"( قمر كبيـر ، أطفال كبيـرة )"
حول عوالم (جــــــــيرالدين )
في فَلَكِ الكِبارِ دُرنــا ، وحول مداراتهم الإجْبَاريّـةِ سِرنـــا ، وتحت وطء ونيِـر ِ جاذبيتهم الشديدة ، دُرنا حول أنفسِنا، وفقدنا هويتنا ، وببطءٍ تحولنا إلي كياناتٍ تابعــة ، واخْتلطت هوياتنا وسط طوفانِ الأيام الذي لا يهدأ ، ولا ينفك يلعب لعبته الأثيرة ، في تحِويلنا إلى عرائسِ ( ماريونيت ) نَجِيبة ، يحركها الآخرون ، ويلهون بهــــــا دهرًا كاملاً .
النجوم الكبيرة التي أغرقتنا ، و ألبستنا ثوبَهــا المرمريّ ، تغزل أطرافَـهُ حول أعناقِنا ، وتحيط كفوفِنـا بأغلالهــا الذهبيةِ المطرزة.
لقد قررت الكويكبات الصغيرة ، أخيرًا ، أن تخرج عن فَلَكِ المألوف ، وتصنع لنفسِها قوانينها الخاصة ، ومداراتهـا المستقلة ، ولسوف تملك الأقمار كي تنيرَ لها الطريق ، والجاذبية كي تبهر تلك الثقوب السوداءِ القاتمة ، التي أوشكت يومًا ما علي ابتلاعها .
إنه الجيل الجديد الذي يتكون ببطءٍ في رحم الكون ، لقد شدّ طرف الخيط المغزول ، فانهار الطوق كله ، وانطلق غيرُ آسفٍ على العالم الذي تركه ، سعيدًا بحريتهِ ، مقدسًــا لهــا .
لقد صنع عالمه الخاص ، بوتقته الخاصّة ، أثوابهُ الجميلة ، يغزل خيوطها في حبٍ ، ويزينها برتوشِه وألوانه المزركشة ، يعرضها في فتارينه البراقة ، فيتجمع حوله الشباب من كلِّ بقاع الأرض .
إنه الجيل صغير السن ، عظيم الموهبة ، بديع الأفكار ، سويّ الاتجاهات ، يصنع عوالمه الخاصة ، لكن أغلب الكبارِ لا يلحظون شيئًا ، ومن يلحظ يتحدث عن ( لعب الأطفــال ) الذي لا ينفك يصدع رأسه بحماسه الزائــد ، قليلون من يهتمون ، نادرون من يقيمون .
ووسط تلك النجوم الصغيرة ، التي تصنع مجموعتها الشمسية الخاصة ، ويزداد تألقهــا يومًا بعد يوم ، وتلملم حولها بدورها ثلة من الكويكبات السيّارة العابرة ، اخترتُ أن أتحدث - هذه المرة - عنهــــــــــا ....
*****
هـــى::
داليا إيهـــاب يونس عبد الله
*****
حيث يتجسّد الجمال في في صوّرٍ ومشاهدٍ ، وحكاياتٍ ، وكلماتٍ شاعرة ، وعينٍ مدققة ، تعرف مواطنه ، وتدرك خباياه ، وأصابع نشيطة ، تتراقص فوق الـ( كي بوورد ) كي تدوِّن لحظات الحياة الآثرة ، في هذا العالــمِ الذي يندر فيه الجمال ، أو كاد أن ينعدم .
البراءة ، الصّدق ، البهـــــاء ، البساطة ، والروح الحالمة الشاعرة التي تطَّلع علي هذا العالم ، بمنظار التوحد ، والحب ، والصفاء النفسي البليغ ، الذي يصل في بعض الأحيان إلي مرتبة الملائكية ، هذه هي : داليا إيهاب يونس.
أديبة شابة ، واعدة ، كان ظهرورها الأول - بالنسبة لي علي الأقل - عبر صفحات عالم ( المحاربين الجدد ) الذي يقدمهُ الأب الروحــــــي لجيلنا الجديد ، د/ أحمد خالــــد توفيق .
شاركت في العديد من المنتديات ، وإن كنتُ أعتقد أن منتدي ( روايات التفاعلية ) هو أولها .
فازت في العديد من المسابقات ، وليست مسابقة ( ديوان العرب ) هي آخرها .
وإن انتهي بها المطاف حتي الآن ، إلي عالم المدونات حيث تقدم مدونتها الرائعة التي كسرت حاجز الأرقام القياسية في عدد زوارها ، وسقط السيرفر الخاص بها أكثر من مرة بسبب تعدي الردود والمشاركات الحد المسموح به .
هي المدونة التي ظلّت فترة طويلة جدًا هي صفحتي الرئيسة ( في مملكة جيرالدين ) ، " التي تجعل الصحراء أصغر ، والقمر أكبر " وبهذه الجمله الموحية جدًا ، تلخص ( داليا يونس ) فلسفتها ، ورسالتها التي تود أن تصل للآخرين .
هناك ، كنتُ أقضي أجمل أوقاتي ، أغوص في هذا العالم الرحب الجميل ، الذي يقدم فلسفة الجمال والحب والسلام .
عالم جديد ، وحياة جديدة ، تقدمها أديبتنا الطبيبة ( بالإرغام ) الواعدة جدًا .
***
ولماذا ( جيرالدين ) تحديدًا ؟
تقول داليا :
إنه إسم فرنسي شيوعًا.. جرماني أصلاً.. وهو مؤنث لاسم Gerald.. والذي يعني - تبعًا لقواميس الأسماء الجرمانية- "التي تحكم وتملك بسهم" !
وهو في الوقت نفسه أسم ملكة من ملكات " ألبانيا " تقول عنها داليا : ( تأمل معي تلك الرقة الغريبة المشعة من وجهها.. رقة حزينة غريبة جدًا فتنتني منذ اللحظة الأولى التي رأيتها فيها.. والاسم ذاته موسيقي ساحر ) .
إذن فأديبتنا تبحث عن الرقة ، والقوة معاً ، قوة الباطن متمثلة في معني الإسم اللغوي ، ورقته وجاذبيته في نطقهِ ، وفي رمزه لملكة ألبانيا ، عام 1938 تقريبًا .
وببطء ، وكما سنكتشف معًا ، نجد أن هذه هي سمات أدب ( داليا يونس ) ، القوة في المعني ، والبساطة في التقديم ، فيتكون لدينا ببطء مزيج ساحر من الكلمات الممزوجة بدقة ، وبموهبة واثقة ، لتقدم لنا عالمها ، وذاتها الخاصة .
*****
هي ::
ولدت ( داليا يونس ) في القاهرة في الخامس من يونيو عام 1986 في مستشفي الدكتور (سمير يونس ) وهو عمها بالمناسبة ، إذن ، تاريخ 5 يونيو يحمل انتصارًا جميلاً في عالم الأدب الإنساني الحالم ، علينا أن نتذكر هذا إلي جانب ذكرانا السيئة عن نفس التارخ قبل أن تولد داليا بأكثر من ثلاثين عاما .
نشأت داليا ، وسط عائلة طبية ، فوالدها هو الدكتور " إيهاب يونس " أستاذ الجلدية والتناسلية في كلية الطب جامعة ( بنها ) ، ووالدتها طبية مخ وأعصاب ، وأختها تدرس الأسنان في جامعة MSA. بالإضافة إلي هذا هي عائلة مترابطة جدا ، مثقفة طبعا كما هو واضح ، وتملك أسلوب حياة خاص بها ، تفرضه علي جميع من ينتمي لهذه العائلة الكبيرة ، وكان لهذه البيئة تأثيرها البليغ علي روح وكيان الطفلة الواعدة ، التي تتكون مفاهيمها عن الحياة ببطء ،العالم جميل ، ويستحق أن نحياه ، ولكل إنسان حياته الخاصة ، التي تمتزج مع الحيوات الأخري لتصنع حياة جديدة متكاملة ، مترابطة .
وداخل عالم ( داليا ) الصغير ، الممتلئ بأحلي المعاني ، المثقف جدا ، والواعي جدا ، كانت تتداخل بعض المعاني الحزينة ، ربما هي ضربات الأقدار التي كانت تلحظها في محيط عائلتها ، ربما وفاة أحد أقاربها، أو حدث مؤسف يحدث ، وإن كان الموت يسيطر كثيرًا علي كثير من بداياتها . هذه نقطة هامة جدًا ، هذه الروح الجميلة البريئة قد رأت الكثير ، وتعي أكثر.
للموت تداخلات كثيرة في حكاياتها ، فبين أن يكون اقترابه أحد اسباب السعادة ، للشعور باهتمام مفقود ، أو يكون الخلاص من مشكلة مصيرية تواجهها ، أو نهاية تراجيدية لعالم جميل ، يترك أصداءه في النفس أبد الدهر .
وللموت - كذلك - العديد من الرموز لديها ، فهو قد يصيب المعاني ، فتكون نهاية معني أو حلم في نفسها صورة لموت جانب من روحها ، أو من عالمها ، أو من مشاريعها الطموحة ، وأحلامها .
*****