أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: حين مات أبي مات معه كل شيء

  1. #1
    قلم منتسب
    تاريخ التسجيل : Apr 2017
    المشاركات : 27
    المواضيع : 22
    الردود : 27
    المعدل اليومي : 0.01
    مقالات المدونة
    1

    افتراضي حين مات أبي مات معه كل شيء

    حين مات أبي مات معه كل شيء

    قصة قصيرة

    إعداد: حسين لون بللو

    الإهداء:
    إلى من قال لي إذا لم نحترق أنا وأنت فمن سيضيئ الدروب، الأستاذ الدكتور إبراهيم أحمد مقري، أدام الله بقاءه

    حين مات أبي مات معه كل شيء، إنه لحق!!! وإن كان جل الناس لا يصدقونني في ذلك، ولا يدعمون قولي، ولكن سأقول وأكرر مهما يكلفني ذلك من الدفاع المستمر، والمناقشة الطويلة من قبل شباب القرية الذين يرون في ذلك غلوا ومبالغة، هؤلاء الشباب هم الذين قذرت أعينهم عن رؤية الحقيقة، وهم الذين ينفون الكرامة من أولياء الله وأصفيائه، بعد وفاته بساعات قليلة اسودت السماء غاضبة بهمام يعقبه وابلات من الأمطار الباردة، فأخذت الأرض زخرفها وازينت، ظن القوم أننا في وسط الربيع، بدأ الناس يذّكرون محاسنه ومناقبه الحميدة قبل أن يصلوا عليه صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمه، فصليت معهم أول صلاة الجنازة في حياتي تابعتهم باكيا لا ترى مني إلا دموعا تسيل بين خدي مدرارا، فاختلط الدموع بالمُخاط، لا يصدر مني إلا صراخات، لأني أعرف أن قيامتي قامت، وانتهت صلاحيتي ودوري، ولا تسمع من الشيوخ إلا التَرجَّعات التي توحي إلى توجل القلوب وخشوعها، تدل أيضا أن المصاب جلل، وأن المفقود أمة وظل يستظل به قومه، لا أتفكر عن شيء إلا فقدان أبي الذي هو مني كل شيء، كلما غمضت أجفاني لا أنظر إلى شيء إلى بسماته السراء، التي تحميني من النهر والبيداء، بدأت أفكر عن السُبل التي تلحقني به، فأتراجع عن جلّها، لأنها تقودني إلى اغتيال نفسي، وقد قال لنا الأستاذ أن من قتل نفسه متعمدا سيخلد في نار جهنم، وهي أخوف ما أخاف علي، لأنه قال يذوب فيها الحديد كما تذوب الثلج في الماء الساخن، بل أكثر من ذلك، حكمت على نفسي الحياة بلا أب !!! إنه شر لا بد منه، بكل صراحة لا تعجبني الحياة بدونك يا أبي!!! بحياتك تشرق دنياي!!! بها تدوم بهجتي!!!.
    هكذا تابعتُ حفنةً من الشيوخ والشباب يشيعونه إلى المَقبرة التي لم تشهد في تاريخها جنازةً حشدت جماعات تبلغ هذا العدد الكثير، بل الكبار يقيسون من شيدوه ب ١٠٠٠ آلاف، بعد وصولنا بدقائق تقدم شيخ من الشيوخ القرية يَعِظ الناس ويرشدهم ويذكر نعوت أبي الحميدة ويحرض الشباب على أن يقلدوا حياته تقليدا آليا، لا أكاد أفهمه لأني منتظر لما يحدث بعد وصولنا، سمعت الناس يتمتمون، لا أدري ماذا يقولون... لماذا هذا الكلام الطويل....أو كان عليه دين، فمنعوا أن يدفنونه إلا بعد الدفع، كما هو المعتاد في الأحايين، بعد فراغهم من هذا النقاش السري الطويل حمّلوه وأدخلوه في القبر، تناهزت من القبر قليلا تسللت من بين فخذي شيخ من الشيوخ، لأرى ماذا يحدث، فتحرك الشيخ قائلا: حُلُّوا عليه ترابا، خرت صائحا: لا تدفنوا أبي!!! لم أفق من صعقي الطويل إلا على سرير المستشفى، يكلمني الطبيب قائلا: هل تحس بشيء؟ .
    فأجبته قائلا: أين أبي !؟
    فقال: سافر إلى أبوجا سيعود إليكم بعد أسابيع قليلة .
    فقلت : لا تكذب علي، دفنوه أمامي !!!
    - اصبر يا ولدي قد جعل الله بعد كل عسر يسر، سَهل الله أمرك.
    إذا أنت لا تقدر أن تعيد لي أبي خليني أموت لألتحق به، لأني لا حياة لي بدونه.
    لا تموت يا ابني إنها سنة الحياة كل له أجله المسمى، لن يعود إليكم أبوك لأن الموت تعني رحلة بلا عودة .-
    فعدت إلى العرجون القديم، بصقت من فمي ماءا يشبه الزبد، لا يصدر مني إلا أنيانا يشبه أنين الموت.
    هكذا عشت بين رعاية الأطباء والممرضات، حتى إلى أن عدت إلى وعي، وتحسنت حالتي، مباشرة تغيرت حياتي تغيرا سيئا لا أحلمه في حياتي، غيرت لي المدرسة من الجيدة إلى الرديئة، أمشي إلى المدرسة في جل الأيام ولم أفطر، فلا تقول لي الأم إلا أن اذهب سأأتيك بالطعام في وقت الاستراحة، لأنها لا تملك شيئا اليوم، فلا أدري ماذا تقومين به لتحصلي لي الطعام، هكذا استمرت حياتنا من قتام في قتام، تراكمت علينا العوائق الصعبة.
    كنا نعيش بجوار الشارع الكبير، الذي قررت الحكومة بهدم كل بيت خالف الصف الأصلي للقرية وكان بيتنا من تلكم البيوت, خربوه بعد وفاة أبينا بسنوات، لا أعرف من هم !!! جاءوا بلا تحذير مسبق وأخرجوا أدواتنا منه، هدموه ..فأصبح كأن لم يكن بالأمس.. انزعجت.... ثم قبل تهاوت باكيا: لا أب لي ..ولا بيت.... أين يضع المخنوق يده!!! رجعنا إلى بيت جدي الذي يضرب به المثل في القبح والدناءة بعض الناس يظنون أنه طلل، فبينما نحن فيه نعيش كما قدر الله لنا سمعت حركة من فوق السقف الحديدي ظن الجميع أنها صادرة عن القطط أو بعض الحيوانات، لم استيقظ من رقادي العميق إلا بين قبضتيه القويتين، صفعني بيديه الحديدتين كلما حاولت الكشف عنه ركلني، حسب ظنه لم يفارقني حيا، استيقظت بعد ساعات طويلة سألت أمي ماذا حدث ؟
    فقالت: دخلوا إلينا السراق ليلا فحاولت الاكتشاف عنهم فضربوك ضربا مبرحا ثم سرقوا منا كل شيء لم يبق لنا إلا أرواحنا!!!
    بكيت حتى احمرت عيناي، كلما تذكرت حقيبة أبي التي ورثتها منه يزاد حزني وبكائي، تصبرني بلطف، وتكفكف عبراتي برفق قائلة: الإنسان لا ينفلت من مقدوراته، هكذا الحياة، إن الله معنا، سيجعل لنا مخرجا من حيث لا نحتسب.
    هكذا عشت إلى أن تخرجت من الابتدائية حيث بدأت أبيع الماء البارد في الشوارع، أتبع السيارات بسرعة لأبيع لهم، فمما أكتسبه أطعم أمي وأكسيها، ثم أحتفظ بشيء قليل استعدادا للالتحاق بالمدرسة الثانوية الداخلية، تدور الأيام كعاتها، اكتسبت ما يكفيني المواصلة، ثم قدمته لخالي الذي وعدني بالقبول فيها، بعد أسبوعين قال أنه قدم المبلغ للمدير الذي وعدنا بالقبول في المدرسة الداخلية، انتظرته فترة طويلة فاجعني بخبر مؤسف أنه لم يعلقوا اسمي في قائمة الأسماء المقبولين، لم تطمئن قلبي أنه قدم هذه الرشوة، حتى الذين قدموا أقل مما قدمت حصلوا على القبول، لماذا أنا فقط !!! لن أرضى والله!!! حاولت مقابلته عن الموضوع، فكبحتني أمي قائلة : لا تكلمه ذره وشأنه، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، عدت أكتسب من جديد، ولم أك منقطع الأمل، بل كانت قلبي مملوءة ببغض الأقارب، بكل صراحة لا أحبهم بل لا أريد أن ألتقي بواحد منهم، لعدم اهتمامهم بحياتي. حاولت الاستعداد مرة ثانية بعد كد وجد وتعب، جمعت الفلوس التي تكفيني الدخول في المدرسة الخارجية التي لا أطمح الدراسة فيها، قمعت رغبني بقوة، حاولت التحكم على شعوري، قابلت المدير:
    السلام عليكم
    وعليكم السلام
    جئت لألتحق بهذه المدرسة
    أين أبوك
    توفي بزمان
    أين أقرباؤك
    اذهب وادعو واحدا منهم
    نحن لا نقبل الطالب إلا بواسطة أهله.
    خرجت من المكتب كارها أن أدخل واحدا من أهلي في أمر يخص حياتي، لأنهم لا يحبونني، متأكد أنهم لا يحبونني، قابلت أمي قائلا: كما هم لا يحبونني هكذا أنا لا أحبهم !!!
    غضبت عليّ قائلة: مهما كانوا هم أهلك لا يمكن لك تغيرهم، كلٌ يفتخر بأصله مهما كان، اذهب إلى عمك وقدم له أوراقك ليتوسط في أمرك.
    بعد توسطه تحققت الأحلام، ظننت أنهم سيدخلونني في الصف الثالث نظرا إلى قيمة درجاتي في امتحان القبول، خاب عملهم حسباني وظني، فأصبحت في الصف الأول وأترابي وزملائي في الدراسة في الصف السادس، لم يكن في الفصل من هو أكبر مني، لذلك يستهزءون مني الطلبة، وأنا لا أشعر بشيء ولا أنظر إليهم لأن المدير قال سيفصلني من المدرسة كليا إذا اشتكى إليه أحد من الطلبة أني ضربته، وأنا أرى الدراسة رهينة حياتي وبها تتحقق طموحاتي.-
    لما رأت أمي أني حصلت على القبول حاولت الزواج من جديد فلم تجد من يزوجها لأن الناس في هذه الأيام أصبحوا انتهازيون لا يتزوجون إلا ليكتسبوا، وأمي مسكينة لا قيد لها ولا عقال، وليس لها الفلوس حتى تدافعين عن جمالها بالصابون كي لا يزول، هكذا قضت جل حياتها إلى أن توفيت بسبب سرطان القرحة الذي أنحفها كالقصب اليابس، بكيت غاية البكاء، تغيرت حالتي، أصبحت وحيدا فريدا، أصبحت مخططا ومنظما لحياتي، لا مرشد لي ولا قائد، أنفذ ما شئت بلا قيد، بعد وفاتها بأيام فصلت من المدرسة، لأني لم أدفع الرسوم حاولت القضاء على هذه المشكلة، تجولت في ديار الأغنياء ومكتبات العمال فلم أجد منهم يساعدني، ويقول الإنسان يومئذ أين المفر!!! كلا لا وزر.
    فبعد هذا كله بدأت أتابع البنائيين لعلي أتدرب على أيديهم، ومن سوء حظي أنهم مجرمون بالفعل بل أمرهم أقبح من ذلك، لأنهم يتلذذون بارتكاب الجرائم، ويصفقون لمن هو أكثر منهم إجراما، لم أرغب الحياة معهم، لأني أخاف سوء الخاتمة، وأتذكر وصية أبي : يا ابني المجالسة تولد المجانسة
    هكذا مكثت مليا أتفكر عن الحل، انضممت فيهم، عملنا معا جنبا بجنب، إلا أنهم غير راضين بي بل يقولون لي: منافق لأنهم يظنون أني جاسوس فيهم فلا يتناولون الحشيش أمامي، ولا يتفوهون بجرائمهم المستورة. فعشت هذه الحياة بعيدا عن الأسرة والأقارب ننتقل من بلد إلى بلد للعمل، جلهم لا يصل ما اكتسبوه اليوم إلى الغد، لأنهم يستهلكون فلوسهم في المجون والترف واللهوي، كلما حاولت أن أشاورهم يتغطرسون قائلين: نحن نتوكل كما يتوكل الطير، الله هو الذي قدم لنا اليوم وهو الذي سيقدم لنا غدا، لا تزعجنا يا ولد!! صحيح أنا أصغر منهم جميعا وأقل منهم قوة مع ذلك أتوسط بينهم وأعمل عملا لا يقدرون القيام بمثله .
    مع كل المرح الذي يعيشون فيه، كنت صارما على تخطيطاتي ولم أقلدهم في شيء، ولا أحب البقاء فيهم، بل أعتبر هذا العمل الشاق سلم أتوصل به إلى التجارة، لذلك اهتممت بجمع الأموال واقتصادها، فحصلت على فلوس لا بأس بها بل تكفيني الدخول في السوق كمبتدئ في العالم التجاري.

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Oct 2016
    المشاركات : 594
    المواضيع : 97
    الردود : 594
    المعدل اليومي : 0.22

    افتراضي

    قصة جميلة تعبّر عن معاناة طفل يشق طريقه في الحياة بعد وفاة والده , تُبرز مدى تدهور حالة المجتمع والنّاس , وفساد أخلاقهم , حيث ضاعت قيم الوفاء والتعاون والمؤازرة في المجتمع , بارك الله فيكم أستاذ وننتظر جديدكم

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,124
    المواضيع : 317
    الردود : 21124
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    عندما يكون الحديث يحكي واقعا من مر أيامنا بكلمات صادقة صادرة من حر قلوبنا
    فلابد أن يكون حديثا يثير الشجون.
    كتبت القصة بعبير انساني من مسرح الحياة، وعرضت لمشكلة الأسرة التي تفقد
    عائلها وتتعرض للفاقة والإحتياج خلال نسج من المشاعر المتدفقة
    فرسمت بالكلمات مواقف مؤثرة ومؤلمة جدا.

    الموهبة موجودة ولكنها تحتاج إلى العمل عليها لتصقلها وتنميها ويكون ذلك
    من خلال القراءة الكثيرة والمكثفة لتزداد خبرة وتمكن من أسلوبك الأدبي
    كما ان النص كان يحتاج المراجعة قبل النشر لتصحيح ما به من أخطاء.
    أرجو أن لا يغضبك كلامي فنحن هنا في واحة الأخوة والتناصح
    لنرتقي بأعمالنا إلى الأبهى والأجمل والأكمل.
    وفي انتظار جديدك لك تحياتي وتقديري.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    الصورة الرمزية ميسر العقاد شاعر
    تاريخ التسجيل : Jun 2009
    الدولة : وطني الإسلام لا أبغي سواه
    المشاركات : 451
    المواضيع : 33
    الردود : 451
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    سرد جميل لقلم واعد
    لو انتبهت كما قالت أختنا نادية إلى كثير من النحو والإملاء خالفته في نصك
    تحياتي وتقديري
    ولمّا أن تجهمني مرادي جريت مع الزمان كما أرادا