المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سحر الليالي
ما أروع مواضيعك يا صبيحة تستهويني بحق :
انظري يا رائعة اختلف الفلاسفة والمفكرون في تعريفهم للجمال، وهذه التعريفات جاءت لاختلاف وجهات نظرهم في الجمال، من حيث ماهيته ومكمنه، وفيما يلي سأورد بعض هذه التعريفات التي قد تكون متناقضة، وهي كالتالي:
- الجمال حسب تعريف أفلاطون هو الصلاح والفضيلة، وهو كذلك عند أفلوطين وتلستوي ، ويؤكد أفلاطون على أن علم الجمال الرائع غير ممكن في هذا العلم، بل في عالم المثل الأعلى* الذي لا ينشأ ولا ينعدم كونه خارج الزمان والمكان، وهو مقياس أو مثل أعلى من الكمال الخلقي أو الحسي، وهو الكمال عند المثاليين. يقف أفلاطون من الفن موقيفين متعارضين حسب ما ذُكر في كتاب لـ (باو ماجرتن) الذي أسماه (Aesthetica)، الصادر في جزئين سنة 1750. 1758.وهو أول من وضع لهذا العلم اسماً، وأفرده علماً قائماً في حد ذاته، يقول (باوماجرتين): الجمال عند أفلاطون هو الفن الساحر، ولكنه سحر يحرر من كل سطحية، وهو أيضاً جنون وهذيان، وبهذا ينقلنا إلى عالم آخر، هو ميدان اللامرئيات، المثل الأعلى الذي ينبغي على الفن أن يقترب منه، _ ومن هنا جاءت فكرة المحاكاة _ وينتقل أفلاطون من جمال الأجسام إلى جمال النفوس (الأرواح) ومن جمال النفوس إلى جمال الصور العقلية (أو المثل العقلية)، غير أن أفلاطون يجعل الفن في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الحقيقة وإلى الخير، بل يؤكد أن الجمال لا يتفق مع الحق ومع الخير، لأنه يتجلى في المحسوسات، والمحسوس عند أفلاطون هو في مرتبة دنيا بالنسبة للمعقول الذي إليه ينتسب الحق والمعقول، لكن أفلاطون في إدانته للفن بوصفه محاكة، تردد بين التشدد والتساهل، ولقد كان الغالب على أحكامه عن الفن القسوة والتشدد، فإنه في محاورة "النواميس"* قد خفف من حدة إدانته للفن وقال إنه لهو غير مؤذ..
- ويحدد "ايمانويل كنت" الجمال على النحو التالي، (هو ما يرضي الجميع بدون سابق تصميم أو قاعدة يقاس عليها)، (وهو شكل غائية الشيء بدون أن تتمثل فيه غاية ما)، (وهو وسيلة الاتفاق بين العقل والحس أو بين الخيال والإدراك اتفاقاً حراً ذاتياً، كأنما العقل يجد في الجميل ضالته المنشودة دون أن تكون فيه صورة لماهية الجمال، والجميل كونه محسوساً يمثل للعقل صورة اكتمال، صورة مثالية تملأ فراغه وتروي عطشه إلى صور الكمال واللانهاية المحسوسة . حيث يرى أمانويل كنت أن الجمال لا يخضع لقاعدة يقاس عليها ولا لتصميم يقارن به بل هو وسيل للاتفاق بين العقل والحس.
ويعزز " شلر " رأي "كنت" بقوله (إن الجمال لا يرتبط بصورة أو بقاعدة أو مثل أعلى يجب بلوغه، بل هو حر تام الحرية ومعاين الجمال أيضاً حر بمعنى أنه لايطلب الوجود الفعلي للشيء الجميل).
نلاحظ من هذه التعريفات أن الحكم على الشيء الجميل فيه شمول ينطبق على الجميع، بحيث يتمتع بحرية الغاية النفعية أو العملية، وهذه الحرية قاعدة مسبقة يقاس عليها الجمال وهو التقارب أو الاتفاق بين ما يُتخيل وما يُرى، فالتوافق _ حسب رأيهم _ بين ما تخيله العقل من جمال، وبين ما شُوهد أو سُمع أو شُوهد وسُمع بحاستي السمع والبصر أو بالحواس الأخرى مثل حاسة الشم أو اللمس والتذوق، هذا التوافق أو الوفاق، ينتج عنه الإحساس بقيمة الجمال.
يرى سقراط أن (الرائع) الجميل هو المفيد والهادف، وبهما _ أي المفيد والهادف _ يكون عارفاً بماهية الفضيلة ، والفضيلة هي الدرجة الرفيعة في الفضل، والفضل ضد النقص أي الكثرة، والفضيلة أيضاً، ضد الرذيلة، وهي أيضاً الطهارة والعفة ، وحسب رأي سقراط، فإن الجمال هو الدرجة الرفيعة في الإفادة أي المثمرة ذات المنفعة، وهو بذلك قَرَنَ الجمال بما هو هادف ومفيد، والسؤال هنا: هل تلك الفائدة المرجوة من الجمال حسب رأي سقراط هي تلك الفائدة المادية أم الفائدة الحسية؟، بالتالي كيف ننظر للجمال بناءً على هذا الرأي؟، ومن هنا، نذهب إلى ما قاله (توماس أكواينس) عن الجمال، حيت عرفه بأنه (ذلك الشيء الذي إذا ما رأيناه يسر، ذلك لكونه موضوعاً للتأمل، سواء عن طريق الحواس أو عن طريق الذهن) ، إذاً فالجمال هو ذلك الشيء الذي يسر _ ليس بالنضر فقط بل بالحواس الأخرى _ لما فيه من قيم تدفعنا لكي نتمعن فيه ونتأمل شكله ومضمونه، بحيث يتشكل لدينا موضوعاً يجذب جانباً حسياً فينا ومن تم يشكل تأملاً و تمعناً من خلال الحواس كسماع قطعة موسيقى أو رؤية لوحة فنية، ومن ثم عن طريق الذهن، الذي يفسر ما نراه ويربط العلاقات ويحدد الجمال.. فهو بالتالي _ أي الجمال _ إدراك للعلاقات التي يستجيب لها الإنسان في شتى العناصر سواء أكانت في الطبيعة أي من خلق الخالق الأعظم، أم من كان الإنسان صاغها في قوالب مختلفة من الفن، هذه القوالب والتي تشكل الفن، لها أنماط محددة من المستحسن أن تكون عليها مثل التناغم والتناسب والتناسق والتجانس والانسجام. هذا يقدونا إلى تعريف أخر للجمال وهو تعريف (هيرقليط) الذي اشترط التناسق والتناسب كأساس لعلم الجمال باعتبارها انعكاسات لصفات العالم الموضوعي، إذاً فالجمال حسب هذا الرأي لا يكون إلا في كونه صوراً من صفات العالم الموضوعي، هذه الصور أو الصفات يشترط فيها أن تكون على هيئة علاقات متماسكة متناسقة ومتجانسة منسجمة مع بعضها البعض.
يذهب "شلنغ" إلى أبعد من ذلك، حيث يقول:(الجمال هو توازن القوى الواقعية المثالية، اتحاد الطبيعة والذات...) أي توازن بين ما هو حقيقي وفعلي وواقعي، وبين ما هو مثالي تصوري خيالي ذهني، وبهذا التعريف يكون شلنغ قد ارضي الطرفين، المثاليين والواقعيين الماديين، جمع بين الاثنين معاً في تعريفه هذا للجمال. وأما هيجل فيقول إن الجمال مظهر الفكر أو الحقيقة أو المطلق للحس، والأثر الفني جرء من العالم اللاواعي لكنه عمل الإنسان الواعي، فهو تلاقي الوعي واللاوعي وصورة اتحاد الطبيعة والذات ومظهر الذات العليا التي تعي نفسها بالتجربة الجمالية.
ومن هنا نصل إلى أراء أخرى فلسفية بعضها متوافق مع بعض التعريفات سابقة الذكر،والبعض الآخر متعارض معه، هذه الآراء هي ما توصل إليه السيكولوجيون من تعريفات للجمال والفن من خلال الأثر الذي تحدثه في النفس البشرية وهي كما يلي:
(" الفن مملكة متوسطة بين الحقيقة والخيال، بين الميول الفاعلة العاملة والميول الانفعالية أو الانكماشية، بين الانطواء والانتشار ")، (" ليس الجمال كمالاً، لكن للجمال قدرة ثابتة على خلق الحالة الكاملة وهي اتحاد النشاط مع الراحة ")، (" أداة التعبير في الفن هي الرمز، وهذا يقيم بين مختلف نواحي العقل نوعاً من التلاؤم لا مثيل له ").
تقبلي خالص ودي وباقة ورد
عندما ننظر إلى لوحة مرسومة بألوان متناسقة وتنقل ملامح فكرة ما، فكرة تجذب إليها العقل، ولكن العقل ينجذب إلى الفكرة رغم أنها معبر عنها برموز غامضة وألوان لا تدل على معنى مباشر..بل عن اللامعنى..
عندما نشعر بلذة ومتعة فائقة كلما نظرنا إلى اللوحة، هذا الشعور يلازمنا ولا يفارقنا..إنه شعور بالإعجاب لخالق اللوحة..نقول لمبدع اللوحة.. فهل هذا الشعور يمكن أن يكون متبادلا ويشمل كل من نظر إلى اللوحة سواء كان الناظر أميا أو عاديا أو فنانا..؟
كثيرة هي الأعمال التي تثير إعجاب الناس وتجعلهم في درجة من الاستغراب والدهشة..مثلا لنأخذ أعمال الفنانين الحرفيين..في كل العالم نجد لهم تراثا يدل على نعمة العقل واليد وعلى اليقظة والفطنة والذكاء ..
كل الأشكال التي نراها في المعمار وفي سائر المنتجات الفنية القديمة مصرية أو آشورية أو إسلامية إلخ..هي أشكال جميلة..
وسنجد نفس الأمر في التراث الثقافي الأدبي والشعري..فهو مشبع بالصور الفنية التي تكتبها ذات تحب الجمال..وهي إذ تحب الجمال تمجد الجمال الأعظم الذي طبعه الله في مخلوقاته..ففي الطبيعة يبدو جمال الله جمالا ثابتا ..الشمس عندما تغرب تترك آثار الجمال اللوني والأشكال التي تتجلى فيها يد الصانع الأعظم ..
أما العلاقات بين المخلوقات فقد ندرك من خلال تأملنا فيها عظمة الله الذي هو جميل ويحب الجمال..
الله خلق المخلوق الجميل وليس هناك من يستطيع أن يأتي بجمال يشبه جمال المخلوق..
لكن إذا كان الله مبدعا للجمال ..فإن الإنسان يحاول أن يرقى بجماله إلى مستوى يجعله يحاكي جمال الخلق..
ما الفرق بين الجمال الذي يبدعه الله والجمال الذي يبدعه الإنسان؟
هذا هو السؤال الذي سيجعلنا نميز بين عمل الله في خلقه وعمل الإنسان في مخلوقاته..
يجب أن نميز في حكمنا الجمالي بين حكم يقدر السلوك الإنساني من حيث هو سلوك خير أو شرير وبين حكم آخر نشعر به فقط اتجاه رؤيتنا للوحة فنية مرسومة أو نص أدبي مكتوب فنحن لا نحكم على اللوحة حكما أخلاقيا فنقول إنها خيرة أو فاضلة أو... بل نقول إنها جميلة وجمالها تدلني عليه إما أحاسيسي اوقدرتي العقلية على تقدير الجمال وفهمه..ليس هناك مقياس يجعلني أقدر الجمال فالجمال يتجاوز كل المقاييس لأنه عمل حر ينتجه عقل منفتح على المجهول..