسرتي
وأدثر الدمع الجهور ببسمة
مصنوعةٍ
كالقوس- أنحتها- على وجه الحجرْ
لأموت في حقل التصبر واقفا
متجلدا مثل الشجرْ
(10)
أبتــاه إن سعادتي
برجٌ زجاجيٌّ تكسرْ
ما حيلة الوطن المبعثرْ
أبتــاهُ ياكسر الخقيقة حين تخسرْ
أبتــاه إن الحزن يصعقني
ويزرع في دمي مليون خنجرْ
وتعربد الآهات في جوفي.. وتنحرْ
ما يفعل الجسد المخدّرْ
لا شيء إلا أن يقول لقد رضيْ
رباه ما بيديه أكثرْ
(11)
ما هذا يا لغة السماءْ ؟؟؟
أنا لست أعترض القضاءْ
لكن قسوتِ بلهجةٍ
كانت أشد من الفناءْ
هل كل ما يجري عقاباً يا أبي
أم أنّ أرواح القصيدة لي جزاءْ
يا من ترعرعت القصيدة في يديك
إني كفرت بكل كل قصائدي
ونحرتها أسفاً عليك
ونثرت كل وسائدي
في الريح كي آتي إليك
أبتــاه بعدك فرحتي كفرٌ
وعافيتي بغاءْ
ما أعجز الكلمات في حر الفجيعة.. والرثاءْ
لو أن نبض الأبجدية شاعرٌ
لبكى.. لقاسمني الشقاءْ
(12)
يا غيبي المسلوب
يا وهم الحنينْ
فردوسي المفقود
يا عرشي الدفينْ
يا أنت يا وجعي
وموالي الحزينْ
صفعني قارعة السنينْ
صفعني قارعة السنينْ
لم يبق لي إلا تضاريس الأنينْ
وزوابع الأوهام في شكي اليقينْ
لا شيء إلا الله يكبت دمعتي
ويحرر القلب السجينْ
(13)
يبقى الذي في داخلي
شيءٌ أعزّ من الكلامْ
أقوى..أحرّ من الكلامْ
مستقبلٌ المذعور أهلكه الهيامْ
نبض يُلام ولا يُلامْ
لا يعرف الأزهار أو لون الغرامْ
طفل يئنّ مضرجاً تحت الركامْ
أبتــاه أُقرئِك السلامْ
يا معبدي هدموك فوق كواهلي
عفواً أبي..عفواً إذا انطفأ الحمامْ
(14)
صبرا أخي في غربتيكَ
لقد سمعت صدى الخبرْ
عجبا لسخرية القدرْ
صــــبرا أخي
إن العواصف كلها
لا تستطيع بأن تهدك يا عمرْ
وارحم أباك بدمعةٍ
كن ذلك الإبن الأبرْ
فغداً هناك سنلتقي
عند المليك على قدرْ
في جنة الفردوسِ
في أحلى سمرْ
*خالد عبد العزيز البكاري
مارس/2007