الرسالة الثانية "2"
حواجز و ......
إلى الزيتونة الشامخة
أمي التي تسكن هناك :
في عتمة الليل وسكونه ، وفي دوامة الحياة وضجيجها ، أذكر دوماً يدُكِ الحانية التي كنت أمرغ وجهي تقبيلاً فيها ، في كل ليلة أنتظر قلبكِ الدافئ الحنون ، وهو يحكي لي قصة ما قبل النوّم ، أو يغنيلي أغنية النوم " يلا تنام يلا تنام .. وندبحلا جوز الحمام " ، ولكن سرعان ما أستيقظ من هذا الحلم المتكرر ، لأجد نفسي في تضاريس اللاشيء ، في عتمة السجن الأنثوي ، إلا من طاقة صغيرة تخرج بي إلى عالم الروح ، حيث يتلاقى العبد وربه في مقام الخشوع والتذلل ، والرقي بأفئدتنا نحو السمو .
أيتها الزيتونة التي أشتاق عناقها :
هل لازال الصغار ، يتناوبون على حِجْركِ مثلما دوماً ، أعرف أنني كنتُ غيورة إلى حد كبير، وأذكر تلك المرة التي صرخت فيها على "ابنة أخي " التي لم تتجاوز العام والنصف ، لأنكِ كنتِ تدللينها في حِجْركِ المقدس " خاصتي " ، وبدأت تتعود ، لكنها الآن تستغل غيابي ، لتفعل ما يحلو لهــا ، سوف أعلمها درساً لن تنساه حينما أعود ، هذا الحِجْر لي فقط ..
قبل قليل ، كنت أنادي على اسمك بصوتٍ مرتفع ، خشيت أن أنساه ، لقلة ترديده ، فوجدت نفسي أصدح به ، وأتغنى بألحانه العذبة " أمي " ، وهل من حروف أروع من تلك الحروف التي نسجتها بعشقكِ لنا ، وهل من بحرٍ أكثر عطاء ً من بحر حبكِ السخي .
يا أيتها السيدة الريفية التي ما زالت ترتدي " القنعة والداير " ، كل نساء الحارة بدأن يغيرن من ملابسهن ، ولبسن العباءات والجلابيب ، إلا أمي ، فقط ظلت تلبس " قنعتها ودايراها " وأنا أفخر بها دوماً ، فلم تطل العولمة عقد أمي الفريد .
ياصاحـــبة العهد الذي قطعناه :
جاءتني بعض الأخبار، أن المعبر ربما يكون أفضلُ حالاً من الفترات السابقة ، وأن فرصة القدوم إلى غــزة ، تلوح في الآفاق ، قررت أن أحجر بمجرد انتهاء امتحاناتي ، وسأطير بعدها بإذن الله إليكـ ِ ، لا أصدق أنني سأرى بيتنا مرة أخرى ، ولا شارعنا الطويل الرملي ، الذي تحتاج بعد الخروج منه سالماً ، أن تحمل معك ملمع الأحذية والكثير من ورق المحارم ، لتمسح عن حذائك غبار الطريق .
إلى المرأة الرائعة : أمي
منذ آخر رسالة وصلتني منكِ ، وأنا أشعر بالعطش إلى أخرى ، فحلاوة خطكِ ، وعذوبة تعبيراتكِ ، استبدت بي ، فصرت أتلهف شوقاً لرؤية ولو كلمة بديعة تخطها يداكِ الطاهرة ، وتبثينها من روحك الوثابة ، كيف لا ؟ وأنتِ من علمتني أن الإنجـاز له أهله ، وأن الرسالة التي تنتظرني أكبر بكثير من مجرد كلمة .