أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 9 من 9

الموضوع: هجمة البعوض

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 111
    المواضيع : 16
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي هجمة البعوض

    هجمة البعوض
    عمر علوي

    - " ليس هناك غيره ليخلّصني من المشكلة التي تعترض طريقي، هو الوحيد الذي يستطيع أن يبيّض وجهي و وجه المدينة: رجل خدوم،صديق للمظلومين، و مناصرهم .. و أنا ، بالنّظر إلى ما أنا فيه، مظلوم بكل الاعتبارات. أليست المشاكل المتهالكة عليّ، و في هذا الظّرف بالذّات، كافية دليلا؟ لا ، لن يخيّبني.. سأتّصل به فوراً.
    -" رقم النّجدة.. رقم النّجدة.. أين هو في هذه السلسلة الطويلة من الأرقام؟ .. أين هو؟ ها هو.. وجدته.
    -" ألو.. أين أنت يا صديقي ؟ من مدّة لم أسمع أخبارك، كنت أنتظر منك زيارة مفاجئة لتهنئتي على نجاحي في اعتلاء عرش المدينة، و يبدو أنّك ماسك عليّ تأخّري عن عدم دعوتك رسميّا ، لا تلمني، فقد نسيت، حتّى نفسي..، و لك أن تضحك عليّ،.. نسيتها يومها، و أنا في خضمّ ترتيب أموري لإرساء قواعد العرش.
    - " و منذئذ، صدّقني، لم أعش يوما واحدا مثل النّاس،فوقتي كان كلّه موزّعا بين المكتب الذي تتكدّس فوقه أكوام من الملفّات التي تنتظر الإمضاء المستعجل، و بين الفنادق التي نعقد فيها صفقات الأعمال، أضف إلى ذلك، الاجتماعات الدوريّة و الاستثنائيّة، و استقبال وفود الرسميين، و غير ذلك ممّا يأكل الوقت بدون حساب.
    - " تصوّر، حتّى عائلتي، قلّما استطعت أن أسرق بعض الوقت لزيارتها.. نعم، مجرّد زيارة فقط، مثلما نزور مريضا في المستشفى للحظات ثمّ نغادر. أمّا الأصدقاء،.. فلا أعلم ما حدث لي تحديدا ؟ لقد وجدت حولي عالما جديدا أبهرني و ألهاني عن عالمي السابق ، بل أدخلني في متاهات يصعب أن تعود فيها أدراجك.
    " صدّقني، عندما يكون أحدنا في هذا المنصب الذي لا أتمنّاه لعدوّ و ما بالك بصديق، يشعر أنّه مختلف كلّ الاختلاف عن سائر البشر، يحسّ إحساسات لم تكن تخطر بباله من قبل، و يجد نفسه يعيش حياة تبتعد به يوما فيوما عن حياته القديمة، فيألفها و تألفه، و تتشابك الحبال و تتعقّد لتكوّن نسيجا متلاحما متماسكا، يصعب معها انفكاك الخيوط عن بعضها، ثمّ يتحوّل النسيج حجابا حاجزا بينه و بين الأحبّة من الأهل و الأصدقاء، إلاّ من احتواهم النسيج أو علقوا بحباله كالعناكب.
    -" و الحقيقة أننا مساكين.. نحن. لقد ظلَمَنا الحاسدون الذين يقولون أننا نتقلّب في النعماء، و الأصحّ هو أننا نشقى فيها شقاوة الجحيم، و لكن ما باليد حيلة، ذلك قدرنا، و على النّاس أن يفهموا بأنّنا خلقنا لهذه الحياة كما خلقوا هم، لحياتهم تلك.
    -" و بكلّ صراحة، أقول لك ، رغم كل شيء، فقد ألِفْتُ هذه الحياة التي وجدتها على مقاسي، بل هي مناسبة جدّا لطموحاتي الطويلة و العريضة، و ليس سرّا إن قلت لك أيضا بأنّ تعلّقي الشّديد بهذه الدّار الكبيرة، قد امتدّ إلى أثاث مكتبي الفسيح ذي الأرائك الوثيرة، و الجدران المبطّنة بعوازل الصوت، و إنّي أراه اليوم كالعاشق المتشبّث بتلابيب معشوقه الذي ينتظر توديعه عمّا قريب.
    -" هل تتصوّر ذلك ؟ من الصّعب يا صديقي أن أنْفَطِم عن لذّة هذا الكرسي، أصاب بجنون ، لو فقدت ــ لا قدّر الله ــ هذه المملكة دفعة واحدة، ثمّ إنّ المواطنين أيضا سيخسرون كثيرا بذهابي، أليس الأفضل أن يعيدوا انتخابي حتّى أحقّق لهم أمنيتهم الكبيرة التي طالما انتظروها.. أن تصبح مدينتهم مدينة بأتمّ معنى الكلمة.. مدينة لا يخجلون من الانتساب إليها كما قال لي أحدهم يوما، و الحقّ يقال، أنّهم على صواب.. و هذه الحقيقة لم أدركها إلاّ اليوم ، لأنّني اليوم فقط، و منذ أكثر من أربع سنوات، أرى المدينة بعين المواطن العادي، و أقف على الحقيقة المرّة، و أدرك حجم الكارثة. "الناس هواة تهويل" كنت أقول عندما تَصِلُنِي شكاويهم المتردّدة على مكتبي الذي يشهد أنّني أقرأ بكثير من المتعة انشغالاتهم الكثيرة ، و لأنّها من الكثرة التي لا تعدّ و لا تحصى، كان من المستحيل النظر فيها، و هو أمر مفهوم ، بالنّظر إلى التزاماتنا المتعدّدة والمتشعّبة.
    -" ألو.. هل أنت معي؟ لا تقفل الخطّ، أرجوك، أعرف أنّني مهذار مكثار، و لكن، أترجّاك أن تحمل ثقلي، لأنّني في أشدّ الحاجة إلى خدماتك الجليلة. أنا في ورطة، و المدينة في خطر.. و أنا لا أعلم ما أفعل. النفايات تحاصر المدينة و أنا هنا، سجين في هذا القصر لا حول لي و لا قوّة، و فيالق البعوض و الذّباب قد أعلنت حربا شعواء لا هوادة فيها.
    -" ألو.. سوبرمان.. هذه جحافل البعوض مدجّجة بالسلاح الفتّاك، ألمحها من نافذة المكتب تتقدّم بكلّ حزم و ثبات نحو القصر.. ألو.. ألو.. الخطر يداهمني.. هذه قوافل أخرى من الذباب أراها تملأ الأفق هديرا.. لقد أظلمت الدنيا من حولي.. النّجدة.. النّجدة..من يخلّصني؟ هل من منقذ يا عالم؟ أين أنت يا منقذ المظلومين؟
    كانت يدي على سمّاعة التلفون الرّابض بجانب سريري، عندما استفقت من النوم مذعورا، و سيول من العرق البارد تغرقني، فاستعذت بالله من الشيطان الرجيم ، و دعوت الله أن يجعل الكابوس خيرا. و بعد أن استرجعت هدوئي، و استتبّ الاطمئنان في نفسي، دخلت الحمّام لأغتسل ، فإذا المرآة تعكس وجها غير وجهي، من أثر لسعات البعوض الذي وجد طريقه للانتقام من جسمي الهزيل، و هو ما جعلني للحظة أشكّ في حقيقة شخصي، فحسبتني "المير" * فعلا.
    و كان عليّ بعد ذلك أن ألتحق بعملي، غير أنّي فضّلت المكوث بالبيت، و أنا على ما أنا عليه من بشاعة المنظر. فتحت النافذة المطلّة على الشارع العامّ كي أشمّ قليلا من الهواء الجديد، علّه يكون اليوم منعشا، فإذا عيني تقع على رجل يعلّق على الجدار المقابل إعلانا إشهاريا مكتوب عليه بخطّ عربيّ بارز:"منتخَبون – بفتح الخاء- في خدمتكم "، قرأت الجملة مرّات و مرّات ثمّ قلت في نفسي:" بل منتخِبون – بكسر الخاء- في خدمتكم ".
    و انطلق بعد ذلك خيالي يسبح و يسبح كالغريق يطفو حينا و يغوص أحيانا أخرى في بحر"لا أدري بالضبط"، إلى أن انتشلني صوت ربّة البيت من الغرق الوشيك، و هي تقول لي: " خذ معك الكيس الأسود و أنت خارج. " فقلت لها دون انتباه:- حاضر..سوبرمان.نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    السلام عليكم ورحمة الله

    الأستاذ عمر

    تأثرك بالأدب الغربي و المترجم واضحاً جداً بين ثنايا النص .

    جاءت القصة لتعكس لنا واقعاً اجتماعياً ، وسياسياً بإطار مختلف عما عهدناه من قبل ، فجاء السرد مقنناً بالحوار ، حتى وصلنا للنهاية المفاجئة ، خليط من الخيال العلمي ، ليبرز لنا معنى جحافل البعوض ، وتأثر بسينما هوليود ....

    دمت مبدعاً

  3. #3
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 111
    المواضيع : 16
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    الأخ الكريم محمد سامي
    بداية ألف تحية و شكر على تصفحك النص و إعطائه شيئا من اهتمامك،
    ثانيا مرحبا بكل الملاحظات
    أما بخصوص تأثري بالأدب الغربي، فلا أعلم ما إذا كنتم تريدون قول شيء من وراء ذلك أم أن كلمتكم مجرد ملاحظة عابرة، أرجو لو سمحتم أن تنيروا لي هذه الزاوية المظللة بما الفناه عنكم من صدق،
    ولكم كل التقدير و الاحترام
    اخوكم عمر

  4. #4
    الصورة الرمزية محمد سامي البوهي عضو غير مفعل
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+ الكويت
    العمر : 46
    المشاركات : 1,087
    المواضيع : 110
    الردود : 1087
    المعدل اليومي : 0.16

    افتراضي

    أخي الحبيب عمر

    لم أقصد شيئاً من ملاحظتي أبداً ، بل هي إشادة أكثر منها ملاحظة ، بل هي نوع من استعراض الفراسة العربية .

    طب نفساً

    دمت مبدعاً

  5. #5
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 111
    المواضيع : 16
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    شكرا لكم
    و معذرة إن كان سؤالي ذهب بفهمكم إلى شيء لم أنوه أصلا!
    كان بودي فقط أن أعرف رأيكم بصراحة.
    ألف تحية تقدير و احترام
    أخوكم عمر

  6. #6
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    القاص الرائع:عمر علوى

    قصة قصيرة امتزجت فيها الواقعية مع الفانتازيا لتعطى لنا سرد هادىء أتى مصاحبا للحوار الذى طال ... طال كثيرا فقد كان بحاجة الى بعض التكثيف من القاص. يمتلك الكاتب لغة رشيقة معبرة كانت مناسبة للسرد الحوارى الذى مال الى الخيالية فى كثير من مراحله. القصة إسقاط سياسى مغلف بالسخرية المريرة التى تعتبر صرخة اعتراض على واقع مؤلم. نجح الكاتب فى إيصال فكرته ابتداءا من عنوان لافت ومميز, معبر عن فكرته- وهى هجوم البعوض المتمثل فى الرمز السياسى الفاسد - ودخولا فى افتتاحية ثم تطور لأحداث القص بتطوير الحوار , وانتهاءا بنهاية رائعة تتمثل فى كيس النفايات الذى هو مصير أوراق الاعتراض على الواقع المظلم.أرى لك قريبا عملا يفرز كل امكانياتك الأدبية.

    شذى الوردة لقلم رائع.

    د. نجلاء طمان
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  7. #7
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 111
    المواضيع : 16
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    شذاك .. وصل
    ألف شكر .. سأحاول أن أكون دائما في مستوى كلماتكم المشجعة
    أخوكم عمر

  8. #8
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    العزيزعمر .....

    ربما انفلت النص لوهلة من مساره بسبب العنوان لانه كوجهة نظر شخصية لو كان سوبرمان لكان افضل، من حيث ان القصة تشكلت منذء البدء لتوصلنا اليه هو وليس الى البعوض المتدفق من الشبابيك،لكن ذلك لم يمنع ان تجعلنا نقف مكتوفي الايدي ونحن نقرا لك هذا النص الجميل من حيث المعاني والمغزى، فقد رسمت لنا حالة اجتماعية تمثلت في الحاكم والمحكوم، وبمقارنة سريعة اظهرت بصورة غير مباشرة نوعية ونمطية الحياة لديهما، وكأننا ابدا نردد لااحد قانع بما لديه، لكن الصورة جاءت من الحاكم بصورة ادق، لكونه اسهب في الحديث عن مشاغله، وهذا الاسهاب فضح الكثير مما يمكن ان يقنعنا بان لااحد ينظر الى عامة الشعب بعد ان يعتلي الكرسي، فجماجم الاخرين بيست الا معبرا لهولاء للوصول ومن ثم باسم الوقت والتعب والعمل ووووو، يرسمون لحياتهم افاقا جديدة بعيدة كل البعد عن مدارات الشعب الذي اوصلهم الى ذلك الكرسي، ولعنة الكرسي هذه ترافقهم ، حيث لايعيشون راحة ، لانهم يهتمون بالام الشعب، انما لانهم لايشبعون من عملية الكنز وملئ الخزائن، وما يدق ناقوس الخطر اسوارهم حتى يستعيدوا بعض وعودهم ويفكروا في الشعب، لكن ليس اهتماما بهم انما ابقاء للكرسي تحت ايديهم، وهكذا تتوالى الايام والسنوات لديهم.
    القصة اخذتنا الى اجواء اكثر مقربة من ذوات اهل الحكم والسلطة، بحيث كشفت بصورة سردية درامية جميلة ما يخالجها، ومن ثم رسمت لنا بصورة دقيقة حالة الهذيان، وحالة الخوف التي تعتم على حياتهم جراء عدم قيامهم بواجباتهم تجاه الاخرين كما يجب.
    وربما النهاية جعلتنا نقف بعمق على حالتهم المزدرية، ومبلغ الخوف فيهم,
    تحية لنصك الجميل
    محبتي لك
    جوتيار

  9. #9
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    المشاركات : 111
    المواضيع : 16
    الردود : 111
    المعدل اليومي : 0.02

    افتراضي

    سيدي الفاضل جوتيار
    لا أخفي عليكم بأن العنوان الأصلي للنص هو"سوبرمان في المدينة"، و غيرت العنوان نزولا عند رغبة صديق يكره كل ما له صلة بالأمريكان، قال من الوهلة الأولى بأن القصة توحي بالترحيب "بمنقذ العالم" على حد تعبيره، كآخر حل يلجأ إليه المستضعفون في العالم.
    على كل هي وجهات نظر، و تحياتي الصادقة لكم سيدي الكريم، و مرحبا بكم في ثنايا نصوصي.

المواضيع المتشابهه

  1. أنا وأصدقائي البعوض
    بواسطة حسن رحيم الخرساني في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 02-06-2010, 10:18 AM
  2. البعوض يختار أيضاً...
    بواسطة أحمد محمد الفوال في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-06-2009, 10:42 PM