أحدث المشاركات
صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234
النتائج 31 إلى 34 من 34

الموضوع: أنا ذاهبٌ...

  1. #31
    شاعر
    تاريخ التسجيل : May 2007
    المشاركات : 387
    المواضيع : 34
    الردود : 387
    المعدل اليومي : 0.06

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بندر الصاعدي مشاهدة المشاركة
    المقطع الأول من القصيدة يُختصرُ في جملةِ الهروب للخلاص , وتأتي أبيات المقطع لتبين لنا نوع هذا الهروب من أين إلى أين ولمَ وكيف , كذلك لتبيِّن كيفية الخلاص وبماذا وما هي الدوافع , ويستخدم الشاعر أسلوبَ التكرار في جملة " أنا سائرٌ " ليُؤَكِّدَ على اتخاذ القرار بالمسير بل المضيَّ في المسير باستخدام اسم الفاعل ( سائرٌ ) وبتتبع أبيات القصيدة نجد في البيت الأول :
    أنا ذاهـبٌ عنـي وعنـكِ فإننـي
    ضاقتْ عليَّ - بما حملتُ - الأضلعُ
    نلحظ تقديم شبه الجملة " عنِّي " وعطف " عنِّكِ " عليها , رغم أنَّ الخطاب موجهٌ إليها وذلك لتبرير الذهاب عنها وتركها بسبب قويٍّ يغفر له عمله هذا , فهو قبل أن يهرب منها هرب من نفسه لما بها ضيق وما في قلبه من ألمٍ و ثقل همٍّ , إذْ أثَّر ما بينهما عليه تأثيرًا بالغًا وجعل منه غيرَ الذي يعرف كما سيأتي معنا لا حقًا .
    أنا سائـرٌ لا البـرقُ يُدْرِكنـي ولا
    خيلُ الريـاحِ ولا الدجـى المتقنِّـعُ
    ( البرق , خيل الرياح , الدجى المتقنع ) لا تدركه في مسيره كإشارة إلى سرعة اتخاذ القرار والمضي فيه دون تراجعٍ وتباطؤٍ منه , فهو يريد أن يصل إلى الخلاص مما هو فيه بأسرع مما يتصوره العقل ليكون في مكان بعيدٍ عنها وعن مواضع جمعتهما ببعض , كما أنَّ الدجى المتقنع وما يحمله من خفاء وإبهامٍ لا يدركه لما يؤثر في أمره مما يعثر مسيره .
    لا تسألي عني ولا عـن موضعـي
    فيكـادُ يجهـلُ وجنتـيَّ الموضـعُ
    هذا البيت أعدُّه عنوان القصيدة وباب الموضوع , فالعاشق وقد أنف حاله اضطر إلى الهروب منه دون علمٍ بمآلهِ , فها هو يخرج من ذاته ويحيل المواضع أناسًا تعقل وتعرف فهو لا يهمه معرفتها أو الجهل بها بقدر ما يهمه الخروج مما عرف من مواضع إلى ما يجهل , فجعل الموضع الذي سار إليه ينكره ويجهله ليثبت أنه وصل إلى مكانٍ جديد أراده لا بعينه إنما بصفته خاليًا من أي إشارةٍ يمكن أن تذكره بحبيبته أو توصلها إليه .
    أنا سائرٌ لا الصوتُ يُدركُ خطوتي
    فوق الدروبِ ولا الضياءُ المُسْـرعُ
    الصوت والضياء على ما بهما من سرعة هائلة وقد قدم الصوت وعضد بالضياء كونه أسرع ليثبت سرعته في المضي كما عبر عن ذات المعنى في بيتٍ سابقٍ والجميل هنا قوله " فوق الدروب " أي في مكان يدركه الصوت والضوء ليؤكد أنَّ عدم الإدراك لم يكن إلا بسبب سرعته هو لا شيءٍ آخر , غير أنَّ صفة المسرع جاءت لتملأ القافية لا غير .
    أنـا سائـرٌ والكبريـاءُ يقـودنـي
    صوبَ الخلاصِ وقلبـيَ المتقطِّـعُ
    لا يوحي موضوع القصيدة بكبرياءٍ قطُّ , وأعتقد أنَّ الذي قاده إلى الخلاص ثوبه إلى رشده من حيث العقل وتقطع قلبه من حيث الشعور , ربما يكون الكبرياء هنا هو الإباء والأنفة واللتلان هما متعلقتان بالوضع السيِّئِ غير المحمود .
    مُتأسِّفٌ ما عدتُ أحملُ مـا تـرى
    عينايَ ثـمَّ تصـدُّ عنـكِ وتخشـعُ
    يكفي الذي عانيتُ منكِ فقد مضـتْ
    أيـامُ كنـتُ لأيِّ أمـرٍ أخـضـعُ
    ليس التأسف هنا من حسرته على ذنبٍ اجترمه في حقِّها بل من حسرته على نفسه وحبٍّ نبض لها بهِ لا تستحقه , وإذا كانت العين ترى الجمال وتقرأ سطور الحبِّ في ملامح المحبوب فتحمل المحبَّ الشوق والتوق ليرسل بصره إلى الحبيبة يراها حقيقةً وخيالاً فقد خلا قلبه من كلِّ هذا وربما ملئَ بضده مما جعل العين تصدُّ وتحاول إبعاد من كانت حبيبته عن مجال بصره , وفي البيت الذي يليه يعلن اكتفاءه بالعناء الذي سببته له فيما مضى حين كان خاضع لها دون تقديرٍ منها لهذا الخضوع مما جعله يطوي تلك الأيام المشحونة بالعناء والخضوع لينتقل إلى صفحة جديدٍ من حياته على أن تكون خاليةً من كلِّ ما يتعلق بها وبما مضى .
    سُبلُ البقـاءِ أمامنـا سُـدَّتْ ولا..
    يُجدي البقاءُ.. ولا المشاعـرُ تنفـعُ
    ليس للبقاء طريقة واحدة بل عدة طرق وهي المحاولات التي من خلالها يمكن أن يدوم الوصال بين الحبيبين ويستمر البقاء , فإذا استنفدت هذه الطرق فلا محالة من الفراق ولا مناص عنه حتى البقاء نفسه أضحى لا يجدي ولربما زاد المسألة تعقيدًا وسبب ذلك أنَّ المشاعر تغيرت من حبٍّ إلى كراهية وخير لهما الفراق الذي ربما يحدث في الأمر حلًّا لهما قد يعيدهما إلى بعض .
    لا تطلُبي منـي الرجـوعَ بدمعـةٍ
    فأنـا وفائـي لا تفـيـهِ الأدمــعُ
    أخر ما يملكه المرء وخصوصًا الأنثى للندم والاستعطاف هو الدمع وقد يكون مرققًا لقلب المستعطَفِ فيغفر ويحتضن مستعطِفَه , غير أنَّ المحبَّ تحت أثر العناء وتقدير الوفاء الذي قدمه بحيث لا يرى للدموع قيمةً مقابل وفائهِ المبذولِ لها , إنما ما يوازيه هو وفاءٌ مثله وصدقُ مشاعرٍ تربطها بهِ , المحبَّ يترك للمحبوب أملًا في استرجاعه على ألا يكون بالدموع فهو يحتاج إلى أمرين هما نسيان ما عاناه منها وتقديمها لبرهانِ ندمٍ وإثباتِ حبٍّ يشفعان لرجوعه لها .
    أنا ذاهبٌ.. تعِبتْ لديكِ عواطفي...
    فإذا انْتهى تعبُ الفـؤادِ.. سأرجـعُ
    الملاحظ في القصيدة من مطلعها إلى ما قبل خاتمتها هو الإصرار على الفراق والضيق بالبقاء لما في المحبِّ من شحناتٍ ألمٍ واختناقٍ بسوءِ حالٍ كانت من يحبُّ هي السبب الأول في ذلك فنجده يترك للعاطفةِ البوحَ والحديث حتى إذا وصل إلى أخر ما يقول وقد هدأت عاطفته أخذ بحديث العقل وقال لبَّ الموضوع في خاتمة القصيدة , ففي قوله " أنا ذاهبٌ " قرارٌ متَّخَذٌ بالفراق , وفي قوله " تعبت لديك عواطفي " سببٌ لهذا القرار , وفي قوله " إذا انتهى تعب الفؤاد " إشارةٌ إلى ابتغاء الراحة والخلاص من هذا التعب فيكون بعد ذلك الرجوع في قوله " سأرجع " , لكن هل سيكون الحال كما كان , كلُّ ما أقول أنَّ المشاعر ليست بيد صاحبها بل هو بيدها , وأصعب ما على المرء إذا جرحت مشاعره حتى وإن شفيت جراحها بقي الأثر وتأثيره بالغٌ .
    القصيدة بشكلٍ عام تحكي حال الكثير من المحبين وهي أنموذج مصغر لواقعٍ معاشٍ وفيها من صدق العاطفة ما يجعلها متنفسًا للمفارقين أحباءهم بأسباب عدم تقديرهم للوفاء وتأذيتهم لمشاعر محبيهم بقصدٍ أو دون قصدٍ . وقد جمعت بين صوت العاطفة القوي وصوت العقلِ المطلوب سماعه لحلِّ مثل هذه الشقاق .

    أخي يزيد هذه عودة وتصور تحليلي بسيط للمضمون أمضيت فيه معايشةً لواقع وتجربة يشاركك فيها كثيرون .
    لك التحية والتقدير
    دمت بخير
    يا سلام على كرمك الثري

    أهذا كله لي يا أستاذي بندر الصاعدي...؟؟!!!!

    وربي إن القصيدة التي تقع في دائرة ضوئك صاحبها محظوظ

    ويبدو أنني من المحظوظين الذين طوقوا بنقدك المتمكن يا سيدي

    كل عباراتي مكسرة

    لك ألف ألف شكر سيدي

    لا عدمت نقدك البناء هذا

    والذي يشرفني وأرفع رأسي به

    تحياتي


    سراب الوصول: زيد خالد علي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #32

  3. #33
    الصورة الرمزية عطاف سالم شاعرة
    تاريخ التسجيل : Feb 2007
    الدولة : في قلب النور
    المشاركات : 1,795
    المواضيع : 112
    الردود : 1795
    المعدل اليومي : 0.29

    افتراضي

    مرور تحية وتقدير وإعجاب شديد جدا بهذه القصيدة حقيقة التي ارتبطت في ذهني وعلقت كثيرا ...
    لله درك لم يخب ظني حقيقة في شاعريتك أبدا بعدما قرأت لك هذه الفاتنة يوما ما...
    ليتني أنا من كتبها
    لله ما أروعها
    دمت في تألق دائم أخي العزيز زيد

  4. #34
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.27

    افتراضي

    أنا ذاهبٌ.. تعِبتْ لديكِ عواطفي
    فإذا انْتهى تعبُ الفـؤادِ سأرجـعُ

    يا لك من شاعر راق رائق!

    ويا لها من أبيات تكاد رغم ثورتها تذوب رقة وعذوبة!

    مبدع كنت هنا ، وأجدني أشكر لك هذه الأبيات جدا.



    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

صفحة 4 من 4 الأولىالأولى 1234

المواضيع المتشابهه

  1. إلى أرض الحجاز ذاهب
    بواسطة أبو القاسم في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 15-04-2018, 04:27 PM
  2. ُُُبنَيَّ الحبيب - وصية ام لوحيدها وهو ذاهب للاستشهاد-بقلم: فهمي حمدالله-ابو المعتصم
    بواسطة فهمي حمدالله في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 03-10-2008, 05:34 PM
  3. حياتي بصلاتي ... أنا أصلي .. إذا أنا أحيا
    بواسطة الضبابية في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-02-2004, 07:37 PM
  4. أنا لم أكن أنا
    بواسطة الاسطورة في المنتدى مَدْرَسَةُ الوَاحَةِ الأَدَبِيَّةِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 02-06-2003, 03:40 PM
  5. أنا لم أكن أنا
    بواسطة الاسطورة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 02-06-2003, 03:40 PM